1- يسهم الحوار، من حيث هو ثقافة ونهج تعامل، في اغناء اللبنانيين بالتنوع الذي يتميّز به بلدهم وفي الحيلولة دون تسبّبه بالفرقة. كما يسهم في درء مخاطر القطيعة بينهم أو ميل بعضهم إلى الاستغناء والإنطواء.
2- وتزداد الحاجة إلى الحوار بازدياد احتمالات الإنزلاق من توكيد الذات ومعه التشديد على الحق في المغايرة، إلى النفور أو العداء، لا سيما في الحالات التي يؤدي فيها الخلاف السياسي القوي إلى انقسام طائفي ومذهبي حاد.
3- والحوار سبيل للوصل بين اللبنانيين ولتدارك الفصل الذي ينذر به شكهم أو خوفهم أو خصامهم. وهو أداة اقدار من أجل بناء الجسور أو اعادة بنائها، وفض النزاعات أو الحؤول دون انفجارها.
4- والحوار سعي إلى التفهم المتبادل، وتوسيع المساحات المشتركة، وصياغة التوافقات والبناء عليها، ووضع الاختلافات في نصابها، والعمل على حلّ المشكلات الناتجة عنها. ولذلك فهو مدعو إلى محاذرة المناظرات والمماحكات العقيمة.
5- والحوار عملية تراكمية غالباً ما تستند فاعليتها إلى استدامتها. فالحوار ضروري حتى في الأزمنة والأمكنة حيث لا تبدو الحاجة إليه ملحة. ولعلّ في هذه الحالة شرط لكي يفعل فعله حين تشتد الأزمات وتزداد أهمية التلاقي. فالحوار في أزمنة الإنفراج يجعل الحوار في أزمنة الضيق مؤثراً.
6- وينسج الحوار علاقات احترام وثقة بين المتحاورين وينشئ صداقات. ومن شأن حسن المعاشرة، وهي من خصائص العملية الحوارية، أن تكون حافزاً لحسن المبادرة، وبوجه أخص في عمل الوساطة والسعي من أجل المصالحة.
7- ويترتب على المتحاورين التخلق بأخلاق الحوار، ومعظمها بديهية، ومنها:
- اعطاء الوقت الكافي للإصغاء إلى الآخر والفرصة لتبيان موقفه بكل وضوح.
- ارتضاء البحث عن الحقيقة في وجهة نظر الآخر.
- عدم اختصار مواقف الآخرين على نحو لا يتعرفون فيه إلى أنفسهم.
- الاحجام عن مقارنة المثال عندنا بالواقع عند سوانا بل مقارنة الواقع بالواقع ومقابلة المثال مع المثال.
- التزام آداب التخاطب المعروفة، كالبعد عن المهاترة والبذائة والتجريح والتهكم المسيء إلى الكرامات الشخصية والجمعية.
- تجنب اطلاق الأحكام القيمية على الأشخاص وتعليق الحكم القيمي على الآراء أثناء القسط الأكبر من المناقشات.
- تحاشي اللجوء إلى الملاطفة والمسايرة والمجاملة على حساب الصدق والوضوح.
8- يسعى الحوار إلى ردم الهوة، أو تجسيرها، بين ما يقال في الجلسات المغلقة وما يصرَّح به في العلن. وتتعزز صدقيته بأحجام المشاركين فيه عن أي قول بغياب الآخرين لا يقولونه بحضورهم.
9- لا يبحث الحوار عن الإتفاق بأي ثمن. ولا يفتعله من خلال تكرار المشتركات البديهية وتوسل العموميات وأفكار "الحد الأدنى" التي لا تقدم ولا تؤخر. بل يترتب على المشاركين أن يعلنوا فشلهم في الإتفاق إذا ما حصل، وعلى نحو لا لبس فيه، دون التهديد بإيقافه أو الإنسحاب منه. أكثر من ذلك إن كل فشل من هذا النوع مناسبة لتجديد الإلتزام بالمثابرة في الحوار.
10- ولا يعني فشل الحوار في الوصول إلى اتفاق أن تبقى الإختلافات على حالها. فهو لا يضخّمها أو يهول بها، بل يفسرها ويعيد صياغة مسائلها على نحو يفتح المسالك أمام حوارات لاحقة.
11- يضم الحوار أشخاصاً من مشارب مختلفة وهم متساوون. فلا يعطي النطق بإسم جماعة أو فئة والدفاع عن مصالحها وسياساتها امتيازاً لأي من المشاركين. وتنبع قيمة الآراء من نوعية المشاركة في الحوار لا من قوة نفوذ أي من المشاركين أو سعة تأثيره، الفعلية أو المفترضة.
12- لا يفترض الحوار أن المشاركين فيه كتل متجانسة وثابتة، بل يسعى إلى اظهار التنوع داخل الكتل المفترضة. فلا يتحول إلى أخذ ورد بين مجموعات متقابلة أو متعارضة، بل من شأنه أن يؤدي إلى الوان من التقارب العابرة للمجموعات التي تشكلها الخيارات المسبقة.
13- يسعى الحوار إلى التحرر من علاقات القوى، السياسية والفكرية الخارجة عنه، فلا يكون تفاوضاً بين من يحسبون أنفسهم، أو يحسبون، أطرافاً أقوياء بحجة سعة تمثيلهم أو نتيجة لتمسكهم بمواقفهم.
14- ويشترط نجاح الحوار ضمان مشاركة الجميع فيه دون استثناء ويستدعي اشراك من يميلون إلى مشاركة محدودة أو الذين تحرجهم مواقف سواهم.