الاثنين، 9 يوليو 2012
في الموقف الروسيّ من الأزمة السورية
الشيخ محمد مهدي شمس الدين :الكرامة البشرية وعلاقتها بثورة الشعوب
من الدروس القرآنية
مفهوم الكرامة البشرية في القرآن ومن ثم في الإسلام. هذا المفهوم حصل حوله جدل كثير في مدى تاريخ الإنسانية وكان دائماً موضع بحث وجدل بين الفلاسفة وبين السياسيين وبين رجال الدين والمؤسسات الدينية. هل للإنسان كرامة متميزة أو ليست له كرامة؟ هذه الكرامة هل هي ثابتة لجميع البشر أم لصنف خاص من البشر! أو لطبقة خاصة من الناس! هذه الكرامة هل هي ثابتة للرجال دون النساء أم هي ثابتة للرجال والنساء؟ هل هي ثابتة للعبيد والأحرار أو لخصوص الأحرار؟ هذا السؤال يتردد في أبحاث الفلاسفة، منذ أقدم نصوص الفكر الفلسفي هذا السؤال مطروح، في الأبحاث الدينية القديمة أيضاً مطروح في أبحاث رجال القانون في أقدم الشرائع، منذ شريعة حمورابي وقبل حمورابي في التشريع المصري القديم أيضاً مطروح.
ما هو المقصود بالكرامة البشرية، هي أن الإنسان له موقع في الكون يجعله موضع احترام وموضع صيانة، له احترام وله حقوق، ليس مهاناً وليس مهدور الحقوق. الحقوق تتناول الأمور الأساسية في البشر، حق الحياة وحق العيش وحق الأمان حق الحرية، الحقوق الأساسية التي تتقدم بها حياة البشر مع الاحترام، هذه هي الكرامة.
هذا المبدأ، مبدأ الكرامة الانسانية، ورد في سورة مكية في آية مكية. السورة هي سورة الإسراء، توجد فيها آية هي آية فريدة من نوعها وبنصها في القرآن الكريم التي نرى أنها وضعت أساساً لأول مرة في تاريخ البشر المعروف عن كرامة الانسان وهي قوله تعالى:" وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقنَا تَفضِيلاً "(الاسراء،70).
...هذه الآية هي لبيان المركز الحقوقي للإنسان، ومن ثم فإن هذا الأصل التشريعي يقاس عليه كل وضع متفرع، فكل وضع يتنافى مع مبدأ الكرامة الإنسانية يعتبر غير مشروع، وهذا أصل في باب الاستنباط قد يؤدي إلى نتائج مثيرة جداً في الفقه بالنسبة إلى المسلمين وبالنسبة إلى غير المسلمين أيضاً.
درج المفسرون على اعتبار أن هذه الآية هي من آيات التشريف وآيات المدح وأنها ليست من آيات الأحكام. نحن نعتبر أن هذه الآية هي آية تشريعية وهي من آيات الأحكام التي تضمنت حكماً شرعياً، وأنها من الآيات التي تتضمن أدلة الشريعة العليا.
ما يترتب على كون هذه الآية من آيات الأحكام أن كل أمر من الأمور يتنافى مع كون الإنسان مكرماً، سواء كان هذا الإنسان فرداً أو جماعة أو شعباً من الشعوب أو أمة من الأمم، كل ما يتنافى مع كونه مكرماً هو يكون غير مشروع في الشريعة، يكون محرماً، سواء كان من التصرفات أو من المواقف أو من الأحكام. وهذا ينطبق على المؤمن والكافر، وعلى العدو والصديق، وعلى القريب والبعيد، حتى غير المسلمين ينطبق عليهم هذا الحكم المبدئي الكبير إنهم مكرمون. وأن كل ما يتنافى مع كرامتهم، كل إهانة وكل افتئات هو محرم في الشريعة الإسلامية. وهذا يتناسب مع الكلية الكبيرة المذكورة في آيات الحرب وفي آيات القضاء من قبيل النهي عن العدوان، العدوان في الإسلام هو محرم إلا عندما يكون رداً للعدوان. وآيات القتال التي ورد فيها ...ولا تعتدوا... (البقرة، 190) (المائدة، 87)، تتناسب مع مبدأ الكرامة البشرية، ومن ذلك أننا استنتجنا في أبحاثنا في فقه الجهاد عدم مشروعية ما يسمى الجهاد الإبتدائي وهو إبتداء غير المسلمين بالحرب لمجرد أنهم غير مسلمين. ولا يجوز للمسلمين أن يشنوا حرباً إبتدائية، وهذا ينسجم مع مبدأ الكرامة البشرية، تحريم العدوان.
الكرامة البشرية هي كما قلنا حكم شرعي وضعي. ونحن في هذا الإستنتاج وفي هذا الاستنباط ننفرد في هذا الفهم عن غيرنا من الفقهاء ونرى أنه باب جديد من أبواب الاستنباط في الفقه الإسلامي.
التكريم البشري الثابت في هذه الآية هو أساس من أسس استنباط الأحكام الشرعية في باب الاجتماع السياسي والحرب والسلم والعلاقات الدولية في كل هذه المجالات الفقهية وكذلك في العلاقات الخاصة.
الأمر الشائع في الأذهان أن الكرامة هي فقط للمسلمين وأن غير المسلمين لا كرامة لهم ولا حرمة لهم، هذا أمر في نظرنا مخالف لهذا المبدأ التشريعي.
الكرامة البشرية ثابتة للإنسان مهما كان، مؤمناً أو كافراً، قريباً أو بعيداً ما دام يكرم نفسه. هذه الكرامة ثابتة للإنسان الذي يحترم كرامته. أما إذا أهان الإنسان كرامته حينئذ بطبيعة الحال هو يفقد هذه الكرامة. الإنسان يكون مكرماً وتكون لكرامته آثار تشريعية ما لم يهتك حرمة نفسه وما لم يرفع الستر المعطى له من الله سبحانه وتعالى. فلو فرضنا أن هذا الإنسان ظلم غيره لا تعود له كرامة، لو سرق أو كذب أو اعتدى يكون بطبيعة الحال قد عرض نفسه للعقاب لأن هذه الكرامة تثبت لأهلها ولا تثبت لغير أهلها.
الحرمات الأساسية للبشر هي: الدم والعرض والمال والسمعة، وهي مصونة لكل الناس، دم الإنسان البريء هو مصون، كونه غير مسلم لا يهدر دمه، عرضه مصون، ماله مصون. حينما نلاحظ من شواهد هذا الحكم الشرعي أنه ثابت في أصل الشرع لكل البشر حتى في حالة هزيمة غير المسلمين إذا اعتدوا نجد أن هناك حدود لرد العدوان وهو فقط إتقاء الخطر، كل شيء يزيد عن إتقاء الخطر وعن دفع الخطر يكون محرماً، كذلك حرمة العرض وحرمة الحريم، بحيث لا تجعل من عرض الأعداء من حريم الأعداء أمراًَ مستباحاً بأي وجه من الوجوه.
حرمة المال، كل إنسان يعيش في ظل القانون وفي ظل النظام ماله محرم، وما يشيع بين الناس أن غير المسلم هو مهدور المال هو أمر لا أساس له في الشرع على الإطلاق. وحرمة السمعة، إهانة غير المسلم، إهانته بأي معنى من معاني الإهانة يدخل في هذا الباب أيضاً.
الخطأ الذي يرتكبه الحاكم أو الدولة، الدولة إذا ارتكبت أي عمل من الأعمال يتنافى مع كرامة البشر فهذا العمل غير مشروع. الآن يُتداول أنه يطلب من الدول ومن السلطات العامة أن تحترم حقوق الإنسان والحريات العامة، ويُظن أن هذا المبدأ في القانون الدستوري أو في القانون الدولي هو من المبادئ المستحدثة من حين بدء الثورة الفرنسية أو الثورة البريطانية وأن هذا الأمر، هذا المفهوم كان غير معروف، كلا، هذا الأمر وُضعت أسسه في الشريعة الإسلامية. كل عمل من الأعمال يتنافى مع الكرامة البشرية تقوم به الدولة هو عمل غير مشروع وغير دستوري وتجب مقاومته. كل عمل من الأعمال تقوم به أي سلطة من السلطات تجاه أي مواطن أو أي جماعة يتنافى مع الكرامة البشرية هو غير مشروع. كل عمل من الأعمال يقوم به أي شخص تجاه أي شخص آخر ويتنافى مع الكرامة البشرية هو غير مشروع.
في هذه الحالة نحن نذكر بعض الخطوط التشريعية لهذا المبدأ التشريعي، في هذه الحالة إذا تعرض الإنسان لما ينتهك كرامته، الفرد أو الجماعة أو المجتمع، ولم تتوفر ضمانات الحماية وضمانات رد العدوان، يصبح من المشروع له أن يدافع عن كرامته، عن حقه في الكرامة وعن حقه في الاحترام وعن حقه في صون حقوقه، عندئذ يكون من حقه الدفاع عن نفسه. نتحدث هنا ليس عن الإنتهاك السياسي من قبيل أن يكون احتلال إسرائيلي وتتركب مقاومة جهادية ضد الإحتلال. هذا أمر يتعلق بالكرامة السياسية والسيادة الوطنية. نقول أنه حتى في المجالات الحقوقية داخل المجتمع حين يتعرض الإنسان أو الجماعة لأي انتهاك من انتهاكات الكرامة يكون له حق الدفاع عن نفسه. والآن المبدأ التشريعي لمشروعية المقاومة بكل ما تعنيه هو يرجع إلى هذا، إلى مبدأ الكرامة البشرية.
