‏إظهار الرسائل ذات التسميات العراق اليوم. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات العراق اليوم. إظهار كافة الرسائل

السبت، 2 فبراير 2013

د. بشير موسى نافع: والعراق أيضاً لن يتغيّر بدون ثورة وطنيّة


http://www.al-aman.com/subpage.asp?cid=17065 ربما كانت الحركة الشعبية المتسعة، التي تشهدها منذ أسابيع مدن الأنبار وديالى وصلاح الدين ونينوى، مفاجأة على نحو ما. روّج بعض العراقيين، من أنصار رئيس الوزراء المالكي، طوال العامين الماضيين، لفكرة أن العراق لا يحتاج ربيعاً عربياً، لأنه كان السباق إلى ربيع الديمقراطية والحرية. وظن آخرون، من المشفقين على العراق وأهله، إن العراقيين منقسمون، طائفياً وإثنياً، وإن أي حراك سياسي معارض لنظام الحكم التمييزي الطائفي الفاسد، الذي يقوده المالكي، سيجر البلاد من جديد إلى هوة الصراع الأهلي - الطائفي. فئة ثالثة من مراقبي الشأن العراقي حسبت أن استمرار الجماعات الإرهابية، مثل، «القاعدة»، في ارتكاب الهجمات الدموية على عموم العراقيين، أغلق الباب، ولو إلى حين، على التحاق العراق بالنهضة الشعبية التي تعيد منذ أكثر من عامين رسم ملامح هذا المشرق العربي القديم. ولكن العراق أيضاً في حاجة ملحة للثورة، بعد أن أغلقت أمام قطاعات واسعة من شعبه طرق التغيير والإصلاح بالتفاوض المعتاد في الديمقراطيات الحرة. يدرك المالكي وحفنة المستفيدين الملتفين حوله حجم التحدي الذي يواجههم، وكما من سبقهم من حكام دول الثورة العربية، يحاولون اليوم إغراق الحراك الشعبي في دعاية سوداء من الاتهامات بالعمالة للخارج والميول البعثية والنزعة الطائفية. مئات الآلاف من العراقيين، الذين شهدناهم في جمعتي العزة والكرامة 28 كانون الأول والصمود 4 كانون الثاني، متهمون بالعمالة والبعثية والطائفية! في البداية، عندما خرجت مظاهرة مدينة الرمادي الأولى، قال المالكي ان حركة الشعب ليست سوى فقاعة (وهو الوصف المجيد الذي سيستعيره بشار الأسد بعد أسبوعين فقط، لينعت به كل حركة الثورة العربية). ولكن العراقيين، كما السوريون والمصريون والتونسيون واليمنيون والليبيون والأردنيون، من قبلهم، كانوا على موعد مع أنفسهم، وظلوا يخرجون كما لم يخرجوا إلى شوارع وساحات مدنهم منذ زمن الحركة الوطنية العراقية في نهاية الأربعينات والخمسينات من القرن الماضي. وما إن استفاق المالكي إلى حقيقة ما يواجهه حتى انطلقت آلته الدعائية في محاولة لمحاصرة الحركة الشعبية وتقسيم العراقيين من جديد. كل أنظمة الاستبداد لا تستطيع العيش باطمئنان دون تقسيم الشعب وزرع الخوف والشك بين أبنائه. والمالكي لم يكن له أن يأتي للحكم أصلاً، ولا أن يستمر في الحكم كل هذه السنوات المظلمة، دون تغذية أمراض ما بعد الغزو والاحتلال، التي أنهكت العراق وأثقلت كاهله. رفع العراقيون في تظاهراتهم مطالب تتعلق بإلغاء قوانين التمييز والاعتداء، التي يستخدمها المالكي لخدمة أهدافه الطائفية والسياسية، فاتهمهم رئيس الوزراء بمحاولة اقتلاع النظام. رفعوا علم الثورة السورية، في استعراض لا يخفى لانحيازهم إلى حركة الثورة العربية، فاتهموا بتنفيذ أجندات «إقليمية وخليجية». ورحبوا بمقتدى الصدر في مسجد عبد القادر الكيلاني ببغداد، وبوفود العشائر الجنوبية في مدن الحراك الشعبي الرئيسة، ورفعوا شعار «كلنا حسينيون من الأنبار إلى كربلاء»، فقال المالكي ان هذه ليست سوى حركة طائفية. والمدهش، أن وكالة مهر للأنباء الإيرانية، تردد في تقرير لها حول الشأن العراقي اتهامات المالكي لشعبه، وتعيد إلى الأذهان بؤس وضيق أفق السياسة الإيرانية تجاه ثورة الشعب السوري. انطلقت شرارة الحركة الشعبية العراقية في الأسبوع الأخير من العام المنصرم بفعل خطوة المالكي الخرقاء ضد د. رافع العيساوي، أحد زعماء القائمة العراقية، وزير المالية في حكومة المالكي، وابن محافظة الأنبار. كرر المالكي الهجمة التي قادها قبل عام ضد نائب رئيس الجمهورية، والقيادي البارز الآخر في القائمة العراقية، طارق الهاشمي، فأصدر أمراً باعتقال عدد من الضباط والجنود المرافقين لعيساوي بتهمة ارتكاب أعمال إرهابية. تهديدات المالكي لعيساوي ليست جديدة؛ وكان رئيس الوزراء أكد خلال فترة التوتر القصوى التي واكبت الهجمة ضد الهاشمي، أن ملف العيساوي جاهز هو الآخر. وتقول مصادر عراقية ان عناصر حماية العيساوي تعرّضوا، كما سبق مع عناصر حماية الهاشمي لتعذيب بشع، وأن المالكي أصدر بالفعل قرار اعتقال للعيساوي بتهمة المساعدة على الإرهاب. ولكن اندلاع المظاهرات الاحتجاجية، وشجاعة العيساوي في مواجهة الخطر الذي كان يتربص به، جعل رئيس الوزراء يتراجع عن قراره. مشكلة المالكي مع العيساوي هي ذاتها مشكلته مع الهاشمي، ومع موقع العراق في حقبة الثورة التي تجتاح العالم العربي من مغربه إلى مشرقه. وهي أيضاً السبب الرئيس خلف انطلاق الحركة الشعبية العراقية، واصطفاف القطاع الأوسع من القوى السياسية العربية، السنية والشيعية، كما الكردية، خلف هذه الحركة. بدأ المالكي حكمه، قبل أكثر من ست سنوات، بإظهار صورة وطنية لسياساته؛ ولكن الحقيقة، التي تطلبت بعض الوقت لتتضح، أنه كان يعمل فقط على تأكيد سلطته وإحكام قبضته على مقدرات الدولة. وما ان حسب أنه نجح بالفعل، حتى انطلق في سياسة الاستحواذ والتحكم الطائفي دون تردّد. انتهج المالكي سياسة إطاحة من يستطيع إطاحته به من ضباط الجيش السنة ومسؤولي أجهزة الدولة، وصنع لنفسه قوة سياسية شيعية في مواجهة شركائه من حزب الدعوة ومن القوى السياسية الشيعية الأخرى. في ولايته الثانية، أصبحت توجهات المالكي الاستحواذية والطائفية أكثر سفوراً؛ بينما تعلق شركاؤه في الحكم بأمل أن يدرك رئيس الوزراء أن سياسة الاستحواذ لن تحقق استقراراً ولا ازدهاراً. ولكن المالكي سرعان ما تفاجأ برياح الثورة العربية. ولكن مشكلة المالكي وإيران بدأت عندما اجتاحت رياح الثورة سورية، الحليف العربي الحيوي لإيران. هنا، لم تعد الثورة العربية مسألة جدل حول مصدر إلهام شبانها، أو حول قواها وتوجهاتها السياسية، بل مسألة مصالح جيوسياسية مصيرية. خاضت قوى المقاومة العربية معركة إفشال المشروع الأمريكي في العراق، ولكن لأسباب تتعلق بسياسات الأمريكيين وبتوازنات القوة العراقية والإقليمية، انتهى العراق إلى منطقة نفوذ إيراني. وفي وقت تواجه فيه إيران مخاطر وتهديدات دولية متصاعدة، لم يكن ثمة جهة في إيران على استعداد للتفريط بهذا المكسب الاستراتيجي الكبير. ولأن المخاطر أحاطت بمصير الحليف السوري، تضاعفت أهمية العراق وحيويته. كان من الممكن، قبل انطلاق حركة الثورة العربية، أن يمضي مخطط السيطرة الشاملة على العراق بصورة تدريجية ومرحلية. لكن بعد انطلاق الثورة العربية، أصبح من الضروري أن يحسم الوضع في العراق بصورة متسارعة، حتى إن بدا الحسم فجاً في بعض الأحيان. لم يعد ثمة ضابط، سنّي أو غير سني، تحوم الشكوك حول ولائه للمالكي، في قيادة فرقة أو لواء من ألوية الجيش الهامة؛ في الوقت الذي يجري فيه بناء سلاح الجو العراقي الجديد من لون سياسي وطائفي واحد. مئات أساتذة الجامعات العرب السنّة تم طردهم من وظائفهم بتهم اجتثاث البعث الجاهزة؛ ولا يكاد يوجد مدير دائرة سنّي واحد في وزارة يقودها وزير شيعي. وباعتراف الأمريكيين أنفسهم، أصبحت بعثات طلاب الدراسات العليا وبعثات التدريب العسكري إلى الخارج شأناً طائفياً بحتاً. وإلى جانب هذا كله، يقبع آلاف من أبناء المناطق العربية السنية، بما في ذلك مئات النساء، في السجون والمعتقلات، بمحاكمات صورية وبدون محاكمات. الشركاء الشيعة في الإئتلاف الوطني، الذي جاء بالمالكي الى الحكم من جديد، جرى تهميشهم، سواء على مستوى الحكم المركزي أو الإدارات المحلية. أما الشركاء في التحالف الكردستاني، فأخذ المالكي ينتهج سياسة تحجيمهم، وربما حتى إشعال مواجهة عسكرية معهم، بعد أن اختاروا الانفلات من المحور الإيراني وإبداء التعاطف مع ثورة الشعب السوري. في لهاثه المتسارع لتحقيق السيطرة الشاملة في العراق، مدعوماً من إيران، نسي المالكي حجمه الحقيقي في الساحة السياسية العراقية، الوطنية والطائفية، ونسي الظروف التي أعادته لحكم العراق. هذه إذن نهاية الطريق لحكم أسس على الطغيان ودولة أقيمت على قواعد غريبة على العراق وتقاليده. لم تكن قضية رافع العيساوي، سوى شرارة أشعلت النار في مخزون متراكم من الخطأ والخراب ومحاولة السيطرة بقوة السلاح والخوف وعصا أجهزة الأمن والعبث بالقضاء. قد يستطيع المالكي إثارة المخاوف الطائفية لدى قطاع من العراقيين. وقد يستطيع محاصرة تعاطف القوى السياسية الشيعية مع أشقائهم في محافظات الأكثرية السنيّة. ولكن ما تعيد الحركة الشعبية العراقية التوكيد عليه أن عراق المحاصصة، والمكونات، والإقصاء، والهيمنة السياسية والطائفية، لا يمكن أن يستقر.

