الاثنين، 9 يوليو 2012
الاسلاميون والربيع العربي
محاضرة سعود المولى في النادي الثقافي العربي- بيروت، الأربعاء 29/2/2012
منذ بداية الربيع العربي والحملة على الاسلاميين لا تتوقف... يتلاقى فيها الليبرالي الأميركي المتفذلك باليساري التروتسكي النزق بالشيوعي الروسي المتخلف.. ناهيك عن بقايا مخابرات العروبة القومجية (حزبي البعث العراقي والسوري ومخلفات العقيد القذافي الكثيرة، وقد التقوا جميعاً في حضن الأصولية "النظيفة").. الحملة على الاسلاميين تبدأ بشيطنتهم أولاً مقدمة لتحويلهم الى شماعة تعلق عليها كل نكبات ونكسات وخطايا التيارات القومية واليسارية التي حكمت بلادنا لأكثر من 60 عاماً... صحافة الثرثرة والديماغوجية تنظر الى الاسلاميين وترسم صورتهم وكأنهم قوى خارج التاريخ والجغرافيا وخارج أي سياق اجتماعي اقتصادي ديني سياسي الخ... فتارة هم "خطفوا الثورة"، وتارة هم "سلفيون"، وتارة هم "عملاء النظام"، وفي أطوار كثيرة هم "يقبضون من السعودية وقطر"..الخ... وينسى أبطال اليسار المزيف ما كانوا يرددونه من أبجديات التحليل والتنظير في المادية التاريخية والجدلية...وينسى أبطال اليمين الليبرالي ما كانوا يقولونه عن الديموقراطية وتداول السلطة..ولا بأس من الاعادة والتكرار.
1- التيار الاسلامي العربي هو أولاً حركات وجماعات واتجاهات بعضها محافظ وبعضها ثوري وبعضها راديكالي وبعضها سلفي وبعضها رجعي وبعضها عقلاني... فهو إذن تيارات واسلامات وسلفيات وليس تياراً واحداً أو سلفية جامدة محددة.. التيار الاسلامي هو ككل تيار سياسي عربي معاصر ظاهرة اجتماعية سياسية معقدة متشابكة لها ديناميتها الخاصة وأطرها ومرجعياتها وسياقاتها... تماماً مثل القومية العربية وتمظهراتها المختلفة أو الشيوعية وتجاربها المتعددة..
2- التيار الاسلامي العربي المعاصر لم يكن في نشأته متطرفاً أو تكفيرياً أو حتى سلفياً...برغم وجود تطرف وسلفية في بعض محطاته ولحظاته التأسيسية...بل لعله نشأ ليبرالياً وطنياً (مثال حسن البنا وحسن الهضيبي ونجم الدين أربكان) ممتزجاً باشتراكية طوبوية (مثال مصطفى السباعي وسيد قطب) وبديموقراطية يسارية غربية (مثال مالك بن نبي وجلال آل أحمد وعلي شريعتي)..
3- جماعة الإخوان المسلمين التي أسسها حسن البنا في مصر (1928) هي أم الحركات والتيارات السياسية الاسلامية.. ولكن الى جانبها وقبل نشوئها كانت حركة (جيش الإخوان) السعودية الوهابية مثالاً آخر حمل السلفية التطهرية (البيوريتانية) العنفية إلى مصاف التنظيم المسلح المقاتل باسم الشريعة الصافية (الملك عبد العزيز قام بتصفية جيش الاخوان في معركة السبلة عام 1929)..
4- الحركة الاسلامية الاخوانية المعاصرة نشأت رداً على انهاء الخلافة الاسلامية (آذار 1924) وحملات التبشير وبداية التغلغل الصهيوني ومسألة التجزئة الاستعمارية والانتدابات والاحتلالات.. وفي الرد على نفس التحديات نشأ التيار القومي السوري ثم القومي العربي، والى جانبهما لا بل قبلهما التيار الماركسي والاشتراكي.. فكان من الطبيعي ولادة ظاهرة سياسية اسلامية لسبب بسيط ينساه المتمركسون اليسراويون وهو أن مجتمعاتنا مسلمة أصلاً...فالإسلام أصل وليس استثناء...
5- التيار القومي سطع في بلاد الشام ولم تعرفه مصر والسودان وبلاد المغرب العربي التي شهدت مزيجاً وطنياً اسلامياً اصلاحياً (مدرسة محمد عبده ومدارس علال الفاسي ومصالي الحاج والدستور التونسي والشيخ بن باديس وجمعية العلماء الجزائرية) تطور لاحقاً الى حركة وطنية تحررية استقلالية نشأ من داخلها وإلى جانبها "الإسلام السياسي الحركي"، وذلك بوحي مباشر من التجارب الفاشية والنازية والبلشفية التي كانت قبلة أنظار التيارات القومية والماركسية يومذاك..
