الخميس، 8 ديسمبر 2011

رياض الترك: ليتوقف حزب الله عن دعم الأسد وليلتزم الصمت إزاء الثورة السورية

دعا المعارض السوري البارز رياض الترك الخميس 8 ديسمبر حزب الله ، الى التوقف عن دعم نظام بشار الاسد، مؤكدا أن سقوطه أمر حتمي، مطالبا الحزب في التزام الصمت إزاء الثورة السورية.

وقال الترك في بيان تلقت وكالة "فرانس برس" نسخة منه: "يفترض أن يكون العدو الاستراتيجي لحزب الله هو اسرائيل وليس الثورات العربية وبالاخص منها الثورة السورية"، معتبرا أن "أي تدخل لهذا الحزب في مجريات الثورة السورية لن يفيد في المدى البعيد لا الثورة السورية ولا الحزب نفسه ولا مستقبل العلاقات التي ستربطه بالدولة السورية".
وأضاف: "كم كنت أتمنى على قيادات هذا الحزب بدلا من أن تمعن في تأييد سلطة مستبدة وساقطة حتما، أن تلتزم الصمت ازاء الثورة السورية كما فعل حلفاؤها في قيادة حماس".
أما بخصوص الموقف الايراني المؤيد للاسد فقد القى الترك باللوم على "من يتعامى في السلطة الايرانية الحاكمة عن مطالب الشعب السوري المحقة ويمعن في دعمه غير المشروط للسلطة الديكتاتورية السورية وممارساتها الاجرامية بحق شعبها".
وتابع الترك (82 عاما) الذي يعتبر احد المعارضين التاريخيين لنظام الاسد "يمكنني القول انه في اللحظة التي توقف فيها السلطة الايرانية ويوقف حزب الله دعمهما للسلطة الاستبدادية في سوريا ويحترمان ارادة ورغبات الشعب السوري، فليس هناك من مشكلة معهما، بل يمكنني القول أنه سيكون في صالح الدولة السورية الجديدة".
كما أكد الترك ان الشعب السوري سيكون قادرا "عندما تؤول الامور لممثليه المنتخبين ديموقراطيا، على تحديد طبيعة العلاقات التي ستجمعه بمختلف الدول والأطراف الدولية والاقليمية، وفقا لمصالحه الوطنية ولموقف هذه الدول والأطراف من ثورته الوطنية".وشدد على أن الشعب السوري قادر على التصدي "لاي مؤامرات تستهدف لحمته الوطنية ووحدة ترابه وسيادته واستقلاله" في اشارة الى المخاوف من نشوب حرب اهلية بين الاغلبية السنية والطائفة العلوية التي ينتمي اليها الاسد.
كما أكد أن الشعب السوري "لا تربطه اي علاقة عداء او نزاع مع اي من دول المنطقة" سوى اسرائيل، وأنه "من حق الشعب السوري وواجبه ان يناضل بكل الوسائل المشروعة لاعادة الجولان المحتل إلى الوطن الام".
وأمضى الترك أكثر من 17 عاما في السجون السورية أبان حكم الرئيس الراحل حافظ الاسد، وتم سجنه ايضا من 2001 الى 2003 بعد وصول بشار الاسد الى السلطة.