الحواريون وأخوة المسيح في المصادر الانجيلية
سعود المولى
في الأناجيل القانونية (أي المعتمدة رسمياً وهي أربعة: متى، مرقس، لوقا، يوحنا) يصل عدد الحواريين إلى أربعة عشر، وهذه هي اللائحة:
في انجيل متى هم: أندراوس وبطرس-سمعان ويوحنا ويعقوب ابنا زبدي ، و"فيليبُس وبرثولماوس وتوما ومتى العشّار ويعقوب بن حلفى ولباوس الملقب تداوس وسمعان القانوني (الغيور) ويهوذا الإسخريوطي الذي سلّمه" .
وفي انجيل مرقس هم: " بطرس- سمعان، ويوحنا ويعقوب ابنا زبدي (وجعل لهما اسم بوانرجس أي ابني الرعد) وأندراوس وفيلبس وبرثولماوس ومتى وتوما ويعقوب ابن حلفى وتداوس ( لا يذكر اسمه الآخر الذي ذكره متى: لباوس) وسمعان القانوني (أو الغيورZealot) ويهوذا الإسخريوطي الذي أسلمه" .
وفي انجيل لوقا هم: سمعان- بطرس وأندراوس أخوه ويعقوب ويوحنا (لا يذكر أنهما أبناء زبدي) وفيلبس وبرثولماوس ومتى وتوما ويعقوب بن حلفى وسمعان الذي يدعى الغيور (يسميه الغيور فيما بقية الأناجيل تسميه القانوني والمقصود غيرته على تطبيق القوانين أو ناموس موسى) ويهوذا أخو يعقوب ويهوذا الإسخريوطي"..فنجد هنا عدم ذكر تداوس أو لباوس المذكور عند متى ومرقس، كما نجد اضافة اسم "يهوذا أخي يعقوب" (بحسب النص العربي المترجم، وفي الأصل اللاتيني واليوناني يسمى يهوذا المنسوب الى يعقوب = Judas de Jacques).
وفي انجيل يوحنا هم: أندراوس وأخوه سمعان-بطرس وهما بحسب الإنجيل ابنا يونا، ومعهما نثنائيل (الذي كان من قانا الجليل وهو واندراوس كانا من تلامذة يوحنا المعمدان، ونثنائيل هذا غير مذكور في الأناجيل الأخرى) ويوحنا ويعقوب ابنا زبدي وفيلبس (من صيدا الجليل) وتوما (يقول عنه: الذي يسمى التوأم) ويهوذا الإسخريوطي (ويسميه يهوذا سمعان الإسخريوطي) ويهوذا "ليس الإسخريوطي" (هكذا يسميه ولعله يهوذا من يعقوب المار ذكره) ، فيكون العدد عند يوحنا تسعة حواريين... وهو في حادثة الصلب يتحدث عن تلميذين يسميهما: "التلميذ الآخر الذي كان يسوع يحبه"، و"يوسف من الرامة وهو تلميذ يسوع ولكن خفية" .
فالمشترك بين انجيل يوحنا والأناجيل الأخرى المسماة الإزائية 6 فقط من أصل 12 هم: أندراوس وأخوه سمعان-بطرس، ويعقوب وأخوه يوحنا ابنا زبدي، وتوما ويهوذا الإسخريوطي..وهناك 2 يرد اسمهما في انجيل ولا يرد في غيره..
فلنر إلى أولئك الذين لا يحظون بالاجماع أولاً.. فهناك تداوس ويسميه مرقس لباوس أيضاً ولا يذكره يوحنا ولوقا..وهناك يهوذا "أخو يعقوب" الذي يذكره لوقا هكذا، ويذكره يوحنا بأنه ليس الإسخريوطي، ولا يذكره متى ولا مرقس... ولكن يرد اسمه في أعمال الرسل .فهل هو نفسه تداوس؟ ولكن لماذا يحمل اسماً عند مرقس ومتى واسماً آخر عند لوقا ويوحنا، علماً أن العلماء يتفقون على كون لوقا يأخذ كل معلوماته من نفس مصدر معلومات متى أساساً ثم مرقس.. وعلماً أيضاً بأن عبارة "يهوذا الذي من يعقوب" تعني ابن يعقوب بخلاف ما ذهبت اليه الترجمة العربية ..
ولا يذكر متى ومرقس اسم يعقوب ابن حلفى.. ويوحنا وحده يذكر نثنائيل الذي من قانا الجليل..
ويعقوب ابن حلفى هو أخو لاوي- متى العشار بحسب مرقس فيكون متى هو أيضاً ابن حلفى.. والغريب أن نثنائيل الذي يرد ذكره في انجيل يوحنا في رواية طويلة تُظهر أهميته وتعاطف عيسى معه، لا يحظى بأدنى ذكر في بقية الأناجيل..
في القرن الخامس للميلاد صدر مرسوم البابا جيلاسيوس الذي حدد الأناجيل القانونية بأربعة فقط وألغى أو أخفى البقية (التي صارت تُعرف باسم الأناجيل المخفية أو الأبوكريفا)..وبدءاً من القرن التاسع انتشرت قصة تُماهي بين نثنائيل وبرثولماوس من خلال القول بأن الاسم الأخير هو لقب أصله بار ثولماي وتعني ابن ثولماي.. ولا يوجد ما يؤكد هذا الزعم علماً أنه من غير المفهوم أن يلجأ انجيل يوحنا لذكره بالاسم وكذلك أعمال الرسل، في حين تذكره بقية الأناجيل باسم أسرته أو لقبه؛ ما يدل على هشاشة هذا الاستنتاج المتسرع..
أما يهوذا أخو يعقوب، فهو في الحقيقة وبحسب الأناجيل (الأصول اليونانية واللاتينية) ابن يعقوب.. أما مصدر القول بأنه أخو يعقوب فيعود الى رسالة في الأناجيل منسوبة الى يهوذا "عبد يسوع المسيح وأخو يعقوب" .. ولكننا هنا نقع على اشكالية أخرى تتمثل في الكلام عن أخوة للمسيح هم يعقوب وسمعان ويوسي ويهوذا كما يرد حرفياً في انجيل متى، وفي انجيل مرقس. كما يؤكد يوحنا أن كلمة أخوة يجب أن تؤخذ حرفياً، فهم فعلاً أخوة عيسى أبناء يوسف النجار. وبحسب الانجيل الأبوكريفي المسمى بالانجيل البدئي ليعقوب protoevangilium والمسمى أيضاً "انجيل ولادة مريم" (كما في غيره من الأناجيل والرسائل الأبوكريفية ومنها قصة يوسف النجار )، فإن يوسف كان متعلماً وعالماً في فقه الشريعة وكاهناً في المعبد إضافة الى ممارسته لمهنة نجار خشب.. وكان تزوج وهو في سن الأربعين ثم صار أرملاً وله ستة أولاد: أربعة بنين (يهوذا، يعقوب، يوسف، وسمعان) وبنتان (ليديا وآسيا) .. أما مريم فقد نذرها أبواها لخدمة الرب في المعبد منذ كانت طفلة في الثالثة من عمرها.. وحين بلغت الثانية عشرة اجتمع الكهنة في الهيكل ليدرسوا وضعها "خوفاً من أن تعاني قداسة هيكل الرب دنساً ما"... ونزل عليهم ملاك الرب يخبرهم باستدعاء الأرامل ليختاروا واحداً منهم بالقرعة ليكون زوجاً لها ليحفظها..فوقع الاختيار الرباني على يوسف الذي اعترض قائلاً: "لي أولاد وأنا شيخ بينما هي فتية جداً".. ومن الأناجيل الأبوكريفية أيضاً أن عمر يوسف حين ترمل كان 89 سنة وحين تزوج مريم كان عمره 90 سنة. . وفي الأناجيل القانونية تأكيد على وجود أخوة لعيسى من يوسف النجار... ففي انجيل متى نقرأ على لسان أهل قرى الجليل الفلسطيني: "أليس هذا ابن النجار. أليست أمه تدعى مريم وإخوته يعقوب ويوسي وسمعان ويهوذا. أوليست أخواته جميعهن عندنا" .وفي مقطع سابق يقول متى: "وفيما هو يكلم الجموع إذا أمه وأخوته قد وقفوا خارجاً طالبين أن يكلموه" .. ونجد نفس الإشارة عند مرقس "فجاءت حينئذ إخوته وأمه ووقفوا خارجاً وأرسلوا اليه يدعونه" . وقد حاول البعض القول بأن الأخوة هنا تعني التلاميذ ولكن يوحنا بدد هذا الزعم حين ميّز بوضوح بين الأخوة والتلاميذ: "وبعد هذا انحدر الى كفرناحوم هو وأمه وإخوته وتلاميذه" .
تحولات السياسة والثقافة في سوريا
شمس الدين الكيلاني
عانت الحياة الثقافية في سورية، العديد من الاحتباسات، والاحتجازات، كان في مقدمها هيمنة الشاغل السياسي، على موضوعاتها، وتساؤلها، منذ ما سمّي عصر النهضة، وتزايد هذا الشاغل مع وقوع سوريا تحت الانتداب الفرنسي، وتأسيس الدولة السورية الحديثة، إذ غدا الاستقلال وبناء الدولة، وصورة العلاقة العربية، هي المؤرق الرئيسي للفكر، لكن الاحتباس الحقيقي للثقافة، سيلازم حقبة تفرّد البعث بالسلطة، ومصادرته للحياة السياسية، فإذا كانت الثقافة كإبداع للمعنى وللأفكار، قد تشاغلت في المراحل الأولى بالسياسة ومسائلها، من موقعها المستقل عن السياسة والسلطة، فإنها في حقبة البعث، خضعت هي نفسها (لسياسة) السلطة، وخططها، فكانت النتيجة انحطاطا شاملا لها.