6- التيار الاسلامي الحركي كان رداً ثقافياً في البداية ركّز على السعي لاعادة بناء الهوية الاسلامية والشخصية الوطنية في وجه التبشير والشعور بالهزيمة وانهيار الخلافة الجامعة وفي وجه الهجوم الغربي الاستعماري الكاسح في تلك المرحلة ما بين الحربين . ولم تختلف تجربة التيار الاسلامي في تلك الفترة عن تجربة مصر الفتاة أو الاستقلال او الحزب الوطني أو حتى حزب الوفد من حيث الشعارات وأساليب الحشد والتعبئة والتنظيم اللهم الا مع إدخال الرموز الاسلامية في الشعارات السياسية.
7- لم يطرح الاخوان مسألة الدولة والحكم ولا حتى تطبيق الشريعة الاسلامية كمطلب سياسي راهن بل تعاملوا مع الدولة المصرية على اعتبار انها دولة وطنية مسلمة ودخلوا الانتخابات وتحالفوا وشاركوا في الحياة الوطنية العامة الى جانب غيرهم ولم يطرحوا العنف كخيار حتى في موضوع فلسطين قبل انهيار الثورة الفسطينية الكبرى 1936-1939 وبروز نذر الحرب العالمية الثانية حيث تشكل النظام الخاص على وقع طبول الحرب وتقدم الألمان (1940-1941). ولم يتجذّر طرح الاخوان نحو الراديكالية والعنف الا مع تصاعد الصراع الداخلي مع الانكليز المحتلين، وتصاعد دور ضباط الجيش حتى داخل الاخوان، وآنقلاب النظام الخاص عن سيطرة المرشد (البنا)، ثم تجذّر أكثر مع تطور القتال في فلسطين وصولاً الى النكبة عام 1948 ومشاركة الاخوان في حرب فلسطين..أما التحول الجذري فجاء مع الانقلاب الذي قاده الضباط الاحرار (1952) وغالبيتهم كانوا من الاخوان..
8- لم يطور الاخوان تنظيراً او تأصيلاً لموضوعات الثورة والعنف والصراع والحكم والسلطة ولم يستخدموا التراث الديني في هذا الاطار الا بعد عام 1965 ومع تصاعد صراعهم مع النظام ودخولهم السجون بالآلاف وصولاً الى اعدام سيد قطب عام 1966.. فالقمع الناصري العنيف هو البذرة التي ولدت فكر العنف الجهادي في السجون على يد سيد قطب( المفاصلة وجاهلية المجتمع وحاكمية الله) وصولاً الى الغلو والتكفير مع جماعة المسلمين بقيادة مصطفى شكري بعد نكسة حزيران ( المعروفة باسم جماعة التكفير والهجرة).
9- في العام 1971 أطلق الرئيس السادات الآف السجناء من الاخوان وبينهم تيارات عنف وتكفير وتيارات حزب تحرير، وبدأوا العمل السياسي العلني والسري ناهيك عن التسلل داخل الجيش والمشاركة في حرب اكتوبر 1973.
10- العامل الفلسطيني شكل مجدداً عامل تجذير وتثوير من خلال ضباط منظمة التحرير الذين شاركوا في احداث لبنان عام 1973 ثم1975-1976، وتبلور الدعوة الى العنف الثوري على يد مجموعات فلسطينية ( خطف طائرات واحتجاز رهائن) وليس صدفة ان اول الجهاديين المصريين كانوا فلسطينين خدموا في حركة فتح ومنظمة التحرير وتأثروا بحزب التحرير( الفلسطيني النشأة والجذور والهوية) أمثال صالح سرية (قائد عملية الكلية الفنية العسكرية) وسالم رحال( أحد قادة الجهاد).
11- حرب لبنان وتصاعد السجال والخطاب الطائفي والمذهبي، وانقسام العرب، ثم زيارة السادات للقدس 1977 واندلاع الثورة الايرانية بخطاب اسلامي ثوري جذري 1978-1979 ونجاحها في اسقاط الشاه، كل ذلك أجج الغليان الثوري.
12- لم يستطع هذا الحراك الاسلامي الثوري الجذري ان يجد له متنفساً في فلسطين بسبب اغلاق الحدود ايامها من مصر الى الاردن الى سوريا ولبنان فكانت افغانستان هي الملجأ والحضن. وليس صدفة ايضاً ان يبداً التجمع الجهادي في افغانستان على يد الفلسطيني عبد الله عزام الذي خدم ايضاً لفترة في صفوف وقواعد منظمة التحرير الفسلطينية في الاردن.
13- اغتيال السادات (6 اكتوبر 1981) دفع بالناجين من تنظيم الجهاد المصري للهرب الى افغانستان حيث شكلوا مع المتطوعين السعوديين والخليجيين بقيادة بن لادن اطار العمل الجهادي حول عبدالله عزام مع انضمام مجموعات سلفية كثيرة من شتى بلدان العرب والمسلمين، وعلى أرض أفغانستان تبلورت طلائع القاعدة والسلفية الجهادية.