عادل عبد المهدي :الازمة.. عراق الشعب والمؤسسات.. أم عراق الطوائف ورجالاتها؟


"العراق صدام، وصدام العراق".. مقولة تصبح حاكمة عندما يتمكن فرد من البلاد مرتكزاً لطائفته، وتصبح مقدراتها بيده، ويحتكر الحقوق والمصالح.. ولا يرى بديلاً الا نفسه.. فلا مؤسسات دستورية.. او مرجعيات عليا واهل حل وعقد، يطاع رأيها.. ولا التزام بشرعة اقليمية او دولية، فتدخل البلاد في طريق مسدود، مآلاته الاستبداد والسجون والقتل والتعسف.. والطائفية والتخريب والاقتتال والتقسيم.. والتدخل الاجنبي. وهذا ما عاشه العراق في حربه مع ايران والكويت.. واعمال حربية في مناطق البلاد المختلفة، لنصل للانتفاضة والحصار والعقوبات واحتمالات سقوط النظام، لولا الموقفين الامريكي والخليجي. ورغم فرض الاحتلال (2003) والعقد القديمة والجديدة، لكن ما قبله الجميع بقناعات ابتدائية ولاحقة، هو ان لا مخرج للاعمار وإعادة اللحمة الوطنية وانسحاب القوات الاجنبية الا ببناء الشرعية التمثيلية بانتخابات حرة.. ومؤسسات دستورية وفق مبادىء وحقوق اساسية للجميع.. وتوزيع الاختصاصات اتحادياً ومناطقياً، وتوازن السلطات والفصل بينها وضمان استقلال القضاء، ومهنية القوات المسلحة وعدم تدخلها في السياسة، ومحورية النظام البرلماني كقطب الرحى لحكم البلاد.. والتأسيس لهيئات مستقلة لامور اختصاصية مفصلية يحكمها قانونها كالانتخابات والعملة بعيداً عن التأثيرات الظرفية.. واقرار هيئات واجراءات انتقالية لتصفية موروثات الماضي وانصاف المظلومين كالشهداء والسجناء والمهجرين والمستلبة املاكهم والاجتثاث والمناطق المتنازع عليها، كل ذلك لتأسيس مجتمع مدني حر بعيد عن العسكرة والسيطرات الفردية والحزبية والمناطقية والطائفية، ولتقيم العدل لا لتؤسس لظلم جديد. ورغم الارهاب ومخلفات النظم السابقة والتعقيدات الداخلية والاجنبية، لكنه تفتحت امام البلاد فرص هائلة للانتقال نهائياً لعراق جديد متصالح مع نفسه ومحيطه وعالمه.. شرط التقيد بكل المواد الدستورية وليس بمادة واحدة.. وتفعيل كل السلطات وصلاحياتها وليس سلطة واحدة.. وزيادة الشركاء والحلفاء والاصدقاء وليس الاعداء.. وحل الازمات واحتوائها لا تصعيدها او صناعتها والتعيش عليها.. بذلك نفتح طريق التغيير حقيقة، ونقترب من حكم الشعب بكل اطيافه.. ونعزز وحدة البلاد بكل ابعادها.. ونحصن البلاد من معادلة "لا بديل للحاكم الا الحاكم نفسه".. وانه الدولة والشعب.. يجلس فوقهما ويمتلك ارادتهما وقرارتهما.. يراقِب ولا يراقَب.. ويحكم ولا يحاكم، لنمنع خياري.. استخدام العنف المتبادل والشحن الطائفي، او استمرار الازمات والعسكرة وتسييس القضاء والسجون والقوانين الاستثنائية والاقتتال.. وفي الحالتين سنستمر بتغذية الارهاب والنهج "الصدامي"، وكشف البلاد للتقسيم والتدخلات الاجنبية.

الأربعاء، 2 يناير 2013

الشرق الاوسط.. أهي الفوضى، ام مرحلة الشعوب؟‏

عادل عبد المهدي

اعتمد التوازن منذ مطلع القرن العشرين على عنصرين اساسيين. المظلة الراعية التي وفرها الاستعمارين البريطاني والفرنسي.. ثم بعد الحرب الثانية الدولتين العظميين المتصاعدتين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي. والثاني قيام الدول الوطنية الحاكمة للشعوب وليس المحكومة به، بعد تقاسم مناطق الخلافة حسب خرائط سايكس بيكو ووعد بلفور وقيام اسرائيل. هذا التوازن بدأ بالتفكك التدريجي بسبب تفاعلات متبادلة لـ 1- العوامل المحلية كالثورات ودور الحركات الوطنية والقومية وعودة الاسلام السياسي.. والذي اخذ ابعاده المختلفة.. كما في ايران وتركيا ومصر والسودان وافغانستان.. والتغيير في العراق..والانتفاضات الشعبية في الدول العربية واسقاطها الكثير من الانظمة.. وكذلك حركات المقاومة لاسرائيل كما في لبنان، وفلسطين الذي تعزز مؤخراً بصواريخ غزة والاعتراف الاممي بالدولة الفلسطينية.. و2- العوامل العالمية كتفكك الاتحاد السوفياتي، وتراجع الولايات المتحدة من دولة عظمى الى دولة كبرى. لهذا تشهد دول منطقتنا تفككاً متزايداً لدولها، وسلطاتها الضابطة لامنها وتوازناتها الاجتماعية والاقليمية والدولية التي اقيمت على اساسها. فمستقبل المنطقة يتارجح اليوم بين مساع جدية –والتي ستكون بطبيعتها منفعلة وعصبية- من شعوبها للوصول الى عقود تأسيسية او دساتير يمكن من خلالها بناء توازنات جديدة تعتمد على قوة الشعوب، وواقع نسيجها الحقيقي، بكل مطاليبه وتلاوينه.. لتاتي الدولة وحكوماتها حقيقية، متماهية مع الشعب، وليس منصّبة او مفروضة ومستقوية عليه.. او ستسود حالة من الانقسامات والفوضى التي ستأزم، بل قد تفجر كيانات الدول لمصلحة سلطات الامر الواقع للجماعات والمناطق.. والتي ستكون مصادر قوتها الاساسية المركبات الاثنية او الدينية او المذهبية وامتداداتها الاقليمية وحظواتها الدولية.. يقابل ذلك عالم خارجي ودول كبرى وتكتلات عالمية، تراجعت فيها انماط التدخل، لاسيما جيوش المشاة.. دون ان يعني ذلك تراجع اشكال التدخل الاخرى او انخفاض مستوى اهتمامها بما يجري في الشرق الاوسط خصوصاً، او بقية ارجاء العالم عموماً. فالشرق الاوسط في مرحلة تاريخية لم يشهدها سابقا.. يعيشها مكشوفاً دون رعاية دولية خاصة، وبتفكك واضح لسلطات الدولة، وبشفافية انفلتت فيه مكبوتات اجتماعاته الحقوقية والمفاهيمية والانتمائية.. مما يهدد بمرحلة غير قصيرة لتغليب الخلافات والتصادمات.. او بانتصار الشعوب ومطالبها المختلفة.. وهذا يتطلب مفاهيم جامعة وقيادات واعية، تحول الخلافات والتباينات الى تعددية وغنى وتكامل وتنوع لمصادر قوتها.. وتفهم اهمية وحدة مصير المنطقة وشعوبها ودولها.

