الأحد، 6 مايو 2012

إنه ربيع العرب وكرامتهم

هل كان يدور في خلد الطغاة المستبدين أن زمنهم إلى خريف فشتاء وأفول..وأن زمن الناس إلى ربيع وازدهار وتفتح وانتصار؟ هل كان يدور في ذهن القتلة الفجرة أن دماء الشهداء ستورق ياسمينا وأقحوان.. وزهراً وورداً وريحان؟ هل كان ساكنو قصور الذل والموت يعرفون أن مصيرهم هو مزبلة التاريخ بعد المحاكم الجنائية الدولية والشعبية، وأن مسارنا هو الصعود فوجاً بعد فوج "نحو أفق شمس الحق" (كمال جنبلاط) ؟ في 21 آذار 1968 سطر أبطال فلسطين كرامة العرب الأولى بعد ليل الهزيمة الطويل.. كانت معركة الكرامة في الأردن فاتحة زمن جديد.. وفي 16 آذار 1977 كان استشهاد المعلم الخالد كمال جنبلاط نقطة تحول أرادوها وأداً لتطلعات الشعوب العربية نحو الحرية والكرامة... إلا أن الربيع الآذاري لم يتوقف عن إنجاب كرامات للشعوب... فكانت كرامة الجنوب الأولى في 14 آذار 1978 يوم شهدت تلال مسعود وشلعبون وصف الهواء في بنت جبيل على قوة هذا الشعب المعطاء على طريق وحدته وتحرره وتقرير مصيره ... وهي الكرامة التي تكررت في حرب تموز 2006 بأيدٍ جديدة ولكن بنفس الروح والهمة. ويوم صمدنا في بيروت في وجه آلة الحرب الإسرائيلية صيف 1982 وسقط منا عشرات آلاف الشهداء كان شعارنا الموت ولا الذل.. بيروت كرامتنا.. بيروت نجمتنا... وبرغم كل النكسات من هنا وهناك، واصلنا الصعود جيلاً وراء جيل، رعيلاً بعد رعيل... ومن كل حدب ودرب كان السيل يتجمع عارماً دافقاً ينتظر نقطة العبور... من مستنقع الشرق.. نحو الفجر الجديد... وكان 14 آذار 2005 يوم سطر شعب لبنان كرامته المجيدة...كرامة الحرية والاستقلال والسيادة، دفعنا ثمنها أغلى الدماء وسقط منا خلالها أحلى الشهداء.. وفي 15 آذار 2011 انطلق شعب سوريا العظيم على طريق كرامته والتحرير.. وبين هذه وتلك كانت معارك الكرامة والحرية في إيران وتونس ومصر وليبيا واليمن والمغرب والبحرين ... وكانت انتصارات وانتكاسات وارتدادات.. "الرعيل الأول راح.. وإحنا منضمد الجراح... الرعيل الثاني راح.. وإن قتلونا في الشوارع.. الرعيل الثالث طالع .. طالع طالع.. رابع خامس سادس سابع..". (الشيخ إمام).. لأن "الثوار هم كموج البحر متى توقفوا انتهوا" (موسى الصدر).. حدث واحد رمزي حكم انتفاضة الشعوب العربية وقاد حركتها نحو الربيع : الشهادة النبيلة.. ولم يلتقط الحزبيون الرسميون ، بأدواتهم النظرية التقليدية، معنى هذا الفعل الثوري التاريخي ولم يدركوا اللحظة التاريخية ولا البعد الرمزي لهذه الثورات فتعاملوا معها بشكل نصوصي جامد.. شهادة نبيلة أطلقت انتفاضة الكف العاري في وجه السيف، والدم البريء في وجه الدبابة.. كان لا بد من فعل «استشهادي» فردي بطولي، يستعيد سيرة الحسين الحقيقية ونموذجه الفعلي: الجهاد المدني في وجه الظلم والطغيان.. وقوة الإنسان الأعزل في وجه آلة القمع والبطش...وهذه بالمناسبة سيرة الثورة الإسلامية الإيرانية نفسها وقد أسقطت أعتى الإمبراطوريات وأشدها فراسة ووحشية بالمظاهرات المليونية السلمية "الاستشهادية".. وفي إيران وتونس ومصر وليبيا واليمن والبحرين وسوريا صعد إلى واجهة النضال الجديد شباب بعمر الورد وطراوته خبروا وسائل العصر واستخدموها على أفضل ما يكون... حشود بعشرات الآلاف، لم يرفع واحد منها لافتة تميز هذا عن ذاك، ولم يردد شعاراً يكشف هويته أو التيار الذي يتبعه، فقط كانت اللافتات والشعارات تنطق بنفس المطالب التي يرددها الناس في منازلهم... حشود من كافة شرائح المجتمع: أطفال وشيوخ وشباب، مسلمون ومسيحيون، نساء ورجال، ليبراليون وإسلاميون ويساريون ومستقلون، من مهن مختلفة وعاطلون، أغنياء وفقراء، منهم المعتادون على التظاهرات ومنهم أيضاً من كان يتظاهر لأول مرة، أو كان مقاطعاً للتظاهرات ثم اندفع إليها بقوة التأثير والتفاعل... الكل كان يوحدهم ويذيب أي فروق بينهم شعار واحد طغى على باقي الشعارات: "الحرية... التغيير... الكرامة.. العدالة الاجتماعية".....

الكرامة البشرية وعلاقتها بثورة الشعوب

الشيخ محمد مهدي شمس الدين مفهوم الكرامة البشرية في القرآن ومن ثم في الإسلام. هذا المفهوم حصل حوله جدل كثير في مدى تاريخ الإنسانية وكان دائماً موضع بحث وجدل بين الفلاسفة وبين السياسيين وبين رجال الدين والمؤسسات الدينية. هل للإنسان كرامة متميزة أو ليست له كرامة؟ هذه الكرامة هل هي ثابتة لجميع البشر أم لصنف خاص من البشر! أو لطبقة خاصة من الناس! هذه الكرامة هل هي ثابتة للرجال دون النساء أم هي ثابتة للرجال والنساء؟ هل هي ثابتة للعبيد والأحرار أو لخصوص الأحرار؟ هذا السؤال يتردد في أبحاث الفلاسفة، منذ أقدم نصوص الفكر الفلسفي هذا السؤال مطروح، في الأبحاث الدينية القديمة أيضاً مطروح في أبحاث رجال القانون في أقدم الشرائع، منذ شريعة حمورابي وقبل حمورابي في التشريع المصري القديم أيضاً مطروح. ما هو المقصود بالكرامة البشرية، هي أن الإنسان له موقع في الكون يجعله موضع احترام وموضع صيانة، له احترام وله حقوق، ليس مهاناً وليس مهدور الحقوق. الحقوق تتناول الأمور الأساسية في البشر، حق الحياة وحق العيش وحق الأمان حق الحرية، الحقوق الأساسية التي تتقدم بها حياة البشر مع الاحترام، هذه هي الكرامة. هذا المبدأ، مبدأ الكرامة الانسانية، ورد في سورة مكية في آية مكية. السورة هي سورة الإسراء، توجد فيها آية هي آية فريدة من نوعها وبنصها في القرآن الكريم التي نرى أنها وضعت أساساً لأول مرة في تاريخ البشر المعروف عن كرامة الانسان وهي قوله تعالى:" وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقنَا تَفضِيلاً "(الاسراء،70). ...هذه الآية هي لبيان المركز الحقوقي للإنسان، ومن ثم فإن هذا الأصل التشريعي يقاس عليه كل وضع متفرع، فكل وضع يتنافى مع مبدأ الكرامة الإنسانية يعتبر غير مشروع، وهذا أصل في باب الاستنباط قد يؤدي إلى نتائج مثيرة جداً في الفقه بالنسبة إلى المسلمين وبالنسبة إلى غير المسلمين أيضاً. درج المفسرون على اعتبار أن هذه الآية هي من آيات التشريف وآيات المدح وأنها ليست من آيات الأحكام. نحن نعتبر أن هذه الآية هي آية تشريعية وهي من آيات الأحكام التي تضمنت حكماً شرعياً، وأنها من الآيات التي تتضمن أدلة الشريعة العليا. ما يترتب على كون هذه الآية من آيات الأحكام أن كل أمر من الأمور يتنافى مع كون الإنسان مكرماً، سواء كان هذا الإنسان فرداً أو جماعة أو شعباً من الشعوب أو أمة من الأمم، كل ما يتنافى مع كونه مكرماً هو يكون غير مشروع في الشريعة، يكون محرماً، سواء كان من التصرفات أو من المواقف أو من الأحكام. وهذا ينطبق على المؤمن والكافر، وعلى العدو والصديق، وعلى القريب والبعيد، حتى غير المسلمين ينطبق عليهم هذا الحكم المبدئي الكبير إنهم مكرمون. وأن كل ما يتنافى مع كرامتهم، كل إهانة وكل افتئات هو محرم في الشريعة الإسلامية. وهذا يتناسب مع الكلية الكبيرة المذكورة في آيات الحرب وفي آيات القضاء من قبيل النهي عن العدوان، العدوان في الإسلام هو محرم إلا عندما يكون رداً للعدوان. وآيات القتال التي ورد فيها ...ولا تعتدوا... (البقرة، 190) (المائدة، 87)، تتناسب مع مبدأ الكرامة البشرية، ومن ذلك أننا استنتجنا في أبحاثنا في فقه الجهاد عدم مشروعية ما يسمى الجهاد الإبتدائي وهو إبتداء غير المسلمين بالحرب لمجرد أنهم غير مسلمين. ولا يجوز للمسلمين أن يشنوا حرباً إبتدائية، وهذا ينسجم مع مبدأ الكرامة البشرية، تحريم العدوان. الكرامة البشرية هي كما قلنا حكم شرعي وضعي. ونحن في هذا الإستنتاج وفي هذا الاستنباط ننفرد في هذا الفهم عن غيرنا من الفقهاء ونرى أنه باب جديد من أبواب الاستنباط في الفقه الإسلامي. التكريم البشري الثابت في هذه الآية هو أساس من أسس استنباط الأحكام الشرعية في باب الاجتماع السياسي والحرب والسلم والعلاقات الدولية في كل هذه المجالات الفقهية وكذلك في العلاقات الخاصة. الأمر الشائع في الأذهان أن الكرامة هي فقط للمسلمين وأن غير المسلمين لا كرامة لهم ولا حرمة لهم، هذا أمر في نظرنا مخالف لهذا المبدأ التشريعي. الكرامة البشرية ثابتة للإنسان مهما كان، مؤمناً أو كافراً، قريباً أو بعيداً ما دام يكرم نفسه. هذه الكرامة ثابتة للإنسان الذي يحترم كرامته. أما إذا أهان الإنسان كرامته حينئذ بطبيعة الحال هو يفقد هذه الكرامة. الإنسان يكون مكرماً وتكون لكرامته آثار تشريعية ما لم يهتك حرمة نفسه وما لم يرفع الستر المعطى له من الله سبحانه وتعالى. فلو فرضنا أن هذا الإنسان ظلم غيره لا تعود له كرامة، لو سرق أو كذب أو اعتدى يكون بطبيعة الحال قد عرض نفسه للعقاب لأن هذه الكرامة تثبت لأهلها ولا تثبت لغير أهلها. الحرمات الأساسية للبشر هي: الدم والعرض والمال والسمعة، وهي مصونة لكل الناس، دم الإنسان البريء هو مصون، كونه غير مسلم لا يهدر دمه، عرضه مصون، ماله مصون. حينما نلاحظ من شواهد هذا الحكم الشرعي أنه ثابت في أصل الشرع لكل البشر حتى في حالة هزيمة غير المسلمين إذا اعتدوا نجد أن هناك حدود لرد العدوان وهو فقط إتقاء الخطر، كل شيء يزيد عن إتقاء الخطر وعن دفع الخطر يكون محرماً، كذلك حرمة العرض وحرمة الحريم، بحيث لا تجعل من عرض الأعداء من حريم الأعداء أمراًَ مستباحاً بأي وجه من الوجوه. حرمة المال، كل إنسان يعيش في ظل القانون وفي ظل النظام ماله محرم، وما يشيع بين الناس أن غير المسلم هو مهدور المال هو أمر لا أساس له في الشرع على الإطلاق. وحرمة السمعة، إهانة غير المسلم، إهانته بأي معنى من معاني الإهانة يدخل في هذا الباب أيضاً. الخطأ الذي يرتكبه الحاكم أو الدولة، الدولة إذا ارتكبت أي عمل من الأعمال يتنافى مع كرامة البشر فهذا العمل غير مشروع. الآن يُتداول أنه يطلب من الدول ومن السلطات العامة أن تحترم حقوق الإنسان والحريات العامة، ويُظن أن هذا المبدأ في القانون الدستوري أو في القانون الدولي هو من المبادئ المستحدثة من حين بدء الثورة الفرنسية أو الثورة البريطانية وأن هذا الأمر، هذا المفهوم كان غير معروف، كلا، هذا الأمر وُضعت أسسه في الشريعة الإسلامية. كل عمل من الأعمال يتنافى مع الكرامة البشرية تقوم به الدولة هو عمل غير مشروع وغير دستوري وتجب مقاومته. كل عمل من الأعمال تقوم به أي سلطة من السلطات تجاه أي مواطن أو أي جماعة يتنافى مع الكرامة البشرية هو غير مشروع. كل عمل من الأعمال يقوم به أي شخص تجاه أي شخص آخر ويتنافى مع الكرامة البشرية هو غير مشروع. في هذه الحالة نحن نذكر بعض الخطوط التشريعية لهذا المبدأ التشريعي، في هذه الحالة إذا تعرض الإنسان لما ينتهك كرامته، الفرد أو الجماعة أو المجتمع، ولم تتوفر ضمانات الحماية وضمانات رد العدوان، يصبح من المشروع له أن يدافع عن كرامته، عن حقه في الكرامة وعن حقه في الاحترام وعن حقه في صون حقوقه، عندئذ يكون من حقه الدفاع عن نفسه. نتحدث هنا ليس عن الإنتهاك السياسي من قبيل أن يكون احتلال إسرائيلي وتتركب مقاومة جهادية ضد الإحتلال. هذا أمر يتعلق بالكرامة السياسية والسيادة الوطنية. نقول أنه حتى في المجالات الحقوقية داخل المجتمع حين يتعرض الإنسان أو الجماعة لأي انتهاك من انتهاكات الكرامة يكون له حق الدفاع عن نفسه. والآن المبدأ التشريعي لمشروعية المقاومة بكل ما تعنيه هو يرجع إلى هذا، إلى مبدأ الكرامة البشرية.

