كتاب قديم/جديد كتبه المفكر والمناضل البعثي الوحدوي مطاع صفدي بعد خروجه من ظلام السجون والتعذيب، صدر عن دار الآداب، بيروت، في تشرين الأول، أكتوبر 1964
هذه مقتطفات من فاتحة االكتاب (الصفحات 5-10)
"هذا الحزب، وتحت يافطاته الثورية المعروفة... هذا الحزب هو الذي وقف مرة واحدة ليغتال نفسه، ماضيه، انتصاراته.. هذا الحزب هو الذي دبج الشعارات، سكر بالدم، رقص على حطام آمال الأمة، فلسف التعهير الثوري..سمى القتل مسيرة طلائعية... وعلى هذه (المسيرة) كلل هامات الجلادين والمراهقين والمهووسين وعباقرة الأقبية والزنزانات.. خان جماهيره..ضرب بقواعده عرض الحائط، سجن قادتها وأهان تاريخهم النضالي وفكرهم الثوري...شرّد صانعيه وابتذل أصدقاءه وداس على كل شيء، باسم لا شيء، وفي اللحظة التاريخية الفاصلة من حياة الأمة كلها، خان أكبر حزب الأمة وذبح امكانياتها..افتعل الأكاذيب، ابتكر وسائل التعذيب الجماعي... شن حرباً مظلمة على طلائع الحضارة في شعبه..
"كل ذلك، كل ذلك، كل ذلك، باسم ماذا؟ باسم السلطة وحدها لعبيد السلطة..باسم التحكم الشيطاني لأبطال العقد والمرض..باسم المراهنات الجهنيمة التي تلغ في الدم وللدم وبالدم"...
وهذه مقتطفات من مقدمة الكتاب التي تحمل عنوان: الثورة والارهاب (الصفحات 11-37)..
"وهكذا فان الفوضوية بدون فكر وبدون أخلاق ليست سوى أوتوقراطية وقيصرية جديدة خالية من بقايا فروسية الارستقراطيين...انها بالأحرى تقيّح القيم القديمة للمجتمع القديم، ضمن هالة من الاستعلاء الشيطاني والغرور المجنون والصفاقة المتعهرة...
"لقد انخرط المثقفون العرب في العنف، انخرطوا جميعهم، ومنذ أول مذبحة عقائدية قامت في دنيا العرب بأيدي العرب أنفسهم، في عراق قاسم.. وحتى الذين لم يلعبوا دور الزبانية، ولا دور الضحايا، من المثقفين، فانهم اشتركوا، بالصمت، بالفرار أمام الحقائق، بتجاهل (الفضائح) الكبرى التي نظمها المثقفون وعقائدهم، عندما أتيحت لهم فرصة الحكم.. فالمثقفون العرب في هذه المنطقة، الذابحون والمذبوحون والمحايدون، جميعهم اشتركوا في الجريمة الجماعية. بعضهم عن طريق الممارسة، وبعضهم عن طريق التجاهل...
"إن التعذيب والقتل والاعتقال، وسائل من الإرهاب كانت مقترنة دائماً وبصورة تكاد تكون مألوفة عادية، بتاريخ العرب، منذ أن فقد العرب سيطرتهم على مصيرهم وخضعوا لنموذج هولاكو المستمر في الحكم منذ أكثر من ألف سنة..فمنذ أن أشترك شعراء وكتاب محامون واساتذة وطلاب، في الارهاب القاسمي الشيوعي في العراق، واشترك مثل هؤلاء وأكثر منهم في الارهاب البعثي في سورية،منذ عام وما يزال، فإن الجريمة الجماعية التي دأب على تنفيذهاهؤلاء، تمر تحت ستار من الخفر والحياء..فالمثقف الذي يخرج من تجربة ارهاب، والمثقف الذي سمع ورأى تلك التجربة، كلاهما نموذجان صامتان، ينافسان ذلك المثقف الذي أشرف ومارس بنفسه تجارب ارهاب...
"ولنقرر منذ البدء هذه البديهة: أنه لا حجة للارهاب أبداً..لا شيء قبله يمكن أن يبرر حدوثه..ولا شيء بعده يمكن أن يغطي على فظاعته، أي أنه لا يمكن قبول أية نتيجة من نتائجه مهما كانت "انسانية"..
"فكيف لو أن الارهاب كان "خطة"؟.. كيف لو أنه "صُنع" بعناية؟
"مثقفون فكروا فيه، تأملوه، تفحصوه، تصوروا ظروفه، نظموا مراحله، تفننوا في وسائله...أبدعوا واخترعوا...
"لقد تميز ارهاب البعثيين العفالقة، عسكريين ومدنيين، بأنه كان هجوماً شاملاً على الأكثرية الساحقة من الشعب...وهذا الهجوم كان يحدث بأساليب مختلفة. فتارة بأسلوب حرب حقيقية تستخدم الدبابات والمصفحات وأرتال المشاة وتداهم الأحياء وتشن تمشيطاً كاملاً لآلاف البيوت وتقذف بالرصاص والقنابل تارة نحو الفضاء وتارة نحو أهداف حقيقية... خلال عام واحد (1963-1964) شن البعثيون الارهابيون هذا النوع من الهجوم ومارسوا احتلاله الخاص على الشعب السوري في مدنه الرئيسية عدة مرات... فنزلت الآليات معززة بقوى هائلة الى شوارع حلب وضربت المتظاهرين بالرصاص.... ثم شن هجوم آخر على الطلاب في درعا.. وأرغم طلاب في مدينة جبلة على لعق أسفل أحذيتهم وتعليق هذه الأحذية في رقابهم... وسمع أوائل المعتقلين الوحدويين في سجن المزة صراخ أول ضابط أفقده الإرهابيون عقله تحت وطأة التعذيب...
"واكتسح البعثيون بالجيش السوري مدينة دمشق... بكل أنواع السلحة الخفيفة والثقيلة و(انتصروا) على المدينة الباسلة خلال ساعات..
"هوجمت أحياء كاملة من مدينة حلب عدة مرات.. وهوجمت مدينة درعا كذلك..ثم بلغت ذروة الارهاب المنظم يوم استأنف الارهابيون حرباً حقيقية كاملة ضد مدينة صغيرة واحدة هي حماه... فقد ضربت بالمدافع واخترقت أحياءها الشعبية الدبابات والمصفحات..وعجن البشر بتراب بيوتهم وأحجارها..
"وتحوّل (الحزب) خلال أيام الى فرقة ارهابية كاملة العدة النفسية والعسكرية...
"وخلال أيام لم تبق عائلة واحدة الا ونكبت قريباً أو بعيداً بفرد أو بأفراد منها اختفوا أو قتلوا أو اعتقلوا أو شردوا..
"وهكذا بدأ شيء جديد في سوريا اسمه الاحتلال البعثي..."
ومنذ أن بدأ الاحتلال البعثي رسمياً استبيحت سوريا كلها وما زالت مستباحة أمام مختلف وسائل الارهاب..