الحقبة الليبرالية
خضعت سورية، منذ قرنين، مثل بقية العرب، لزمن ثقافي نوعي واحد، تشابكت فيه صلاتها بالثقافة الغربية، واكتشف مثقفوها تقدم الغرب وتخلفهم، فطرحوا على أنفسهم سؤال النهضة، لماذا تقدموا وتخلفنا؟ فقدموا إجابات مختلفة حملتها: الإصلاحية الإسلامية، والتياران الليبرالي والقومي، إلا أن هذه التيارات، بما فيها الإصلاحية الإسلامية، اتفقت قبل أن تبتلى بالاستعمار المباشر على ضرورة التجديد والاقتباس من الغرب، وعلى ضرورة الحكم الدستوري فشهدت هذه الحقبة انتعاشاً للحياة الثقافية، من موقعها المستقل عن السلطة، وعن المستوى السياسي، رغم تشاغلها بالأسئلة السياسية الكبرى، وشكلت أجوبة عبد الرحمن الكواكبي عنواناً بارزاً لهذه المرحلة.
تغير الأمر بعد الاجتياح الغربي ومعه المشروع الصهيوني. تصلب الموقف تجاه الآخر، وثقافته. احتل هاجس (الهوية) مقدمة المسرح الثقافي في مواجهة الوجه الاستعماري للحداثة، وتصاعد التأكيد على (المسألة الثقافية)، والخوف على الهوية، فشهدت سوريا في الثلاثينيات ولادة السلفية تحت تأثير صفحات (المنار)، وأفكار رشيد رضا، كنواة لولادة الحركة الأخوانية في الأربعينيات، التي أعلنت القطيعة الثقافية مع الغرب، وإلى جوارها شدّد القوميون الإيديولوجيون الجدد على "الأصالة" والمعاصرة، والخصوصية الثقافية، واستنفدوا طاقاتهم الفكرية على إثبات وحدة الثقافة كعنصر جامع للأمة، أما التيار الليبرالي فكان أكثر انفتاحاً، لا سيما أنه أصبح نافذاً بحكم مشاركته في بناء الدولة الحديثة في ظل الانتداب، ثم في زمن الاستقلال، فقد شدّد على الجانب الفردي للحرية، وعلى الليبرالية الاقتصادية، أكثر من تشديده على المشاركة، والمفاهيم الديموقراطية الأخرى، أما الماركسي فقد استعار النقد الاشتراكي لنقد الوجه الاستعماري للحداثة، والتأكيد على النزعة الأممية، لكن الجميع، إذا استثنينا التيار الليبرالي، لم يفكروا بالدولة الواقعية وبتطوير عملها وتحديث آلياتها، أكثر من تفكيرهم بالدولة الطوبى. فكّر الإسلامي بدولة الشريعة، أو بدولة الخلافة، والقومي بالدولة الأمة، والاشتراكي بالدولة البروليتارية، ولا سيما أن المفكر القومي، والإسلامي لم يتعاملا مع (الكيان السوري) بجد، إذ نظرا إليه على أنه محطة مؤقتة، أو جسر لكيان أكبر (الدولة العربية)، الدولة الإسلامية، وكان لهذا التطلع السياسي الكبير، موقعه المركزي في الإنتاج الثقافي لهذه الحقبة، لهذا فإن سوريا وإن أنجبت في مجال الشعر والأدب شخصيات مهمة أمثال نزار قباني، وأدونيس، وعمر أبو ريشة، وعبد السلام العجيلي، وزكريا تامر، وحنا مينه، وفي الفنون التشكيلية أمثال المدرس والكيالي، وقشلان إلا أنها لم تقدم مؤرخين كبارا في التاريخ السوري كجمال حمدان في مصر، والعلي والعزاوي في العراق، وفيليب حتي وألبرت حوراني في لبنان، أو مفكرين اجتماعيين وصانعي أفكار، أمثال طه حسين، وزكي نجيب محمود، وأحمد أمين، غير أنها تفردت في تقديم أبرز المفكرين القوميين العرب وأشدهم تأثيراً ساطع الحصري، ميشيل عفلق، قسطنطين زريق، زكي الأرسوزي.
وعلى الرغم من سيطرة الأسئلة السياسة الكبرى، على الثقافة، إلا أنها ظلت مستقلة، عن سيطرة السلطة، والسياسي، وأكدت حضورها كفاعلية حرة لإبداع المعنى، والفكر، ومارست هيمنتها على ميدان السياسة، وعلى السلطة، وعلى الدينامية الاجتماعية، وعلى سلوك الأفراد والجماعات، واستطاع المثقفون السوريون، أن يساهموا، مع غيرهم من المثقفين العرب، في إنتاج ما يمكن اعتباره ثقافة عربية جامعة، وبلورت أهدافا كبرى للجماعة العربية في النهضة والوحدة والتقدم، وفي إيضاح الخطاب الثقافي للأيديولوجيات السياسية، وأنجزوا كثافة في التأليف تدعو إلى التبصر والتغيير، في مناخ من الحريات الديموقراطية البرلمانية والليبرالية، لا سيما في الأربعينات والخمسينات، حيث ازدهرت عشرات الصحف الحرة، والدوريات، ودور النشر.
سلطة الحزب الواحد
ثم ما لبثت (الثقافة) أن دخلت في أزمة مديدة في مرحلة حكم البعث وتفرده بالسلطة، فلم تعد الثقافة، من حينها، تقصر علاقاتها بالسياسة على الانشغال بموضوعاتها من موقعها الحر، بل غدت مسخَّرة من السياسة، ومقادة في بداية حكم البعث من النخب السياسية للسلطة، ثم لاحقاً، من مثقف أجهزتها الأمنية، فافتقدت علاقتها بالجسم الاجتماعي إلى طابعها التلقائي الحر، القائم على الاقتناع، وتحولت إلى محض إيديولوجية سياسية حزبية متصلّبة فقيرة، تُفرض قسراً على الجماعة، بواسطة (الأجهزة) الأيديولوجية للدولة. فشهدت سوريا انطفاء مُطرداً للثقافة، بعد أن احتكرت السلطة الإعلام والمنابر الثقافية، وصادرت حرية الصحافة والنشر وسخرت الدولة وأجهزتها، وهيئات المجتمع المدني لمراقبتها وهيمنتها المباشرة، فانحطت صورة مثقف السلطة مع ترسخ هيمنتة وتداخل وظائفه بالسلطة، وإن احتفظ ببعض إهاب حملة الرسالة والمبشرين بتغير العالم، وعلى مظاهر التقشف الخارجية ونظافة الكف في بداية أمره، لكن ما لبثت أن تآكلت تلك المظاهر مع شروعه في بناء صرح الدولة الأمنية العتيدة، وتطبيقه لمنهج يسراوي أفقر فيه المجتمع والدولة معاً، في خضم تنافسه مع زعامة عبد الناصر العربية، ومع الحركة الناصرية في سوريا، وقدّم اثناء بحثه المحموم للخروج من عزلته ولبناء شرعية مفتقدة، خطاباً يسراوياً علمانياً راديكالياً رثاً نفّر فيه المجتمع برمته، وحط من مستوى الثقافة والفكر، اللذين أصبحا مصادرين من قبله، عندما أغلق جميع منافذ التعبير عن الرأي، وصادر المنابر الثقافية وأجهزتها، من الصحافة إلى دور العلم، إلى المدرسة والجامعة، وسلّمها إلى الأكثر طاعة، وانقياداً، من المثقفين، الذين نقلوا ولاءهم تدريجياً إلى الأجهزة الأمنية.
لقد بلغ هذا الميل حدوده القصوى في ظل (الحركة التصحيحية)، في عام 1970 حيث أصبحت هذه الاجهزه هي المشرف المباشر على الثقافة، والسياسة، وعلى المجتمع، وهو المعنى الذي عبرت عنه، بصورة مواربة، المادة الثامنة من الدستور، بقولها، ان حزب البعث هو قائد الدولة والمجتمع. واستعاضت السلطة، في هذه المرحلة، عن نهج إفقار المجتمع وتقشف النخبة، الذي اعتمدته نخب المرحلة الأولى للثورة، باستراتيجية إعادة إنتاج التركيب الهرمي للمجتمع بدءاً من ذروة الهرم، أي من النخب السياسية، والدولاتية البيروقراطية التي أمسكت بالقرار السياسي والاقتصادي والإداري، وذلك بإطلاق يدها لاكتناز الثروة والنفوذ شرط طاعتها وولائها، فأصبح صعودها السياسي، والإداري متلازمين مع تنامي ثروتها، وبذخها، وانفتح بذلك الطريق أمامها لتراكم ثروتها من نهبها للمال العام أو برعايتها لصعود قطاع خاص، لا سيما التجاري الذي غدا شريكا شرعيا لها في نهب قطاع الدولة، وفي تقديم الأتاوات ثمنا لصكوك الاستيراد والتصدير، بالإضافة إلى ما تفرضه على القطاع الصناعي من (خوة) لـ(حمايته)، و(رعايتها) له من مرحلة الإنشاء إلى مرحلة التداول مرورا بمرحلة الإنتاج!
