الخميس، 8 ديسمبر 2011

التشيع العلوى والتشيع الصفوي


بقلم نبيل الحيدري-العراق

صدرت كتب عديدة قيمة لكتاب ومتخصصين عن هذا الموضوع الحساس ومنها كتاب (التشيع العلوى والتشيع الصفوى) لعالم الإجتماع الإيرانى على شريعتى، أيضا أشار إليها فقهاء كثيرون منهم محسن الأمين العاملى وجعفر كاشف الغطاء وزين الدين العاملى ومكى العاملى ومحمد حسين كاشف الغطاء ومهدى الحيدرى ومحمد باقر الصدر ومحمد الصدر وصدر الدين شرف الدين وعبد الحسين شرف الدين ومحمد حسين فضل الله ومحمد مهدى شمس الدين ومحمد جواد مغنية وعلى نقى الحيدرى وهاشم معروف الحسينى وموسى الصدر ومحمد رضا المظفر ومحمد سعيد الحبوبى وباحثون كثر منهم على الوردى وإبراهيم الحيدرى وجواد على وغيرهم، هؤلاء كلهم المذكورون آنفا من الشيعة، أما غيرهم فالأبحاث أكثر من تحصى وسأشير إلى بعضها فى غضون البحث.
ليس المقصود ب( التشيع الصفوى) هو الإيرانيون أو الفرس أصلا وأبدا بل يتناول تأثير الدولة الصفوية (1501-1736م) فى زمن سطوتها وسلطتها منذ استلام الشاه إسماعيل حيدر الصفوى (1478م-1524م) الحكم سنة 907ه (1501م) وجمع بين السلطتين الدينية والدنيوية ونظر إليه كممثل للمهدى المنتظر والولي الهادى حصرا وتحويل إيران إلى دولة شيعية بالقهر والقوة والسلطان وقيامه بإحداث نقلة فى التشيع وتحويله إلى عقائد وفقه وثقافة وتقاليد وأعراف وممارسات لتحرفه عن (التشيع العلوى) ومبادئ الإمام على وحركته الثقافية الفكرية العقائدية الإجتماعية السياسية، إلى ما بات معروفا ب(التشيع الصفوى)، ومن هنا قد تجد عربا انحازوا إلى التشيع الصفوى بل ربما هاجر بعضهم إلى الدولة الصفوية وحجوا إليها وأيدوها واستفادوا منها كثيرا، ومن الجانب الآخر تجد فرسا وأتراكا وقوميات أخرى نقدت الصفوية وحكومتها وفسادها وجرائمها وانحرافها وانحازوا إلى الإمام على ومبادئه وما يسمى ب (التشيع العلوى) مثل علي شريعتى ومحمد تقى القمى ومحمد صالح المازندرانى وإبراهيم جناتى وغيرهم كثيرون كما قد يأتى لاحقا.
ومن أهم ذلك محاضرات المفكر الإيرانى على شريعتى المشهورة والمتميزة فى (حسينية إرشاد) بطهران (اشترك شريعتى فى تأسيس حسينية إرشاد عام 1969 بعد عودته من فرنسا حاملا شهادتى الدكتوراه فى تاريخ الإسلام وعلم الإجتماع لكنها أغلقت عام 1973 واعتقل مع والده ثم سافر إلى لندن وقتل عام 1977 والإتهامات بين جهاز الإستخبارات السافاك الإيرانية وجهاز المخابرات البريطانية والأجهزة الشيعية الصفوية). جمعت محاضراته لاحقا من أشرطة التسجيل فى كتاب (التشيع العلوى والتشيع الصفوى) طبع مرارا وتكرارا بالفارسية وترجم إلى لغات عديدة منها العربية دار الأمير فى بيروت. وقد أثار الكتاب جدلا كبيرا واسعا فى إيران لأهميته ودوره وأثره النقدى والتحليلى والواقعى. كان مركز الإشعاع والتنوير فى إيران هو عاصمتها طهران، وفى طهران كانت حسينية إرشاد محورا أساسيا فى ذلك الحراك والجدل الكبير. ثلاثة رموز بارزة كانت تحاضر فى الإرشاد مرتضى مطهرى وحسين نصر وعلى شريعتى، وهو أفضلهم وأميزهم وأقواهم فى الفكر والعرض والنقد فقد شمل نقده إضافة للشاه وظلمه أيضا رجال الدين وسطوتهم ودجلهم وجبروتهم وما سماه (الإستحمار الدينى) فى كتابه (النباهة والإستحمار) حتى قيل (إذا تكلم شريعتى، سكت مطهرى ونصر وغيرهما فهو أرقى منهم بكثير) وكان لشريعتى دور كبير فى التنوير على صعيد الجامعات والمثقفين والأحرار خصوصا فى إيران.
المقصود بالتشيع العلوى هو تشيع الإمام علي بن أبى طالب (559 م-661 م) صهر الرسول وناصره الأكبر تربى على يديه مذ كان صبيا تابعا له كما قال (ولقد علمتم موضعى من رسول الله بالقرابة القريبة والمنزلة الخصيصة وضعنى فى حجره وأنا ولد يضمنى فى صدره ويكتنفنى فى فراشه ويمسنى جسده ويشمنى عرفه، ماوجد لى كذبة فى قول ولا خطلة فى فعل، ولقد كنت أتبعه اتباع الفصيل إثر أمه يرفع لى فى كل يوم من أخلاقه علما يأمرنى بالإقتداء به) نهج البلاغة-الخطبة 192 وله مناقب جمة خصوصا فى الحروب ومبيته فى فراش النبى عندما قصدت قريش قتله وغيرها. قال جلال الدين السيوطى (هو أخو رسول الله بالمؤاخاة وصهره على فاطمة والسابق إلى الإسلام وأحد العلماء الربانيين والشجعان المشهورين والزهاد المذكرين والخطباء المعروفين ولم يعبد الأوثان قط …) تاريخ الخلفاء/ جلال الدين السيوطى/ ص185
هو الخليفة الرابع من الخلفاء الراشدين الأربعة وهو الإمام الأول لمن يعتقد بالإمامة من المذاهب الشيعية المختلفة كالإمامية الإثنى عشرية أو الزيدية أو الإسماعيلية أو غيرها. كان الإمام يمثل رمزا للكثير من الفرق والشخصيات على مر التاريخ فالشيعة يرجعون إليه، كما أن السنة أحبوه ويعتبرون أنفسهم شيعة على (الصواعق المحرقة/إبن حجر/ص 92) ورجوع فقهاء السنة إليه (عبقرية الإمام/عباس العقاد/ ص43)، كذلك المتصوفة يرجعون إليه كرائد لهم (عبقرية الإمام/ العقاد/ص 43). قال إبن أبى الحديد المعتزلى فى شرحه لنهج البلاغة يقول: (ما أقول فى رجل تعزى إليه كلّ فضيلة ، و تنتهى إليه كلّ فرقة ، و تتجاذبه كلّ طائفة. فهو رئيس الفضائل و ينبوعها و أبو عذرها و سابق مضمارها و مجلى حلبتها، كلّ من بزغ فيها بعده فعنه أخذ وله اقتفى وعلى مثاله احتذى) وقال آخر ( لم أعجب من راهب ترك دنياه و عبد فى صومعته، و لكن أعجب ممّن صارت الدنيا تحت قدميه فزهد فيها حتى صار راهبا، واصفا لها بعفطة عنز أو خصف نعل إلاّ ان يقيم حقّاً او يدحض باطلاً)، وقال أحمد ابن حنبل (ما جاء لأحد من الفضائل ما جاء لعلى) فجر الإسلام/أحمد أمين/ص149 وقال الخليل الفراهيدى (إستغناؤه عن الكل واحتياجهم إليه دليل كونه إماما لهم) وقال عمر بن الخطاب (لولا علي لهلك عمر). كما كتب عنه مسيحيون كشبلى شمل وجبران خليل جبران، وجورج جرداق موسوعة أسماها (علي صوت العدالة الإنسانية)، وبولس سلامة فى غديريته قائلا:

لاتقل شيعة هواة علي إن فى كل منصف شيعيا
جلجل الحق فى المسيحي حتى عد من فرط حبه علويا
هو فخر التاريخ لافخر شعب يدعيه ويصطفيه وليا
كان رب الكلام من بعد طه ما رأى الكون مثله آدميا
فيا سماء اشهدى ويا أرض قرى واخشعى فإنى ذكرت عليا


يدعى شريعتى بأن كل المبادئ التى حملها الإمام علي كان لها أصل فى مبادئ القرآن وروحه وكذلك سيرة الرسول وسنته وهو مطبق لهذه المبادئ غير منحرف عنها.
يقول فيليب حتى (إن عليا يقوم فى التراث العربى مقام سليمان الحكيم حتى تجمع حول اسمه عدد لايحصى من الحكم والمواعظ والأمثال بل وجد اسمه محفورا على الكثير من السيوف العربية فى القرون الوسطى وأصبح قدوة ومثالا للكثير من الفتيان والصوفية وغيرهم) لذلك يرجع ابن خلدون التصوف إليه قائلا (إن الصوفية لما أسندوا لباس خرقة التصوف ليجعلوه أصلا لطريقتهم وتخليهم ورفعوه إلى علي...) المقدمة/ابن خلدون/ ص470 ولكثرة العلوم المنسوبة إليه تعجب أحمد أمين قائلا (كأن العقول كلها أجدبت وأصيبت بالعقم إلا على ابن أبى طالب...) فجر الإسلام/أحمد أمين/ص 276
فقد قال ابن أبى الحديد أن عليا كان أبا لعلم الكلام، ونسب العقاد فقه أبى حنيفة وفقه مالك إلى سلسلة ترجع إليه، وأرجع أحمد أمين أسس علم النحو إليه وغيرها.
عالم الإجتماع العراقى على الوردى يشرح ظروف وأسباب فضائله ومناقبه وحب الناس له قائلا (إن عليا بدأ سيرته الإجتماعية وهو محاط بهالة من الأحاديث النبوية المشيدة بفضله وشاء القدر أن ينهض على لمكافحة قريش ولمقاومة نزعتها الطبقية فى الإسلام فأصبحت ذكراه من جراء ذلك ملجأ روحيا لكل من يشكو من الظلم أو الإستعباد، وهذا أدى بدوره إلى انهماك الناس فى حب علي والإشادة بفضله) وعاظ السلاطين/ على الوردى/ 247
لذلك كان الإمام علي فى أقواله وأفعاله وسيرته يمثل التشيع العلوى الأصيل معتبرا الإمام عليا أصله، بينما التشيع الصفوى الذى أسسته الدولة الصفوية منذ استلام الشاه إسماعيل الصفوى الحكم فى سنة 1501 م متأخرا عنه، أى بعد أكثر من ثمانمائة وأربعين سنة بعد وفاة الإمام علي، ويعد دخيلا عليه ومغايرا له فى المبادئ والقيم فيسميه (التشيع العلوى الأصيل والتشيع الصفوي)..