السبت، 2 فبراير 2013

مصالح روسيا الكثيرة في سوريا


آنا بورشفسكايا الاحد 27 كانون الثاني (يناير) 2013 في 20 كانون الثاني/يناير أعلنت وزارة الطوارئ الروسية أنها سوف تقوم بإجلاء ما يقرب من 100 مواطن روسي من سوريا معظمهم من النساء والأطفال. ومع ذلك فإنها قللت من أهمية هذا الإجلاء معتبرة أن المغادرين لا يمثلون سوى جزء صغير من عدة آلاف من المواطنين الروس المقيمين هناك. وفي الواقع، ليس هناك مبرر للآمال التي تقضي بأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سوف يغير دعمه للنظام السوري. فمن غير المرجح أن تغير روسيا موقفها نظراً لأن مصالحها في سوريا ليست فقط عسكرية واستراتيجية، بل أيضاً تجارية وثقافية. علاقات ثقافية اعتبرت موسكو سوريا بقيادة أحد أفراد عائلة الأسد بأنها أقرب حلفائها في العالم العربي لفترة دامت أكثر من أربعين عاماً. وخلال الحرب الباردة انتقل الكثير من الروس إلى سوريا، وفي المقابل درست الكثير من النخب السورية في كبريات المؤسسات التعليمية الروسية مثل "جامعة موسكو الحكومية" و"جامعة الصداقة بين الشعوب". ومن جانبها، سعت القيادة السوفيتية إلى اجتذاب الطلاب المتفوقين من الدول الحليفة الذين يمكن الاعتماد عليهم في وقت لاحق. ونظراً لأن سوريا تتمتع بأهمية كبيرة بالنسبة للمكانة السوفياتية في الشرق الأوسط، فقد تمت الإشارة إلى السوريين في البث الإذاعي العام والبيانات كـ"حلفاء" و "أصدقاء" [للشعب السوفياتي]. وعندما بدأت الانتفاضة السورية في آذار/مارس 2011، ربما كان هناك 100,000 مواطن روسي يعيشون في البلاد. وحيث استمر دعم الكرملين لبشار الأسد، بدأ بعض الثوار السوريين باستهداف أولئك الروس، كما أخذوا يدلون بتصريحات بأن المستهدفين يشكلون أهدافاً مشروعة. وفي 17 كانون الأول/ديسمبر 2012، ألقى الثوار القبض على اثنين من المواطنين الروس قرب اللاذقية، وكذلك شخص إيطالي ثالث؛ وكان الثلاثة يعملون في "شركة حميشو" للصلب قرب حمص. وذكرت وزارة الخارجية الروسية أن مجهولين طالبوا بقيام "شركة حميشو" بدفع أموال مقابل الإفراج عن الأسرى، لكن لم ترد تقارير بشأن وضعهم منذ أواخر كانون الأول/ ديسمبر. ولم تؤدِّ هذه الأحداث سوى إلى ازدياد الاستياء الشعبي في روسيا تجاه القوى المضادة للأسد. مصالح تجارية إن سقوط الزعيم الليبي معمر القذافي قد ساهم أيضاً في عناد بوتين حول سوريا. ووفقاً لمصادر روسية مثل وكالة "ريا نوفوستي" وموقع "Utro.ru"، خسر الكرملين نحو 4 مليارات دولار بصورة عقود أسلحة عندما سقط النظام الليبي، وأنه يريد تجنب تكرار ذلك في سوريا. لقد كانت سوريا دولة مستهلكة للأسلحة الروسية لفترة طويلة، وما حصل بعد مجئ الأسد وبوتين إلى السلطة في عام 2000 هو ازدياد تجارة الأسلحة بين البلدين بصورة مكثفة. ووفقاً لـ "معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام"، شكلت روسيا 78 في المائة من مشتريات سوريا من الأسلحة بين عامي 2007 و 2012. كما وصلت مبيعات الأسلحة الروسية إلى سوريا بين عامي 2007 و 2010 إلى 4.7 مليار دولار ، أي أكثر من ضعف الرقم المسجل في السنوات الأربع التي سبقتها، وفقاً لـ"خدمة أبحاث الكونغرس" الأمريكي. وعلى نطاق أوسع، تعتبر روسيا الآن ثاني أكبر دولة مصدرة للأسلحة في العالم بعد الولايات المتحدة. ووفقاً لصحيفة "موسكو تايمز"، فإنه فضلاً عن الأسلحة، استثمرت الشركات الروسية ما مجموعه 20 مليار دولار في سوريا منذ عام 2009. وإذا فقد الأسد السلطة، فسيتم إلغاء هذه العقود. كما أن القروض الروسية الكبيرة المقدمة للأسد معرضة للخطر. فوفقاً لقوائم السفر التي حصلت عليها "پرو پبليكا"، أرسلت موسكو إلى النظام السوري عن طريق الجو أكثر من مائتي طن من "الأوراق النقدية" في صيف 2011، أي خلال الفترات التي تصاعد خلالها القتال. وقد تكون مثل تلك الشحنات السبب الوحيد الذي تمكن فيه الأسد من تجنب الإفلاس والاستمرار في دفع [الرواتب] إلى قواته مع تضاؤل الاحتياطيات الأجنبية في البلاد. التحالف العسكري اعتبر بوتين توسيع القدرة البحرية الروسية ركيزة أساسية في فترة ولايته الرئاسية الثالثة. وخلال تدشين فئة الغواصات الروسية الجديدة الأولى منذ عام 1991، التي جرت في 10 كانون الثاني/يناير، قال بوتين: "أود أن أؤكد مجدداً أن تطوير قوة بحرية قوية فعالة هو واحد من أولويات روسيا الرئيسية". وهكذا فإن سقوط الأسد يعني خسارة