هكذا فتح النهج الجديد باب الثراء عبر بوابة السلطة، وأجهزتها الأمنية، أو بالولاء لهما، فارتبطت الثروة والارتقاء الاجتماعي بالولاء للسلطة وأجهزتها، ثم تحول الولاء الأمني منذ الثمانينيات إلى رافعة، شبه وحيدة، للارتقاء الاجتماعي ولتنامي النفوذ، وأيضاً الثروة، فغدا "الفساد" منهجاً معتمداً وليس انحرافاً، لإعادة صياغة التركيب الاجتماعي، وهيمن بذلك نمط ريعي طفيلي على الاقتصاد. فبدلاً من اعتماد الإنتاج كمعيار للاقتصاد دخلت سوريا في دوامة إعادة توزيع الثروة لصالح المتنفذين في أجهزة السلطة، هذا هو المعنى الحقيقي لفشل التنمية، وتراجع مستوى الإنتاجية، والدخل، وهو ما جعل "القطاع الخاص"، خاصة التجاري، وهو الشريك في النهب، الأكثر بعداً عن تطلّب الديموقراطية، وحقوق الإنسان.
وهنا يكمن السر الحقيقي لانتشار أخلاقية الطاعة والانتهاز، واقتناص الفرص، بدلاً من الاعتماد على الذات، وعلى قيم الإنجاز والفاعلية والإنتاج التي هي عماد المجتمع الحديث. وبلغ الوضع قمته في الثمانينيات، في حلبة الصراع مع "الطليعة المقاتلة" للأخوان، التكفيرية الارهابية، التي كانت بمثابة الحصيلة، ورد الفعل الخاطئين على نهج النظام الأوامري الصارم، وعلى نزعته الدهرية الكلبية (لا أقول العلمانية التي لا تصح هنا) المتهافتة للسلطة، إذ أنجزت في هذه الحقبة عسكرة المجتمع برمته، وبلغ فيها نمط الدولة الأمنية ذروة اكتماله، وجرى فيها تصفية ما تبقى من رمق لقوى المعارضة الديموقراطية، المنضوية تحت يافطة (التجمع الوطني الديموقراطي)، التي طرحت مشروعاً ديموقراطياً للتغيير يعتمد نموذج النظام الديموقراطي البرلماني، وجرى خنق أي صوت معارض، في السياسة والثقافة، التي باتت موظفة، بما فيها الادب والفنون التشكيلية لإطراء السلطة ولامتداح رموزها، أو الاشتراك في مهرجاناتها الاحتفالية، وطقوس "أعيادها"، فانتشرت الأعلام والصور الهائلة، والشعارات والتماثيل في كل مكان تسبيحاً لرموز السلطة، وكأن الشعب السوري قد تحول على حين غرة إلى الديانة الوثنية، بأن كرّس نفسه لتقديس زعامته!
لم يعد ممكنا، في ظل هذا الوضع برمته، الحديث عن حياة ثقافية حقه في سوريا، بعد أن فقدت الثقافة استقلالها وأضحت تابعة للسلطة ولسياستها، في مناخ تحولت فيه السلطة، بإدارتها الحكومية، والحزبية، والنقابية وأجهزتها البيروقراطية، المنتشرة في كل مكان إلى خيوط متشابكة تحركها الأجهزة الأمنية، بطريقة أصبح فيها الجميع، في المدينة والريف، في الوظيفة أو خارجها تحت ضغط نظام الطاعة الصارم، حينها أصبح الفرد من القماط حتى الموت، تحت المراقبة والعقاب الصارمين، وبالتالي غدا التعبير عن الاختلاف عن السلطة، ناهيك عن معارضتها، له كلفته الغالية الثمن، أقلها الأقلّ ما حدث لكاتب بوزن زكريا تامر، عندما افتتح مجلة (المعرفة) الحكومية بمقتطفات من "الكواكبي" فتم عزله، ودفعه إلى الهجرة.
كما ضاقت منافذ التعبير والنشر، إذ اقتصرت الصحافة، وهي مرآة العالم الحديث، على ثلاث صحف لها مهمة واحدة، وهي ترجمة نشاط السلطة، والدفاع عن توجهاتها، واقتصرت وظيفة الإذاعة والتلفزيون على نقل هذا النشاط إلى الصورة والصوت، وانحسرت مراكز النشر والحياة المسرحية، والفنون التشكيلية، وسيطرت (التوجهات) الرسمية على الحياة الثقافية برمتها، فوصل الوضع الثقافي إلى حد الإفلاس الشامل وتكاملت تلك الصورة السوداء، مع ما حدث من تدهور للجامعة والمدرسة، بعد أن أشرفت على حياتهما الداخلية الأجهزة الأمنية، فتدهور المستوى الأكاديمي، مع استباحة استقلالها، ولولا الترجمات التي أنجزتها وزارة الثقافة، لكان التدهور أكبر.
وقد فاقم حالات التدهور هذه، أن السلطة لم تترك للقوى الثقافية، والسياسية الأخرى حق التعبير عن النفس، حين حصرت الأجهزة الثقافية ومنابرها بها، وضيقت المجال على المجتمع الأهلي والمدني، فطال التأميم حتى الأندية الرياضية، أما ما تبقى من أندية ثقافية فكانت تحت مراقبتها وسلطتها، فحُرمت المعارضة باتجاهاتها كافة من حق التعبير، فاقتصر نشاطها السياسي على صحافة بدائية تتناقلها الأيدي بسرية كاملة، وإذا كانت قد أبقت من هامش على صحافتها السلطوية، ودورياتها، في عقد السبعينيات، في المناخ الذي أعقب حرب تشرين، فهي قد حصرته في مجالات الأدب، والتاريخ والتراث، فكانت حصيلة النقاشات النظرية بائسة، ويعود ذلك إلى سيطرة النزعة (الطبقية)، وتوظيفاتها على النص الأدبي والتراثي والتاريخي، فسيطر على النقد الأدبي البحث عن الحامل الطبقي للرواية والقصة والمسرح، فتحول النقد إلى محاكمة (طبقية) لأبطال العمل الأدبي، لينتقل بعدها (ليحاكم) الكاتب، كما سيطر على دراسة التاريخ والتراث، والمنتوج الثقافي، البحث المحموم عن الحامل الطبقي للأفكار، فتحولت الثقافة إلى مسرح عرائس لصراع الطبقات الموهوم، على خلفية حرب طبقية حقيقية بين الدولة الأمنية، والمجتمع الذي جُرّد من حقوقه، بينما كانت ترتفع فوق هذا كله، ثقافة المديح لرجال السلطة، والهجاء والتخوين لخصومها.
وقد ساعد، على ذلك أيضاً، اشتراك النخبة السورية، حتى السبعينات، في كافة مشاربها، إذ استثنينا المثقف الليبرالي الذي توارى دوره، في ثقافة سياسية واحدة، تنطلق من موقف نخبوي للسياسة تجعلها مناطة بـ "الطليعة" المعبّرة عن الأمة، أو الطبقة، أو الجماعة المؤمنة، أما "الديموقراطية" ودور الشعب الحاسم في المشاركة، فكان خارج مرمى النظر حتى بداية الثمانينيات.
فالمثقف الإسلامي، وريث الإصلاح الديني، والذي بات يتمثل في الأخوان المسلمين، نظر إلى نفسه على أنها في الموقع المدافع عن الإسلام، ودولة الشريعة، وبشّر بسلطة شبه ثيوقراطية، وبالنهاية أفرز "الطليعة المقاتلة" التكفيرية التي كانت الوجه المقلوب لاستبدادية السلطة وإطلاقيتها، فكفرت المجتمع والدولة، ودعت إلى تطبيق الشريعة بالقوة.
أما المثقف القومي (الناصري) المتمثل بـ(الاتحاد الاشتراكي) الذي كان المعارض، والمنافس الأول حتى وفاة عبد الناصر، فقد ظل ينظر الى سلطة البعث على أنها سلطة غير شرعية، تجسّد الانفصال، بل كان يشكك بشرعية الدولة السورية نفسها إلى أن تعود إلى الوحدة مع مصر، ولقيادة رئيسها جمال عبد الناصر، فكان الهدف الرئيسي لهذا المثقف، قبل ما جرى له من تحول، الاستيلاء على السلطة لإعادة الوحدة، وكان المثقف الشيوعي، قبل الانقسامات التي أصابته، يعتقد نفسه طليعة البروليتاريا وجزءاً من جيش البروليتاريا العالمية، هدفه النهائي الاستيلاء على السلطة، وقد تحالف مع سلطة البعث خوفاً من المشروع الناصري الوحدوي، ولخدمة الصداقة مع الاتحاد السوفياتي، فكان (للنخب التقدمية) حاكمة ومحكومة، مفاهيم مشتركة حول دولتها التنموية المرتقبة، ودورها النخبوي، فضحّت بمرجعية الأمة، والجماعة والطبقة لصالح النخب التي تمثلها، فتضافرت، بذلك ذهنيات النخب ومواقفها، مع ضغط النظام الأمني الشامل، كي يزيدا من تدهور الحياة الثقافية.
