«إن الشرق بكليته ذلك الشرق الممتد من المحيط إلى المحيط، قد أصبح مستعمرة كبرى للغرب والغربيين. أما الشرقيون، الشرقيون الذين يفاخرون بماضيهم ويتباهون بآثارهم ويتبجحون بأعمال جدودهم، فقد صاروا عبيدا بأفكارهم وميولهم ومنازعهم للفكرة الغربية والميول والمنازع الغربية».
«في عقيدتي أنه ليس بالإمكان تضامن الأقطار العربية في زمننا هذا، لأن الفكرة الغربية القائلة بميزة القوة على الحق، والتي تضع المطامع الاستعمارية والاقتصادية فوق كل شيء، لا ولن تسمح بذلك التضامن طالما كان له الجيوش المدربة والبوراج الضخمة لهدم كل ما يقف في سبيل منازعها استعمارية كانت أم اقتصادية. وكلنا يعلم أن كلمة ذلك الروماني «فرق تسد» لم تزل قاعدة مرعية في أوربا. ومن نكد الدنيا، ومن نكد الشرق والغرب معا، أن يكون المدفع أقوى من الفكر، والحيلة السياسية أفعل من الحقيقة».
«لو قال لي هذا الوطني السياسي، الذي يلعب دورين بليدين في وقت واحد، لو قال لي ولو بشيء من النزاهة: «الغرب سابق ونحن لاحقون وعلينا أن نسير وراء السابق ونتدرج مع الدارج» إذن لقلت له «حسنًا تفعلون. الحقوا السابق ولكن الحقوه صامتين، وسيروا وراء السائر ولكن لاتدّعوا بأنكم غير سائرين، وتدرجوا مع الدارج ولكن كونوا مخلصين للدارج، ولا تخفوا حاجتكم إليه وراء غربال من الخزعبلات السياسية. وما عسى ينفعكم التضامن في الأمور العرضية وأنتم غير متضامنين في الأمور الجوهرية، وماذا تجدي الألفة في المزاعم وأنتم متباينون في الأعمال؟ ألا تعلمون أن الغربيين يضحكون منكم عندما تحلمون الليل وطوله بالألفة المعنوية والرابطة اللغوية حتى إذا ما جاء الصباح سيرتم أبناءكم وبناتكم إلى معاهدهم ليدرسوا على أساتذتهم ما في كتبهم؟ ألا تعلمون أن الغربيين يسخرون بكم عندما تظهرون رغبتكم في التضامن السياسي والاقتصادي مع أنكم تطلبون منهم الإبرة التي تخيطون بها أثواب أطفالكم والمسمار الذي تدقونه في نعوش أمواتكم؟».
«في مذهبي أن السر في هذه المسألة ليس بما ينبغي أن يقتبسه الشرق أو لا يقتبسه من عناصر المدنية الغربية، بل السر كل السر هو ما يستطيع الشرق أن يفعله بتلك العناصر بعد ان يتناولها. قلت منذ ثلاثة أعوام إن الغربيين كانوا في الماضي يتناولون ما نطبخه فيمضغونه ويبتلعونه محولين الصالح منه إلى كيانهم الغربي، أما الشرقيون في الوقت الحاضر فيتناولون ما يطبخه الغربيون ويبتلعونه ولكنه لا يتحول إلى كيانهم الشرقي بل يحولهم إلى شبه غربيين، وهي حالة أخشاها وأتبرم منها لأنها تبين لي الشرق تارة كعجوز فقد أضراسه وطورا كطفل من دون أضراس».