14- الاخوان المسلمون كانوا خارج هذا التطور بل وضده فركزوا جهودهم على مجتمعاتهم عبر العمل الاجتماعي الانساني والخدماتي والنقابي والمدني السلمي وليس صدفة أيضاً وأيضاً انهم سيطروا على معظم نقابات المهن الحرة في مصر وأمسكوا ببنية المجتمع في تركيا ومصر والمغرب وغيرها، وخصوصاً عند الطبقة الوسطى من محامين وقضاة واطباء ومهندسين وتجار صغار ومتوسطين واساتذة جامعيين وعبر تأسيس مشاريع صحية وتعليمية واسكانية وتوظيفية.
15- الازمة العامة التي عصفت بالدول العربية كنتاج لأزمة العولمة وأزمة الكرامة وازمة الحرية والديموقراطية، سمحت بانطلاق ثورات الربيع العربية وفي قلبها اسلاميون من شتى الأطياف، فهم أبناء هذا المجتمع وهذا الحراك وهذا الوضع الثوري المتأزم.
16- لم يكن التيار الاسلامي اذن غريباً عن الحراك الاجتماعي بل كان في قلبه. ففي مصر شارك الاسلاميون في تشكيل حركة كفاية وفي اضرابات معظم قطاعات المهن الحرة والجامعات والعمال.. وفي تونس والمغرب كانوا الاكثر تعرضاً للقمع والاعتقال.. ومنذ التسعينات تطورت لغتهم وتقدم خطابهم نحو تبني شعارت ومقولات الحوار والتعددية والتسامح والانفتاح والدولة المدنية والسلم الأهلي والديمقراطية، والتيار الاسلامي حمل ويحمل في داخله توجهات وخيارات وبرامج ومشاريع واسعة ومتعددة تبرز فيها تناقضاته وحدوده..
17- ليس التيار الاسلامي بالظاهرة الغريبة التي تحاول خطف الثورة او حرفها عن مسارها.. هو احدى قوى الثورة بل لعله أهمها واكثرها تنظيمأً وحراكاً وتطوراً وحضوراً.. وليس التيار الاسلامي بالبعبع المخيف. فهو مثله مثل غيره، فيه المحافظ الرجعي والتقدمي الثوري، والسلفي التقليدي والمدني الحديث، فيه الديموقراطي والاستبدادي، فيه الالهي والبشري، فيه من كل تنوعات الثورة والربيع وألوانه .
18- المهم والمفيد التعامل مع هذا التيار كواقع اجتماعي سياسي شرعي له حق الوجود والعمل وحق الوصول الى السلطة كغيره، وعلى قوى اليسار والديموقراطية والليبرالية التي تخشى على مكتسبات الثورة والربيع ان تعيد تنظيم نفسها ومراجعة خطابها وأدائها وطرح لغة جديدة وبنية جديدة تستطيع معها ان تستعيد حضورها ورياديتها.. ولا تبكي على وصول الاسلاميين الى السلطة، فهذا هو الصح وليس شواذاً او استثناء.. وككل وصول الى السلطة (سبقهم اليه القوميون والماركسيون) سيواجه التيار الاسلامي تحديات بناء الدولة والمجتمع، واقامة التحالفات، وصوغ السياسات، وتحديد الاصدقاء والاعداء، وتوضيح البرامج والشعارات، وسيتفاعل معها مثل غيره من التيارات، سلباً وايجاباً.. والنتيجة لن تكون معروفة سلفاً بل هي تتوقف على جهدنا المشترك وعملنا معاً للدفاع عن مكتسبات ثورة الربيع ولصون الاوطان وحفظ وحدة المجتمع ولحماية الديموقراطية والحرية والتعددية ولبناء توافقات وتفاهمات استراتيجية من اجل الوطن والشعب في كل بلد، ومن اجل قضايا العرب والمسلمين، خصوصاً فلسطين، والتنمية والتقدم.
19- لذا فان المطلوب هو التركيز على الشافية والديموقراطية والمحاسبة والرقابة وعلى الحريات وعلى التعددية والتداول السلمي للسلطة ونبذ العنف بكل اشكاله وعلى التنمية البشرية وعلى المجتمع المدني وعلى تشجيع قيام مراجعات نقدية لدى كل التيارات اسوة بمراجعات جماعة الجهاد والجماعة الاسلامية في مصر التي تحولت من العنف الجهادي الى الديموقراطية المدنية السلمية..
20- المطلوب من كل القوى وعلى رأسها العلمانية القومية واليسارية والليبرالية، مع الاسلامية، التواضع، والنقد الذاتي، ونبذ التطرف والاصولية، ونبذ العنف والتكفير والتخوين، والدخول في مرحلة مصالحة وطنية شاملة، ومراجعة نقدية جذرية، وتحول سلمي ديموقراطي، ولبناء دولة مدنية عادلة لمصلحة تقدم وازدهار مجتمعاتنا وشعوبنا، ولمصلحة الاستقلال الوطني والتنمية والحرية والديموقراطية مع الكرامة....