كان لا بد من منافذ جديدة ليطل بها المثقف السوري على العالم، فكان لبنان نافذته شبه الوحيدة ليعبر بها عن نفسه، وكان لا بد من انتظار التحولات الذهنية التي ستجري على المثقف ذاته، لإعادة انطلاق روح جديدة تحيي ثقافته، وضع نقاط انطلاق جديدة لها، ففي نهاية السبعينيات، واستمراراً في الثمانينيات، شرعت النخب المعارضة تنقل خياراتها إلى الديموقراطية، فقد توصل المثقف القومي الناصري من خلال مراجعته للتجربة الناصرية، وللتجارب المخفقة للنظم التقدمية الأخرى، إلى اعتبار الديموقراطية شرطاً مهماً للتنمية والتحرر، ولتقرير مصير الجماعة العربية، كما انحازت بعض النخب الماركسية، إلى الاتجاه نفسه، ولن يطول الوقت على المثقف الإسلامي، بعد تجربته المرة في الثمانينيات، لأن يزاوج بين مفهوم الشورى والديموقراطية، وتوسعت دائرة تأثير المثقف الليبرالي، الذي ازداد ثقة، مع الانقلابات الكبرى في العالم. وكان أبرز ملامح هذه الفترة من الثمانينيات، بروز أطروحات برهان غليون المهاجر، والأطروحات المقابلة لياسين الحافظ، وجورج طرابيشي، حيث هيأت لهما الغربة سبل الإطلالة على العالم، وهما، على اختلافهما قدما النقد الأكثر جذرية لمنظورات الحقبة (التقدمية)، وأعطيا العلامة الأبرز على بزوغ وعي جديد.
تواكب مع استمرار وتعمق تلك الاتجاهات الديموقراطية، دخول السلطة في أزمة نهاية الثمانينيات العميقة، التي ترافقت مع انهيار التجربة الشيوعية، وسلطة الحزب الواحد المروعة، فشهدت سوريا بداية تراجع قبضة الدولة الأمنية، كمحاولة للتكيف، مع هذا المناخ، فتزايدت دور النشر، وتوسعت إصداراتها الثقافية، أمام الأجيال الجديدة من المثقفين في مجال الأدب والترجمة والفكر، الذين غدوا متسلحين بالمنهجيات الجديدة، وبالموجة العالمية الجديدة للديموقراطية، وانتعشت الدراما بعد أن رفعت السلطة وصايتها عنها، ثم تعزّز هذا الاتجاه الانفتاحي بقوة الحياة والأفكار وضغط أزمة شرعية سلطة الحزب الواحد، فشهدت سوريا الإفراج عن الآلاف من المعتقلين، فوجاً إثر فوج، وهو أمر لم تنتهِ السلطة منه إلى الآن.
وفي هذا الزمن الذي تهاوت فيه مرجعيات السلطة الإيديولوجية، وغدت في موقع الدفاع الاستراتيجي عن الذات، كان مثقفها قد فقد، منذ زمن بعيد، المبادرة والقدرة على صياغة الأفكار، إذ تحول إلى مثقف جهاز وحسب، يردّد ما تأتي به (الأوامر)، فانفصل قوله عن عمله، وخطابه عن ممارسته، واكتسب، بحكم وظيفته، مهارة التبرير، واقتصرت مساهمته على تكرار ما توارثه من قوالب قديمة لإلباسها الحقائق الجديدة، يخالجه شعور مهين بأن أحداً لم يعد بحاجة لتسويغاته النظرية الباهتة، حينما صار (مقامه) معتمداً على مقدار ولائه للأجهزة، وفي زمن يلح عليه في كل اتجاه بضرورة التغيير، فاكتفى هو، مسايرة للوقت، بذكر العناوين الجديدة الديموقراطية، الإصلاح... الخ كي يمنحها مضامين قديمة تافهة !..
العهد الجديد وإخفاق الرهان على التغيير
استلم الأسد الابن السلطة، في هذا المناخ، الذي كان فيه الجميع إما منتظرا الإصلاح، أو خائفاً من ضروراته، فأطلق هذا التبدل، في الموقع الرئاسي، الآمال عند الجمهور، ولا سيما عند المثقف المستقل والمعارض بإمكانية التغيير الديموقراطي، وكان هذا المثقف، على تضاؤل مكانته، وموقعه، أمام حصار السلطة له، قد انتقل إلى تربة فكرية جديدة، هي على النقيض من إيديولوجية الدولة الأمنية القائمة، وهو على ضعف حيلته، وحجم التهديد الذي أحاط تحركه، والتكلفة الغالية التي يتوجب عليه تقديمها اذا تجاوز (حدوده)، بات يمتلك نداء المستقبل، والقوة التعبيرية عن حاجات شعبه، وفي مقدمتها الديموقراطية، وحرية التعبير، وحق الشعب في إدارة مصيره.
وعلى الرغم من عسكرة الحياة السياسية، وسيطرة النظام الأمني في الثمانينيات ومحاولة إطفاء الحياة السياسية، والثقافية، وخنق النشاط السياسي الحزبي بالاعتقالات، أو بالتهديد بها، بقيت جماعة صغيرة متحلّقة حول "التجمع الوطني الديموقراطي" الذي دعا منذ الثمانينيات إلى التحول نحو النظام الديموقراطي البرلماني، ومثل رمزاً للقوى الديموقراطية، وإلى جانبه جماعات من المثقفين الديموقراطيين المستقلين، عبروا عن تحولاتهم الجديدة، وهواجسهم في الصحافة اللبنانية، فضلا عن المثقف الليبرالي العلماني الذي زادته هذه الأيام ثقة بالذات، وقد امتلك هؤلاء على ضعف حيلتهم رصيداً من القوة، طالما أنهم باتوا يتجهون إلى الشعب ليمسك بمصيره، ويستجيبون لريح العصر.
لقد تفاعل المثقف الديموقراطي المعارض، مع الوعود التي أطلقها العهد الجديد، فبرزت في المدن السورية، ظاهرة "المنتديات"، التي مثلت مجالا جاذبا لنشاط النخب الثقافية والسياسية، والتي حولتها إلى منابر ثقافية سياسية، ما فتئت تتسع لتنضم إليها رموز جديدة، ولعلها لو استمرت، واتسع نطاق نشاطها، لشكلت مدخلاً لبعث الحياة الثقافية السياسية، وأسست مناخاً للحياة الديموقراطية، وقاعدة اجتماعية ملائمة لنجاح عملية الإصلاح أو التغيير الديموقراطي، لولا أن انقضت عليها السلطة، وخنقتها في مهدها، إلاَّ أن هذه الانكفاءة إلى الطرق الأمنية القديمة، لم تنل من عزيمة إرادة التغيير، ومن الحركية الثقافية، التي خرجت من القمقم.
فعلى الرغم من مظاهر استعراض القوة، فإن إيديولوجية "حكم الحزب الواحد والدولة الأمنية" تهاوت، والنظام الأمني برمته بدأ يصيبه التفكك، وثراء الحياة السياسية، والثقافية شرع يؤكد نفسه، في شتى المجالات، وأغتنت الحياة الثقافية في سوريا بذلك الجدل الصاخب، بدلالة مفهوم "المجتمع المدني"، وإن كانت بعض حلقات ذلك النقاش، قد فتحت محوراً ثانويا "للاختلاف" على حساب الاتجاه نحو الحريات الديموقراطية، والتي عبرها يمكن للمجتمع أن يشكل هيئاته المجتمعية الحرة، إلاَّ أن الإنجاز المهم الذي حققته النخب السياسية والثقافية، على تنوعها، من الاتجاه الإسلامي إلى العلماني، فضلاً عن المثقف اليساري والقومي، هو وصولهم إلى قناعة مفادها، أن آليات النظام الديموقراطي، هي المدخل المناسب لتصحيح علاقات الاجتماع السوري، ولمواجهة مخاطر الخارج، والمفتاح الحقيقي لحل المسألة الوطنية، وللعمل العربي الموحد، فضلاً عن رفضهم الاستقواء بالخارج والدخول بأجندته، وهو ما يسهل عملية الإصلاح الديموقراطي، والمصالحة الوطنية، ويضع الإطارات اللازمة لانتعاش الثقافة الوطنية، التي لم يعد يقتصر مسرحها على المثقف التغييري الديموقراطي، فهناك المثقف الليبرالي العلماني، وإلى جانبه المثقف الإسلامي الذي انحاز إلى الديموقراطية، والذي جمع بين توجهات الأخوان الجديدة، وتوجهات الجيل الجديد من الإسلاميين، الذين اغتنوا بالمنهجيات المعاصرة، وانفتحوا على الثقافة العالمية، كما شهدت الساحة الثقافية ظهور المثقف/ الباحث، الذي اهتم بالدراسات الاجتماعية والسياسة الميدانية، وهو ما يشي باغتناء الحياة الثقافية السورية إذا قيض لها المناخ الديموقراطي، وما يلازمه من حرية تعبير، حينها يمكن أن نتحدث عن ولادة علاقة حية بين الثقافة والاجتماع السياسي السوري، بتأكيد استقلالية الثقافة عن السلطة، وعن السياسة المباشرة، وذلك بعودة ارتباط الثقافة مجدداً بالإنتاج الحر للفكر والمعنى، وهو ما يتيح لها أن تعرض (بضاعتها) في (سوق) الأفكار والقيم، والمعاني برهافة حرة من دون وساطة، أو قهر أو وصاية، فيتداولها أفراد المجتمع ويقتنونها باختيارهم الحر، وهو ما يعيد للثقافة مهابتها وقدرتها على التأثير الاجتماعي، ويتيح للأفكار أن تندمج في الكتلة الاجتماعية، في إطار تبادلية حرة شفافة، بعيدة عن القسر، والتوظيفات السلطوية، اللذين يقتلان الثقافة، والاجتماع السياسي معا. ولعل الكثير من المسائل السياسية والثقافية يتوقف على المآل النهائي للثورة السورية الراهنة،التي تختزن إمكانية فتح الأبواب الواعدة أمام رياح الإبداع والتنوع والثراء الثقافي، وأن تضع الأرضية الصلبة لمستقبل الثقافة والسياسة في سوريا تستعيد فيه نشاطها وحيويتها وصخبها وتأثيرها المشهود الذي ألفته في العهد الليبرالي قبل أن تبتلى بحكم الأجهزة.