عن الفاشية

مقنطفات من كتاب لدانيال غيران (1904-1988)
ترجمة واختصار سعود المولى

الغيبية الصوفية هي أول شيء تقدمه الفاشية لجمهورها...
أولاً: لأن مجنديها الجدد ينقصهم التجانس ولأن لكل فئة من الفئات التي تتوجه اليها الفاشية مطالبها ومطامحها الخاصة... ولا شك ان ديماغوجية معادية للراسمالية تخدم في مثل هذه الحالة... الا ان هذه الديماغوجية المتناقضة في الغالب لا تكفي لربط كافة هؤلاء المتذمرين فيما بينهم..ومن هنا ضرورة ايجاد الوثاق الذي يوحدهم: غيبية صوفية يراد لها ان تكون غامضة يشترك فيها الجميع كائنة ما كانت التناقضات في مصالحهم ومفاهيمهم وتجعلهم مندمجين في وحدة شعورية روحية..
ثانياً:لأن الفاشية تفضل اثارة الايمان على التوجه نحو الذكاء..اذ ان حزبا يعيش على الاعانات المالية للراسمال الكبير ويستهدف سرا الدفاع عن مصالح المالكين لا يملك اية مصلحة في التوجه نحو ذكاء المنتسبين اليه ما لم يسحرهم بشكل كامل..وما ان يصبح المنتسب مؤمنا حتى يسهل التلاعب بالحقيقة والمنطق اذ لا يعود هذا المؤمن يرى سوى النار..واذا فتح عينيه صدفة يمكن اعادة اغلاقهما بالحجة السامية التالية: هذا ما يريده الزعيم!! بالاضافة الى ان الفاشية تتمتع بحظ التوجه للبؤساء والمستائين..والمعروف ان ظاهرة البؤس مع الاستياء هي ما يمهد للغيبية الصوفية..وهذه ظاهرة قديمة قدم العالم...فبعد حد معين من البؤس لا يعود الانسان يفكر ولا يعود يطالب بحلول منطقية لمصائبه ولا يعود يملك شجاعة انقاذ نفسه..فهو ينتظر معجزة ويطلب مخلصاً ويبدي استعداداً للحاق بهذا المخلص والتضحية بنفسه من اجله..
ثالثاً: لأن الفاشية على عكس الاشتراكية تحتقر الجماهير ولا تتأخر في النظر اليها من زاوية ضعفها.. كان موسوليني يفاخر بتجربته مع الشعب التي "خدمته كثيراً" و"سمحت له بمعرفة نفسية الجماهير"... وكان يردد بعض أحكام كتاب غوستاف لوبون "نفسية الجماهير": الجماهير غير جديرة بالرأي الحر ولا بأية آراء سوى تلك المفروضة عليها من خارج.. لا يمكن قيادة الجماهير وفق قواعد مؤسسة على الانصاف النظري الحالص بل بالبحث عما يمكنه التأثير عليها وسحرها... لا تعرف الجماهير سوى العواطف البسيطة والمتطرفة... ولا يمكن التأثير عليها الا بواسطة الصوَر....
أما هتلر فكان يقول: ان الغالبية الكبرى للشعب تجد نفسها في وضعية وحالة نفسية أنثوية الى حد ان آراءها وافعالها محددة بواسطة الانطباع الجاري على مستوى الحواس اكثر مما هي محددة بواسطة التفكير..كما ان الجمهور قليل التأثر بالافكار المجردة وبالمقابل يمكن التأثير عليه بسهولة اكثر في ميدان العواطف والمشاعر"..
خدعة الفاشية الكبرى هي في نبش الشعور الديني في شكله الأكثر قدماً : تمجيد رجل العناية الالهية.
فتحت غطاء الحضارة بقي الانسان يعبد الأصنام.. في الماضي كان البشر يتخيلون الهة ليست سوى الانعكاس الوهمي لكائناتهم..اما اليوم فهم يشعرون بالحاجة الى خلق أسطورة منقذة يسقطون فيها أنفسهم.. إلا أنها بالمقابل أسطورة تحمل وزر أحقادهم وحاجاتهم وافكارهم وحتى حياتهم اليومية...وهم يضعفون أمام الإله الذي خلقوه على صورتهم... فينتظرون الخلاص على يد الفوهرر أو الدوتشي أو الزعيم...
بيد أن هذه الشخصية الأسطورية لم تتشكل دفعة واحدة: لقد صنعتها الفاشية كلياً وخلال عمل إيحائي طويل وصبور.. ففي البداية نرى بعض الدجالين المهرة وبينهم المعبود المقبل يحاولون أن يخلقوا لدى الشعب حاجة غامضة الى مسيح مخلّص..إلى ديكتاتور منقذ...الى زعيم..
هذا ما فعله موسوليني وهتلر وما يفعله كل من لف لفهم...

