عادل عبد المهدي – جريدة العدالة - بغداد
ان نظام المخاوف الذي يضمن البقاء.. ونظام المصالح الذي يضمن التطور هما جزء من منظومة واحدة كالشرايين والاوردة.. وان واحدهما دون الاخر يقود للموت وبالضد من الهدف المخصص له.. ونعتقد ان بلداننا غرقت لاسباب عديدة في المخاوف وتتأخر عن توفير المصالح.. مما يهدد تطورنا ومقاوماتنا مجتمعين.
وعندما يطغى منطق المخاوف فانه سيشمل كل الاتجاهات. فصرنا اكثر خوفاً فيما بيننا، ومع الاطياف الاخرى في مجتمعاتنا.. وبين بلداننا.. ومن دول العالم ككل. وتوسعت نظريات التآمر، وباتت منظاراً شبه وحيد لرؤيتنا للاخر.. ودخل القلق الشديد نفوسنا، وصار شعورنا الدائم اننا مهددون، وان الاعداء يحيطون بنا. فعندما يقودنا الخوف على مقوماتنا العقائدية والجماعية وتقاليدنا للانكفاء فقط، ولا نجد الحلول البديلة التي تحافظ على تطورنا وتسمح بمواصلة تقدمنا فاننا سنهزم، ونكون اضعف في الدفاع عن مواقعنا ومكانتنا.. وسنظهر كامم وشعوب متخلفة لا تمتلك مقومات التقدم والرقي. لقد تعرضنا لهجمة شرسة.. لكننا، في ملفات كثيرة، ساعدنا اعداءنا ومستعمرينا اكثر مما ساعدنا انفسنا. فعرقلت المخاوف تطويرنا المناسب لمدارسنا وجامعاتنا، ووسائل الاقتصاد والادارة، والمعارف والبحث والمختبرات والنظم السياسية والعسكرية والامنية والعمرانية والخدمية الملائمة، ووسائل التأثير والتعبئة كوسائط الاتصال والنشر والاعلام.. ولم نواكب ونطور ما كان لدينا قبل قرون من مؤسسات واصول ومكتسبات كانت بمعايير زمانها الاولى في هذه الحقول، فدمرنا ما لدينا ولم نتعلم مما لدى غيرنا. مما جعلنا على الاغلب متلقين متأخرين بدل ان نكون مبادرين ومتقدمين.. وكذلك في موضوعات الرعاية والصحة وتقاليد الطعام والاكل وطرق الطبخ واللباس والمسارح والفنون والسينما والرياضة ووسائل اللهو والترفيه وغيرها.. فعندما ندافع عن عاداتنا التي كانت تلائم ظروف الحركة والحياة في وقت ما، ولا نراعي التعقيدات والقيود السكانية والبيئية وشروط الصحة والعمل والعيش المعاصرة، فان معدلات العمر والحيوية والنشاط وحسن المزاج العام ستنخفض وستظهر شتى الامراض والمضاعفات. وسيدافع نظام المخاوف عن الشكل دون ان يراعي المضامين وتطورها في الاتجاهات النافعة والمنتجة والصحيحة، مما سيفرض انماطاً لا يستنكرها العقل فقط.. بل يستنكرها شرعنا وقيمنا وممارسات اجيال من اجدادنا قبل قرون.. عندما كان المسلمون يحرصون على انظمة تقدمهم ومصالحهم، حرصهم على انظمة مخاوفهم ودفاعاتهم.