التجربة التنموية في لبنان ما بعد الحرب: مراجعة وتقويم
بطرس لبكي
النهار- الأحد 8 تموز 2012-07-08
عقد تسعينات القرن الماضي كان من أنشط العقود إعمارياً في تاريخ لبنان وسجل إنجازات مهمة حسنت شروط الحياة في بعض المناطق والمجالات. لكن العديد من المناطق بقيت محرومة، وكلفة الانجازات كانت مرتفعة، فيما فاعلية بعض التجهيزات كانت منخفضة...
انطلقت التجربة التنموية بعد 1990 في ظرف لبناني واقليمي ودولي مختلف: على الصعيد اللبناني كانت الخسائر التي المت بلبنان كبيرة (90 ألف قتيل و 760 ألف مهجر، 880 ألف مهاجر، نظام تربوي مخلخل، خسائر بالرأسمال المادي قدرت ما بين 6 و 12 مليار دولار، خسائر بالدخل الوطني تفوق 50 مليار دولار، انخفاض الدخل الفردي الى نصف مستواه عام 1975، نصف الخطوط الهاتفية معطلة، ثلث الطاقة الإنتاجية الكهربائية معطلة، 80% من موارد المياه ملوثة، نصف الفنادق مدمرة). والدور الإقتصادي اللبناني قد تدهور بسبب تقدم دور الدول العربية النفطية، وعولمة النشاط المصرفي وانهيار الكتلة السوفياتية، والصعود الصناعي لآسيا الجنوبية والشرقية. ولكن بعض العناصر الإيجابية كانت ظاهرة: منها تحسن كفاءة الأفراد والشركات اللبنانية وازدياد مدخراتهم، وعدم تكون مركز خدمات اقليمي متنوع كلبنان، وظهور بوادر سلام اقليمي في مطلع التسعينات.
بدأ مجلس الإنماء والإعمار، الذي اعيد تكوينه مطلع عام 1991، باعداد خطة لتأهيل البنية التحتية. سميت خطة النهوض. وكلف بذلك كونسورسيوم دار الهندسة – بكتيل. اعد هذا المخطط عام 1991 ووافق مجلس الوزراء عليه في ربيع 1992. وكان يتكون من 126 مشروعاً ضمن 15 قطاعاً ويغطي سنوات 1992-1997: قيمة الإنفاق الإستثماري فيه 4449 مليون دولار.
وكان يهدف الى تأهيل البنية التحتية في مختلف القطاعات الى اعلى مستواها بين 1975 و 1990 مع تحسين لوضع بعض القطاعات المتضررة اكثر والمحرومة نسبيا (كهرباء، مهجرين، زراعة، مصافي نفط، مرافئ في المناطق) وكان متوسط الإنفاق الإستثماري 890 مليون دولار سنوياً.
نصف الإنفاق كان على أربعة قطاعات: الطرقات، الكهرباء، الإسكان، المهجرين. والإنفاق على تطوير القطاعات الإقتصادية كان ضعيفاً (صناعة، زراعة، سياحة، نفط، خدمات القطاع الخاص): 10% من الإنفاق الإجمالي. انطلقت اعمال التأهيل منذ 1991، كذلك الحملة لتعبئة التمويل من مصادر اوروبية وعربية. وتطورت عامي 1992 و1993 بتلزيم تأهيل قطاعي الكهرباء والمواصلات.
- تغير الوضع السياسي في نهاية 1992 مع الانتخابات ووصول اول حكومة للمرحوم الرئيس رفيق الحريري الى السلطة، ومع بروز مؤشرات لسلم اقليمي (اتفاقات اوسلو ووادي عربة...). فقدرت الحكومة اللبنانية ان لبنان لا يستطيع ان يكتفي بالتأهيل، واطلقت خطة لتوسيع البنية التحتية واعداد لبنان للظرف الإقليمي المنتظر وهي خطة الالفين الهادفة الى تطوير البنية التحتية واطلاق النشاط الإقتصادي وملاقاة حاجات السكان. فأصبحت خطة الألفين تغطي فترة 1995-2007 وقيمتها الإجمالية 18 مليار دولار اي 1366 مليون سنوياً.
- وهذا المبلغ يفوق بنسبة 50% المبلغ المقرر في خطة التأهيل السابقة. انتهى اعداد خطة الألفين في خريف 1994 ووافق مجلس نواب على اطاره الماكرو اقتصادي ضمن موازنة 1995. وادرجت البرامج القطاعية في قوانين برامج اودعت في مجلس النواب ابتداءً من اواخر 1994.
لكن الظروف الإقتصادية تغيرت جذرياً: فابتداء من 1994 اخذ نمو الإقتصاد اللبناني يتراجع من 8% عام 1994 الى 6.5% عام 1995 الى 4% عام 1996، الى 3.5% عام 1997 الى 2% عام 1998 الى 1% عام 1999 الى 0% عام 2000. وذلك بسبب السياسات النقدية والمالية والتجارية للدولة: رفع الفوائد على التسليف للقطاع الخاص للتماهي مع الفوائد على سندات الخزينة، رفع سعر صرف الليرة اللبنانية نسبة للدولار واخيراً فتح الأسواق اللبنانية امام السلع الآتية من الخارج دون معاملة بالمثل: فتوقف النمو، واغلقت ابواب المؤسسات او خفض من اعداد العاملين فيها وتراجع النمو الإقتصادي وتسارعت الهجرة الخارجية. رافق ذلك نمو سريع للدين العام من مليارين آخر عام 1990 الى 30 ملياراً سنة 2000. فأصرت وزارة المال على لجم الإنفاق خارج خدمة الدين العام. وبما انه من الصعب لجم النفقات الجارية لأسباب سياسية، لم يعد من الممكن الا لجم النفقات الإستثمارية وتراجع الإستثمار في المشاريع ذات التمويل اللبناني وحتى الخارجي بسبب ارتباطها بحصة لبنانية في التثمير وفي الإستملاكات.
لذلك وبعد ان بلغ الإنفاق الإستثماري لمجلس الإنماء والإعمار مليار دولار عام 1997 بدأ هذا المؤشر يتراجع بسرعة في السنوات اللاحقة.
ترافق التغيير الإقتصادي ابتداء من 1995 بتغير سياسي في خريف 1998 مع وصول العماد اميل لحود الى رئاسة الجمهورية والدكتور سليم الحص الى رئاسة الحكومة.
طلب الرئيس الحص من مجلس الإنماء والإعمار في شباط 1999 اعداد خطة تنمية اقتصادية واجتماعية خماسية ضمن الأطر التالية:
- الأفضلية للشأن الإجتماعي،
- الأفضلية للمناطق المحرومة،
- الأفضلية للزراعة والصناعة والسياحة والتكنولوجيا،
- انهاء المشاريع قيد التنفيذ،
- تنسيق الخطة مع توجهيات وزارة المال في مجال الإصلاح المالي.
هدفت هذه الخطة للتوصل الى هذه الأهداف من خلال:
- تحسين الميزة التفاضلية والتنافسية للإقتصاد اللبناني،
- تحسين عرض الخدمات العامة.
وبالمقارنة مع خطة الألفين كانت هذه الخطة التي اعدها الاستثماري الأميركي مونيتور (MONITOR) تستوجب انفاق 1.27مليار دولار سنويا (اي اقل بـ8% من خطة الألفين) مع انخفاض في حصة القطاعات التي كانت قد جهزت في التسعينات (كهرباء، مواصلات، ابنية حكومية، مرافئ، مطار، تربية، تعليم عالٍ، صحة عامة).
هذا بينما حظيت قطاعات أخرى بحصة أهم من حصتها في الخطط السابقة: طرق واوتوسترادات، تعليم مهني، بيئة، مياه وسدود، مياه مبتذلة، سياحة، اقتصاد، خدمات القطاع الخاص.
وبرزت قطاعات جديدة في خطة 2000/2004: الحماية من الفياضانات، التكنولوجيا العالية، البحث العلمي، تكوين شبكات للإتصال مع المغتربين.
وافق مجلس الوزراء على هذه الخطة في 17/5/2000، لكن التغيرات السياسية الناتجة عن انتخابات الألفين وعودة الرئيس الحريري الى رئاسة الحكومة، رمت هذه الخطة في أدراج الرياح حتى بروز خطة ترتيب الأراضي عام 2009.
انجازات سيرورة الأعمار (1991-2001) على الصعيد العام
- 2379 مشروعاً لزّمت بمبلغ /6209/ مليار دولار.
- 1766 مشروعاً نفذت بكلفة /3078/ مليار دولار.
- 613 مشروعاً قيد التنفيذ بقيمة /3130/ مليون دولار أي ربع عدد المشاريع الملزمة ونصف القيمة الملزمة.
- 27,5 مليار دولار مجمل الانفاق التثميري أي 82.87 % من المبالغ الملزمة.
- معدل التثميرات السنوية /650/ مليون دولار أي أدنى بكثير من المخطط /850/ مليوناً في خطة التأهيل، /1366/مليوناً في خطة الألفين، /1270/ مليوناً في الخطة الخمسية. ويعود هذا التقصير لسببين:
- ضعف الطاقة الاستيعابية للاقتصاد اللبناني بقطاعيه العام والخاص وذلك رغم تقوية طاقات مجلس الانماء والأعمار وباقي الادارات وتقوية طاقات مكاتب الدراسات والاشراف وشركات التعهدات.