الدولة.. القوى السياسية.. صناعة الاعداء وخسارة الاصدقاء‏

عادل عبد المهدي

من السهل تعبئة جمهور ساحة ضد الساحات الاخرى.. لكن من الصعب تعبئة الشعب وتوحيده بكل ساحاته، ضد الارهاب والتمييز والفساد والتخلف والفقر والظلم وضمان الحقوق الخاصة والعامة والمصالحة والوحدة. فيسهل كسب جهال الشيعة ضد السنة.. وجهال السنة ضد الشيعة.. واقناع جهال الكرد بعدوانية العرب.. وجهال العرب باطماع الكرد والفرس، وقس على ذلك.. فالتجارب الماضية علمتنا الاسباب والابعاد والمآلات. لذلك وقف كثيرون يختلفون في الفكر والمذهب والقومية والدين ليتضامنوا ويبرهنوا انهم يرفضون الفتنة والظلم والعدوان.. لا فرق ان قام بذلك عربي او كردي، سني او شيعي.. فالعراق يمتلك كل ما يسمح للنهوض كشعب ووطن لاستثمار مصالح ابنائه المشتركة وبناء امنهم المتبادل وضمان المستقبل للجميع. هذا هو طريق الحق.. وهو طريق صعب، فالبناء والاصلاح والتعايش يتطلب وعياً وامانة.. اما الباطل فهو طريق سهل رخيص.. فعقول الجهال والسذج يسهل انجرارها لمنطق الفتنة وقبول الاكاذيب والادعاءات واتهام الاخر وصناعة الاعداء. فالمنهج الاول –في نظر البسطاء- منهج الضعفاء والمتخاذلين الذين لا يدافعون عن حقوق جماعاتهم وشعوبهم.. غير مدركين انه المنطق الشجاع المسؤول الذي تخرج الملايين في هذه الايام لتحيه في موقف الحسين (ع). لذلك يساورنا الخوف والقلق عندما ينحصر كلام الناس وهمومهم بالازمات الخدمية والحياتية والسياسية والاقالات والاعتقالات وتجييش الجيوش و(340 عقوبات) و(4 ارهاب) واستمرار القتل والموت وقطع الطرق والرشاوى والفساد. فالدواء وكثرته، ورفض الجسم له معناه خلل كبير والحاجة لحلول استراتيجية، نعتقد ان البلاد وضعت اسسها في 2005- 2006.. فالازمات وما يجري، ليست بشائر الخير لبناء بلد اضعفه الاستبداد وقسمته وارهقته الحروب . ستمر الايام وسط الضجيج وفوضى حشد العصبيات المتقاتلة.. لنجد ان العنف والارهاب والفساد والتخلف عزز مواقعه.. وتفككت الوشائج الوطنية والاجتماعية.. وبتنا نسقّط ونقاتل بعضنا.. لنزداد عداوة، او لنعود نتفاوض ونجلس سوية نتبادل المجاملات.. دون ان يزداد الحاكم والشعب قدرة واطمئناناً.. بل سيضعف الجميع في مسلسل تكرر –ويتكرر- ولم نتعض منه.. ففي كل مرة، يخدع الحكام والقوى السياسية انفسهم، كل من موقعه.. فيتصورون، ويصورون للرأي العام -او للسذج والبسطاء- بأننا قاب قوسين او ادنى من النجاح والنصر.. اما الحقيقة، فاننا نكرر الخذلان والفشل ونخسر المزيد من الاصدقاء.. لنصنع المزيد من الاعداء والمشاكل وعوامل الضعف والهزيمة.

سوريا.. ما بعد النظام

عادل عبد المهدي

‏ منذ حوالي العامين وسوريا الحبيبة تنزف دماً.. فالنظام يتعامل مع المعارضة ككل باعتبارها ارهاباً دون تمييز الارهابيين والتكفيرين عن المعارضة الحقيقية والتي لها تمثيل واسع وكبير.. بالمقابل ترفض المعارضة اي حل للاوضاع الراهنة قبل رحيل الرئيس الاسد. هذا الوضع سيستمر لفترة طويلة حتى مع تغير المواقع، مما يعني الاقتتال وتدهور الموقف لغير مصلحة النظام وحلفائه.. والمعارضة وحلفائها. وسيكون المستفيد الاكبر الارهاب والتكفير واسرائيل واعداء سوريا.. فالاخطار والاضرار ليست مؤقتة وانية فقط.. بل ستكون مزمنة ومستقبلية ايضاً. فعندما رفضت الاطراف الداخلية والخارجية التغيير الذي بات ضرورة لازمة في العراق قبل الانتفاضة في 1991 وبعدها لحسابات قصيرة النظر.. وتذرعت بامور لا تختلف عما يستخدم اليوم لابقاء المعادلة القائمة انذاك.. فان الضرر لم يصب الشعب العراقي وقواه السياسية فقط.. بل اصاب المجتمع ايضاً بتقسيمه وتهجير الملايين من ابنائه.. وهدم كيان الدولة ودمر البنى التحتية واغرق البلاد بالبطالة والديون وانوع المشاكل.. وهو ما نعاني منه وسنعاني منه لفترة طويلة قادمة.. فخسر النظام السابق وانصاره كل شيء.. وحدثت تداعيات اقليمية ودولية خطيرة ما زالت تفعل اثارها السلبية في الواقعين العربي والاسلامي والدولي. يقول النظام السوري انه يريد الاصلاح والتغيير.. وتقول المعارضة باسقاط النظام لاحداث التغيير.. والاطراف الاقليمية والدولية لا تعارض التغيير بل تشدد عليه.. فلنضع تصوراً لنظام ما بعد التغيير.. ونفترض –بسذاجة- تعاون الاطراف بشكل ما ليزيحوا من الصورة كل ما يجب بقاؤه خارجها.. ويؤطروا ما له موقعاً طبيعياً فيها. لا مكان للارهاب والتخريب والعنف والتكفير والحرب الطائفية.. او لحكم الحزب الواحد والرئيس الدائم والسجون والقتل والتعذيب.. ولا مكان لاضعاف النظام العام والقانون والدولة.. ولتخريب علاقات سوريا الاقليمية والدولية سواء المؤيدة للنظام والمؤيدة للمعارضة.. ولا مكان لان تغير سوريا موقفها من اسرائيل ومن القضايا الوطنية والقومية.. او ان لا تلتزم بسياسات الصداقة والحلول السلمية والالتزامات الدولية. اذا كانت هذه الصورة مقبولة، فان عناصر الحل ممكنة لا تمنعها سوى المخاوف والعوامل الشخصية. فمصلحة النظام والمعارضة وحلفائهم المسارعة بوضع تصورات ما بعد النظام والعمل بموجبها.. فالتغيير قادم لا محالة بشكل او باخر.. عاجلاً ام اجلا.. وكلما اسرعنا في الحل كلما منعنا عن سوريا العزيزة ان تمر بمآسي التجربة العراقية وتداعياتها.

الأحد، 26 أغسطس 2012

أوليغارشية" ومحاصصة.. أم افضل تمثيل ممكن؟‏

عادل عبد المهدي

النظام التمثيلي ليس مجرد اغلبية واقلية تتداول السلطة.. بل الحرص ايضاً على فتح الفرص -وليس حجزها- لكل من يقف خارج التكتلات المغلقة والقوى الكبرى، وفي التقليل من الاصوات الضائعة، ومنع الواطئة -المحمية بقوائمها- ان تأخذ اصوات من يفوقها كفاءة وعدداً. فينعكس ذلك على اخلاقيات السياسيين وطرق صعودهم، واداء البرلمان وواقعه التمثيلي.. ولنمنع التطور لـ"اوليغارشية" الاحزاب الكبرى التي قد تبدأ بشرعية وتمثيلية عالية، لتفقدها بالتدريج.. فتصبح اغلبية بقوانينها فقط، عازلة نفسها عن غالبية المواطنين وتوجهاتها ومصالحها. لم نتطور بعد لنظام "اوليغارشي" بتوصيفات افلاطون وارسطو، لانتخاب الحكام من الاقلية المالكة.. او تطوراته المعاصرة لحكم العوائل او المافيات او الاحزاب المتشرنقة حول بعضها بعيداً عن حراك الشعب وواقعه. لكننا نختزن استعداداً لذلك، بعد تحول المحاصصة لعلة شبه وحيدة لحركة النظام وفاعليته. فشهية القوى الكبيرة لضمان الفوز، واستيلائها على ما يفوق حاجتها من المقاعد، يعكس الخلفية "الاوليغارشية" او "التحاصصية" التي تحكم الطبقة السياسية. فحرصاً على هذه القوى وتاريخها المشرف، والشرعية التي بنتها بدمائها الغالية واصواتها الحقيقية.. نرى اهمية مراجعة فلسفتها وخلفياتها، لتواكب التطورات. ففوز قوى والوان كبيرة ومركزة ضرورة وشرط لاي نظام ديمقراطي، لكن حضور الالوان الاخرى لا يقل اهمية. كذلك فان ضياع نسبة من الاصوات هو امر طبيعي، لكن النظام الجيد هو الذي يقلل من ذلك، لا الذي يزيده. يتحجج البعض بتجارب انظمة الحزبين.. متناسياً التاريخ الطويل لهذه الاحزاب.. وتبنيها تقاليد عمل داخلية شفافة.. وتحالفات واجنحة.. واطارات مفتوحة ومرنة، تجعلها اقرب للبرلمانات المصغرة، تسمح للكفاءات والمستقلين والاطياف المختلفة للوصول عبرها لمواقع التمثيل. تقابلها قوائمنا واحزابنا المأسورة بساحاتها.. المحجوزة بفئوياتها.. الوارثة لتقاليد فترات المعارضة.. والمغلقة على كوادرها ومنتسبيها. مما يوصد الابواب امام جزء مهم من مراكز الحراك الشعبي الايجابي والفعال ليجلس في مواقع التمثيل والتعبير. فان لم نراجع الامور وعياً، فسيصدمنا الواقع قسراً. فحسب الظرف والوقائع، لابد من توازنات صحيحة تقودنا لمرحلة اكثر نضجاً وتقدماً. توازنات تشجع –اولاً- اللملمة في احزاب وتكتلات كبرى بابعاد وطنية، وبجمهور عابر لحواجزها.. وتسمح –ثانياً- للتيارات والكفاءات والاطياف بتمثيل يحرمها منه القانون، يوازي مكانتها وتأثيراتها الاجتماعية/السياسية. فهدف الطبقة السياسية والاحزاب الكبرى –بكلماتها ذاتها- اصلاح النظام وتمثيل الشعب، كل الشعب، وليس مجرد حكم البلاد.