محجوب عمر : الفدائي التاريخي

سعود المولى في النصف الثاني من خمسينيات القرن العشرين ترددت في الحلقات الشيوعية المصرية همسات عن مناضل شيوعي سجين "مثير للجدل" اسمه الرفيق محجوب، كان يحاور وينتقد ولا يقبل بالتبريرات الموسكوبية الرسمية بل يناقش الخط العام للحركة الشيوعية المصرية والعالمية داخل زنازين السجن.. وفي سجن الواحات الخارجية دهش "الرفاق" لرؤية الطبيب يقوم بالخدمة العامة دون تفلسف أو تأفف ومهما كانت طبيعة الخدمة وصولاً حتى إلى قيام الدكتور بتنظيف الزنزانة الجماعية.. وحين انضم في العام 1959 إلى نزلاء معسكر التعذيب في ليمان أبو زعبل اشتهر الرفيق محجوب بصموده الأسطوري تحت سياط الجلادين.. اسمه الحقيقي: الدكتور رؤوف نظمي ميخائيل عبد الملك صليب... نعم مسيحي... فهو فلاح قبطي صعيدي ، وُلِدَ في بني سويف عام 1932 وانتقل مع الأسرة إلى القاهرة. نشأ في الحيّ الشعبي "حوض الزهور" بالسبتيّة حيث كان والده رئيس لجنة "الوفد" وساهم في ثورة 1919. في الجامعة، التي دخلها في أكتوبر 1948 كطالب في كلية الطبّ، التقى بقائد "اللجان الشعبيّة-المقاومة الوطنيّة" التابعة للحزب الشيوعي المصري. كانت هذه اللجان تعمل في إطار الكفاح المسلّح الذي انطلق سنة 1950-1951 الموجّه ضد القوات البريطانية في منطقة القنال. وكان هذا أوّل عهد رؤوف نظمي مع الحزب الشيوعي. أصبح مسؤول الجامعة ثم القاهرة (1952)، وعضواً في اللجنة المركزية للحزب. لعب دورا في تقارب الحزب الشيوعي المصري مع سائر التنظيمات ومنها جماعة الإخوان المسلمين في إطار سياسة "مدّ اليد لكل القوى" المناهضة للاحتلال البريطاني. تمّ القبض عليه في نوفمبر عام 1954. وتتالت محطّات السجن إلى أن خرج منه عام 1964 وقد عاد الى السجن في العام 1966 ليخرج بعد نكسة حزيران وقد قرر المضي في طريق جديد.. ورغم العذاب الرهيب الذي استمر سنوات اعتقاله في أبي زعبل الشهير فقد استمر مؤمناً بالجماهير ولكنه خرج من تجربة المعتقلات مولياً ظهره للعمل التنظيمي الشيوعي السري دون أن تنقطع صلاته بهموم مصر وشعبها ومناضليها من كل الاتجاهات والتيارات وخصوصاً رفاق السجن والتعذيب... بعد خروجه من السجن، عمل طبيباً بمستشفى بنها ثم مستشفى دمياط التابعين لوزارة الصحة المصرية حيث طار صيته كطبيب للفقراء وكانسان متواضع... وجاءت نكسة حزيران ثم انطلاق العمل الفدائي الفلسطيني بقيادة حركة فتح ليبدأ محجوب عملية مراجعة قاسية قدّم فيها نقداً ذاتياً وموضوعياً لتجربة العمل اليساري والسري في مصر والعالم العربي على السواء وليتبنى شعار حرب الشعب الطويلة الأمد كعنوان لمسيرته الجديدة... وحين أعلن لرفاق دربه (وخصوصاً صديقيه الرفيقين الدكتورين قدري حفني ويسري هاشم) أنه حسم خياره بالالتحاق بحركة فتح (1967) وقرر أن يسافر إلى الجزائر حيث مركز الشهيد القائد خليل الوزير قال لهم إنه يريد الذهاب إلى حيث القضية الأولى وحيث الاشتباك المباشر مع العدو... عمل محجوب طبيباً في مستشفى مدينة تلمسان بغرب الجزائر بانتظار انتقاله إلى الأردن حيث كان يلح بشدة على قيادة فتح بضرورة الموافقة على تحوله إلى مقاتل.. وحين جاءت الموافقة من ياسر عرفات في منتصف شهر أيار 1969 احتار خليل الوزير ماذا يكتب على قرار التحاقة بقوات العاصفة (في 21 أيار 1969)..هل يلتحق كطبيب وهو يرفض ذلك، أم كمقاتل وهو دكتور؟؟ فكتب أبو جهاد: "يلتحق الدكتور محجوب عمر بقوات العاصفة بصفة بَرَكة للقوات"... الأردن بداية المشوار في الأغوار الأردنية عاش محجوب عمر عيشة المقاتلين... وقد لمع اسمه وخطه عندما أقامت فتح معسكر العمل الدولي في ضواحي مدينة الكرك صيف 1970 والذي شاركت فيه مجموعات من الشباب من أوروبا وأميركا.. في هذا المعسكر الشبابي الدولي ناقش محجوب مع المناضلين والمثقفين الغربيين اليساريين شعار فتح في إقامة دولة فلسطين الديموقراطية العلمانية.. وفي قواعد الأردن أسهم محجوب في إنشاء الخدمات الطبية لقوات العاصفة ومن خلالها قام بتأسيس عيادات شعبية منتظمة لا سيما في منطقة جنوب الأردن الصحراوية (معان والطفيلة والشوبك) التي يغلب على تركيبتها السكانية الطابع العشائري البدوي..عينته قيادة قوات العاصفة مسؤولاً عن القطاع الجنوبي ومفوضاً سياسياً للقوات في الأردن (وبعده لبنان).. هذا القائد الجماهيري العظيم أرسى في جنوب الأردن نمط تعامل كسر من خلاله الفدائيون الأفكار المسبقة عن البدو والمفاهيم الخاطئة عن الثوار.. وأسس لعمل سياسي حول فلسطين دعمه أسلوب ثوري مبني على خدمة الناس (مقولة ماو تسي تونغ: لنخدم الشعب) ومشاركتهم همومهم اليومية... فالتحم الفدائيون مع العشائر في تجربة حضارية تضافرت خلالها قيم البداوة العربية مع قيم الفدائية الثورية لتصنع ملحمة قل نظيرها في تجربة الثورات المعاصرة... وارتقى العمل الفدائي في جنوب الأردن إلى مستوى منهج أخلاقي مبدأه شعار محجوب عمر:"لن نطلق النار على الجماهير حتى لو كانت تطلق النار علينا"..وقصة هذا الشعار تعود إلى استشهاد أربعة مقاتلين من أصدقاء محجوب رفضوا الرد على إطلاق النار عليهم يوم بدأت الفتنة الأردنية الفلسطينية عشية أيلول الأسود 1970.. من الجنوب انتقل محجوب إلى عمان المحاصرة والمقاتلة والتحق فوراً بمستشفى الأشرفية ... صمد المستشفى أمام هجمات وحشية استمرت من الخميس 17 ايلول حتى السبت 26 أيلول حين سقط المستشفى بعد استشهاد وجرح العشرات... وقد كتب محجوب تجربته تلك في كراس صغير صدر باسمه عن دار الطليعة، بيروت، أيار 1971، بعنوان: "قصة مستشفى الأشرفية"... تقول روز شوملي مصلح: "لقد سجل د محجوب، وهو يروي المحادثة اليومية في مستشفى الأشرفية، قدرة عالية في كتابة النص المسرحي، ومن يقرأ مسرحية "السبع في السيرك" التي كتبها محجوب عمر وأخرجها المخرج اللبناني المعروف روجيه عساف، وعرضها في مخيم شاتيلا في صيف 1974، يدرك هذه القدرة. وما يلفت النظر في نصوص محجوب هو هذه الأناقة في التقاط الحركة، وفي التعبير عن العمق الإنساني بطريقة أدبية رهيفة". لبنان أرض التلاحم والمبادرات بعد أيلول السبعين خرج محجوب مع قوات الثورة إلى جنوب لبنان حيث استمر في موقعه كمفوض سياسي للقوات وقد التحق أولاً بكتيبة نسور العرقوب بقيادة القائد الفذ نعيم وشاح وبعد ذلك صار رفيق درب الشهيد جواد أبو الشعر في القطاع الأوسط.. ومن القوات في جنوب لبنان إنتقل محجوب إلى إدارة مركز التخطيط الفلسطيني في بيروت برفقة نبيل شعث ومنير شفيق..حيث ساهم معهما في صياغة الخط النضالي الوحدوي الجماهيري لحركة فتح عبر مواقف مميزة من حرب أكتوبر 1973 ومن موضوعة التضامن العربي (التي كان له الفضل مع منير شفيق في بلورتها على أسس ثورية واضحة) كما من الوضع الفلسطيني الرسمي والدولي. وقد كان لمركز التخطيط فضل إعداد الخطاب التاريخي الذي ألقاه أبو عمار في الأمم المتحدة يوم الأربعاء 13 نوفمبر 1974 (وقد كتبه محجوب عمر ومنير شفيق ونبيل شعث وقام محمود درويش بتحريره، وأضاف إليه جملته النهائية المشهورة "لا تسقطوا الغصن الأخضر من يدي"). . وإلى تلك المرحلة ينتمي كتاب محجوب المهم: "حوار في ظل البنادق: التاريخ والأمة والطبقة والتجمع الصهيوني" (دار الطليعة، بيروت، أيار 1975)، الذي ناقش فيه فكرة فلسطين الديمقراطية على أساس المساواة في المواطنة بين المسلمين والمسيحيين واليهود.. والكتاب بدأ في الأصل على شكل حوار مع رفاق يهود ثوريين حملوا السلاح مع الثورة الفلسطينية ضد الكيان الصهيوني، وفيه علق على خطابات الرفاق رامي ليفنه ويهودا أديف أمام المحكمة العسكرية في حيفا التي حاكمتهما مع غيرهما من تنظيم "الجبهة الحمراء" التي ضمت يهوداً وعرباً من فلسطين على رأسهم المرحوم المناضل داوود تركي.. في بيروت تلك السنوات حلمنا بتحرير فلسطين وبتغيير الوضع العربي برمته انطلاقاً من شعار أن الثورة الفلسطينيية هي رأس الحربة للثورة العربية الشاملة وأن حرب الشعب هي طريق النصر... وفي تلك المرحلة تبلورت موضوعاتنا الرئيسية: الوحدة والتضامن، نبذ الخلافات الجانبية، التعالي على الأمور الهامشية، تركيز الجهد صوب المسائل المركزية، حفظ الناس وخدمة الشعب والتضحية في سبيله..