- أزمة المالية العامة المتفشية منذ 1997 وقد تسببت بتأخير للاستملاكات والدفع للمتعهدين مما أخر إطلاق المشاريع الممولة محلياً وحتى خارجياً.
انجازات سيرورة الأعمار (1991-2001) على الصعيد القطاعي
- حصل قطاع الكهرباء على 22.3% من الانفاق أي بين ضعفين وعشرين ضعف الحصة المخططة في خطة الألفين والخطة الخمسية.
- حصل قطاع الطرق والنقل على 50 الى 70 % من حصته المخططة (بسبب التأخير في الاستملاك ومحاولات الخصخصة).
- حصل قطاع الاتصالات على 3 و16 ضعف حصته المخططة (بسبب سهولة التثمير النسبية) وتسبب ذلك بفائض في التجهيز.
- حصل قطاع النقل البحري والجوي على ما بين ضعفي حصته وأربعة أضعاف (بسبب الحجم الزائد للحاجة لمشروع مطار بيروت).
- حصل قطاع النفايات الصلبة على ما بين أربعة اضعاف وسبعة اضعاف حصته المخططة (بسبب ارتفاع أسعار المعالجة في بيروت وجبل لبنان اضعاف سعر المنافسة في السوق).
- حصل قطاع التربية والثقافة والرياضة على حصته المخططة نفسها.
- حصل قطاع الصحة العامة على ما بين ضعفي حصته المخططة وثلاثة أضعاف (بسبب الانفاق الزائد وغير الفعال في بعض المناطق لأسباب سياسية).
انجازات سيرورة التنمية واخفاقاتها على الصعيد الإقليمي
على الصعيد الاقليمي جرى انفاق فائض عن الحاجات في الكثير من القطاعات وناقص عن الحاجات في قطاعات أخرى في المنطقة الممتدة من وسط بيروت الى الحدود الجنوبية. وجرى انفاق أقل بكثير من الحاجات في كل القطاعات في المنطقة الممتدة من وسط بيروت الى الحدود الشمالية. وكذلك الأمر في البقاع.
ويمكن إعطاء تفاصيل قطاعية على هذا التقويم.
خلاصة
ان عقد تسعينات القرن الماضي كان من أنشط العقود اعمارياً في تاريخ لبنان وسجل انجازات مهمة حسنت من شروط الحياة في بعض المناطق والمجالات: التلفونات، المياه، الطرق، المستوصفات، المستشفيات، المطار، المرفأ، النفايات الصلبة في عدد من المناطق.
لكن العديد من المناطق لا تزال محرومة في مجال الصحة العامة والطرق وعودة المهجرين والسكن والمياه والري ومعالجة المياه الآسنة.
وكلفة الانجازات كانت مرتفعة جداً في مجالات الكهرباء والنفايات الصلبة وبعض الأوتوسترادات وعودة المهجرين. كذلك فاعلية بعض التجهيزات كانت منخفضة في بعض المجالات المجهزة (كهرباء، مستشفيات، مستوصفات، مدارس، السير، مياه الشفة) وذلك لأسباب متنوعة: عدم استكمال التجهيز، ضعف الصيانة وضعف الإدارة.
بعض القطاعات جُهِّزت أكثر من الحاجة: الكهرباء في السنوات الأولى، الهاتف الثابت، المطار وبعض الطرقات.
الفوارق بين القطاعات الموروثة من قبل الحرب ازدادت.
لكن هذا الجهد الكبير وغير الكامل في مجال الاعمار أطاحته الأزمة الأقتصادية العائدة الى سوء الادارة المالية والنقدية والتجارية والتي ألغت مفاعيل الأعمار ولجمت النمو وأعادت اللبنانيين الى الهجرة بأحجام غير مسبوقة، اي باضعاف اعدادهم اثناء فترة 1975-1990.
باحث – نائب رئيس مجلس الانماء والاعمار سابقاً
الاسلاميون والربيع العربي
محاضرة سعود المولى في النادي الثقافي العربي- بيروت، الأربعاء 29/2/2012
منذ بداية الربيع العربي والحملة على الاسلاميين لا تتوقف... يتلاقى فيها الليبرالي الأميركي المتفذلك باليساري التروتسكي النزق بالشيوعي الروسي المتخلف.. ناهيك عن بقايا مخابرات العروبة القومجية (حزبي البعث العراقي والسوري ومخلفات العقيد القذافي الكثيرة، وقد التقوا جميعاً في حضن الأصولية "النظيفة").. الحملة على الاسلاميين تبدأ بشيطنتهم أولاً مقدمة لتحويلهم الى شماعة تعلق عليها كل نكبات ونكسات وخطايا التيارات القومية واليسارية التي حكمت بلادنا لأكثر من 60 عاماً... صحافة الثرثرة والديماغوجية تنظر الى الاسلاميين وترسم صورتهم وكأنهم قوى خارج التاريخ والجغرافيا وخارج أي سياق اجتماعي اقتصادي ديني سياسي الخ... فتارة هم "خطفوا الثورة"، وتارة هم "سلفيون"، وتارة هم "عملاء النظام"، وفي أطوار كثيرة هم "يقبضون من السعودية وقطر"..الخ... وينسى أبطال اليسار المزيف ما كانوا يرددونه من أبجديات التحليل والتنظير في المادية التاريخية والجدلية...وينسى أبطال اليمين الليبرالي ما كانوا يقولونه عن الديموقراطية وتداول السلطة..ولا بأس من الاعادة والتكرار.
1- التيار الاسلامي العربي هو أولاً حركات وجماعات واتجاهات بعضها محافظ وبعضها ثوري وبعضها راديكالي وبعضها سلفي وبعضها رجعي وبعضها عقلاني... فهو إذن تيارات واسلامات وسلفيات وليس تياراً واحداً أو سلفية جامدة محددة.. التيار الاسلامي هو ككل تيار سياسي عربي معاصر ظاهرة اجتماعية سياسية معقدة متشابكة لها ديناميتها الخاصة وأطرها ومرجعياتها وسياقاتها... تماماً مثل القومية العربية وتمظهراتها المختلفة أو الشيوعية وتجاربها المتعددة..
2- التيار الاسلامي العربي المعاصر لم يكن في نشأته متطرفاً أو تكفيرياً أو حتى سلفياً...برغم وجود تطرف وسلفية في بعض محطاته ولحظاته التأسيسية...بل لعله نشأ ليبرالياً وطنياً (مثال حسن البنا وحسن الهضيبي ونجم الدين أربكان) ممتزجاً باشتراكية طوبوية (مثال مصطفى السباعي وسيد قطب) وبديموقراطية يسارية غربية (مثال مالك بن نبي وجلال آل أحمد وعلي شريعتي)..
3- جماعة الإخوان المسلمين التي أسسها حسن البنا في مصر (1928) هي أم الحركات والتيارات السياسية الاسلامية.. ولكن الى جانبها وقبل نشوئها كانت حركة (جيش الإخوان) السعودية الوهابية مثالاً آخر حمل السلفية التطهرية (البيوريتانية) العنفية إلى مصاف التنظيم المسلح المقاتل باسم الشريعة الصافية (الملك عبد العزيز قام بتصفية جيش الاخوان في معركة السبلة عام 1929)..
4- الحركة الاسلامية الاخوانية المعاصرة نشأت رداً على انهاء الخلافة الاسلامية (آذار 1924) وحملات التبشير وبداية التغلغل الصهيوني ومسألة التجزئة الاستعمارية والانتدابات والاحتلالات.. وفي الرد على نفس التحديات نشأ التيار القومي السوري ثم القومي العربي، والى جانبهما لا بل قبلهما التيار الماركسي والاشتراكي.. فكان من الطبيعي ولادة ظاهرة سياسية اسلامية لسبب بسيط ينساه المتمركسون اليسراويون وهو أن مجتمعاتنا مسلمة أصلاً...فالإسلام أصل وليس استثناء...
5- التيار القومي سطع في بلاد الشام ولم تعرفه مصر والسودان وبلاد المغرب العربي التي شهدت مزيجاً وطنياً اسلامياً اصلاحياً (مدرسة محمد عبده ومدارس علال الفاسي ومصالي الحاج والدستور التونسي والشيخ بن باديس وجمعية العلماء الجزائرية) تطور لاحقاً الى حركة وطنية تحررية استقلالية نشأ من داخلها وإلى جانبها "الإسلام السياسي الحركي"، وذلك بوحي مباشر من التجارب الفاشية والنازية والبلشفية التي كانت قبلة أنظار التيارات القومية والماركسية يومذاك..
6- التيار الاسلامي الحركي كان رداً ثقافياً في البداية ركّز على السعي لاعادة بناء الهوية الاسلامية والشخصية الوطنية في وجه التبشير والشعور بالهزيمة وانهيار الخلافة الجامعة وفي وجه الهجوم الغربي الاستعماري الكاسح في تلك المرحلة ما بين الحربين . ولم تختلف تجربة التيار الاسلامي في تلك الفترة عن تجربة مصر الفتاة أو الاستقلال او الحزب الوطني أو حتى حزب الوفد من حيث الشعارات وأساليب الحشد والتعبئة والتنظيم اللهم الا مع إدخال الرموز الاسلامية في الشعارات السياسية.