الاثنين، 9 يوليو 2012

عادل عبد المهدي: بغياب الثقة والادارة الناجحة تتعطل الخيارات

تحت العنوان اعلاه كتبنا في 21/6/2011 الافتتاحية ادناه، رأينا فاذدة اعادة نشرها في هذه الظروف: تمر البلاد بازمة عاصفة.. البعض يبالغ فيها.. والبعض لا يعترف اصلاً بوجودها.. بل يتغذى بعضهم بالازمات والتوترات.. كل ذلك والبلاد لا تتقدم.. وان كان هناك تقدم في مجال ما، فليس لادارتنا او رؤانا الصحيحة، او ثقتنا بغيرنا وعلاقاتنا الناضجة السليمة، بل لزخم يشق طريقه نحونا، وقوة تفرض نفسها على رؤانا وسلوكياتنا وقراراتنا. ونضرب مثال النفط ويمكن القياس عليه.. فلقد تلكأنا طويلاً. وتكلمنا عن حلول من داخل البنى والعلاقات والافكار القديمة.. وخسرنا بسبب ذلك اموالاً وفرصاً عظيمة.. ولم تحدث بدايات التحول الايجابي الا بعد ان قمنا بتوقيع عقود التراخيص وسط مقاومات شديدة من تشويشات وسلوكيات الماضي الداخلية والخارجية.. مما تطلب شجاعة كبيرة من بعض المسؤولين في حينها.. فاعطيت المسؤوليات للشركات المؤهلة.. فبدأت الرؤى بالتوحد.. وتشكلت ارضية مشتركة ولغة مفهومة للجميع.. فتوقف تدهور الابار، وبدأت معدلات الانتاج بالتصاعد، وهو ما حقق مصلحة البلاد وبقية الاطراف على حد سواء. فالنجاح تطلب رؤية واضحة وقرارات استراتيجية.. تطلب الوقوف ضد الرغبة في القيام بكل شيء بمفردنا.. تطلب استثمار رغبة الاخرين في التعاون معنا وتحقيق منافع مشتركة.. تطلب فتح الابواب للافكار والممارسات الجديدة ان تأخذ مساحاتها ومبادراتها.. تطلب ان "نعطي الخبز للخبازة حتى لو تاكل نصه".. فان نعطي شركائنا، او ان نعطي الخبرة والكفاءة والتنظيم الجيد والجهد المبذول الحقوق والمحفزات، هو -في الحقيقة- اعطاء انفسنا فرص منع الخسائر والتدهور.. فتتغير المسارات نحو تحقيق النجاحات.. والدخول في منطق متصاعد يغذي بعضه بعضاً نحو الاعلى، كما تغذي الازمات والاخفاقات بعضها بعضاً نحو الاسفل. فغياب الثقة بالاخر في السياسة والاقتصاد والامن وغيرها، وعدم وضوح الرؤى في قواعد الادارة الناجحة.. سيغلق المسارات الواحدة تلو الاخرى ليفتح ابواب الازمات على مصراعيها. فالمشكلة الاكثر تعقيداً هي ليست في اختلاف الاجتهاد عندما نقف على ارضية واحدة، واختلاف ادارة الملفات اذا ما كنا نتفق في الاهداف وقواعد العمل.. الازمة الخانقة هي عندما يقف كل منا على ارضية مختلفة تماماً في رؤيته للوطن والمصالح والاعداء والاصدقاء.. او عندما يمارس كل منا قواعد ادارة خاصة به لم تبرهن على نجاحها.

عادل عبد المهدي: التيار لمصلحة العراق.. لكنه يسبح ضده

يمر العالم بتغيرات مستمرة محورها سعي امريكا للمحافظة على صدارتها، مع تراجع قطبيتها، وجهود اوروبا لمواجهة المنافسة بتعزيز وحدتها المهددة..ولايقاف تراجع دورها الذي فقدته منذ الحرب العالمية الثانية، ويستمر صعود اسيا، خصوصاً الصين. وتستعيد روسيا بعض مواقعها، بعد خسارتها لقطبيتها في مرحلة الاتحاد السوفياتي. فالعالم يزداد تشابكاً واعتماداً على بعضه.. لكنه يشهد ازمات سياسية واقتصادية وفي السيولة والمنافسة والتجارة التي بدونها لن تتمكن الدول من ادامة مستويات عيشها ونموها. وتمر المنطقة بمنعطف انهيار مرتكزاتها.. فولدت –بمخاضات-توازنات ونظمجديدة، لم تستكمل وتستقر بعد.. وتصاعد الدور التركي وبنى لنفسه حضوراً غاب منذ سقوط الخلافة.. وتصاعد دور دول الخليج خصوصاً قطر والامارات.. وتشهد السعودية تحديات في البحرين واليمن وسقوط انظمة حليفة كمصر وتونس واليمن.. وما زالت ايران تدافع عن ملفها النوويودورها الاقليمي.. في مناوشات ومفاوضات يسعى الغرب فيها محاصرتها عبر سوريا وسياسات الحصار.. وترد ايران عبر المشاغلةبعوامل الربيع العربي، وفي افغانستان وفلسطين ولبنان والعراق. يقف العراق وسط التيارات المتلاطمة وهو يتمتع بظرف موضوعي لمصلحته واداء ذاتي ضده.. فتراجع الانتاج الليبي والايراني وتقدم معدلات النفط العراقي، لتتجاوز حاجز 3 مليون برميل يومياً، والتوجهلضعف هذه المعدلات خلال سنوات.. يرسم للعراق دوراً سياسياً واقتصاديا كبيراً وطنياً وخارجياً.. وستلعب السيولات النقدية المتحققة والفرص الاستثمارية ادوراً ليست اقل، ان فهمت القيادات اهمية التحول من عقل القومسيونات وتجارة "الجنطة" الى الشراكة والمشاريع والاستثمارات.. واعظم من ذلك، امتلاك العراق التعددية للتعامل مع كل التلاوين الاقليمية والدولية.. فعلاقاته بايران يمكنها ان تتطور بقدر تطورهابتركيا والدول العربية والخليجية.. وباسيا وروسيا بقدر تطورها بالغرب.. ذلك ان استثمرت تعددياته لتحقيق الامتدادات مع تلك الفضاءات، لا ان تكون مصدر تصادم وتعطيل داخلي،واستغلالها لاغراض ضيقة، كما يحصل اليوم. فالعراق انجز التأسيس الديمقراطي والدستوري، الذي بدأ للتو في المنطقة.. ويمتلك قدرات متحققة هائلة، بينما يعاني الاخرون.. وشرط ذلك تبني قياداته منطق الوحدة والحلول التأسيسية بدل التسقيطات والازمات.. والاخذ بالمفاهيم والممارسات الراقية للرشد الاداري والسياسي والتشريعي ونبذ المتخلفة، وفهم دورنا اقليمياً وعالمياً.. لكننا –ما زلنا- نتآمر على انفسنا.. قبل تآمر الاخرين علينا.. وكاننا –شعباً وقيادات- نعشق العذابات والسبح ضد التيار، بدل استثمار قوته واتجاهاته، ولمصلحة الجميع. عادل عبد المهدي

عادل عبد المهدي: المحاصصة والتعطيل والتزوير.. ومفوضية الانتخابات

بعد اشهر من الاختبارات والمقابلات تسنى للجنة الخبراء البرلمانية اختزال العدد من اكثر من 7500 مرشح الى عدة مئات.. ليستقر على عدد برقمين.. من الذين تتوفر فيهم الشروط القانونية والمهنية، (بمعايير الامم المتحدة). وكالعادة تسير الامور جيدة الى ان تصل الى المحاصصة.. فتطرح مطالبات لزيادة العدد لارضاء الاحزاب؟ وحصة هذه الطائفة وتلك القومية وهذه القائمة؟ بل لعل لبعضها حسابات في التاثير على سير الانتخابات عبر ايصال عناصر مطيعة لها تسعى للتلاعب بالانتخابات وتزويرها. فيعطل انتخاب المفوضية وتحديد مواعيد الانتخابات. فالمحاصصة غطاء لمصالح ذاتية.. وهي كاذبة وقاتلة وتؤسس للفساد والتخندق والتعطيل.. وعلى حساب التوازن المطلوب الذي يؤسس لنفسه من داخل المهنية والكفاءة والاستقلالية.. ويخدم جمهور الوطن مع انصاف كل ساحة على حدة. اول عنصر لنزاهة الانتخابات هو نزاهة واستقلالية المفوضية.. باختيار مفوضين.. لا ولاء لهم لغير قانون المفوضية وضميرهم ومهنيتهم.. وليس اقل من ذلك استقلالية الموظفين خصوصاً لبعض المواقع الحساسة.. القادرة على التلاعب بالارقام، خصوصاً داخل القائمة الواحدة.. اما التزوير في الارقام الكلية، فيأتي اساساً من القوى النافذة الرسمية وغير الرسمية، ومن المراكز المغلقة والمناطق المسيطر عليها احادياً، والتي تستطيع التلاعب بالسجلات.. وملىء الصناديق باسماء مرشحيهم.. بعيداً عن رقابة منافسيهم.. وبالتواطؤ مع الموظفين المحليين. فالمفوضون والموظفون المستقلون الاكفاء، يديرون العملية ويؤشرون الاخطاء بمهنيتهم ويمارسون دورهم الحيادي التحكيمي.. مع دور رقابي لا يرقى –بالتأكيد- لدور القوائم والمتنافسين انفسهم.. الذين عبر عشرات الاف المراقبين من انصارهم.. يتواجدون في المراكز الوطنية والفرعية.. وعند كل صندوق، فيمنع المتنافسون –عموماً- بعضهم بعضاً من التزوير.. ويتابعون العد اليدوي في المحطات ويحصلون على النتائج المصدقة.. والتي يشكل مجموعها النتائج التقريبية التي تصبح شبه معروفة بعد سويعات من انتهاء الاقتراع.. على الاقل في الساحة التي تغطيها شبكة مراقبيها. لن تجري اية انتخابات ما لم يتم الاسراع في اختيار اعضاء المفوضية خلال الايام والاسابيع القادمة.. او التمديد للمفوضية الحالية لدورة جديدة. لاسيما والبلاد مقبلة على شهر رمضان المبارك والاعياد. وان تعطيل الانتخابات (كما يحصل مع انتخابات كركوك وكردستان والاقضية والنواحي وتناقص احتمالات انتخابات مجالس المحافظات)، هو تهديد خطير لشرعية النظام والياته. فالامر خطير ويتحمل مسؤولية تداعياته السلطة القضائية والتشريعية والتنفيذية والقوى السياسية، وبلا استثناء.