الاستقامة على الحق والعدل لكل الناس.. وبالتالي فلم يكن غريباً أن محجوب عمر ومنير شفيق ومركز التخطيط كانوا أول من فتح قلبه وعقله للقائد الإمام موسى الصدر.. المهم في هذه المرحلة أن محجوب عمر صاغ رؤية وحدوية إنسانية حاولت أن تتخطى انقسامات الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1976) وعملت على نسج علاقات حوار وتضامن بين اللبنانيين وخصوصاً بين الفاعلين الرئيسيين أمثال الامام موسى الصدر والزعيم كمال جنبلاط والمفتي حسن خالد والرئيس صائب سلام.. وقد تبلورت هذه الرؤية يومها برفضنا شعار "عزل الكتائب" وممارسات التصعيد والتوتير، وبالدعوة إلى منع الانزلاق نحو الحرب الأهلية... كامب دايفيد واستراتيجية الصراع في 1 /7/1980 كتب محجوب عمر تقريراً داخلياً لم ينشر عرض فيه لوجهة نظر جريئة حول استراتيجية المفاوض المصري (أي أنه جاء بعد زيارة الرئيس السادات للقدس في 19 نوفمبر 1977 ثم توقيع اتفاق كامب دايفيد في في 17 سبتمبر 1978 وهي الاتفاقية التي مهدت لتوقيع اتفاقية السلام في واشنطن يوم 26 آذار/مارس 1979.. يقترح محجوب في ورقته قراءة منهجية للحدث ويبيّن أنه يرفض منهج تفسير الأحداث الكبرى (كالصلح بين مصر واسرائيل) على أساس غيبي فردي (مؤامرة سرية نفذها عميل مدرب وتقاضى ثمنها) فمثل هذا الحدث ما كان ليتم، وإن تم ما كان ليستمر لأكثر من 3 سنوات حتى الآن، لولا أن الظروف الموضوعية في مصر والوطن العربي وفي العالم تسمح له بالتحقق والاستمرار..ويقول محجوب إن الاكتفاء بتوجيه تهم العمالة تعني التوقف عن تقييم ما يحدث إلى أن يختفي العميل عن المسرح السياسي...كما أن التصور الذي تطرحه الورقة عن خطة المفاوض المصري يرفض الافتراض القائل بأن كل ما يحدث هو مخطط أميركي يقوم السادات وبيغن (مناحيم) بتنفيذ أدوارهما فيه.. ويرى محجوب في ورقته أن زيارة القدس وما تلاها لم تكن هي بداية المسار التفاوضي بين العرب واسرائيل كما أنها لاتعني نهاية الصراع بينهم، فليست هذه المرة الأولى التي يفاوض فيها رئيس عربي العدو الصهيوني ولا هي المرة الأولى التي يلتقي فيها حاكم عربي بمندوبي العدو، ولا هي المفاوضات الأولى في تاريخ الصراع، وإن تكن الأولى من ناحية العلنية والمباشرة... ومنطلق ورقة محجوب هو حتمية استمرار الصراع بين الكيان الصهيوني ومجموع الأمة العربية حتى يزول.. إنه صراع طويل ترتبط به كل قضايا الصراع الأخرى في الوطن العربي...وهو صراع من أجل الاستقلال العربي الذي ينقضه وجود الكيان الصهيوني على أرض فلسطين... لا أظن أن مثقفاً عربياً أو مناضلاً ملتزماً مقاتلاً تجرأ على مقاربة موضوع كامب دايفيد والرئيس السادات بمثل هذه الجرأة المنهجية وبمثل تلك الرؤية المتكاملة للصراع بكل أبعاده وتاريخيته وآفاقه.. في صيف 1982 واجه محجوب عمر مع اللبنانيين والفلسطينيين آلة الحرب الاسرائيلية الوحشية التي قامت بغزو لبنان واحتلت جنوبه وبقاعه الغربي وجبله الجنوبي ووصلت إلى مشارف بيروت حيث أخضعت العاصمة لحصار مرير ولتدمير وقتل وتهجير ومذابح لم يسبق أن شهدتها عاصمة عربية من قبل.. سقط في حرب لبنان تلك عشرات الآلاف من القتلى ومئات الآلاف من الجرحى والمهجرين والمعوقين... وخرج محجوب من بيروت مع قوات الثورة الفلسطينية ليكتب شهادته التاريخية على أيام بيروت صيف 82 والتي صدرت في كتاب بعنوان (الناس والحصار) عن دار العربي للنشر، القاهرة، 1983... تحدث محجوب عن الناس (كما عنوان الكتاب) وهم في حالة حراك تحت أقسى ظروف عرفها بشر، ودون أن يكون لهم تعبير سياسي خاص .. وهذه من منطلقات محجوب الرئيسة في فهمه لحراك الجماهير بمعزل عن القيادات والأحزاب..فهو الشعبي حتى النخاع، إلى حدود فوضوية برودون وباكونين، وجماهيرية ماوتسي تونغ وشؤان لاي، وهو صاحب قصيدة أنا اسمي جمهر...مفرد جمهور...مفرد جماهير... لقد وجد محجوب في ناس بيروت تحت الحصار أنموذجاً أخلاقياً إنسانياً رائعاً أراد أن ينقل لنا صورته ووهجه قبل انطفاء الشعلة.. وفيما بعد ترجمت منى عبد الله زوجة محجوب كتاب أمنون كابليوك "تحقيق حول مذبحة صبرا وشاتيلا" وقدّم له محجوب بقراءة إنسانية "تنزع عن الضحايا صفة المجهول لتصورهم في جهدهم البسيط، اليومي، المتراكم، ثمرة العبقرية التلقائية للمظلومين العزّل التي يهزمون بها الخوف ويعيدون بناء الحياة فوق أنقاض الحياة" (صدر عن دار العربي للنشر والتوزيع، القاهرة، 1984).. خرج محجوب من بيروت مع قوات الثورة الفلسطينية ولكنه قرر العودة إلى مصر لخدمة القضية والمشاركة في بناء مركز للدراسات والأبحاث الفلسطينية وقد رصد من خلاله بدايات الانتفاضة الفلسطينية التي انطلقت في ديسمبر 1987 وكان لمحجوب وأبو جهاد شرف الدور الرؤيوي والريادي في تلك الأيام.. نعم: أول الرصاص أول الحجارة.. ومن سنة 1984 إلى سنة 2000، كان محجوب يحرّر مقالا أسبوعيّا في جريدة "الشعب" المصرية بطلب من صديقه ورفيق دربه القديم المرحوم الدكتور عادل حسين... كما كان يكتب في نفس تلك الفترة مقالاً اسبوعياً في جريدة "القدس العربي" يتابع فيه تطورات الوضع في فلسطين. محجوب صاحب الدور التربوي الفلسطيني الرائد كتبت عنه روز شوملي مصلح: "لم يكن محجوب سياسياً بالمطلق، ولا طبيباً بالمطلق، ولا عسكرياً بالمطلق، ولا كاتباً بالمطلق، بل كان كل ذلك، وفي كل ذلك، كان مبدعاً، ذواقاً، رهيفاً، وصاحب رؤية، والأهم من ذلك أنه كان إنساناً، يعشق الأطفال، ويحترم المرأة. لعب وجود الدكتور محجوب دوراً في بلورة وعيي التربوي، السياسي والجماهيري. كان مقنعاً ليس لأنه متحدث يعرف كيف يكسب مستمعيه، وليس لأنه مثقف ثقافة عالية، بل لأنه زاوج ما بين الفكر والممارسة، بين النظرية والتطبيق العملي لها. وكان شعاره الدائم الجماهير هي المحك. وبوجود الدكتور محجوب، بدأت أتخفف تدريجياً من كوني مجرد ست بيت، وأستعيد نفسي كإنسان له دور في الحياة العامة، ساعد في ذلك منى صديقتي. وبدأت أنظر إلى دوري ليس فقط كزوجة وأم، بل أصبحت أرى نفسي بأدوار أخرى توقفت عن القيام بها منذ أن حل بنا المطاف في بيروت". وفي تقييمها لدور محجوب التاريخي في العمل التربوي الفلسطيني تذكر روز شوملي مصلح أن "المتتبع لدار الفتى العربي، يدرك تماماً دور د. محجوب في تأسيس هذه الدار وفي وضعها على السكة من خلال استقطاب كفاءات للبدء في العمل، مثل إسماعيل عبد الحكم الذي تولى إدارة الدار بنجاح، والرسامَين حلمي التوني ومحيي الدين اللباد ، حيث رسم الأخير قصة "البيت" عن نص قصير رائع للكاتب السوري زكريا تامر في العام 1974. حصل الكتاب على جائزة معرض ليبزيغ الدولي للكتاب قبل وحدة الألمانيتين. ولم يقتصر دور د. محجوب على ذلك، بل تعداه لكتابة قصص الأطفال التي شاء لها أن تكرس المفاهيم التي طرحتها فلسفة التربية للشعب الفلسطيني، مثل قصة "جزيرة الضياع" التي تشجع الاعتماد على النفس والمبادرة والمخاطرة والشجاعة. كما كتب شعراً للأطفال وأخص بالذكر قصيدة "الحمار" التي لحّنها الفنان بول مطر. واهتمام محجوب بالحمار لا يبعد عن اهتمام محمود درويش بالحمار، فهو العنيد الصبور، الذي يعرف طريقه جيداً نحو الهدف، لا يثنيه شيء عن ذلك، وهو القائد الذي يستطيع أن يقود قافلة من الجمال بسلام في صحراء الجفاف لتصل إلى شط الأمان". وتضيف روز بأن "فلسفة التربية للشعب الفلسطيني، التي أسست لكافة الأنشطة التي قام بها مركز التخطيط الفلسطيني، كانت من أهم ما تم إنجازه لوضع رؤية تربوية تكون منطلقاً لما سيتم ترجمته عملياً في المجال التربوي الفلسطيني.