الشعائر الحسينية بين التشيع العلوي والتشيع الصفوي

عصام الطائي
يوجد هناك نمطين من المرجعية حيث ان الشيعة الامامية لها مرجعيتين وليس مرجعية واحدة ونفس القضية في الشعائر الحسينية ينطبق عليها نفس الحالة اذ هي تتراوح بين تشيعين التشيع العلوي والتشيع الصفوي ويتضح هذا الكلام من خلال وجود مجموعة من المنطلقات والتصرفات التي تجعلنا نميز كلا النوعين.
أولا : ففي مجال الشعائر يركز التشيع الصفوي على احياء الشعائر الحسينية من منطلق الشكل وليس المضمون من خلال اقتباسه مجموعة من الشعائر لا تنسجم مع منطلقات العقيدة الإسلامية منها التطيير والضرب بالسلاسل وكثير من الممارسات الأخرى المقتبسة في كثير من الأحيان من مصادر غير إسلامية لذلك من الصعوبة ان تكتسب المشروعية وخصوصا اذ ما نظرنا اليها من ناحية العناوين الثانوية التي قد تكتسب هذه الشعائر الحرمة خصوصا مع الإساءة الى الإسلام من خلال بناء صورة سلبية للإسلام.
ثانيا : نظرنا الى نوعية الخطاب من قبل التشيع الصفوي فلا يعير هؤلاء أهمية لقيمة الكلمة ومدى فاعليتها في التأثير على النفس باعتبار ان نوع الكلام يعبر عما يعتقد صاحبه فالتشيع الصفوي لا يعير أهمية للمضمون بل مجرد أي كلام شكلي حتى لو لم يكن له محتوى فكري اما أصحاب الاتجاه العلوي حينما يحيون تلك المجالس يركزون على المضمون الفكري مما يجعل نوع من التفاعل الواقعي مع الأحداث فتكون هناك تفاعل الكثير مع أصحاب هذا الاتجاه بخلاف التشيع الصفوي فيظهر صورة سلبية وبالتالي يؤدي الى النظر الى تلك الشعائر بصورة تظهر التشيع يحمل أفق ضيق.
ثالثا : أسلوب الخطاب في التشيع الصفوي يتسم الاهتمام بالأمور الثانوية وليس الجوهرية في ثورة الامام الحسين ع لذلك يذكر الخطباء كل من يجول بخاطرهم حتى بدون النظر الى الأفكار التي تطرح من حيث مصداقيتها او عدم مصداقيتها لذلك نلاحظ في كثير من الأحيان ينسبوا أمورا ليس لها واقعية وقد ذكر جملة من المفكرين بعض تلك الممارسات السلبية وأثره السلبي على التشيع وبالتالي على الإسلام منها كتاب مرتضى مطهري في الملحمة الحسينية والسيد من محمد الصدر في كتاب شذرات من فلسفة تاريخ الحسين وكذلك كتابه أضواء على الثورة الحسينية وعلي شريعتي في جملة من كتابته خصوصا كتابه التشيع الصفوي والتشيع العلوي والعلامة محسن الأمين في رسالته المعروفة والمشهورة رسالة التنزيه للشعائر الحسينية الا ان البعض وقف ضده متهمن إياه بشتى الاتهامات مع علميته الواسعة والاحترام الكبير له من قبل الفقهاء اما بالنسبة الى كتاب الملحمة الحسينية للمطهري حاول البعض من إظهار جمل من الادعاءات الواهية ان الكتاب ليس لمرتضى مطهري وبعض الفقهاء تعرضوا الى الإعدام المعنوي من خلال الإساءة اليهم من خلال اتهامهم بشتى الاتهامات كل ذلك بسبب سيطرة اتجاه التشيع الصفوي على كثير من الفعاليات في الساحة الشيعية اما محمد الصدر فتهم كذلك بشتى الاتهامات الا ان كل هذه الأمور لا تطفئ النور الساطع للتشيع العلوي .
رابعا : اما بالنسبة الى الجمهور قد تلاحظ جملة من التصرفات التي قد تسيء الى الآخرين من جراء تعاملهم مع الآخرين بينما لو لاحظنا أخلاق الامام الحسين ع وأصحابه لرأينا تلك الأخلاق السامية والمثل العليا ومدى تحلي هؤلاء بالروح الإسلامية والتي من خلالها نلاحظ تفاعل هؤلاء مع معطيات الرسالة بصورة يجسدون فيها من خلال مضامين الرسالة بكل ما تحمل من قيم ومثل ومبادئ الا ان البعض نتيجة لاهتمامه بالشكل أي مجرد تأدية الشعائر حتى لو جرح الآخرين بكلام او سلوك لذلك نرى أصحاب التشيع العلوي يركزون على المضمون لأنهم يشعرون ان الأساس هي تلك القيم العليا التي لا بد من الذي يحي تلك الشعائر ان يتحلى بها بخلاف أصحاب التشيع الصفوي الذي ترى قد يكون بعض الناس ليس له أي التزام ديني او أخلاقي لذلك نلاحظ تركيز هؤلاء على تأدية تلك الشعائر بدون النظر الى المضمون الفكري والأخلاقي والعقائدي.
خامسا يوجد صراع فكري بين هذين المنهجين لان كل اتجاه يحاول او يقدم أجندته ومن خلال رؤيتنا للفكر نلاحظ عظمة المباني الفكرية والعقائدية لمدرسة أهل البيت ع من حيث وصولها الى أفاق عليا في النضوج الفكري الا ان المرجعية التقليدية لم تمارس دورها المطلوب في توجيه الناس باعتبار لها فهم ساذج للأمور لأنها تتصور ان دورها يقتصر على ابداء الفتاوى كحكم كلي فليس من وظيفتها التدخل في الموضوعات علما ان الموضوعات لها درجات مختلفة فهناك أمور يتوجب على الفقيه التدخل بها وهناك أمور أخرى يمكن إرجاعها للمكلف نفسه وليس بالضرورة ان يتدخل الفقيه كما في تشخيص النجاسة الخارجية والشعائر الحسينية من الأمور الجوهرية التي يتطلب موقف حاسم من قبل المرجعية منها عدم تصوير التطيير عبر القنوات الفضائية وحصره كمرحلة أولى في اماكن مغلقة الى ان تتوفر الظروف لمنعه نهائيا .
سادسا : المشكلة الأخرى لدى البعض هو المبالغة في تصورهم للأحداث بصورة تتسم بالمبالغة وسوء الفهم مما يجعل ان يستعمل البعض الرمزية أكثر مما هو متعارف مما يخلق حصول ضبابية في الأحداث وبالتالي تصورهم الخاطئ للواقع الخارجي مما يسبب سوء معالجة للأمور وبالتالي الى زيادة المشاكل والأزمات لذلك نلاحظ من قبل البعض انه لا يركز الا على نقل الروايات التي بها نوع من المبالغة من دون التأكيد من صحتها.
ثامنا ان مشكلة التشيع اليوم تكمن في التشيع الصفوي فله شبكة واسعة من وسائل الاعلام لا يعرف من أين مصادرها وكثير ومن وسائل التأثير على الجمهور وبالتالي نتيجة ذلك لا تظهر تلك الممارسات السلبية الصورة الايجابية للتشيع علما ان الفكر الشيعي وصل الى أفاق عليا في شتى المجالات في الفقه والأصول والعقائد والمنطق والفلسفة وعلم الكلام والتفسير وشتى العلوم بفضل ما يتصف التشيع من وجود إمكانيات هائلة له لقد وقف الكثير من رموز التشيع الصفوي حجر عثرة بوجه التشيع العلوي لذا المطلوب اليوم زيادة فعالية الفرز بين التشيع العلوي والتشيع الصفوي لتتبين للناس حقائق الإسلام الناصعة وذلك يحتاج التركيز على هذا الفرز لأنه عنصر مهم في الإصلاح والتغير والبناء وبالتالي الى بناء كتلة تعمل على جعل تلك الشعائر تنطلق من تصورات ومفاهيم صحيحة لا لبس فيها . ملاحظ : التشيع الصفوي وان كان ينسب للصفويين ان كل من يتصف بأمور معينة يحسب على هذا الاتجاه حتى لو كان عربيا او كرديا او تركمانيا او غيرهم..