عادل عبد المهدي: المحاصصة ضد مصلحة الشيعة.. وضرر لغيرهم

المحاصصة ليست من مصلحة الاغلبية الشيعية، كما انها ليست من مصلحة السنة والكرد والتركمان والمسيحيين، او اي مكون اخر. وهي مرض عضال يؤسس لنفسه مبان، تسمح لغير الاكفاء بالتسلق، ويعطل عمل النظام، ويولد الابتزاز المتبادل بدل التناغم والتكامل.. ويدمر كل شيء على حساب الحقوق الحقيقية للمواطنين والجماعات والوطن. غالباً ما يدافع البعض عن المحاصصة باعتبارها تدافع عن الاغلبية السكانية ومنع العودة لعهود التهميش والعزل.. او باعتبارها حامية للاقل عدداً من هيمنة الاكثر عدداً. والنظرتان تحملان نظرة انكفائية بل وطائفية او اثنية تختفي وراء مثل هذه المطالب للدفاع عن مواقع الشخص والحزب، وليس مصالح الجماعة والامة.. اللذان يجدان مصالحهما في التوازن والمؤسسات وما يفترض ان يحققانه من انصاف وعدل وحقوق.. وبما يوفر استمرارية وانسيابية عمل النظام. جهدان ضروريان للاصلاح.. الاول التماهي بين الحقيقتين الاجتماعية والسياسية.. لتنعكس الاولى في الثانية.. ولتصرف الثانية وقائع وحقائق الاولى، دون موانع واشتراطات وتمييز من جهة.. ودون تفضيلات وامتيازات وتسهيلات خاصة من جهة اخرى. والثاني التقيد باحترام التعددية وحقيقة التلاوين والمكونات العراقية المختلفة صغيرها وكبيرها، مع ملاحظتين.. • ان يقف المواطنون بتساو تام امام الحقوق الخاصة والعامة ليحصلوا عليها وفق كفاءاتهم وامكانياتهم وحاجياتهم.. ولتقف الجماعات على ارض محافظاتها لتترتب استحقاقاتها وحقوقها وفق نسبها السكانية او حاجتها ودرجة محروميتها.. فمقاعد البرلمان وتوزيع الموارد والفرص والملاكات والبعثات والقوى المسلحة والحقوق الاجتماعية محورها جميعاً حصول المحافظات على فرص تنسجم واثقالها السكانية. • ان تحمي مؤسسات النظام اللامركزي والاتحادي، ممارسات الاقل عدداً من ارتهان الاكثر عدداً بما يعطل عمل النظام من جهة.. وان تمنع الاكثر عدداً من الهيمنة والتفرد من جهة اخرى. هذان ركنان اساسيان (ويوجد غيرهما) لحماية حقوق المواطنين والمكونات والجماعات.. مع ضرورة مراعاة عوامل استثنائية تحتمها ظروف مؤقتة سابقة او لاحقة كمعالجة الحيف الذي اصاب او يصيب بعض الفئات.. او تعويض اضرار خاصة تلحق ببعض المحافظات.. او حماية مكونات تتعرض لسبب او اخر لضغوطات استثنائية.. او شرائح اجتماعية ظلمت وعزلت ومورس ضدها التمييز والاجحاف، وغيرها مما يجب حمايته ورعايته عبر "كوتا" معينة او رعاية خاصة.. هدفها التطوير والتمكين وحماية الحقوق، وليس المحاصصة والتعطيل

الأربعاء، 13 يونيو 2012

عادل عبد المهدي: دولة الري المركزية.. النفط.. الاستبداد الشرقي


يقول ويتفوكلفي كتابه "الاستبداد الشرقي"المنشور في خمسينات القرن الماضي، حول مجتمعات اسيا ووادي الرافدين قديماً، ان الدولة التي تسيطر على المورد الاساس (المائية في حينها) وتديره منفردة تصبح دولة شخصانية، استبدادية بالضرورة..وكلما ابتعدت المدن والقرى عن مركز السلطة كلما تمتعت بحريات اوسع لا يتمتع بها من هو قريب من الحاكم وعسكره وشرطته وجواسيسه. والسبب ليس قبول الحاكم بهذه الحريات.. بل صعوبة قيامه باعمال القمع والسيطرة من الناحية المادية والعملية.. ويسمي ذلك بقانون "الاستبداد المتناقص"، دون ان يعني ذلك ان الحاكم لا يجرد الحملات بين وقت واخر للتأديب.. وان هذه المناطق ستعيش بالضرورة حريات حقيقية.. فالحكام المحليون قد يفوقون في عنفهم وبطشهم"المستبد الاعلى"، فيستنجد الناس بالسلطة المركزية لتخليصهم. او ان ينتفض الحكام المحليون ويسيروا جيوشهم للاستيلاء على مركز الدولة. لاشك ان اطروحة "الاستبداد الشرقي" فيها الكثير من مواضع النقاش والتعلم والاختلاف... فلا تخلو احياناً من نظرات عنصرية وتطرف ناقشناها في بحث مطول نشر عام 1979 بعنوان "الاستبداد الشرقي، دولة الغرب في الشرق".. لكن الكتاب يحتوي ايضاً على حقائق وتفسيرات.. ولعل اهمها انه اعتبر ان اعتماد بلاد الرافدين ومصر والهند والصين على نظم الري الهيدرولية استوجب قيام دول شديدة التمركز والتسلط، التي وان كانت قد ساعدت في فترات معينة على تنظيم الاقتصاد الزراعي والحرفي، لكنها حجزت لاحقاً امكانات التقدم عندما تطورت الظروف واستوجبت التحرر من النمطية الاحادية للانتاج وسيطرة الدولة عليها، فانحبست الامور ولم تستطع ملاحقة المستجدات وبقيت جامدة، سلبية، عصية على التطورات الاقتصادية والديمقراطية. عمل "ويتفوكل" الاكاديمي يؤكد، مثل غيره، علىدور العامل الاقتصادي في تكوين البنى السياسية..والعراق مثال لتاثير النفط كمصدر احادي للاقتصاد (كالري قديماً) وتأثيراتهالتاريخيةفي تنامي اجهزة الامن والقمع وعسكرة المجتمع والدولة واحتكارهالشؤون الحياة، حاجزة مجالات الاصلاح والتطور الاقتصادي والسياسي.. فاذا صح ذلك من حيث تأثير الاقتصاد على السياسة، فهل يمكننا الاستنتاج ايضاً، ان الطوائف والقوميات تلعب اليوم ما كانت تلعبه "المناطق البعيدة" التي تسعى للخروج من سيطرة المركز والاحتجاج عليه، خصوصاً عندما يسعى المركز للاستئثار وانكار الحقوق؟

عادل عبد المهدي: ازمة ثقة باشخاص، بقوى، ام بنظام؟


تجتمع قوى "نزع الثقة" مرة اخرى.. وتؤكد الاستمرار بحشد قواها.. ويستمر "رافضو النزع" حملتهم ويعلنون فشل المحاولة معززين قناعاتهم بالبيان الصادر من رئيس الجمهورية.. ولم يوقع المجلس الاعلى والاصلاح والفضيلة والتغيير واخرون لكنهم ايدوا –بتفاوت- مطالب اربيل والنجف الاخرى، واستمرت اجتماعاتهم بالاطراف المختلفة، ونأوا بانفسهم عن كيل الاتهامات وشن الحملات، فاشاد البعض بحصافة سلوكهم.. ووصفه اخرون بحبل النجاة والتذبذب. وتطورات موقفهم حاسمة للتوازنات عدداً ونوعاً.. والتاريخ سيحكم. يمكن التوقف عند سحب الثقة من حيث توقيته والياته وجدية وجدوى مآلته.. لكنه من المعيب الطعن بديمقراطيته واتهام القائمين به بالتآمر والخيانة واثارات اخرى.. فرئيس الوزراء لم يات على ظهر دبابة، بل جاء بانتخابات، وساهم بمنحه الثقة من يريد نزعها عنه اليوم.. فاذا كان الصوت نافذاً وسليماً ووطنياً في التأييد، فلماذا يكون مخرباً ومزوراً ومتآمراً، في الاعتراض.. فرئيس الوزراء رحب ببيان رئيس الجمهورية للاجتماع الوطني.. الذي يجري –كما يشير اسمه- بين قوى وطنية وشريكة، حتى وان اختلفت فيما بينها. وبعيداً عن محاكمة النوايا وتشخيص المصالح، فالسعي لنزع الثقة ممارسة ديمقراطية.. ودليلها جمع التواقيع، نجحت او فشلت، رغم ان "الخطوة ليست الزامية لرئيس الجمهورية"، كما يؤكد بيانه الاخير الذي يختمه بضرورة الاجتماع الوطني "سواء تم سحب الثقة او فشل". فالامر يحسمه البرلمان، لرئيس الوزراء او عليه.. الذي يمكن تحت قبته تبيان سياسته واستمرار تمتعه بثقة الاغلبية من عدمها.. او الطلب مع رئيس الجمهورية حله، فان وافق مجلس النواب فالذهاب لانتخابات مبكرة.. او معايشة الازمة وممارسة الضغوط والضغوط المضادة، التي قد تتمكن –رغم اثارها السلبية- من منع الانهيار الكامل، ان بقيت في اطار الاجراءات الدستورية والقانونية، ولم تنزلق اكثر في الممارسات المتشنجة والمستهجنة واللاديمقراطية المتزايدة –للاسف- اليوم. الازمة –بسلبياتها- معلِم ديمقراطي ان احترمت القواعد الاساسية للممارسة.. فان فرط العقد، وانتقلت العملية ليضع كل طرف قواعده الخاصة.. ليفرضها على مخالفيه والبلاد، فهذا طريق المتاهات.. وفتح الملفات والملفات المضادة.. والاتهامات والاسرار الكاذبة والحقيقية التي تنام لسنوات لتفتح بحق او باطل، او تفبرك، عند الخلاف.. واستخدام الاموال وشراء الذمم.. وانقسامات متزايدة على الارض وبين القوى العراقية والاقليمية، واحتمالات التصادم.. وفرض الامر الواقع. عندها وداعاً للديمقراطية الهشة اصلاً، ولو الى حين.