وقد عملت مجموعة من الفلسطينيين التربويين والملتزمين بالقضية، وممثلين عن قطاعات مختلفة، في وضع هذه الرؤية، نذكر منهم الدكتور نبيل شعث، الدكتور ابراهيم أبو لغد، الدكتور الشهيد حنا ميخائيل (أبو عمر) ، عبد الفتاح القلقيلي (أبو نائل)، الدكتور نبيل بدران، الدكتور راجي مصلح. وكانت هذه الرؤيا الأساس لوضع فلسفة التربية للشعب الفلسطيني. كانت هذه أول محاولة جدية لتحديد القيم التي نريد أن يتحلى بها أطفالنا وفتياننا وفتياتنا في المستقبل. ولكوننا شعب مقتلع من أرضه، ولأن أطفالنا كانوا يدرسون في مدارس غير فلسطينية، ولا يعرفون إلا ما ترويه لهم أمهاتهم أو جداتهم عن فلسطين، كان من الضروري أن يتم وضع القيم الانسانية والنضالية التي تعمل على تطور الفرد وتنميته دون الانفصال عن الروح الجمعية والتطوعية. ومن هنا جاءت فكرة رياض الأطفال التي تبناها مركز التخطيط التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية، والتي كان لي شرف متابعتها منذ تأسيسها في العام 1973 وشاركتني زميلتي سميرة خوري في وضع منهاج لتدريب مربيات الروضات، ومنهاج للروضات.وإنطلاقاً من هذه الرؤية أيضاً، قام المركز بالاهتمام بالفئة العمرية في المرحلة الابتدائية والإعدادية، ووضع المنطلقات الأساسية لتطوير مناهج الزهرات والأشبال، ومن ضمنه، تم إعداد منهاج لتاريخ وجغرافيا فلسطين ليتم استخدامه مع هذه الفئة العمرية. ولنفس السبب، انطلقت فكرة أدب الطفل الفلسطيني، الذي عملت عليه بداية نبيلة برير ، التي استشهدت في الحرب الأهلية في بيروت. ورغم أن الدكتور محجوب كان واحداً من أركان القسم السياسي الرئيسيين مع منير شفيق والدكتور نبيل شعث، مدير المركز، إلا أنه كان مطلاً على كل هذه التطبيقات العملية المنطلقة من فلسفة التربية للشعب الفلسطيني، ومستندة إليها". يقول الصحفي محمد حمدي (الأهرام) : "فى نهاية ثمانينيات القرن الماضى وأثناء عملي فى صحيفة الشعب (التابعة لحزب العمل القريب من الإخوان المسلمين) ذهبت إلى محافظة المنيا لإجراء تحقيق صحفي حول الجماعة الإسلامية فى المدينة وجامعتها، حيث جمعني لقاء أول وأخير مع محمد الإسلامبولي شقيق خالد الإسلامبولي فى أرض المولد معقل الجماعة الإسلامية بالمدينة، كان الإسلامبولي يقف بين الآلاف من أنصاره زعيماً لا يشق له غبار والكل يأتمر بأمره، وبعد اللقاء جلست أتجاذب أطراف الحديث مع أعضاء الجماعة ولفت انتباهي إعجابهم الكبير جداً "بالكاتب الإسلامى الدكتور محجوب عمر" الذي كان يكتب الصفحة الأخيرة فى جريدة الشعب. حينما عدت إلى القاهرة أبلغت الدكتور محجوب عمر بإعجاب أعضاء الجماعة الإسلامية بكتاباته باعتباره كاتباً إسلامياً مميزاً، فضحك ضحكة ذات مغزى، فما لم يعرفه الإسلاميون المتشددون فى صعيد مصر أن من وصفوه بالكاتب الإسلامي هو مسيحي مصري له أصول صعيدية، واسمه الحقيقى رؤوف نظمي، أما محجوب عمر فهو اسمه الحركي فى الحزب الشيوعي المصري وفي حركة فتح التي انضم لها بعد ذلك!".. عُرف محجوب بقربه من القائدين التاريخيين أبو عمار وأبو جهاد وحبه لهما وانهماكه الدائم في توفير شروط شرح وتعميم خطهما الفتحاوي الأصيل، وتنفيذ سياستهما التي كان يرى أنها السياسة "الصح".. وهو كان يرى فيهما عكازتي فلسطين والمقاومة والتحرير ويرفض كل دعوات التخوين والتشهير ليس فقط ضدهما بل ضد أي كان حتى أولئك الذي اختلفنا معهم واستخدموا التخوين والتشهير وصولاً إلى القتل.. في 3 آب 1978 سقط رفيقه وصديقه (ورفيقنا الحبيب) عز الدين قلق ممثل فلسطين في باريس على أيدي عصابة أبو نضال.. وقبله وبعده سقط العديد من قادة وكوادر حركة فتح في سلسلة اغتيالات نفذها أبو نضال لمصلحة دول عربية مختلفة (سوريا والعراق وليبيا) وصبت كلها بالتأكيد في خدمة مصلحة العدو الصهيوني.. يومها كتب محجوب كراسة بعنوان : "عز الدين قلق: الكلمة والبندقية" نشرتها مجلة شؤون فلسطينية (العدد 83، تشرين الأول/أكتوبر 1978) جعل لها عنواناً ثانوياً يقول: "في أن الكلمة الحرة هي الكلمة المسؤولة وإلا اصابت في مقتل وحصدت خيرة الشباب"... يقول محجوب: "بسطاء الناس في بلادنا يعرفون قيمة البندقية ويعرفون أن من يملك بندقية يجب أن يملك لسانه معها وإلا صار أضحوكة الآخرين..ويعرفون أن للبندقية تقاليدها وحقوقها وواجباتها ومسلكيتها..يعرفون أن البندقية في يد الأطفال تقتل وفي يد العقلاء تصون"... "لقد تعوَّد البعض قبل البندقية أن يجمع الأعداء في سلة واحدة ويرجمها بالكلمات.. وما أسهل أن تصف الأعداء جميعاً في سطر واحد أو فقرة واحدة في مقال أو كتاب ثم تنهال عليهم بالنعوت واللعنات... ولكن البندقية لا تستطيع".. "إن البعض في قديم الزمان وحديثه تعود حرفة الكلام والكلام كما يقول بسطاء الناس يزداد كلما مضغته ويكبر كلما ابتل بريق الفم فما بالكم ببريق الدنانير؟ والكلمة تجريد، والانتقال من التجريد الى التجريد سهل، فإن كنت مخالفاً في الرأي فأنت "مضلَّل"، وإن كنت مضلَّلاً فأنت "منحرف"، وإن كنت منحرفاً فأنت "انتهازي"، وإن كنت انتهازياً فأنت "تصب الحب في طاحونة الأعداء"، فأنت "جاسوس" أو "عميل"..وللتبسيط، إن كنت مخالفاً في الرأي فأنت "عميل".. وهكذا إن كنت عميلاً فأنت عدو وأخطر من الأعداء أنفسهم...والمقياس في كل ذلك هي "ذات" الذي سيصدر عليك الحكم، فيدينك أو يضمك إلى أتباعه.. ولكن اعتماد البندقية شعاراً وخطة لا يتحمل هذه الرفاهية الفكرية والاستمتاع اللفظي. فالرجل الذي يحمل البندقية يعرف أن عليه "إن قال فعل" وإن أدان نفَّذ. وأن الطلقة إن خرجت من بندقيتها هي كالكلمة الصادقة، لا تعود ثانية. وأن الموتى لا يقومون في هذا العصر، وإن قرانا على قبورهم آلاف صفحات النقد الذاتي..لذا لا يتسلى الذين يحملون البنادق بالكلام، ولا يسرعون بالأحكام، ولا يخلطون بين العدو والصديق، ويحترمون القلم و الكلمة كما يحترمون البندقية فيحافظون عليها نظيفة لا تشوبها شائبة، ويعرفون أن هناك فرقاً كبيراً بين البندقية وبين عصا الراعي... والعجيب أن الذين يرمون مخالفيهم في الرأي بتهم العمالة والجاسوسية والاستسلام واليمينية والرجعية فيفتحون بذلك باب رميهم بالرصاص ، يطالبون بأن تسود الساحة علاقات "الحوار الديمقراطي"..... "ثم كيف يمكن تصور إجراء حوار ديمقراطي، أي حوار سينتهي بالتزام، بين من يسوق الاتهامات بالاستسلام والرجعية واليمينية والخيانة والعمالة إلى آخر هذا القاموس، وبين الذين يتهمهم. إن الحوار الديمقراطي هو شكل الصراع الذي ينطلق من وحدة ليؤدي إلى مزيد من الوحدة..أليس القانون كما يكررون هو: وحدة- صراع- وحدة ؟ فأي وحدة هذه التي بين الرجعيين والثوار؟..".انتهى كلام محجوب... وما أشبه اليوم بالبارحة!! في 18/2/2004، قلّده الرئيس ياسر عرفات "وسام نجمة القدس الشريف" : "تقديراً وتكريماً لدوره الكبير وفكره القومي الأصيل من أجل تحقيق تطلعات شعبنا الفلسطيني بقيام دولته الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف". توفي في القاهرة ليل الجمعة 16 آذار 2012