التشيع العلوى والتشيع الصفوي


بقلم نبيل الحيدري-العراق

صدرت كتب عديدة قيمة لكتاب ومتخصصين عن هذا الموضوع الحساس ومنها كتاب (التشيع العلوى والتشيع الصفوى) لعالم الإجتماع الإيرانى على شريعتى، أيضا أشار إليها فقهاء كثيرون منهم محسن الأمين العاملى وجعفر كاشف الغطاء وزين الدين العاملى ومكى العاملى ومحمد حسين كاشف الغطاء ومهدى الحيدرى ومحمد باقر الصدر ومحمد الصدر وصدر الدين شرف الدين وعبد الحسين شرف الدين ومحمد حسين فضل الله ومحمد مهدى شمس الدين ومحمد جواد مغنية وعلى نقى الحيدرى وهاشم معروف الحسينى وموسى الصدر ومحمد رضا المظفر ومحمد سعيد الحبوبى وباحثون كثر منهم على الوردى وإبراهيم الحيدرى وجواد على وغيرهم، هؤلاء كلهم المذكورون آنفا من الشيعة، أما غيرهم فالأبحاث أكثر من تحصى وسأشير إلى بعضها فى غضون البحث.
ليس المقصود ب( التشيع الصفوى) هو الإيرانيون أو الفرس أصلا وأبدا بل يتناول تأثير الدولة الصفوية (1501-1736م) فى زمن سطوتها وسلطتها منذ استلام الشاه إسماعيل حيدر الصفوى (1478م-1524م) الحكم سنة 907ه (1501م) وجمع بين السلطتين الدينية والدنيوية ونظر إليه كممثل للمهدى المنتظر والولي الهادى حصرا وتحويل إيران إلى دولة شيعية بالقهر والقوة والسلطان وقيامه بإحداث نقلة فى التشيع وتحويله إلى عقائد وفقه وثقافة وتقاليد وأعراف وممارسات لتحرفه عن (التشيع العلوى) ومبادئ الإمام على وحركته الثقافية الفكرية العقائدية الإجتماعية السياسية، إلى ما بات معروفا ب(التشيع الصفوى)، ومن هنا قد تجد عربا انحازوا إلى التشيع الصفوى بل ربما هاجر بعضهم إلى الدولة الصفوية وحجوا إليها وأيدوها واستفادوا منها كثيرا، ومن الجانب الآخر تجد فرسا وأتراكا وقوميات أخرى نقدت الصفوية وحكومتها وفسادها وجرائمها وانحرافها وانحازوا إلى الإمام على ومبادئه وما يسمى ب (التشيع العلوى) مثل علي شريعتى ومحمد تقى القمى ومحمد صالح المازندرانى وإبراهيم جناتى وغيرهم كثيرون كما قد يأتى لاحقا.
ومن أهم ذلك محاضرات المفكر الإيرانى على شريعتى المشهورة والمتميزة فى (حسينية إرشاد) بطهران (اشترك شريعتى فى تأسيس حسينية إرشاد عام 1969 بعد عودته من فرنسا حاملا شهادتى الدكتوراه فى تاريخ الإسلام وعلم الإجتماع لكنها أغلقت عام 1973 واعتقل مع والده ثم سافر إلى لندن وقتل عام 1977 والإتهامات بين جهاز الإستخبارات السافاك الإيرانية وجهاز المخابرات البريطانية والأجهزة الشيعية الصفوية). جمعت محاضراته لاحقا من أشرطة التسجيل فى كتاب (التشيع العلوى والتشيع الصفوى) طبع مرارا وتكرارا بالفارسية وترجم إلى لغات عديدة منها العربية دار الأمير فى بيروت. وقد أثار الكتاب جدلا كبيرا واسعا فى إيران لأهميته ودوره وأثره النقدى والتحليلى والواقعى. كان مركز الإشعاع والتنوير فى إيران هو عاصمتها طهران، وفى طهران كانت حسينية إرشاد محورا أساسيا فى ذلك الحراك والجدل الكبير. ثلاثة رموز بارزة كانت تحاضر فى الإرشاد مرتضى مطهرى وحسين نصر وعلى شريعتى، وهو أفضلهم وأميزهم وأقواهم فى الفكر والعرض والنقد فقد شمل نقده إضافة للشاه وظلمه أيضا رجال الدين وسطوتهم ودجلهم وجبروتهم وما سماه (الإستحمار الدينى) فى كتابه (النباهة والإستحمار) حتى قيل (إذا تكلم شريعتى، سكت مطهرى ونصر وغيرهما فهو أرقى منهم بكثير) وكان لشريعتى دور كبير فى التنوير على صعيد الجامعات والمثقفين والأحرار خصوصا فى إيران.
المقصود بالتشيع العلوى هو تشيع الإمام علي بن أبى طالب (559 م-661 م) صهر الرسول وناصره الأكبر تربى على يديه مذ كان صبيا تابعا له كما قال (ولقد علمتم موضعى من رسول الله بالقرابة القريبة والمنزلة الخصيصة وضعنى فى حجره وأنا ولد يضمنى فى صدره ويكتنفنى فى فراشه ويمسنى جسده ويشمنى عرفه، ماوجد لى كذبة فى قول ولا خطلة فى فعل، ولقد كنت أتبعه اتباع الفصيل إثر أمه يرفع لى فى كل يوم من أخلاقه علما يأمرنى بالإقتداء به) نهج البلاغة-الخطبة 192 وله مناقب جمة خصوصا فى الحروب ومبيته فى فراش النبى عندما قصدت قريش قتله وغيرها. قال جلال الدين السيوطى (هو أخو رسول الله بالمؤاخاة وصهره على فاطمة والسابق إلى الإسلام وأحد العلماء الربانيين والشجعان المشهورين والزهاد المذكرين والخطباء المعروفين ولم يعبد الأوثان قط …) تاريخ الخلفاء/ جلال الدين السيوطى/ ص185
هو الخليفة الرابع من الخلفاء الراشدين الأربعة وهو الإمام الأول لمن يعتقد بالإمامة من المذاهب الشيعية المختلفة كالإمامية الإثنى عشرية أو الزيدية أو الإسماعيلية أو غيرها. كان الإمام يمثل رمزا للكثير من الفرق والشخصيات على مر التاريخ فالشيعة يرجعون إليه، كما أن السنة أحبوه ويعتبرون أنفسهم شيعة على (الصواعق المحرقة/إبن حجر/ص 92) ورجوع فقهاء السنة إليه (عبقرية الإمام/عباس العقاد/ ص43)، كذلك المتصوفة يرجعون إليه كرائد لهم (عبقرية الإمام/ العقاد/ص 43). قال إبن أبى الحديد المعتزلى فى شرحه لنهج البلاغة يقول: (ما أقول فى رجل تعزى إليه كلّ فضيلة ، و تنتهى إليه كلّ فرقة ، و تتجاذبه كلّ طائفة. فهو رئيس الفضائل و ينبوعها و أبو عذرها و سابق مضمارها و مجلى حلبتها، كلّ من بزغ فيها بعده فعنه أخذ وله اقتفى وعلى مثاله احتذى) وقال آخر ( لم أعجب من راهب ترك دنياه و عبد فى صومعته، و لكن أعجب ممّن صارت الدنيا تحت قدميه فزهد فيها حتى صار راهبا، واصفا لها بعفطة عنز أو خصف نعل إلاّ ان يقيم حقّاً او يدحض باطلاً)، وقال أحمد ابن حنبل (ما جاء لأحد من الفضائل ما جاء لعلى) فجر الإسلام/أحمد أمين/ص149 وقال الخليل الفراهيدى (إستغناؤه عن الكل واحتياجهم إليه دليل كونه إماما لهم) وقال عمر بن الخطاب (لولا علي لهلك عمر). كما كتب عنه مسيحيون كشبلى شمل وجبران خليل جبران، وجورج جرداق موسوعة أسماها (علي صوت العدالة الإنسانية)، وبولس سلامة فى غديريته قائلا:

لاتقل شيعة هواة علي إن فى كل منصف شيعيا
جلجل الحق فى المسيحي حتى عد من فرط حبه علويا
هو فخر التاريخ لافخر شعب يدعيه ويصطفيه وليا
كان رب الكلام من بعد طه ما رأى الكون مثله آدميا
فيا سماء اشهدى ويا أرض قرى واخشعى فإنى ذكرت عليا


يدعى شريعتى بأن كل المبادئ التى حملها الإمام علي كان لها أصل فى مبادئ القرآن وروحه وكذلك سيرة الرسول وسنته وهو مطبق لهذه المبادئ غير منحرف عنها.
يقول فيليب حتى (إن عليا يقوم فى التراث العربى مقام سليمان الحكيم حتى تجمع حول اسمه عدد لايحصى من الحكم والمواعظ والأمثال بل وجد اسمه محفورا على الكثير من السيوف العربية فى القرون الوسطى وأصبح قدوة ومثالا للكثير من الفتيان والصوفية وغيرهم) لذلك يرجع ابن خلدون التصوف إليه قائلا (إن الصوفية لما أسندوا لباس خرقة التصوف ليجعلوه أصلا لطريقتهم وتخليهم ورفعوه إلى علي...) المقدمة/ابن خلدون/ ص470 ولكثرة العلوم المنسوبة إليه تعجب أحمد أمين قائلا (كأن العقول كلها أجدبت وأصيبت بالعقم إلا على ابن أبى طالب...) فجر الإسلام/أحمد أمين/ص 276
فقد قال ابن أبى الحديد أن عليا كان أبا لعلم الكلام، ونسب العقاد فقه أبى حنيفة وفقه مالك إلى سلسلة ترجع إليه، وأرجع أحمد أمين أسس علم النحو إليه وغيرها.
عالم الإجتماع العراقى على الوردى يشرح ظروف وأسباب فضائله ومناقبه وحب الناس له قائلا (إن عليا بدأ سيرته الإجتماعية وهو محاط بهالة من الأحاديث النبوية المشيدة بفضله وشاء القدر أن ينهض على لمكافحة قريش ولمقاومة نزعتها الطبقية فى الإسلام فأصبحت ذكراه من جراء ذلك ملجأ روحيا لكل من يشكو من الظلم أو الإستعباد، وهذا أدى بدوره إلى انهماك الناس فى حب علي والإشادة بفضله) وعاظ السلاطين/ على الوردى/ 247
لذلك كان الإمام علي فى أقواله وأفعاله وسيرته يمثل التشيع العلوى الأصيل معتبرا الإمام عليا أصله، بينما التشيع الصفوى الذى أسسته الدولة الصفوية منذ استلام الشاه إسماعيل الصفوى الحكم فى سنة 1501 م متأخرا عنه، أى بعد أكثر من ثمانمائة وأربعين سنة بعد وفاة الإمام علي، ويعد دخيلا عليه ومغايرا له فى المبادئ والقيم فيسميه (التشيع العلوى الأصيل والتشيع الصفوي)..