روسيا لقاعدتها العسكرية الوحيدة خارج الاتحاد السوفياتي السابق — أي مركز التموين البحري في ميناء طرطوس السوري. وفي الأسبوع نفسه الذي وردت فيه تعليقات بوتين، أعلنت وزارة الدفاع الروسية عن قيام تمارين بحرية مقبلة في البحر الأبيض المتوسط، والتي وصفها مسؤولون بأنها "الأكبر في تاريخ روسيا". ولم تعطِ موسكو مؤشرات بأن التمارين ترتبط بالصراع السوري، ولكن ينبغي على المحللين الغربيين أن يفسروا توقيتها كإشارة إلى أن روسيا لا تنوي التراجع عن دعمها للنظام. الدور الاستراتيجي منذ عام 2000، سعى بوتين إلى استعادة مكانة روسيا كـ"قوة عظمى" مُجسداً سياستها ضد الولايات المتحدة في شكل لعبة محصلتها صفر من أجل وضع روسيا كثقل موازن للغرب في الشرق الأوسط. وتمثل سوريا موطئ القدم الأكثر أهمية في المنطقة بالنسبة لروسيا، كما أنها تعتبر ذات أهمية رئيسية في حسابات بوتين. فموقع سوريا — المطل على البحر الأبيض المتوسط وإسرائيل ولبنان وتركيا والأردن والعراق — يجعلها ذات أهمية كبرى من أن يُسمح بخسارتها. بوتين يخشى أن يلقى مصير الزعماء العرب المخلوعين؟ وثمة سبب آخر يدعو بوتين إلى دعم الأسد وهو التطورات الجارية في سوريا. فشرارة "الربيع العربي" — الإحباط من جراء الفساد وما يظهر من انعدام المساءلة للطبقة السياسية [في روسيا]— قد تفشى في بعض قطاعات المجتمع الروسي. ففي كانون الأول/ديسمبر 2011 شهدت البلاد أوسع احتجاجات منذ سقوط الاتحاد السوفيتي. وبالنسبة لبوتين الأكثر اعتياداً على شعب معروف تاريخياً برضائه، لا بد وأن هذه الأحداث قد أثارت الذعر، ومن المرجح أنه يخشى بأن يلقى نفس المصير الذي لاقاه الزعماء العرب المخلوعين. ورداً على ذلك سعى بوتين إلى خلق عدو خارجي لحشد الشعب وراء هدف وطني. ومن خلال استخدام سوريا لتعزيز المشاعر المناهضة للولايات المتحدة يكون بوسعه حينئذ تحقيق فائدة سياسية فورية — بمعنى أن دعمه للأسد يعني بالضرورة مقاومته للغرب. وعلى غرار ما قام به الأسد عندما حوَّل ممانعته ضد إسرائيل إلى أهمية سورية على المسرح الدولي، فإن "الممانعة" الروسية حول سوريا تجعل من موسكو لاعباً مهماً لا يمكن اتخاذ القرارات بدونه. فرص ضئيلة لإعادة ترتيب المنطقة منذ بدء الانتفاضة السورية قبل عامين، ظل بوتين داعماً للأسد على نحو مطلق، على الرغم من التصريحات التي تفيد عكس ذلك. فقد زود الأسد بالأسلحة، ووفر له الحصانة في مجلس الأمن الدولي، ووافق على استيعاب النفط الخام السوري مقابل منتجات النفط المكرر لدعم اقتصاد البلاد وجيشها، وقدم القروض لتفادي إفلاس سوريا. وقد سعت إدارة أوباما للتأثير على سياسة الرئيس الأمريكي المتمثلة في "إعادة ترتيب المنطقة" تجاه روسيا وذلك بإعطاء تنازلات فيما يخص سوريا. ومع ذلك، فعلى الرغم من استمرار العروض والمبادرات، لا يزال التعنت الروسي مستمراً. فبعد الاجتماع الثلاثي الأخير بشأن سوريا، الذي عقد في جنيف في 11 كانون الثاني/يناير بين الممثل الخاص للأمم المتحدة الأخضر الإبراهيمي وكبار الدبلوماسيين الأمريكيين والروس، تمسكت موسكو بموقفها السابق — المتمثل بأن رحيل الأسد لا يمكن أن يكون شرطاً مسبقاً لإجراء محادثات سلام. وقد قال وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف لقادة المعارضة السورية بأن عليهم السعي لإجراء حوار مع الأسد عوضاً عن رحيله. وقد أتى هذا الموقف بعد انهيار الاجتماع المسبق في اسطنبول الذي رفض فيه بوتين تغيير موقفه رغم الضغط الذي مارسه رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان. وربما يفكر بوتين في اتفاق يكون فيه مرناً بخصوص سوريا مقابل إعطاء تنازلات أمريكية على أصعدة أخرى. ولكن مثل هذه النتيجة ليست واضحة بأي حال من الأحوال، وليس هناك أي مؤشر بأن واشنطن سوف تقدم مثل هذا العرض. ولكن ما الذي سيحدث لو فقد الأسد السلطة؟ في 13 كانون الأول/ديسمبر اعترف نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف للمرة الأولى بهذه الاحتمالية علناً حيث قال: "للأسف، لا يمكن استبعاد انتصار المعارضة ". لكن سرعان ما تراجع الكريملين عن موقفه مدعياً أن بوغدانوف كان يعبر فقط عن وجهة نظر المعارضة السورية. إن هذا التراجع إنما يعزز الدعم الروسي للأسد على الرغم من أن الوضع العسكري حول دمشق قد بات بائساً. آنا بورشفسكايا هي مساعدة مدير في مركز "دينو باتريسيو أوروآسيا" في "المجلس الأطلسي".