إلى مسؤول يعنيه الأمر

سعود المولى بعيداً عن صيغ المجاملة التي لا أحبها ولا أجيدها... ولأن جامعتنا الوطنية التي ضحينا بالغالي والرخيص في سبيل بنائها وتطويرها، تكاد تنهار وتتحول إلى مزرعة للإرتزاق..أرجو أن تتقبلوا كلامي بصدر رحب.. كلنا نعرف أن رئاسة الجامعة اللبنانية صارت منذ سنوات طويلة ضمن المحاصصة الطائفية السياسية وقد تعاقب عليها رؤساء لا يشكك أحد بماضيهم وبدرايتهم ولا بعلمهم وكفاءتهم الأكاديمية والإدارية.. وكلنا نعرف أن تدخلات القوى السياسية الطائفية في إدارة الجامعة اللبنانية قد حولتها منذ اتفاق الطائف إلى "شبح جامعة"، يستوي فيها الصالح مع الطالح والأكاديميا مع الطائفية والإدارة الكفؤة مع الاستزلام والاسترزاق... وبدل أن تتقدم الجامعة وتتطور فإنها تدهورت وصارت مضرب المثل في الفساد... وكلنا نعرف أن لا حول لرئاسة الجامعة ولا قوة في وجه طغيان المصالح الطائفية الضيقة والمحسوبيات المصلحية والممارسات الميليشياوية...لا بل أنها صارت هي الأخرى تابعة لهذه المصالح... ونحن نتفهم (ولا نوافق طبعاً) أن يكون من حق الأحزاب والقيادات الطائفية أن تتحرك مطالبة بحصصها في التوزيع داخل الجامعة.. فنحن نعيش في نظام محاصصة على كل المستويات... وعلى قاعدة: من حضر السوق، باع واشترى... وعالسكين يا بطيخ... ولكن ذلك كله لا يبرر ما جرى ويجري من اغتيال منهجي للجامعة... ولا يعفينا من الوقوف وقفة مصارحة ومكاشفة كي لا نقول لاحقاً (كأساتذة وطلاب) ما قاله البدوي: "في الصيف ضيّعت اللبن".. ولأن من واجب المسؤول في الجامعة أن يتمسك بالقوانين والأنظمة، وبمعيار جودة التعليم، وبالكفاءَة والأقدمية، وبالحاجة الفعلية وفق خطة واستراتيجية، وبالتوازن الحقيقي بين المناطق تحقيقاً للإنماء المتوازن... فإننا نسأل بعض أسئلة ساذجة طرحها قبلي غيري من الأساتذة والطلاب: كيف تغيّر عدد المرشحين للتفرغ من 300 الى 400 الى 574 الى 620 وربما الى 700 مرشح للتفرغ؟ على ما قاله زميلنا الحبيب ورفيق دربنا الدكتور عصام خليفة؟.. كيف جرى شطب عدد لا يستهان به من الأسماء المقترحة للتفرغ من قبل مجالس الأقسام والفروع والوحدات والتي يعود تعاقد البعض منهم إلى منتصف التسعينيات؟.. وكمثال فإن زملاء لنا في معهد العلوم الاجتماعية قد جرى شطب أسمائهم من لوائح التفرغ قبل بضع سنوات لمصلحة غير مستحقين... فسكتوا وانتظروا ليروا أن الأمر يتكرر معهم أيضاً هذه السنة... كيف جرى استبدال الأسماء المشطوبة (صاحبة الحق) بأسماء أخرى لا تتوفر لديها الأنصبة اللازمة ولا الأقدمية وقد جرى "دحش" أسمائهم رغم عدم ورودها في محاضر جلسات مجالس الفروع والوحدات؟ على ما خبرناه وعلمناه من التسريبات "المؤكدة" حول الموضوع والتي لم يتم نفيها أو توضيحها بصورة مقبولة.. كيف يقبل العروبيون القوميون العلمانيون بعملية إضفاء لون مذهبي معيّن على فروع كليات الجامعة خاصةً في بيروت وفي مجمّع رفيق الحريري الجامعي، ولكن أيضاً في فروع الجنوب والبقاع وبشكل فاضح؟ على ما جاء في بيان لمكتب تربوي لإحدى القوى السياسية في الجامعة.. أليس من حق موظفي القطاعات الرسمية في الدولة اللبنانية الترقي الوظيفي والتقدم إلى التفرغ في جامعتنا؟ وهل هناك نص قانوني واحد يشير إلى حرمانهم هذا الحق؟ أليس الإخلال بالتوازن التمثيلي الوطني في التفرّغ كما في التعيينات الإدارية لصالح فئة بذاتها مشروع فتنة داخل الجامعة يهدد مصير الجامعة الوطنية وتطورها وعملية الاندماج الوطني فيها.؟ على ما جاء في بيان آخر لقطاع من قطاعات الجامعة... أيها المسؤول : إن الجامعة ومشكلاتها تحتاج إلى ورشة عمل يشارك فيها الجميع وتطرح فيها رئاسة الجامعة مشروعها الموعود للإصلاح والتغيير، بدل تعيين أعداد مكدسة من المستشارين.. ومن واجب رئاسة الجامعة إحياء الحياة الأكاديمية والنقابية في الجامعة عبر استعادة مجلس الجامعة وصلاحياته واستعادة سلطة المعايير وتطبيق القوانين والأنظمة والقرارات التي تتكدس منذ نصف قرن.