الأحد، 10 يونيو 2012

عادل عبد المهدي: الفيدرالية ليست لعبة للتمترس.. بل لضمان الحقوق ووحدة البلاد

في مفاوضات الدستور اظهر الائتلاف (التحالف الشيعي) حماساً شديداً للفيدرالية.. لكن "التوافق" (السنة العرب) اعترض واعتبرها بداية للتقسيم. مورست ضغوط امريكية وبريطانية لالغاء المواد المتعلقة بتشكيل الاقاليم.. اطراف "الائتلاف"، اي المجلس، وبدر، والدعوة بجناحيها، والفضيلة، ومستقلون تمسكوا بالمواد، بعد ان وقعوا جميعاً وثيقة "مبادىء وسياسات" الائتلاف المتضمنة اقامة اقليم الوسط والجنوب، مع تحفظ "الصدريين" مهمشين "بعد انهاء الاحتلال".. لعب "خليل زاده" دوراً مكوكياً واقترح مع السفير البريطاني حذف المواد من الدستور مقابل تعهد مكتوب بعدم تدخل البلدين لمنع البرلمان اصدار القانون.. والذي تعهد الطالباني والبرزاني بتأييده كتابة.. وان ينص الدستور على استثناء القانون من موافقة "مجلس الرئاسة" وحق الفيتو (المادة 134/خامساً/أ).. وتم تسلم التعهدات اعلاه، واقر قانون الاجراءات التنفيذية لتشكيل الاقاليم في الجلسات الاولى للبرلمان. واجهت اطروحة اقليم الوسط والجنوب هجوماً قاسياً حتى ممن ايدوها سابقاً من "الائتلاف".. لهذا ربط البعض بين تراجع شعبية "المجلس" في انتخابات المحافظات والمطالبة بالاقليم.... ومع ازدياد تركز الحكم بيد جهة واحدة، نظمت "الفضيلة" استفتاء لتحويل البصرة الى اقليم.. وبدأت المحافظات الجنوبية والوسطى والغربية ونينوى بمطالبات مشابهة.. واخيراً، وامام حملة قوى "اربيل والنجف" بسحب الثقة، دعا محافظو "دولة القانون" لاقامة اقليم الوسط والجنوب. في سبعينات القرن الفائت، اقرت بغداد الحكم الذاتي لكردستان.. الذي بدا كاريكاتوريا انذاك.. لكن الفكرة يغذيها الواقع او يرفضها. وان استمرارها وتطورها يؤكد مع الاعترافات والمطالبات الجماعية اعلاه، ان الفيدرالية حل ونظام للحماية وتوزيع السلطات والقدرات والفك بين المشاحنات. فالمشكلة العراقية في جوهرها هي الدولة التي تتمركز سلطاتها وصلاحياتها وامكانياتها بيد واحدة.. مسببة الانفجارات المتلاحقة والشكوك. المركز يدين ويتهم.. والاطراف –بغياب الفيدرالية المتكاملة- تسعى لحماية نفسها باجراءات صحيحة او متطرفة. فالفيدرالية واقع سيفرض نفسه.. ولانها كذلك فلابد من تنظيمها بدل تركها للاهواء والظروف.. اما المناورة بها واستخدامها عند الحاجة، فسيزرع الشك والارتباك بقدرتها كنظام يخرجنا من التقسيم الواقعي واحتكار السلطة.. فهي ملائمة تماماً لحسن ادارة البلاد، ويمكنها ان تستبطن حلولاً للمشاكل القومية والمذهبية وغيرهما... خلاف المخاوف التي لا تصنع نظاماً.. او تبرير منطق احتكار السلطة الذي قدمنا اغلى التضحيات للتخلص منه. والازمة الحالية بعض افرازات غياب الفيدرالية كنظام متكامل، نؤكد كنظام متكامل.

عادل عبد المهدي: أزمة ادارة.. تولد ازمة طوائف وقوميات

الازمة المتصاعدة في جوهرها ازمة ادارة واختلال علاقة بين الدولة وشعبها.. فما دامت مواقع القدرة هي اموال النفط والسلطة والدولة، فسيعيش العراق هذه الازمات باشكال متكررة ومتجددة.. وما لم تنتقل مواقع القدرة والثروة الى المجتمع والجامعات والمدارس والمستشفيات والملاعب والمسارح وانواع الفنون والاسواق والاقتصاد والمصالح الصناعية والتجارية والزراعية والخدمية والاجتماعية، ليصبح التنافسفي تلكالساحات وقدراتها واعتبارياتها، وليس في الدولة او عليها، فاننا سنستمر بتجديد الازمات.. التي نختفي فيها وراء جماعاتنا وقومياتنا وطوائفنا. عندما تصبح الدولة -وليس المجتمع- مصدر الثروة والقدرة الوحيدتين.. ولا يكون هناك من طريق امام من يمسك بمقاليد السلطة سوى الاستيلاء على المزيد، فان ممارسة نمطية ستتولد لطرد الاخر والطعن والشك به..كلما اقترب من مواقع السلطة والقدرة. عندما يحصل ذلك، والعراق مثالاً، فان الاخر سيحتج ويتمرد،عن حق او باطل، ليعطيللحاكمحججاً وقناعات بنظرية المؤامرة، خصوصاً عند اللجوء للدول الاخرى.. هرباً من الملاحقة او البطش، او عند تقاطع المصالح الخارجية ومصلحة الحكم. هكذا عاش العراقيون لعقود طويلة. لهذا عندما سقط النظام الاستبدادي،ووقفت المرجعية الدينية العليا،والعديد من القوىتطالب بدستور تعده جميعة منتخبة،فان الهدف كان استخلاص تجارب الماضي وبناء نظام ينصف الجميع، بتوزيع الحقوق على الشعب بشكل متساو.. وبجعل الدولة راعية تحكم وفق منطق الانتخاب والتداول والمساءلة وتوزع السلطات والقدرات. لكن القوى السياسية، والحكومات الجديدة غرقت في شؤون الدولة اكثر من اهتمامهابشؤون الشعب والمجتمع.. شجعها على ذلك الارهاب والعنف،الذي لم يترك سوى تعزيز قدراتها وقواتها.. كما شجعتها العلاقات الدولية الجديدة التي يهمها اولاً العقود والصفقات، قبل اهتمامهابالمجتمع واستعادة الشعب لحقوقه.. ومع زيادة الواردات النفطية، ازدادت هيمنة اقتصاديات الدولة، وازداد التنافسوالتنازع -بدل التعايش- ليصبح القاعدة الاساسية في علاقة البعض بالبعض الاخر. بعيداً عن الاشخاص والاحزاب والمصالح الاقليمية والدولية وادوارهم، فان الازمات مرشحة ان تزداد ما لم تقلب العلاقة، لتصبح القدرات ومجالات التقدم والرقي بيد المجتمع اساساً لتأتي الدولة مكملة وخادمة.. عندها سيأخذ التنافس طابعاً ايجابياً -وليس اقصائياً او عدائياً- وسيوفر لنفسه مساحات رحبة تسع الجميع.. وليس كما هو الامر اليوم، عندما يجري الصراع في مساحات الدولة الضيقة التي قاعدتها التفرد والطرد.

