الأربعاء، 2 يناير 2013
أوقفوا الكارثة
حنا جريس
والكارثة التى أعنيها هى الفتنة الأهلية التى تنتظرنا نتيجة الإمعان فى ذلك الاستقطاب الحاد الذى يزداد مع مرور الوقت، والذى يكاد يقسّم أبناء الوطن إلى قسمين متخاصمين متصارعين يقفان فى حالة من التربص كل منهما بالآخر. ونعرف جميعاً أن هذا الاستقطاب الكارثى قد تداخل فيه ما هو ثقافى بما هو اجتماعى وسياسى، وهو محمل بما هو تاريخى، كما أنه يدور ويستخدم فى ظل ضغوط ومصالح إقليمية ودولية تجعله أكثر خطراً على الوطن وأهله، لكننا نعرف أيضاً أننا أقطابه وأننا فاعلوه وإن كان له أن ينتهى فلن يكون إلا إذا قررنا نحن ذلك. والذى أجّج هذا الاستقطاب هو مقاومة قطاعات كبيرة من المجتمع للمحاولة المتعجلة التى يقوم بها التيار الإسلامى وأحزابه لتمرير، وربما فرض، نظام حكم «إسلامى» على المجتمع المصرى.
والذى يعيق إنهاء الاستقطاب هى الأوهام التى يعيشها طرفاه، فعلى جانب، يصر الإسلاميون على أن الشعب كله معهم وأنهم يتعرضون لمؤامرة من أقلية معارضة تمنعهم من إتمام مهمتهم السامية، وعلى الطرف الآخر هناك من يصر داخل الأحزاب أن الظاهرة الإسلامية ليست مصرية وإنما وافدة عليها جغرافياً وتاريخياً، ولا مكان لها فى التربة المصرية.
وإنهاء حالة الاستقطاب لن تكون إلا بكشف الأوهام واستبصار الواقع، فعلى التيار الإسلامى أن يدرك أن مقاومة مشروعهم كامنة فيه وليست من خارجه، فمشروعهم الذى يؤمنون به لا يزال ضبابياً عاجزاً عن التوافق مع ما طرأ على البشرية من تقدم كبير فى المفاهيم السياسية خاصة فيما يتعلق بالحريات ونظم الحكم، وقد انعكس ذلك على مسودة الدستور التى اجتهدوا فيه والذى أثار الكثير من الجزع لدى فئات المجتمع، فعوضاً عن أن يكون دستوراً لدولة إسلامية، فقد جاء دستوراً لدولة استبدادية بامتياز.
وعليهم أيضاً أن يسقطوا وهم المؤامرة عن أذهانهم، فالذين يعارضونهم ليسوا فقط الأحزاب «المدنية» وأتباعها وإنما هناك قطاعات كاملة ليست لها علاقة بهذ الأحزاب جزعت وروعت ليس بسبب ما يقوله البعض عنكم، وإنما ما تقولونه أنتم وما تفعلون، ولعل القراءة الواعية لمشهد الاستفتاء ونتائج مرحلته الأولى توضح الأمر أكثر. ومن ناحية أخرى، على العلمانيين أن يدركوا أن ظاهرة الإسلام السياسى فى مصر ليست وافدة بالكلية، ربما تكون هناك بعض المظاهر الوافدة لكن الظاهرة بكاملها هى أحد تجليات تجربة الحداثة المصرية، وعليهم أن يدركوا أنه لا تقدم حقيقى سيحدث فى مصر دون استيعاب تيارات الإسلام السياسى داخل البناء الثقافى/السياسى المصرى.
والذى يستطيع الآن أن يوقف الكارثة هو الرئيس محمد مرسى وأظنه الآن يدرك صعوبة تغيير بنية الدولة دون توافق شعبى كبير، وعنوان هذا التوافق الذى يوقف الكارثة فى ذات الوقت هو إيقاف هذا الاستفتاء المعيب، قبل أن يوقفه القضاء، والبدء فى حوار جاد يضم كافة الأطراف السياسية والمجتمعية للاتفاق على أسس الجمهورية الجديدة وكيفية الوصول إليها.
وأظن أيضاً أن الرئيس يدرك أن من يتصورون أن دفع عملية التمكين إلى الأمام بالقوة والقدرة والدعم الخارجى يزيدون من احتمال الفتنة والكارثة، وربما يدخلون البلاد فى نفق مظلم، لكن مصر الثورة ستخرج منه سالمة، وسيكونون هم من الهالكين.