Le cénacle libanais

Le cénacle libanais constituait pendant un quart de siècle la tribune culturelle la plus importante de la république libanaise, voire le phare de la pensée libanaise et le reflet de son évolution. fondé par michel asmar en 1946, le cénacle était une association qui accueillait des intellectuels libanais, arabes et européens pour discuter les différents thèmes dans une atmosphère de liberté, d'ouverture et de respect. ainsi le cénacle représentait un espace où se croisent deux phénomènes politico-culturels. le premier est représenté par l'élite intellectuelle libanaise qui a pour ambition d'imiter le modèle intellectuel européen, en particulier celui présenté par l'élite française, et d'incarner une sorte de ‘force des intellectuelles' libanaise, apte à jouer un rôle décisif dans la vie politique, sociale et intellectuelle du liban, récemment indépendant depuis 1943. le second phénomène s'est manifesté par l' ‘engagement libanais', dont le but est de renforcer les fondements du liban.dès son enfance, michel asmar reçoit une culture catholique. né en 1914 à jdeidet el-maten, il fait des études secondaires à l'école ‘des frères' catholique, par suite il achève ses études académiques en littérature à l'université saint joseph fondée par les jésuites en 1875 à beyrouth. en 1936, il devient enseignant de langues arabe, français et anglais à l'école ‘des frères' et l'école de ‘la sagesse' beyrouthines. de plus il assiste à la fondation de plusieurs associations culturelles dont la plus importante était ‘le cénacle des douze' qui rassemblait des jeunes hommes de lettres, poètes et philosophes afin d'échanger leurs idées et de discuter leurs dernières publications. en 1938 il achève son premier œuvre yawmiyyat michel srour (journal de michel srour) dans lequel il avoue son imprégnation par andré gide. ainsi asmar se trouve devant deux défis. le premier était de poursuivre le travail commencé avec les grands écrivains et penseurs libanais et arabes au xixe siècle et au début du xxe siècle, ce qu'on appel le réveil arabe ou la nahda. le second était de transmettre le modèle intellectuel français au liban afin de permettre à l'intelligentsia libanaise de jouer un rôle décisif dans la vie intellectuelle et politique au liban, et de participer effectivement à la ‘reconstruction de la maison libanaise'. or selon asmar, l'intelligentsia libanaise vivait en marge de l'histoire du liban, contrairement à l'élite française qui avait adhéré totalement dans la vie politique française, européenne et mondiale. néanmoins, l'élite libanaise était consciente de son absence, et cette conscience faisait naitre l'espoir que la pensée libanaise puisse construire le lendemain du liban, d'où l'idée d'asmar de fonder le ‘cénacle libanais' afin d'en faire une tribune où il pût inviter l'élite libanaise, pour qu'elle se mette dans la ligne de l'histoire, et qu'elle se fasse la voix du peuple, du travail et de la vraie histoire.ainsi le cénacle libanais est né comme le fruit du croisement de trois facteurs : le désir d'accomplir le travail des penseurs de la nahda, la grande influence de l'élite française sur l'élite libanaise, et le besoin de l'élite libanaise de devenir une force effective dans la vie politique, sociale et intellectuelle au liban, surtout après son indépendance. honoré par le gouvernement libanais en 1948 qui lui accorde la ‘médaille du mérite national', asmar réussit à transformer le cénacle à un acte de vie et l'expression de la conscience libanaise dans le but de préparer les libanais à se reconnaître, et de faire sortir les intellectuels libanais de leurs tours d'ivoire, afin de les transformer en une force effective qui exerce son pouvoir dans les différents secteurs de la vie libanaise.

II. Qui sont les libanologues ?

Antoine MESSARRA En quatrième lieu, le libanologue est à la fois laïc et communautaire, avec une harmonie (insîjâm, suivant le terme de l’accord de Taëf) entre religion et État, non pas en tant qu’expédient ou pour concilier l’inconciliable, mais en conformité avec les normes des droits de l’homme, de la démocratie et des jurisprudences constitutionnelles internationales (voir L’Orient-Le Jour du samedi 6 août 2011). Si quelqu’un n’a pas étudié et vécu de près les problèmes concrets de gestion démocratique du pluralisme religieux et culturel, il vaut mieux qu’il ne s’occupe pas du Liban. Qu’il prépare des Mémoires, des thèses, des ouvrages sur la Grande-Bretagne, l’Italie, l’Argentine..., mais pas sur le Liban ! Et s’il n’a pas étudié et vécu de près la citoyenneté complexe ou composée au Liban et dans des sociétés plurielles dans une perspective de culture de légalité et de la chose publique, il vaut mieux qu’il épargne aux Libanais son imaginaire civique. En cinquième lieu, être libanologue, c’est prendre enfin le Grand Liban au sérieux, suivant la finalité même de l’accord de Taëf. Chacune des grandes minorités, maronite, sunnite, chiite, druze..., véhicule une psychologie historique de prédominance, de prééminence même symbolique, qui explique des comportements d’aujourd’hui, psychologie le plus souvent manipulée suivant les conjonctures par des aventuriers, des parieurs et des imposteurs. L’accord de Taëf et le préambule de la Constitution : « Le Liban, patrie définitive pour tous ses fils » règle un débat historique que l’expérience de la souffrance et des guerres a, et doit, enfin réglé. En sixième lieu, le libanologue étudie l’État libanais en tant que garant de l’existence même des communautés, toutes minoritaires. Si l’État libanais est faible ou affaibli, c’est à la fois à cause des pressions et allégeances extérieures, et aussi de la culture politique de Libanais qui sont davantage des sujets que des citoyens. Ceux qui attendent l’État fort comme un appartement meublé, clé en main, au lieu de soutenir l’État fort par sa légitimité populaire, reproduisent la symbolique régionale de l’État totalitaire, fort par lui-même, in se, et non l’État démocratique en tant que pont sur lequel passent tous les citoyens sans exception. Dans cette perspective, le président Fouad Chéhab est un des plus grands libanologues. C’est pourquoi, il a été le plus incompris ! En septième lieu, le libanologue considère que le Liban est un pays qui a un sens, sans le chauvinisme des 6 000 ans d’histoire, sans dialogue cosmétique islamo-chrétien, sans le sloganisme de la répétition du « Liban-message »... Être porteur de sens, surtout dans la mondialisation d’aujourd’hui, les replis identitaires, les guerres par procuration, la sionisation rampante, la nécessité de sauvegarder le tissu pluraliste religieux arabe..., c’est considérer que la patrie n’est pas un hôtel cinq étoiles dont on attend un service haut standing. C’est s’occuper du pays malade, être citoyen non grognon et rouspéteur, mais libre, actif. Dans toutes les sciences humaines sans exception, quand elles ne sont pas réduites à des sciences sociales purement quantitatives, pour comprendre vraiment, il faut aimer. Si vous n’aimez pas le Liban, si tout vous déplaît, si vous en avez assez (et vous avez raison) et vous êtes fatigué, il vaut mieux éviter aux autres des démangeaisons cérébrales sans impact sur le réel. Le libanologue ne fait jamais de la surenchère (muzâyada) considérant au départ que le Libanais est à la fois un et pluriel. Nous avons des croyances religieuses différentes, des psychologies historiques différentes, et pas nécessairement oppositionnelles, et même complémentaires. Qui est notre ennemi commun ? C’est réglé. La surenchère, ça suffit ! Qui est plus arabe que libanais ? Ça suffit ! Nul autre arabe ne nous donnera des leçons d’arabité et d’antisionisme. Je suis moi-même laïc et communautaire, libanais et arabe, j’harmonise dans ma vie et mes comportements religion et État, pratique et vit l’ouverture, mais avec la plus grande prudence dans les relations extérieures, et considère, avec l’imam Moussa Sadr, que « la paix au Liban est la meilleure forme de guerre contre Israël... », Le Liban même étant par essence l’antisionisme. La première tâche des facultés des sciences humaines (vraiment humaines), dans une étape de reconstruction culturelle et mentale, est de construire une libanologie scientifique et pratique, sans les clichés sursaturés du passé et à la lumière de l’expérience libanaise endogène et des apports les plus récents des recherches comparatives sur la gestion démocratique du pluralisme religieux et culturel. Le chantier libanais interpelle l’intelligence, une intelligence plurielle, capable d’intégrer les particularismes et d’opérer la synthèse. Hors des clichés rabâchés dont nous sommes déjà ultrasaturés. Qui sont les libanologues ? Antoine MESSARRA Membre du Conseil constitutionnel, professeur

I. Qui sont les libanologues ?

Antoine MESSARRA Pour comprendre un pays, il y a certes des classifications et des normes générales, mais aussi des spécificités qui font une identité intégrée dans la culture nationale, autant savante que populaire. Les Libanais, dans un environnement sioniste hostile et un environnement arabe totalitaire ou en transition démocratique, avec une histoire millénaire à la fois de convivialité et de « guerres pour les autres », vont-ils enfin, en tant que universitaires, chercheurs, intellectuels, journalistes, acteurs sociaux et idéologues de tout bord, savoir et comprendre que signifie le Liban ? Le professeur Antoine Seif a, le premier à mon sens, employé le terme libanologue pour qualifier le bénéficiaire, en 1997, du prix annuel du Mouvement culturel d’Antélias : « Les vétérans de la culture au Liban ». Les libanologues sont moins nombreux qu’on ne le pense. Le cheikh et le maire du village comprennent peut-être mieux le Liban que l’universitaire et chercheur chevronné. C’est l’aliénation, au sens marxiste, qui guette, à propos de tout problème libanais, l’intellectuel qui a cogité des catégories mentales de confessionnalisme, d’anticonfessionnalisme, de communautarisme, de laïcité, d’État nation et d’État fort, de modernité, de progressisme..., alors que le Liban, par essence et par nature, est une synthèse. Tous ceux qui ont écrit et écrivent sur le Liban ne sont pas nécessairement des libanologues. Qu’on accuse ceux qui se penchent sur la science du Liban, ou libanologie, de confessionnels, traditionnels, conservateurs, partisans du Liban de papa, de libanistes, d’antiarabisants, d’antiprogressistes..., cela était et est encore aujourd’hui bien fréquent, depuis Kazem el-Solh et son célèbre Manifeste de 1934, Michel Chiha, les pères fondateurs, dont Riad el-Solh, Béchara el-Khoury, Michel Asmar et son Cénacle libanais, l’imam Moussa Sadr, l’imam Mohammad Mehdi Chamseddine... pour ne parler que de ceux qui ne sont plus de notre monde. Un esprit, si versé dans les sciences humaines, mais cloisonné, formaté par un enseignement unidimentionnel, même dans les universités les plus prestigieuses du monde (surtout les plus prestigieuses !), n’est pas libanologue. Vous avez alors des tonnes d’écrits, en quantité plus qu’en qualité, sur le confessionnalisme et l’anticonfessionnalisme, la laïcité, la séparation entre l’État et la religion, le nationalisme arabe, l’unité arabe... Presque toutes ces notions se transforment en slogans qui se répètent depuis la proclamation du Grand Liban en 1920 comme un disque et, aujourd’hui, un CD érodé, même dans des universités dites prestigieuses. Sept conditions Qui sont les libanologues ? Il ne s’agit pas d’énergumènes, ou de sociologues et d’anthropologues, comme si la sociologie et l’anthropologie sont des sous-spécialités, mais bel et bien de juristes, de constitutionnalistes sérieux, de philosophes, de politiques au sens d’Aristote. Tout d’abord, le libanologue sait ce qu’est le pacte national libanais, appelé dans d’autres pays diète, alliance, covenant, junktim..., en historiographie comparée et en droit constitutionnel comparé. Qu’il approuve ou qu’il désapprouve, c’est un autre problème. Mais les pactes ont leur théorie et aussi leurs conditions. Il ne s’agit pas de processus hors la loi. En deuxième lieu, le libanologue sait qu’il y a des régimes constitutionnels dans le monde qu’on fourrait autrefois dans la catégorie poubelle de « régimes d’assemblée » et qui sont pour la plupart, en fait, des régimes parfaitement parlementaires, avec toutes les conditions des régimes parlementaires, mais mixtes, parce qu’ils associent des processus à la fois compétitifs et coopératifs : quota de représentation ou discrimination positive, cabinet de large coalition communautaire, fédéralisme personnel ou territorial... En troisième lieu, le libanologue, quand il étudie et vit le Liban dans les relations internationales, analyse et développe une stratégie et une culture de prudence dans les relations extérieures du Liban. Politique d’hostilité, de résistance et de prudence à l’égard de l’ennemi sioniste, mais aussi culture de prudence, à l’égard de tous les frères, sœurs, cousins, arrière-cousins et toute parenté extérieure réelle ou fictive. C’est un isolationnisme progressiste. Pas l’isolationnisme (in’izaliyya) ni le progressisme (taqaddumiyya) des années de guerre, mais prudence, au sens d’Aristote, dans les relations extérieures. Les Israéliens ont écrit des tonnes de livres sur le coût de leur invasion du Liban, Beyrouth étant la seule capitale arabe qu’ils ont occupée et qu’ils ont quittée précipitamment. Les Palestiniens ont tant écrit sur les coûts de leur immixtion dans les affaires intérieures libanaises. Les responsables syriens parlent de leurs sacrifices au Liban. Quand les Libanais vont-il épargner aux autres, y compris les forces multinationales, coûts et sacrifices ? Cela implique que le Libanais se libère de son besoin atavique et psychiatrique d’une Sublime Porte, toute Sublime Porte, en faveur même de la patrie libanaise et de l’arabité.