الثلاثاء، 29 مايو 2012

عادل عبد المهدي:المجلس الاعلى.. من رحم الاخفاقات تولد النجاحات.. والعكس صحيح

برز "المجلس الاعلى" منذ ثمانينات القرن المنصرم كاهم قوة سياسية عراقية.. فاتجهت اليه الانظار.. والتفت حوله جموع كبيرة.. وخشيت منه وخاصمته اخرى. فاز "المجلس" بانتخابات مجالس المحافظات الاولى.. وكان حجر الزاوية في فوز "الائتلاف العراقي" في انتخابات الجمعية، وفي الدورة التشريعية الاولى.. وتصدر العمل لاعداد الدستور.. وتشكيل اولى الحكومات.. وتصور ان هذه النجاحات قد وفرت له رصيداً متواصلاً، وتسرب الغرور والكسل الى جوهر مناهجه وتنظيماته.. ولم يستوعب كلياً التطورات الجديدة.. وتفككت بعض طروحاته.. فجاء اداؤه في انتخابات 2009 (المحافظات) مخيباً للامال.. وبدت تشكيلاته قديمة، مفككة، فاقدة المبادرة، عاجزة عن تجنيد جمهورها، ناهيك عن جمهور الوطن. ولم يستوعب ان الثوابت شيء ومناهج العمل شيء اخر.. وان تكرار النظريات والثوابت والمبادىء بمفردها لا تبني حركية سياسية.. وان طروحات المعارضة قد انتهت.. والاوضاع بحاجة للتجديد والتعامل مع منطق الدولة وبناء المجتمع. وان تعبئة الشعب وبناء التحالفات والنظريات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والخارجية تختلف عن رفع السلاح ومعارضة الدكتاتورية. بدا لكثيرين ان طروحات "المجلس الاعلى" قد ذبلت وانتهت.. وهي انطباعات وجدت صداها داخل "المجلس" وقياداته وجماهيره العريضة. فبدا كل شيء في تراجع الا صلابة النواة.. وتقوى العمل امام الله والمرجعية والمواطنين.. والامانة لدماء الشهداء،.. والتي امامها تنحني القامات.. وتعترف بالاخطاء.. وتراجع نفسها.. وتستعد للاصلاحات.. وتتجرأ في تجديد الافكار وتغيير الدماء، وفقاً لسنن الحياة.. لتعتمد الروحيات الشابة فكراً ونشاطاً، والعمل والانتاج معياراً.. ولتأكيد ما برهنت الحياة صحته ونبذ البالي والمستهلك. فاصدر بيانه العلني الجريء في 2/2/2009 مهنئاً الفائزين واعداً بمراجعة اخطائه، وببدء حملة اصلاحات تنظيمية ومنهجية كبيرة. لم يتخلص "المجلس" من عوامل العطل والعرقلة كاملة.. لكنه يمتلك اليوم ما يكفي للتدليل بانه يتقدم متجاوزاً عوامل التراجع.. وانه ليس جزءاً من الماضي فقط.. بل هو جزء واعد من المستقبل ايضاً.. وان خطاب رئيسه النافذ، ومؤتمره الاخير، والجموع الغفيرة لتنظيماته التي احيت "يوم الشهيد"، خير دليل على عودة الحيوية لبنيته وافكاره.. والمطلوب الاستمرار بتطويرها. والخطر الذي يهدده اليوم هو ان يتوقف عند هذا النجاح الجزئي.. ليأخذه الغرور مجدداً.. فالنجاح باب من ابواب الهزيمة، ان لم تدرس عوامله ومخاطره ومغرياته في آن واحد.. لاستثمار الاولى.. ومواجهة الثانية.. والتصدي للثالثة.

عادل عبد المهدي:أربيل، النجف.. صراع قوى ومؤسسات، ام صراع جماعات؟

العراق بلد ورث الكثير من الانقسامات والصراعات والقضايا المثيرة للخصومة بل للاقتتال.. ومصلحتنا جميعاً تصريف هذه الشؤون وجعلها ملفات في مؤسسات الدولة والمحاكم ووسائل الضغط والاعلام.. بطرق حضارية عادلة تبقي الاختلاف مدنياً وسلمياً يستخدم الوسائل التي يتيحها الدستور حقيقة وليس لفظاً او ادعاءً.. ويضمن حق التعبير الحر عن الرأي والتنظيم والتظاهر.. بعيداً عن الانتقائية والرشوة والتهديد والابتزاز. بخلافه ان تحولت الاختلافات الى خلافات وانقسامات في الشارع والمجتمع والجماعات، ليصبح لكل طرف قانونه الخاص.. ومنطقه ووسائله المتفردة في الفهم، او الصراع، فاننا ندمر وحدتنا التي ندافع عنها لكننا ننسف اعمدتها.. ونعبر عن عدم احترام لشركائنا، بل لانفسنا وذكائنا وحكمتنا.. ونغلب غرائزنا ووحشيتنا التي ستأكلنا وغيرنا. والخلافات على مستويين.. اما بين اطراف تتشارك السلطة.. او بين الجماعات خارجها.. ولدينا امثلة للنوعين. وازمتنا اليوم هي بالخلافات بين جماعات وقوى لديها جميعا ممثليها في السلطة والدولة وبكافة المستويات الاتحادية والمحلية. ولا حل للخلافات بين اجنحة السلطة غير مؤسسات الدولة وتحت قبة البرلمان.. اما الخلاف بين الجماعات والمكونات فحلوله من خلال العقد التأسيسي والدستور واحترامه نصاً وروحاً، وما يتوصل اليه الفرقاء تحت مظلته من توافقات واتفاقات. وللاسف الشديد، يحاول البعض تحريك الشارع والرأي العام وحساسيات كل جماعة لشن حملة من التشويهات والتسقيطات لخدمة اهداف تضع الزيت على النار وتحرق الوطن ومكوناته بدون استثناء. وهذا اسلوب وطريق خطير.. لان ما يستطيع طرف ان يفعله يستطيع طرف اخر ان يقوم به ايضاً. فاذا اضعفنا دور المؤسسات ووضعنا الدستور على الرف نأخذ منه ما يفيدنا ونعطل ما يلزمنا.. وافقدنا الدولة والحكومة والمسؤولية والموقع اتحادياً او محلياً ادوارها الراعية والحيادية، لتصبح ملكاً لطرف ضد اطراف، فاننا حقيقة نتآمر على انفسنا قبل التآمر على غيرنا. فلقد اخترنا المؤسسات طريقاً للمنافسة. فاذا خرجنا الى سواها، متعمدين او جاهلين، فلن نسقط شرعية غيرنا بل سنسقط شرعيتنا ايضاً، لنعود الى سلوكيات الماضي. ولقد اخترنا الدستور ومؤسساته وقوانينه المستندة اليه -وليس بالضد منه- حكماً بيننا.. فان تفردنا برؤيتنا، واصبح لكل منا حكمه وتفسيره الذي يعمل به دون الاخرين، فكأننا نمزق العقد الذي ابرمناه بملىء ارادتنا، ووضعنا فيه امالنا وتصوراتنا وتوازناتنا ومعادلاتنا وعوامل نجاحنا ونجاح الوطن والمواطن.

الأحد، 20 مايو 2012

الدفاع عن سنة وكرد العراق، دفاع عن شيعته، والعكس صحيح

عادل عبد المهدي – جريدة العدالة - بغداد تمر العلاقات بين مكونات الشعب في منعطف خطير.. والاخطر ليس الخلافات السياسية والدستورية.. بل حملات الكراهية والتسقيط غير المسؤولة التي تؤسس لرؤية وعلاقات عدائية ومتعصبة. فعندما ينتقل الكلام من المستوى السياسي الى اوصاف ونعوت العداء والكراهية والكذب المجرد، فنحن نؤسس لحالة متفجرة لا حل لها. وعندما يسيطر الهياج ويصبح التصعيد عقيدة لتحقيق رصيد شعبي في هذه الساحة بالضد من الساحات الاخرى.. اوعندما تبدأ القوى السياسية بالخوف من زخم جمهورها الطائفي والعنصري وتناغم الموجة السائدة.. فنحن امام منزلق لا رابح فيه سوى المزيد من التمزق والتراجع والفشل. يجب ان تفتخر المكونات الاساسية الثلاثة وغيرها بتاريخ مشرف في الكفاح والجهاد ضد الاستعمار والاستبداد. ولا يحق لاحد المزايدة او السقوط فيما كانت السلطات تتهم به الاخرين. لا توجد عائلة قدمت من التضحيات لوحدة البلاد ومقاومة الطغيان كما قدم ال الحكيم والصدر والبارزاني والطالباني والسامرائي والشمري والبدري وغيرهم من عوائل كريمة وقوى مضحية. ولا توجد جماعات قدمت من التضحيات كما قدم المراجع العظام والعلماء والمجلس الاعلى وحزب الدعوة والتيار الصدري في مقاومة الطغيان والانتفاضة وجهاد الاهوار .. او كما قدم الكرد والبارت واليكتي في حروب المقاومة والانفال وحلبجة وغيرها.. او كما قدم الحزب الاسلامي والجماعات السلفية/الصوفية وجماعات الضباط والمدنيين المقاومين للحكم.. او كما قدمت حركة الوفاق والبعث السوري والشيوعي والقوميين. لم يتردد المرجع الاعلى الحكيم (قدس سره) بافتاء حرمة مقاتلة الكرد، رغم اتهام السلطات لهم بالانفصال والصهيونية.. ولم يتردد ابناء الجنوب والوسط من ضيافة واستقبال الكرد المهجرين.. وكذلك يلقى من يهرب الى كردستان من فئات الشعب الاخرى.. التي اصطفت غالبيتها ضد صدام في حروبه مع ايران والكويت، رغم ضغوطات النعرات القومية والطائفية. فان نتناسى ذلك كله، ونجعل الخلافات والاخطاء او الانحرافات السياسية، تستثمر تعقيدات الظروف السابقة والحالية، لتصوغها ثقافة متهافتة واتهامات رخيصة، فهذه جريمة كبرى سيدفع العراقيون، وغير العراقيين، ثمنها غالياً. فلدى الجميع ما يعتز به من تاريخ وحاضر مشرف.. وعلينا كلنا الحفاظ عليه.. بل تطويره واللجوء الى رصيده ومبانيه لتطويق الازمات والسعي لحلها والتقدم للامام.. لا لتمزيق انفسنا.. وبناء نفسيات تسعى للدفاع عن مواقعها، او اخطائها، باشاعة "فوبيا" او هستيريا الخوف من الاخر.