من كتاب التشيع العلوي والتشيع الصفوي للشهيد الدكتور علي شريعتي ملهم الثورة الايرانية:

كان على الحركة الصفوية ورجال الدين المرتبطين بها أن يعملوا كل ما من شأنه التوفيق بين القومية الإيرانية والدين الإسلامي، ولتبدو الوطنية والقومية الإيرانية بوشاح ديني أخضر ، وفي هذا الصدد أعلن بين عشية وضحاها أن الصفويين– أحفاد الشيخ صفيّ – هم (سادةٌ) من حيث النسب 6/6 أي أحفاد للنبي محمد! وتحول المذهب الصوفي فجأة إلى مذهب شيعي، وصار الفقيه والمحدث بدائل عن المرشد والبديل ، وتلبس الصفويون بلباس ولاية علي ونيابة الإمام والانتقام من أعداء أهل البيت .. وفي ظل كل هذه المحاولات كان الهدف الأصلي هو إضفاء طابع مذهبي على الحالة القومية ، وبعث القومية الإيرانية وإحياؤها تحت ستار الموالاة والتشيع . في ضوء ذلك يمكن أن نفهم سر تركيز أجهزة الدعاية الصفوية على نقاط الإثارة والاختلاف إلى نقاط خلاف أو يفرغها عن قدرتها على أن تكون أرضية صلبة لموقف مشترك بين الفريقين .. وكنتيجة لهذا الفصل المذهبي حصل فصل اجتماعي وثقافي تبعه فصل على الصعيدين القومي والسياسي وبشكل بارز جداً .
لقد حرصت الحركة الصفوية على تعطيل أو تبديل الكثير من الشعائر والسنن والطقوس الدينية وإهمال العديد من المظاهر الإسلامية المشتركة بين المسلمين . جدير ذكره أن مراسيم اللطم والزنجيل والتطبير وحمل الأقفال دخيلة على المذهب وتعتبر مرفوضة من وجهة نظر إسلامية ولم تحظ بتأييد العلماء الحقيقيين بل أن كثيراً منهم عارضوها بصراحة لأنها لا تنسجم مع موازين الشرع ، مع ذلك فإنها مازالت تمارس على قدم وساق منذ قرنين أو ثلاثة ، مما يثير الشكوك أكثر حول منشئها ومصدر الترويج لها ، ويؤكد أن هذا المراسيم تجري بإرادة سياسية لا دينية وهذا هو السبب في ازدهارها وانتشارها على الرغم من مخالفة العلماء لها ، وقد بلغت هذه المراسيم من القوة والرسوخ بحيث أن كثيراً من علماء الحق لا يتجرأون على إعلان رفضهم لها ويلجأون إلى التقية في هذا المجال!!

من كتاب التشيع العلوي والتشيع الصفوي للشهيد الدكتور علي شريعتي ملهم الثورة الايرانية:

كان على الحركة الصفوية ورجال الدين المرتبطين بها أن يعملوا كل ما من شأنه التوفيق بين القومية الإيرانية والدين الإسلامي، ولتبدو الوطنية والقومية الإيرانية بوشاح ديني أخضر ، وفي هذا الصدد أعلن بين عشية وضحاها أن الصفويين– أحفاد الشيخ صفيّ – هم (سادةٌ) من حيث النسب 6/6 أي أحفاد للنبي محمد! وتحول المذهب الصوفي فجأة إلى مذهب شيعي، وصار الفقيه والمحدث بدائل عن المرشد والبديل ، وتلبس الصفويون بلباس ولاية علي ونيابة الإمام والانتقام من أعداء أهل البيت .. وفي ظل كل هذه المحاولات كان الهدف الأصلي هو إضفاء طابع مذهبي على الحالة القومية ، وبعث القومية الإيرانية وإحياؤها تحت ستار الموالاة والتشيع . في ضوء ذلك يمكن أن نفهم سر تركيز أجهزة الدعاية الصفوية على نقاط الإثارة والاختلاف إلى نقاط خلاف أو يفرغها عن قدرتها على أن تكون أرضية صلبة لموقف مشترك بين الفريقين .. وكنتيجة لهذا الفصل المذهبي حصل فصل اجتماعي وثقافي تبعه فصل على الصعيدين القومي والسياسي وبشكل بارز جداً .
لقد حرصت الحركة الصفوية على تعطيل أو تبديل الكثير من الشعائر والسنن والطقوس الدينية وإهمال العديد من المظاهر الإسلامية المشتركة بين المسلمين . جدير ذكره أن مراسيم اللطم والزنجيل والتطبير وحمل الأقفال دخيلة على المذهب وتعتبر مرفوضة من وجهة نظر إسلامية ولم تحظ بتأييد العلماء الحقيقيين بل أن كثيراً منهم عارضوها بصراحة لأنها لا تنسجم مع موازين الشرع ، مع ذلك فإنها مازالت تمارس على قدم وساق منذ قرنين أو ثلاثة ، مما يثير الشكوك أكثر حول منشئها ومصدر الترويج لها ، ويؤكد أن هذا المراسيم تجري بإرادة سياسية لا دينية وهذا هو السبب في ازدهارها وانتشارها على الرغم من مخالفة العلماء لها ، وقد بلغت هذه المراسيم من القوة والرسوخ بحيث أن كثيراً من علماء الحق لا يتجرأون على إعلان رفضهم لها ويلجأون إلى التقية في هذا المجال!!