تطمين مخاوف المكونات بضمان مصالحها

عادل عبد المهدي احد عوامل الضعف في بلداننا هو ان وعينا وتركيبتنا الجمعية ونوعية اعمالنا ومفرداتنا تقوم الى حد كبير على نظام المخاوف دون نظام فعال للمصالح، رغم اهمية وجود سلوكيتين مترابطتين في اية منظومة لاي كيان حي، اكان نباتاً او حيواناً او انساناً، او انظمة وحضارات، الخ. السلوكية الاولى تحرص في الدفاع عن النفس والتحصن ومنع الاختراق.. والسلوكية الثانية تبحث عن العيش والتكاثر والمصالح المادية والمعنوية والبقاء والتفوق. فهناك اذن نظام تراتبي عميق في التربية والنفوس والسلوك والتقاليد يشكل نظام المخاوف ولدفع الضرر والمفسدة.. ونظام يوازيه مرتبط به للارتقاء وجلب الفائدة والمنفعة. وعموماً يتقدم نظام المخاوف على المصالح. فالاول مسؤول عن البقاء، والثاني عن التطور.. ولاشك ان الاولوية عند اي تهديد ستكون بالخوف على النوع واللجوء للدفاعات من اجل البقاء. النظامان متلازمان وضروريان لعمل بعضهما.. واي تفرد او استغراق سيقود اما الى التخلف والتعطل، او الى التفكك والانفراط.. فاذا ما اخترق نظام المخاوف كامل البنية واصبح هو البداية والنهاية، والمؤسس والهدف فانه سيبدأ باعطاء عكس النتائج المخصص لها. كذلك اذا استغرق نظام المصالح كامل المنظومة ولم تعد له ارض يقف عليها او نسيج يتلبس به او شخصية ينعكس فيها فسيذوب في اخر لا يحفظ بالضرورة مصالحه. والمثالان لهما مصاديق تاريخية كبيرة، والتطرف في احدهما قاد الى نتائج مضادة. فيقود الانغلاق المفرط الى تحلل يوازيه.. والانفتاح المفرط الى انغلاق وانكفاء يوازيانه. يمثل اولهما الكثير من القبائل الافريقية او الامازونية وما يعرف بالهنود الحمر وحضارات كثيرة آلت للانقراض.. لان الاخرين سبقوها واخترقوها بل واستعبدوها.. فانهارت مقاوماتهم واستمراريتهم.. وما بقي منها مجرد عينات ومحميات كنوع من المتاحف التاريخية التي تستجذب السواح اكثر منها كانماط عيش قادرة على البقاء.. والمثال الثاني مثلته الدول والجماعات اليهودية التي غرقت في المصالح.. فتفككت وضاعت وضعفت واستضعفت عبر التاريخ.. لتعود وتحاول ان تؤسس لها دولة متعصبة مغلقة سالبة لحقوق الاخرين. والعراق ان غرقت مكوناته في نظام المخاوف، وجعلت الخوف اساس علاقتها بالمكون الاخر، ونسيت مصالحها المشتركة، او غرق هو نفسه في رؤيته للاخر وفق المخاوف ونسي المصالح، فسيدفع ثمناً باهضاً، بل هو يدفعه فعلاً.. وهذه من اسباب ازمته التاريخية مع نفسه ومع شروطه التاريخية.

مؤتمر حول " مستقبل التشيع في العالم" ينعقد في بيروت

توصيات مهمة حول كيفية مواجهة التحديات السياسية والاعلامية والثقافية بدعوة من المركز الثقافي الإسلامي ومؤسسة الفكر الإسلامي المعاصر، انعقد في قرية الساحة التراثية مؤتمراً تحت عنوان: "مستقبل التشيع في العالم"، بحضور عددٍ من المثقفين والباحثين اللبنانيين والعرب وعددٍ من الإعلاميين وعلماء الدين. وبعد ترحيب من مدير المركز الثقافي الإسلامي السيد شفيق الموسوي، ألقى كلمة الإفتتاح سماحة العلامة السيد علي فضل الله الذي اعتبر "اللقاء تعبيراً عن الهواجس وتوضيحاً للصورة وإعمالاً للفكر". وقد راى سماحته أن التشيع امتدادٌ لنهج النبوة الرسالي، وبوصلته إسلام القرآن، كما طرح بعض الاولويات الضرورية لتحسين الواقع الشيعي، تمحورت حول تعزيز مفهوم المواطنة والتنمية الفعلية للداخل الإسلامي، وتأمين حالة من الحراك الفكري بالإضافة إلى تحديد المسافات التي نقف عليها مع الآخر ومراجعتها باستمرار بما يعزز التوافق مع المذاهب الاخرى، وينزع فتائل التفجير المصطنعة التي يغذيها ويستفيد منها المتربصون شراً بالأمة الاسلامية سنّة وشيعة، داعياً إلى تأكيد أولويات الوحدة الإسلامية وممارسة الشعائر بحكمة. وقد قُدِّمت في سياق المؤتمر كلمات ودراسات وخطط هامة، استُخلِصَ منها سلسلة من التوصيات التي أكدت على النقاط الآتية: -1تركيز الاهتمام على مسألة الدعوة إلى الإسلام، لا الدعوة إلى المذهب، والانتقال من حالة الجماعة إلى حالة الأمة. 2- العمل على تشكيل لجنة علمية تُعنى بتنقية الثقافة الدينية من الرواسب المعوّقة لتطور الاجتماع السياسي والاجتماعي الاسلامي، وإعادة النظر بالموروث الثقافي المسيء للمذهب، ووأكد على الجرأة في طرح كل المواضيع دون مسايرة أو مداهنة، كما متابعة تطبيق ما هو جلي وواضح من الثوابت الدينية الأصيلة. 3- بلورة وعي جديد من أحداث التاريخ، وقراءته قراءة علمية موضوعية، مع احترام تام لكل الرموز التاريخية، كما وإعادة قراءة النصوص الفقهية بوعيٍ حركيّ ومعاصر. 4- زيادة وتيرة التلاقي والتواصل بين النخب الدينية والثقافية والاجتماعية والسياسية الشيعيّة – الشيعية، والشيعيّة السنّية لمحاصرة نزعات التطرف لدى الجانبين، وإقامة مؤتمرات دولية تثري الحراك الاسلامي الوحدوي الفكري المتنور. 5- الإسهام الفاعل في عمليتي الإصلاح والتنمية والتبليغ من خلال تصورات هادفة وواعية، وعن طريق السبل السلمية لا العنفية. 6- نقد الخطاب الطائفي العصبوي وكل دعوات الإقصاء، ورفع الغطاء الديني عن كل الممارسات الطائفية التي تغذي نزعة الكراهية والعداء بين المسلمين، وإنهاء ظاهرة الثنائية في الخطاب واستبدالها بخطاب إسلامي موحّد معاصر وحضاري، سواءٌ أكان موجهاً إلى النخب أم الجمهور. 7- السعي إلى إلغاء الفوارق الثقافية الكبيرة والشاسعة بين مجتمع القرية ومجتمع المدينة. 8- رفض الممارسات التي تواجه التطرف بالتطرف، واستحضار الممارسة العملية الحريصة والواعية لأهل البيت (ع)، والتي تقدم مصلحة الأمة على أي مصلحة خاصة فئوية أو مذهبية أخرى لأي جهةٍ كانت. 9- التأسيس لإعلام عصري يبتعد عن لغة الإستفزاز، ويدعو إلى الإعتدال والوسطية، كما إلى التسامح واحترام حقوق الإنسان، وتأسيس ميثاق إعلامي ينبذ العنف ويقاطع كل المواد الإعلامية التي تحث على الكراهية. 10- تعميم ثقافة قبول الآخر واحترام قناعاته، وتعزيز ثقافة الحوار المنتج والمسؤول. 11- ضرورة التعايش الإجتماعي داخل الاوطان، عبر تسالم الإرادات الوطنية وانصهار مصالحها في الكيان الإجتماعي الوطني المتنوع الواحد. 12- تفعيل دور المرأة عبر إفساح المجال لها بتقديم مساهماتها الفعالة في مجالات الفكر، والتنشئة والتنمية الإجتماعية. 13- العمل على تعزيز القوتين الناعمة والصلبة داخل المشروع الإسلامي العام بما يعزز مكامن القوة في الأمة. 14- التمسك بقضايا الأمة الكبرى والدفاع عنها، والإنتباه إلى مخاطر الخطط الإستعمارية الصهيونية والأمريكية على الأمة. 15- تطوير الوعي السياسي والاجتماعي المناقض والمناهض للإستبداد السياسي والمساهم في توسيع دائرة التشاور الديمقراطي. 16- احترام الخصوصية للمكوّنات السياسية داخل الوطن الاسلامي، والعمل على إدارة المصالح العامة للأمة بحكمة. 17- إعادة إنتاج وتطوير الأحزاب السياسية الشيعية وصياغة خطاب سياسي يواكب المتغيرات ويساهم في تبريد التوترات المذهبية، ويكون طلائعياً في الدعوة إلى الحريات وحقوق الإنسان والإلتزام بقضية المواطنة، ويركز على طلب الإصلاح كهدف سياسي إن كان ذلك في طريقة العمل لبلوغ السلطة أو لمعارضة إيجابية فاعلة في أمكنة أخرى. 18- القيام بخطوات مدروسة تنسج العلاقات مع القوى الصاعدة الجديدة بتفهّم واستيعاب وتوجيه. 19- العمل على تصويب مسارات الفصائل الإسلامية التي غرّتها السلطة أو أغرتها، والتي قدّمت تنازلات معينة للغرب، ظنّاً منها واهمةً أنها بذلك تأمن شروره. 20- تفعيل التعاون بين المؤسسات الداعية للتقريب الفقهي والإجتهادي بين المذاهب، ودعوة القوة الحية في الأمة للمشاركة بفاعليّة في هذه المؤسسات وأنشطتها الإسلامية المتنوعة، وتعميم نتاجاتها لتصل إلى كافة قطاعات الأمة. 21- العمل على تقليص الهوّة بين القيادات الشيعية والقاعدة الشعبية حتى لا نقع في منزلقات طبقية غير محمودة العواقب داخل البيئة الواحدة. 22- تزخيم حالة الحراك الفكري والثقافي عبر تأسيس مؤسسات علمية إبداعيّة، تفسح المجال أمام عملية النقد الذاتي وحرية الرأي، وتعطي أولوية للوحدة بين المسلمين. 23- تطوير النظام المرجعي من قبل المعنيين والمختصين، والبحث في مدى ومستوى فعالية المرجعيات في مواكبة وتطوير مختلف أوضاع المجتمع الاسلامي، والعمل على عدم تسيس المرجعيات الدينية بالشكل الذي يهزّ صورتها أمام الخاصة والعامة. 24- تطوير البنية العلمية للحوزات الدينية عبر تجديد المناهج واستحداث الآليات اللازمة لذلك، كما وتعزيز برامج اللغات الأجنبة، ودراسة التكوين الإجتماعي للحوزويين وإيجاد سبل لتقليص الفوارق فيما بينهم. 25- العمل على إصلاح ما خرُب من المنبر الحسيني والمراسم العاشورائية بشكل علمي ودون انفعال او مواقف ارتجالية. 26- دراسة كيفية التطبيق العملي لكل النظريات المساهمة في تحسين الواقع الإسلامي الشيعي، والاسلامي العام، وإدراك أن الإصلاح البطيء الفعال أفضل من السريع الأقل فعالية. 27- تنظيم قضية إنفاق الأموال الشرعيّة وتوظيفها في حركة التنمية الفعلية للواقع الإجتماعي والإنساني، عبر الإهتمام بمؤسسات الرعاية الإجتماعية وتفعيل طاقة الأكادميين، كما وتطوير الواقع العلمي وتعزيز العلاقات الإقتصادية والتجارية فيما بين المسلمين جميعاً.