نظرية المؤامرة

عادل عبد المهدي – جريدة العدالة - بغداد ان نظام المخاوف الذي يضمن البقاء.. ونظام المصالح الذي يضمن التطور هما جزء من منظومة واحدة كالشرايين والاوردة.. وان واحدهما دون الاخر يقود للموت وبالضد من الهدف المخصص له.. ونعتقد ان بلداننا غرقت لاسباب عديدة في المخاوف وتتأخر عن توفير المصالح.. مما يهدد تطورنا ومقاوماتنا مجتمعين. وعندما يطغى منطق المخاوف فانه سيشمل كل الاتجاهات. فصرنا اكثر خوفاً فيما بيننا، ومع الاطياف الاخرى في مجتمعاتنا.. وبين بلداننا.. ومن دول العالم ككل. وتوسعت نظريات التآمر، وباتت منظاراً شبه وحيد لرؤيتنا للاخر.. ودخل القلق الشديد نفوسنا، وصار شعورنا الدائم اننا مهددون، وان الاعداء يحيطون بنا. فعندما يقودنا الخوف على مقوماتنا العقائدية والجماعية وتقاليدنا للانكفاء فقط، ولا نجد الحلول البديلة التي تحافظ على تطورنا وتسمح بمواصلة تقدمنا فاننا سنهزم، ونكون اضعف في الدفاع عن مواقعنا ومكانتنا.. وسنظهر كامم وشعوب متخلفة لا تمتلك مقومات التقدم والرقي. لقد تعرضنا لهجمة شرسة.. لكننا، في ملفات كثيرة، ساعدنا اعداءنا ومستعمرينا اكثر مما ساعدنا انفسنا. فعرقلت المخاوف تطويرنا المناسب لمدارسنا وجامعاتنا، ووسائل الاقتصاد والادارة، والمعارف والبحث والمختبرات والنظم السياسية والعسكرية والامنية والعمرانية والخدمية الملائمة، ووسائل التأثير والتعبئة كوسائط الاتصال والنشر والاعلام.. ولم نواكب ونطور ما كان لدينا قبل قرون من مؤسسات واصول ومكتسبات كانت بمعايير زمانها الاولى في هذه الحقول، فدمرنا ما لدينا ولم نتعلم مما لدى غيرنا. مما جعلنا على الاغلب متلقين متأخرين بدل ان نكون مبادرين ومتقدمين.. وكذلك في موضوعات الرعاية والصحة وتقاليد الطعام والاكل وطرق الطبخ واللباس والمسارح والفنون والسينما والرياضة ووسائل اللهو والترفيه وغيرها.. فعندما ندافع عن عاداتنا التي كانت تلائم ظروف الحركة والحياة في وقت ما، ولا نراعي التعقيدات والقيود السكانية والبيئية وشروط الصحة والعمل والعيش المعاصرة، فان معدلات العمر والحيوية والنشاط وحسن المزاج العام ستنخفض وستظهر شتى الامراض والمضاعفات. وسيدافع نظام المخاوف عن الشكل دون ان يراعي المضامين وتطورها في الاتجاهات النافعة والمنتجة والصحيحة، مما سيفرض انماطاً لا يستنكرها العقل فقط.. بل يستنكرها شرعنا وقيمنا وممارسات اجيال من اجدادنا قبل قرون.. عندما كان المسلمون يحرصون على انظمة تقدمهم ومصالحهم، حرصهم على انظمة مخاوفهم ودفاعاتهم.

التراشق الشخصي.. عيب وخلل

عادل عبد المهدي (نائب رئيس الجمهورية سابقاً- استقال من منصبه) صاحب ورئيس تحرير جريدة العدالة – بغداد - شخصنة المعارك وتسقيط الاسماء بما فيها الكبيرة.. تمارس اليوم ضد رؤساء ومعارضين ومسؤولين كبار ومحافظين وهيئات.. فهل الخلل في المسؤولين؟ ام في النظام وتقاليد العمل والاخلاقيات؟ مع كل ازمة يبدأ التراشق الاعلامي والتسقيط الشخصي.. فهذا تاريخه مشبوه.. وذاك اتصالاته خارجية.. واخر دكتاتور او متورط بفساد او ارهاب. وهذا دليل لامرين على الاقل.. الاول ان جوهر انظمتنا هي انظمة شخصية وليست مؤسساتية.. فالشوارع العامة مملوءة بصور القيادات.. وخطابنا السياسي مملوء بالـ"انا" والتمجيد الشخصي. كان الامر مبرراً في فترات المعارضة.. فالاستبداد يتطلب قوى سياسية بتنظيمات حديدية وقيادات صلبة تتمتع بقدرات المقاومة والصمود مما يرسخ مفهوم القيادة التاريخية الصعبة الاختراق. والثاني ضعف المناهج في الدولة وفي الاحزاب.. فعندما تتصارع المناهج تكسب البلاد.. فتسقط اوراق وتنتصر اخرى.. دون هدر لكرامة انسان او حقوقه. فيزداد الوعي والتقدم ويربح الجميع.. اما صراع الاشخاص، فالتفرد والتمجيد وشعارات الروح والدم.. او رجم وتسقيط واتهامات واكاذيب وسحل وقتل. وهذا سببه نظمنا الطاردة وليست الجامعة، وما ورثناه منذ الفترة العثمانية وقبلها.. فلم تعرف البلاد طرقاً لتولي المسؤولية وتداولها الا عبر الوسائل التآمرية والعنفية والكيدية. فتعم وسائل التسقيط والادانة على وسائل البحث والمنافسة السلمية والخطط والبرامج والسياسات. وسببه ايضاً ضعف المهنية وفقدان "دساتير العمل".. فمن يراجع امهات الكتب كـ"صبح الاعشى" للقلقشندي، و"قوانين الدواوين" لابن مماتي سيجد توصيفاً او "دستوراً" متكاملاً لكل مهنة ووظيفة بشروطها ومتطلبات نجاحها وفشلها. اما نحن فلقد انقطعنا عن الممارسات الجيدة للماضي ولم نبن عليها.. ولم نجار المعايير العالمية الجديدة. فحلت الفوضى وفقدان المعيارية وانتشار اعتباطية الاحكام في النجاح والفشل.. ليصبح احتلال الموقع المعيار الاساس.. فنصفق لمن يحتله، لنرمي عليه المسؤولية عند تركه. فنراكم التخبط والفساد والشخصنة. وستتضح الصورة اكثر باضافة الاخلاقيات الاجتماعية التي هي رادع مهم لمنع التسقيط اولاً، ولتكريم الشخصيات ثانياً، وحمايتهم ضد "اخطاء المهنة" ليكافئوا على تضحياتهم ومنجزاتهم وهي كثيرة ان نظرنا بانصاف. فالتداول والشفافية والنزاهة والنقد والاستجواب هي ليست تهماً او ادانات بل هي حماية لحقوق المواطنين ولاداء المسؤولين والحق العام.. وان اكتشاف ثغرات او اخطاء تعني تصويب سياسة وليس ادانة اشخاص. فالاخطاء جزء من المسؤولية.. يرتكبها من يعمل.. ويبقى بعيداً عنها من لا يعمل.

الأحد، 6 مايو 2012

تطمين مخاوف المكونات بضمان مصالحها

عادل عبد المهدي احد عوامل الضعف في بلداننا هو ان وعينا وتركيبتنا الجمعية ونوعية اعمالنا ومفرداتنا تقوم الى حد كبير على نظام المخاوف دون نظام فعال للمصالح، رغم اهمية وجود سلوكيتين مترابطتين في اية منظومة لاي كيان حي، اكان نباتاً او حيواناً او انساناً، او انظمة وحضارات، الخ. السلوكية الاولى تحرص في الدفاع عن النفس والتحصن ومنع الاختراق.. والسلوكية الثانية تبحث عن العيش والتكاثر والمصالح المادية والمعنوية والبقاء والتفوق. فهناك اذن نظام تراتبي عميق في التربية والنفوس والسلوك والتقاليد يشكل نظام المخاوف ولدفع الضرر والمفسدة.. ونظام يوازيه مرتبط به للارتقاء وجلب الفائدة والمنفعة. وعموماً يتقدم نظام المخاوف على المصالح. فالاول مسؤول عن البقاء، والثاني عن التطور.. ولاشك ان الاولوية عند اي تهديد ستكون بالخوف على النوع واللجوء للدفاعات من اجل البقاء. النظامان متلازمان وضروريان لعمل بعضهما.. واي تفرد او استغراق سيقود اما الى التخلف والتعطل، او الى التفكك والانفراط.. فاذا ما اخترق نظام المخاوف كامل البنية واصبح هو البداية والنهاية، والمؤسس والهدف فانه سيبدأ باعطاء عكس النتائج المخصص لها. كذلك اذا استغرق نظام المصالح كامل المنظومة ولم تعد له ارض يقف عليها او نسيج يتلبس به او شخصية ينعكس فيها فسيذوب في اخر لا يحفظ بالضرورة مصالحه. والمثالان لهما مصاديق تاريخية كبيرة، والتطرف في احدهما قاد الى نتائج مضادة. فيقود الانغلاق المفرط الى تحلل يوازيه.. والانفتاح المفرط الى انغلاق وانكفاء يوازيانه. يمثل اولهما الكثير من القبائل الافريقية او الامازونية وما يعرف بالهنود الحمر وحضارات كثيرة آلت للانقراض.. لان الاخرين سبقوها واخترقوها بل واستعبدوها.. فانهارت مقاوماتهم واستمراريتهم.. وما بقي منها مجرد عينات ومحميات كنوع من المتاحف التاريخية التي تستجذب السواح اكثر منها كانماط عيش قادرة على البقاء.. والمثال الثاني مثلته الدول والجماعات اليهودية التي غرقت في المصالح.. فتفككت وضاعت وضعفت واستضعفت عبر التاريخ.. لتعود وتحاول ان تؤسس لها دولة متعصبة مغلقة سالبة لحقوق الاخرين. والعراق ان غرقت مكوناته في نظام المخاوف، وجعلت الخوف اساس علاقتها بالمكون الاخر، ونسيت مصالحها المشتركة، او غرق هو نفسه في رؤيته للاخر وفق المخاوف ونسي المصالح، فسيدفع ثمناً باهضاً، بل هو يدفعه فعلاً.. وهذه من اسباب ازمته التاريخية مع نفسه ومع شروطه التاريخية.