من كتاب "الملحمة الحسينية" للشهيد مطهري

الشهيد الشيخ مرتضى مطهري هو أحد كبار الفلاسفة المسلمين في القرن العشرين.. وهو أشهر أعلام الثورة الايرانية، بل لعله أعمق وأهم فكراً ووعياً ومنهجاً من الامام الخميني نفسه، تتلمذ على يديه كبار العلماء والمفكرين الايرانيين...اغتالته فرقة اسلامية شيعية متطرفة في مطلع عهد الثورة الخمينية أي بعد نجاح الثورة وفي ظلها....
في كتابه الشهير "الملحمة الحسينية" ، يقول رحمه الله:
استشهد الإمام الحسين ثلاث مرات :
الأولى على يد اليزيديين بفقدانه لجسده،
والثانية على يد أعدائه الذين شوّهوا سمعته وأساءوا لمقامه،
أما الثالثة فعندما استشهدت أهدافه على يد أهل المنبر الحسيني،
وكان هذا هو الاستشهاد الأعظم"
فالحسين ظُلم بما نسب له من أساطير... وروايات قاصرة عن أن تصبح تاريخاً يألفه أو يقبله العقلاء. ظُلم لأن تلك الروايات عتمت على أهداف ثورته ومقاصدها.. ظُلم؛ على يد الرواديد ومن اعتلوا منبره ونسبوا له - ولأهل بيته- حوارات ومواقف وهمية ملؤها الانكسار لاستدار الدمع. فصوروه - وهو المحارب الجسور الذي افتدى مبادئه بروحه ودمه - وهو يلتمسُ الماء بكل ذلٍ ومهانة من أعدائه، وصوّروا زينب -الطود الشامخ- التي دخلت على الطاغية يزيد فزلزلته بخطبتها؛ على أنها امرأة جزعة بكآءّه تثبّط همة أخيها في الحرب، وتثنيه عن القتال !!؟
ظلم، وأي ظُلم هذا، عندما حُوِّلت ثورته الراقية على الوحشية لمناسبة لتعذيب وجلد النفس.. بدأها ''التوابون'' من أهل الكوفة بعد استشهاده عندما جلدهم الندم لمّا سمعوا بقتل الأمام الذي كاتبوه وبايعوه للخروج على يزيد ومن ثم خذلوه.. فخرجوا في مواكب يشقون فيها الرأس ويعذبون أنفسهم ندماً على ما فعلوه بالإمام وصحبه.. وتوارثت أجيال الشيعة هذه الطقوس التي لا تتناسب مع ثبات المؤمن وصبره بل وسعت لتبريرها بنسب الفعل للسيدة زينب التي قيل عنها - وحاشاها- أنها شقت الجيب وشجت رأسها حزناً على أخيها؛ حتى جاء المراجع الكبار فحرّموا هذا الطقس فعُلق حتى في إيران لما فيه من تشويه للمذهب؛ إلا أنه مازال يمارس كل عام مُلبساً ثورة الحسين ما ليس فيها، ومستدراً على منهاجه السوي النقد والتقريع وازدراء العالم!!
ظُلم..عندما زُج بمظاهر الغلو في مجالسه.. وظُلم عندما اتخذت مجالسه وسيلة لترسيخ الفروقات بين الأمة المحمدية التي بذل روحه لجمع شتاتها والحفاظ على هويتها.. وهو ما عبّر عنه مكارم الشيرازي ذات حديث عندما قال: ما زُجّ بمظاهر الغلو في مجالس الحسين – إلا- ليقلصوا من مكانة وعظمة هذه الواقعة الخالدة''.
ظُلم .. عندما دُرست في المدارس قصص أمرئ القيس والمعري والمتنبي ضمن المناهج الدراسية وما دُرست ملحمته !!
ظُلم.. عندما صارت ذكرى استشهاده فرصة التبذير وهدر المال في الولائم المبالغ فيها - تحت اسمه- وهو ابن البيت الذي يتصل فيه الصوم لإيثار التبرع بالزاد على أكله!!
ظُلم ومازال يظلم .. لأن رسالته التي كان خليقاً بها أن ترفع مستوى الفكر البشري؛ غُيبت لصغر العقل وتخثر اللب وتقفل القلوب ..!!
لقد خُلدت الثورة – نعم- ومن يتصفح مظاهر إحياء عاشوراء حول العالم ،ويلمح العبرات التي تنهمر من أعين المسلمين، لا يكاد يصدق أن الواقعة المرثية قد انقضت منذ 1370 عاماً.. ذلك أن الله - في عُلاه- أراد لهذه الواقعة أن تُخلّد ليوم القيامة لما فيها من أرث، ومن دروسً تختصر كنه الصراع الدنيوي بين معسكري الخير والطغيان، وتشرح مفهوم النصر الخالد - ولو- عبر الهزيمة الآنية.. تلك الدروس التي فهمها المهاتما غاندي فقال ''تعلمت من الحسين كيف أكون مظلوما فأنتصر''، وغابت عن فهمنا فما استثمرناها.. فبين فئةً ركّزت على تراجيديا الثورة على حساب رسائلها وأهدافها الكبرى، وبين فئة أخرى أهملتها وتجاهلت معانيها وتعامل معها على أنها لا تخصه.. تبدد الإرث.. وبقي الرثاء.. وظلم بذلك الحسين واستشهد على يد محبيه ومناوئيه آلاف المرات..
فسلام على المظلوم والذبيح العظيم.. الذي ما قدره المسلمون- قاطبةً- حق قدره.