7- لم يطرح الاخوان مسألة الدولة والحكم ولا حتى تطبيق الشريعة الاسلامية كمطلب سياسي راهن بل تعاملوا مع الدولة المصرية على اعتبار انها دولة وطنية مسلمة ودخلوا الانتخابات وتحالفوا وشاركوا في الحياة الوطنية العامة الى جانب غيرهم ولم يطرحوا العنف كخيار حتى في موضوع فلسطين قبل انهيار الثورة الفسطينية الكبرى 1936-1939 وبروز نذر الحرب العالمية الثانية حيث تشكل النظام الخاص على وقع طبول الحرب وتقدم الألمان (1940-1941). ولم يتجذّر طرح الاخوان نحو الراديكالية والعنف الا مع تصاعد الصراع الداخلي مع الانكليز المحتلين، وتصاعد دور ضباط الجيش حتى داخل الاخوان، وآنقلاب النظام الخاص عن سيطرة المرشد (البنا)، ثم تجذّر أكثر مع تطور القتال في فلسطين وصولاً الى النكبة عام 1948 ومشاركة الاخوان في حرب فلسطين..أما التحول الجذري فجاء مع الانقلاب الذي قاده الضباط الاحرار (1952) وغالبيتهم كانوا من الاخوان..
8- لم يطور الاخوان تنظيراً او تأصيلاً لموضوعات الثورة والعنف والصراع والحكم والسلطة ولم يستخدموا التراث الديني في هذا الاطار الا بعد عام 1965 ومع تصاعد صراعهم مع النظام ودخولهم السجون بالآلاف وصولاً الى اعدام سيد قطب عام 1966.. فالقمع الناصري العنيف هو البذرة التي ولدت فكر العنف الجهادي في السجون على يد سيد قطب( المفاصلة وجاهلية المجتمع وحاكمية الله) وصولاً الى الغلو والتكفير مع جماعة المسلمين بقيادة مصطفى شكري بعد نكسة حزيران ( المعروفة باسم جماعة التكفير والهجرة).
9- في العام 1971 أطلق الرئيس السادات الآف السجناء من الاخوان وبينهم تيارات عنف وتكفير وتيارات حزب تحرير، وبدأوا العمل السياسي العلني والسري ناهيك عن التسلل داخل الجيش والمشاركة في حرب اكتوبر 1973.
10- العامل الفلسطيني شكل مجدداً عامل تجذير وتثوير من خلال ضباط منظمة التحرير الذين شاركوا في احداث لبنان عام 1973 ثم1975-1976، وتبلور الدعوة الى العنف الثوري على يد مجموعات فلسطينية ( خطف طائرات واحتجاز رهائن) وليس صدفة ان اول الجهاديين المصريين كانوا فلسطينين خدموا في حركة فتح ومنظمة التحرير وتأثروا بحزب التحرير( الفلسطيني النشأة والجذور والهوية) أمثال صالح سرية (قائد عملية الكلية الفنية العسكرية) وسالم رحال( أحد قادة الجهاد).
11- حرب لبنان وتصاعد السجال والخطاب الطائفي والمذهبي، وانقسام العرب، ثم زيارة السادات للقدس 1977 واندلاع الثورة الايرانية بخطاب اسلامي ثوري جذري 1978-1979 ونجاحها في اسقاط الشاه، كل ذلك أجج الغليان الثوري.
12- لم يستطع هذا الحراك الاسلامي الثوري الجذري ان يجد له متنفساً في فلسطين بسبب اغلاق الحدود ايامها من مصر الى الاردن الى سوريا ولبنان فكانت افغانستان هي الملجأ والحضن. وليس صدفة ايضاً ان يبداً التجمع الجهادي في افغانستان على يد الفلسطيني عبد الله عزام الذي خدم ايضاً لفترة في صفوف وقواعد منظمة التحرير الفسلطينية في الاردن.
13- اغتيال السادات (6 اكتوبر 1981) دفع بالناجين من تنظيم الجهاد المصري للهرب الى افغانستان حيث شكلوا مع المتطوعين السعوديين والخليجيين بقيادة بن لادن اطار العمل الجهادي حول عبدالله عزام مع انضمام مجموعات سلفية كثيرة من شتى بلدان العرب والمسلمين، وعلى أرض أفغانستان تبلورت طلائع القاعدة والسلفية الجهادية.
14- الاخوان المسلمون كانوا خارج هذا التطور بل وضده فركزوا جهودهم على مجتمعاتهم عبر العمل الاجتماعي الانساني والخدماتي والنقابي والمدني السلمي وليس صدفة أيضاً وأيضاً انهم سيطروا على معظم نقابات المهن الحرة في مصر وأمسكوا ببنية المجتمع في تركيا ومصر والمغرب وغيرها، وخصوصاً عند الطبقة الوسطى من محامين وقضاة واطباء ومهندسين وتجار صغار ومتوسطين واساتذة جامعيين وعبر تأسيس مشاريع صحية وتعليمية واسكانية وتوظيفية.
15- الازمة العامة التي عصفت بالدول العربية كنتاج لأزمة العولمة وأزمة الكرامة وازمة الحرية والديموقراطية، سمحت بانطلاق ثورات الربيع العربية وفي قلبها اسلاميون من شتى الأطياف، فهم أبناء هذا المجتمع وهذا الحراك وهذا الوضع الثوري المتأزم.
16- لم يكن التيار الاسلامي اذن غريباً عن الحراك الاجتماعي بل كان في قلبه. ففي مصر شارك الاسلاميون في تشكيل حركة كفاية وفي اضرابات معظم قطاعات المهن الحرة والجامعات والعمال.. وفي تونس والمغرب كانوا الاكثر تعرضاً للقمع والاعتقال.. ومنذ التسعينات تطورت لغتهم وتقدم خطابهم نحو تبني شعارت ومقولات الحوار والتعددية والتسامح والانفتاح والدولة المدنية والسلم الأهلي والديمقراطية، والتيار الاسلامي حمل ويحمل في داخله توجهات وخيارات وبرامج ومشاريع واسعة ومتعددة تبرز فيها تناقضاته وحدوده..
17- ليس التيار الاسلامي بالظاهرة الغريبة التي تحاول خطف الثورة او حرفها عن مسارها.. هو احدى قوى الثورة بل لعله أهمها واكثرها تنظيمأً وحراكاً وتطوراً وحضوراً.. وليس التيار الاسلامي بالبعبع المخيف. فهو مثله مثل غيره، فيه المحافظ الرجعي والتقدمي الثوري، والسلفي التقليدي والمدني الحديث، فيه الديموقراطي والاستبدادي، فيه الالهي والبشري، فيه من كل تنوعات الثورة والربيع وألوانه .
18- المهم والمفيد التعامل مع هذا التيار كواقع اجتماعي سياسي شرعي له حق الوجود والعمل وحق الوصول الى السلطة كغيره، وعلى قوى اليسار والديموقراطية والليبرالية التي تخشى على مكتسبات الثورة والربيع ان تعيد تنظيم نفسها ومراجعة خطابها وأدائها وطرح لغة جديدة وبنية جديدة تستطيع معها ان تستعيد حضورها ورياديتها.. ولا تبكي على وصول الاسلاميين الى السلطة، فهذا هو الصح وليس شواذاً او استثناء.. وككل وصول الى السلطة (سبقهم اليه القوميون والماركسيون) سيواجه التيار الاسلامي تحديات بناء الدولة والمجتمع، واقامة التحالفات، وصوغ السياسات، وتحديد الاصدقاء والاعداء، وتوضيح البرامج والشعارات، وسيتفاعل معها مثل غيره من التيارات، سلباً وايجاباً.. والنتيجة لن تكون معروفة سلفاً بل هي تتوقف على جهدنا المشترك وعملنا معاً للدفاع عن مكتسبات ثورة الربيع ولصون الاوطان وحفظ وحدة المجتمع ولحماية الديموقراطية والحرية والتعددية ولبناء توافقات وتفاهمات استراتيجية من اجل الوطن والشعب في كل بلد، ومن اجل قضايا العرب والمسلمين، خصوصاً فلسطين، والتنمية والتقدم.
19- لذا فان المطلوب هو التركيز على الشافية والديموقراطية والمحاسبة والرقابة وعلى الحريات وعلى التعددية والتداول السلمي للسلطة ونبذ العنف بكل اشكاله وعلى التنمية البشرية وعلى المجتمع المدني وعلى تشجيع قيام مراجعات نقدية لدى كل التيارات اسوة بمراجعات جماعة الجهاد والجماعة الاسلامية في مصر التي تحولت من العنف الجهادي الى الديموقراطية المدنية السلمية..
20- المطلوب من كل القوى وعلى رأسها العلمانية القومية واليسارية والليبرالية، مع الاسلامية، التواضع، والنقد الذاتي، ونبذ التطرف والاصولية، ونبذ العنف والتكفير والتخوين، والدخول في مرحلة مصالحة وطنية شاملة، ومراجعة نقدية جذرية، وتحول سلمي ديموقراطي، ولبناء دولة مدنية عادلة لمصلحة تقدم وازدهار مجتمعاتنا وشعوبنا، ولمصلحة الاستقلال الوطني والتنمية والحرية والديموقراطية مع الكرامة....
عادل عبد المهدي: بغياب الثقة والادارة الناجحة تتعطل الخيارات
عادل عبد المهدي: التيار لمصلحة العراق.. لكنه يسبح ضده
عادل عبد المهدي: المحاصصة والتعطيل والتزوير.. ومفوضية الانتخابات
عادل عبد المهدي: المحاصصة ضد مصلحة الشيعة.. وضرر لغيرهم
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)