الأربعاء، 13 يونيو 2012

عادل عبد المهدي: دولة الري المركزية.. النفط.. الاستبداد الشرقي


يقول ويتفوكلفي كتابه "الاستبداد الشرقي"المنشور في خمسينات القرن الماضي، حول مجتمعات اسيا ووادي الرافدين قديماً، ان الدولة التي تسيطر على المورد الاساس (المائية في حينها) وتديره منفردة تصبح دولة شخصانية، استبدادية بالضرورة..وكلما ابتعدت المدن والقرى عن مركز السلطة كلما تمتعت بحريات اوسع لا يتمتع بها من هو قريب من الحاكم وعسكره وشرطته وجواسيسه. والسبب ليس قبول الحاكم بهذه الحريات.. بل صعوبة قيامه باعمال القمع والسيطرة من الناحية المادية والعملية.. ويسمي ذلك بقانون "الاستبداد المتناقص"، دون ان يعني ذلك ان الحاكم لا يجرد الحملات بين وقت واخر للتأديب.. وان هذه المناطق ستعيش بالضرورة حريات حقيقية.. فالحكام المحليون قد يفوقون في عنفهم وبطشهم"المستبد الاعلى"، فيستنجد الناس بالسلطة المركزية لتخليصهم. او ان ينتفض الحكام المحليون ويسيروا جيوشهم للاستيلاء على مركز الدولة. لاشك ان اطروحة "الاستبداد الشرقي" فيها الكثير من مواضع النقاش والتعلم والاختلاف... فلا تخلو احياناً من نظرات عنصرية وتطرف ناقشناها في بحث مطول نشر عام 1979 بعنوان "الاستبداد الشرقي، دولة الغرب في الشرق".. لكن الكتاب يحتوي ايضاً على حقائق وتفسيرات.. ولعل اهمها انه اعتبر ان اعتماد بلاد الرافدين ومصر والهند والصين على نظم الري الهيدرولية استوجب قيام دول شديدة التمركز والتسلط، التي وان كانت قد ساعدت في فترات معينة على تنظيم الاقتصاد الزراعي والحرفي، لكنها حجزت لاحقاً امكانات التقدم عندما تطورت الظروف واستوجبت التحرر من النمطية الاحادية للانتاج وسيطرة الدولة عليها، فانحبست الامور ولم تستطع ملاحقة المستجدات وبقيت جامدة، سلبية، عصية على التطورات الاقتصادية والديمقراطية. عمل "ويتفوكل" الاكاديمي يؤكد، مثل غيره، علىدور العامل الاقتصادي في تكوين البنى السياسية..والعراق مثال لتاثير النفط كمصدر احادي للاقتصاد (كالري قديماً) وتأثيراتهالتاريخيةفي تنامي اجهزة الامن والقمع وعسكرة المجتمع والدولة واحتكارهالشؤون الحياة، حاجزة مجالات الاصلاح والتطور الاقتصادي والسياسي.. فاذا صح ذلك من حيث تأثير الاقتصاد على السياسة، فهل يمكننا الاستنتاج ايضاً، ان الطوائف والقوميات تلعب اليوم ما كانت تلعبه "المناطق البعيدة" التي تسعى للخروج من سيطرة المركز والاحتجاج عليه، خصوصاً عندما يسعى المركز للاستئثار وانكار الحقوق؟