عن الذاكرة المثقوبة والوعي الشقي

سعود المولى نحن نعرف وتعرفون بأن السياسة ممارسة ديموقراطية نبيلة تلتزم الدستور والقوانين وتستخدم الوسائل السلمية في العمل البرلماني والإعلامي والحزبي والنقابي وفي التعبئة الجماهيرية والتنظيمية استعداداً لتداول السلطة في صناديق الاقتراع وضمن المهل الدستورية. والسياسة فعل إيمان بالناس وبالخير العام وبالمصالح العليا للوطن وبوحدة المجتمع وسلمه الأهلي... ولا يمكن أن تكون السياسة المدنية الحقة بالتهديد والوعيد، وبالتخوين والتكفير، وبالتوتير والشحن، وبالحقد والفتنة.. ولا يمكن أن تكون السياسة المدنية الحقة عبر الشتم والقدح والذم، ونشر الصور المفبركة عن قصد مريض، وكتابة المقالات التي تنضح باللؤم والتشهير والتخوين، وإطلاق الخطابات العنترية التافهة. كما أن السلم الأهلي والمصالحة الوطنية والتسوية العادلة المتوازنة هي أساس العقد الاجتماعي اللبناني وميثاقنا الوطني ما يعني نبذ عمليات نبش الذاكرة واستحضار الماضي استنسابياً. ويعني أيضاً ضرورة القيام بمراجعة نقدية حقيقية شجاعة للتجربة الماضية تحت عنوان الحقيقة والعدالةن وذلك كمقدمة لتأسيس ذاكرة وطنية موحَّدة وموحِّدة وثقافة وطنية ديموقراطية جديدة تستوعب تجارب الماضي وتستفيد من دروسه ومحنه. لكن ذلك كله لم يحصل للأسف ولا يبدو أنه كان أصلاً على جدول أعمال الطبقة السياسية الحاكمة منذ اتفاق الطائف ؛ ما سمح ويسمح لكل شتام دجال ولكل ناعق في غربال بأن يستعيد لغة الحرب ونبش القبور تحت ستار واه من خيوط العفة الطهور.. وكم هي أوهن من بيت العنكبوت.. لقد كان من المأمول ان يكون وجود حكومة فيها قوى وسطية ومعتدلة تؤمن بالحوار والوفاق والسلم الأهلي، محطة لإنجاز تسوية ومصالحة هما أكثر من ضرورة. ولكن تبين أن البعض ما يزال عنده رغبة إجرامية في تدمير التسوية وتدمير لبنان من خلال إعلاء سلطة أنانيته وشخصانيته ولغة الابتذال والتفاهة والشتم وسياسات الحقد والكيد والغلبة على حساب سلطة المعايير والمرجعيات الحافظة للوطن والضامنة للجماعة والمستظلة بالحق والعدل.. والحقيقة المفزعة التي ينبغي الاعتراف بها هي انكفاء وتراجع لغة الرشد والوسطية والوضوح من المنابر الاعلامية والثقافية والسياسية بحيث صار الشتم والتخوين والقتل المعنوي للخصم هو الحكم في العلاقات بين السياسيين اللبنانيين.. والأنكى من ذلك أن يعمد البعض إلى استخدام ذاكرة مثقوبة ووعي شقي لطرح مشاريعه التي يشوبها جنون العظمة وانفصام الشخصية.. إن كل الامم تعتمد على النسيان، وعلى صناعة أساطير وحدة وهوية تسمح للمجتمع بنسيان جرائمه المؤسسة، وخسائره المخبوءة، وانقساماته وجراحاته غير الملتئمة.. والمصالحة الحقيقية لا تقوم على فقدان الذاكرة لكنها أيضاً لا يمكن أن تتأسس على استخدام استقوائي استنسابي لذاكرة معينة أو على الكيد والانتقام وسياسة الغالب والمغلوب. المصالحة تتطلب وتفترض مساومة وتنازلاً عن بعض ما نعتقد أنه حقنا وما نظن أنه الحقيقة، والاعتراف والقبول بحق وبحقيقة الآخر.. إن التسوية هي عملية تاريخية وهي ككل قضية تاريخية تتطلب رجالاً تاريخيين من حجم ونوعية أولئك الذين يؤسسون الأوطان أو يدشنون المراحل الحاسمة في تاريخها.. وهؤلاء هم بالأساس رجال ونساء من القادة الذين يتمتعون بصدقية عالية وممن انخرطوا في هموم وقضايا جماعتهم، غير منقطعين عنها ولا مستتبعين منقادين لها.. إنهم من أصحاب المبادئ وأصحاب النوايا الحسنة والخبرة الموثوقة... لقد أنجز التسويات التاريخية الكبرى في تاريخ لبنان رجال تاريخيون بحجم الوطن والدولة أمثال رياض الصلح وبشارة الخوري وحبيب أبو شهلا وحميد فرنجية وسليم تقلا وحبيب باشا السعد وميشال شيحا وكميل شمعون وكمال جنبلاط ومجيد أرسلان وصبرى حمادة وأحمد الأسعد وعادل عسيران وصائب سلام وبيار الجميل وريمون إده ورشيد كرامي وتقي الدين الصلح وعبدالله اليافي وفؤاد شهاب ورينيه معوض ورفيق الحريري وحسن خالد ومحمد أبو شقرا وحليم تقي الدين وموسى الصدر ومحمد مهدي شمس الدين... وما نحتاجه اليوم هو رجال ونساء من هذا الحجم وهذا العيار ..

Au peuple

Journal Officiel de la Commune de Paris, 20 mars 1871, p. 4-5 Citoyens. Le peuple de Paris a secoué le joug qu’on essayait de lui imposer. Calme, impassible dans sa force, il a attendu, sans crainte comme sans provocation, les fous éhontés qui voulaient toucher à la République. Cette fois, nos frères de l’armée n’ont pas voulu porter la main sur l’arche sainte de nos libertés. Merci à tous, et que Paris et la France jettent ensemble les bases d’une République acclamée avec toutes ses conséquences, le seul Gouvernement qui fermera pour toujours l’ère des invasions et des guerres civiles. L’état de siège est levé. Le peuple Paris (sic) est convoqué dans ses sections pour faire ses élections communales. La sûreté de tous les citoyens est assurée par le concours de la garde nationale. Hôtel-de-Ville, Paris, ce 19 mars 1871. Le comité central de la garde nationale