ياسر الزعاترة
الدستور- الأردن ، 18-05-2012
الأرجح أن الرفاق اليساريين، وربما القوميين أيضا سيصابون بالإحباط من جراء تصريحات المفكر اليساري سلامة كيلة الذي وصل الأردن بعد أسابيع من الاعتقال في أقبية المخابرات السورية (سبق أن اعتقل طويلا في السجون السورية)، لاسيما أن بعضهم لم يتردد في المطالبة بالإفراج عنه مع إدانة اعتقاله، وبالطبع حرصا على صورة النظام المقاوم والممانع، لأن سلامة كيلة ليس متهما بالمذهبية كما هو حالنا (مسيحي المولد)، كما أنه ليس متهما أيضا بأنه من ثوار الناتو وعملاء الإمبريالية كما هو حالنا أيضا على اعتبار أن الأرض لا تستوعب ثوارا غير الرفاق إياهم بينما استمرأ الآخرون ركوب قطار الإمبريالية حتى لو غادروه بعض الوقت لهذا السبب أو ذاك!!
لا حاجة للرد على كل هذا الهراء الذي تفيض به كتابات وتصريحات كثيرة هنا وهناك، ودائما لاعتبارات حزبية وطائفية ومذهبية تختبئ خلف شعارات رنانة، ليس فقط لأننا نرد عليه بشكل دائم، بل أيضا لأن التهم التي توجه إلينا هي ذاتها التي يمكن إلصاقها بالغالبية الساحقة من جماهير الأمة خارج الدوائر الإيرانية التي تتحرك وفق روحية مذهبية، مع وجود قلة قليلة من إخوتنا الشيعة الذين انسجموا مع مبادئهم ومبادئ الحسين الشهيد، تماما كما انسجم سلامة كيلة مع المبادئ التي يؤمن بها، تلك التي تنحاز لجماهير الشعوب المسحوقة، وليس للظلم والدكتاتورية.
سلامة كيلة قال بكل بساطة كل ما قلناه، وما يمكن أن يقال عن نظام الإجرام في دمشق، ويبدو أن “نظره القاصر” لم يسعفه ليرى المؤامرة الإمبريالية التي تحاك ضد نظام المقاومة والممانعة، وعليه تبعا لذلك أن يجلس في عمان بين يدي الرفاق ليتلقى دروسا مهمة تعيده إلى رشده!! والأرجح أنهم سيحاولون، وقد يكدون عليه الجاهات لكي يتوقف عن إدانة نظام بشار، لكن الحوار الذي أجراه معه مراسل الجزيرة نت في عمان سيبقى شاهدا على قناعات الرجل التي لا نعتقد أنه سيغيرها ببساطة.
والحال أننا لسنا في حاجة إلى شهادات سلامة كيلة لكي ندرك أننا إزاء نظام دكتاتوري مجرم يواجه ثورة شعبية لا تنتمي إلى مؤامرات خارجية حتى لو أيدها كل شياطين الأرض، فضلا عن أن تكون يتيمة مخذولة يُباع لها الكلام أكثر من الفعل في معظم الأحيان، بخاصة من لدن التحالف الأمريكي الغربي، لكننا مع ذلك سنضطر للاستشهاد بكلامه، ولو لأجل مناكفة الرفاق الذين يطاردوننا بنصوصهم وتصريحاتهم المعجونة بفكر المؤامرة بطبعته الأكثر بؤسا وسطحية في بعض الأحيان.
إليكم هنا فقرات مما قاله سلامة كيلة لا تتضمن تفصيلات اعتقاله وتعذيبه من قبل المخابرات الأسدية، وهي فقرات مهداة لكل الذين يرددون بعض ذلك الهراء الذي نضطر لمتابعته مكرهين كل يوم، أكان عبر المقالات والتصريحات، أم عبر التعليقات على ما نكتب ويكتبه سوانا حول الثورة السورية وشعبها البطل. لنقرأ:
“اكتشفت بعد لحظات من الاعتقال أنني في سوريا كلها من إدلب إلى حلب إلى حوران، بسبب تنوع السجناء وانتمائهم لشتى مناطق سوريا”... “استمعت إلى روايات تعذيب مرعبة، والهدف منها تأكيد النظام روايته المسبقة بأن هناك عصابات مسلحة تقتل وتغتصب وتنهب، وعندما تصبح كل الاعترافات بنفس النص فهذا يعني أن هناك ملقنا”...”كان المحققون يشتمون الشعب الفلسطيني (لأن أصله فلسطيني بالطبع) بأنهم باعوا وطنهم وخانوا سوريا التي قدمت لهم الكثير”....”من التقيته من الشباب في السجن بسيط وطيب جدا، لا توجد لديه ثقافة سياسية، لكنه يعرف أن الأفق مسدود ويجب أن ينكسر، وأن الصراع مع هذه السلطة لا بد منه، وأن المسألة لا طائفية ولا غيرها، هؤلاء شباب من جيل التسعينيات الذي أعتقد أنه سيغير الشرق الأوسط خلال عشر سنوات”....”أغلبية الشباب الفلسطيني مع الشارع السوري، والشباب السوري يؤمن بهذا الشعار (يقصد شعار من أجل تحرير فلسطين، يجب إسقاط النظام السوري)، لأن النظام يتاجر بالقضية الفلسطينية، وهو لا يجرؤ على الاقتراب من الجولان ولا يحضّر لأي حرب، والنظام تحول إلى عائق في المواجهة مع إسرائيل”....”لا يوجد أي أفق لحرب طائفية في سوريا، وكل محاولات النظام خلال السنة الأخيرة لجر البلاد لهذه الحرب فشلت، أنا قابلت شبابا متدينا في السجن لكن لا توجد لديه أي طائفية”.
أخيرا وبعد تأكيده على أن “النظام زائل لا محالة”، تحدث الرجل إلى رفاقه اليساريين فقال ما يلي: أقول لهؤلاء أن يترووا قليلا، وأن يعودوا لعقلهم وأن يفكروا بموضوعية لا بسطحية عالية. نحن ضد الإمبريالية ويجب أن نكون ضدها، لكن الوضع في سوريا كان تكيفا مع الإمبريالية، الاقتصاد الذي صنعه النظام السوري كان يطلب رضا الأمريكان. سوريا تتعرض لجريمة قتل كبرى يمارسها النظام من القتل إلى الصراعات الطائفية إلى التعذيب. سيكتشف هؤلاء أنهم دافعوا عن أكبر مافيا في المنطقة، أتمنى عليهم ألا يعتقدوا أن الأمور هي إمبريالية فقط، لأن الإمبريالية تتجسد في تكوينات محلية، والشعب السوري هو الذي ضحى من أجل فلسطين وضد إسرائيل وأمريكا وليس النظام، والشعب يقاتل اليوم من أجل فلسطين وليس فقط من أجل تغيير النظام. روسيا اليوم إمبريالية صاعدة ولم تعد اشتراكية كما يظن أصدقاؤنا، فلماذا نحن مع إمبريالية ضد إمبريالية؟! انتهى كلام كيلة؛ والمقال أيضا.