أغنية على ممر الربيع العربي

هاني فحص
من حقي أن أتفاءل الآن وهنا بمستقبل البلاد العربية، أكثر من أي وقت مضى. والتفاؤل جزء من إيماني الشخصي، كما هو جزء من الايمان الابراهيمي الذي «أنتجته» بلادي ذات مرة، وأعاد هو إنتاجها مراراً... لكن الصحيح أيضاً أن هذا التفاؤل المقيم كان على الدوام «افتراضياً»، يستمد حضوره من «الرجاء» على قاعدة «مَنْ وثق بماءٍ لا يظمأ». غير أنني اليوم أعاين الماء يجري في حقول العرب، نابعاً من وجدان الناس، صافياً كالحقيقة، منعشاً كالحرية، وشافياً كالعدل. لم يخطئ العالم حين قال انه يشاهد «ربيع العرب».
وإذ أزعم أني كنت نزيلاً دائماً في خيمة الرجاء والأمل، فلا أجرؤ على الزعم بأني كنت أتوقع لقاء مع هذا الفارس الجميل في أيامي المقدرة. غاية ما كنت أتوقعه، ويرضيني، أن يحصل هذا اللقاء مع أبنائي أو أبناء أبنائي... ولا بأس اذا ما هرمت على رصيف الانتظار.
وقد لاحظت أن أبناء جيلي، على اختلاف المشارب والتجارب والمواقف ودرجات الاطلاع، قد فوجئوا مثلي بما حدث. ولعل الأكثر اطلاعاً من بينهم كان الأشد مفاجأة! وقد خيل الينا، في لحظة ما، أننا تعرضنا لما يشبه «الخدعة». ذلك ان هذا الشيء إنما أتى من خارج دفاترنا! فقد نظرنا في ذات الحديثة البالية، الماء الذي يجري فلم نقع فيه على فصيلة «الأمناء العامين» (ديناصورات الاحزاب) الذين داخوا ودوخونا عقوداً من الزمن بالايديولوجيات القومية والدينية، ذات اليمين وذات اليسار، وقطعوا أنفاسنا بمطاردة أذناب الامبريالية والصهيونية والاستعمار (هم متخصصون بقطع الأذناب... أما الرؤوس فلها رب يقطعها!). كلا ولم نقع على قائد ملهم يمتطي حصاناً أبيض أو متْنَ دبابة!
يبدو لي أن ما حدث قد خرج من مساحتين اثنتين للحرية، عصيتين على الضبط والرقابة. أما الأولى، فهي أعتق ما عرفته بلادنا، وأعني مساحة العبادة ومواقيتها صلاة الجمعة والعيد والتراويح، وأما الثانية فهي أحدث ما عرفنا، وأعني «مواقع التواصل الاجتماعي الشبابي الحر»، هاتان المساحتان اجتمعتا لتكوّنا ساحات الحرية وميادينها. ما فعلته هذه الساحات الجديدة هو أنها أعادت خلق الاجتماع الذي كانت قد بددته الدكتاتوريات وحولته الى أفراد خائفين ومعزولين. وما ان اجتمع هؤلاء حتى استشعروا القوة في مفاصل جسدهم الجديد. وعند أول مواجهة وأول شهيد، (بوعزيزي) سقط جدار الخوف، وأصبحت المعادلة واضحة في حساب الفريقين: في حساب الاستبداد فإن التراجع أمام الناس يطمعها بلا حدود. وعليه لا بد لهذا الاستبداد من المضي في طبائعه. وأما في حساب الناس الذين كسروا حاجز الخوف فتقول المعادلة ان المضي قدما وحتى النهاية أقل كلفة من التراجع بما لا يقاس... وهذه - في الجانبين - حسابات بقاء: نكون أو لا نكون!
ويبدو لي أيضاً أن سلمية الناس - في «غاندية» جديدة - وديموقراطيتهم ولا ايديولوجيتهم، هي الرصيد الحقيقي لفكرة السلام والعيش معاً في المنطقة. فإذا عطفنا هذه على قضية الاصلاح بوصفها قضية لا يمكن تفاديها أو تأجيلها أو الاحتيال عليها (كما يقول لسان حال الناس)، تقف معادلة الخلاص - ربما للمرة الأولى - على قدميها: السلام والاصلاح معا وجميعاً.
وبوصفي مهموما بقضية العيش معا في بلادي وفي ما يليها من بلاد الناس، فإني أقل خشية من أي وقت مضى على ما يسمّى «حقوق الاقليات». ذلك ان ظلم الاقليات انما نشأ من رحم ايديولوجية العنف وفي سياقاتها. وقد نكون أمام اقتراح تكوين أكثرية جديدة، على اساس السلم والاصلاح والديموقراطية، لا على أساس العرق والدين واخواتهما.. مؤكداً ان مصطلح الاقليات ليس دقيقاً، بل هو ظالم ومضلل... لأن اجتماعاتنا تقوم على المعنى المشترك، والجامع، لا على العدد المفرِّق... واليابس.