السبت، 2 فبراير 2013

من كشكول خواطر أمين الريحاني في مجلة الهدى النيويوركية (صاحبها صهره نعوم مكرزل)


ليس أقبح من كلام السوء أن يخرج من فم مطالب بحق. الضرير الواقف على شفير الهاوية لا يحتاج إلى من يدفعه للسقوط. المطر لا يضر بالقبور. والصاعقة لا تقتل البعوض. والبرق لا يزيل الظلمة. الترف والفخفخة في الهيئة الاجتماعية يوجدان المؤلفات اللطيفة الدقيقة الزائلة. أما الفقر فهو أبو الكتب الموحاة الخالدة. عزم مرة كارل ماركس زعيم الاشتراكيين على السفر إلى أميركا بعد أن نفي من وطنه، وكان في ذاك الوقت ساكناً في لوندرا مكتفياً بالفقر وراضياً عن الاضطهاد. ثم عدل عن السفر قائلاً: إذا سافرت إلى أميركا أتعاطى التجارة هناك وأغتني وتكون هذه آخرة كارل ماركس؛ ولذلك بقي في لوندرا وألف كتابه الشهير «رأس المال» وهو أساس تعليم الاشتراكيين. خدم كارل ماركس علم الاقتصاد والعمران كما خدم داروين علمي النبات والحيوان. حين تضع اللحم على الثلج تحفظه من النتانة، هل يخطر في بالك أن الذي اكتشف هذا الناموس مات بسببه. كان الفيلسوف الشهير باكون ذات يوم ماراً في عربته في أحد شوارع لندره تحت الثلج المتساقط، فخطر في باله أن يحشو الطير ثلجاً ليرى ما إذا كان الثلج يحفظ اللحم مع النتانة، فخرج من عربته ليفعل ذلك فتعرض للريح الذي أورثه نزلة صدرية فمرض منها ومات. أُذكرْ ذلك حين تأكل لحم عجل طرياً ذُبح منذ أسبوعين أم أكثر ولا تشمئز من رائحته. وكرِّمْ الفلاسفة كما تكرم القديسين. قد اكتشف الأطباء على مكروب مرض جديد في الإنسان. فأي شيء يا ترى يكتشفون على مكروب الصحة الدائمة؟. الهدى ـ 25 شباط 1904 كن بشوشاً ولا تبخل على نفسك بالضحك. ضحكة من عمق الفؤاد هي أنجع من كل الأدوية التي يصفها لك الطبيب. فالضحك يوسع الرئتين ويقويهما وينبه الأعصاب ويشدها؛ وبرهاناً على ذلك هو ما لاحظناه وما يلاحظه كل متأمل من القوة والنشاط والصحة في الذين يكثرون من الضحك. الكئيب السوداوي هو غالباً ضعيف نحيل، والبشوش الضاحك هو غالباً قوي نشيط ذو صدر متين ورئتين كبيرتين. فاضحك إذاً في الصباح، واضحك في المساء قبل النوم، واضحك مع أهلك وأصحابك وخلانك، ولكن لا تصرف كل وقتك بالضحك. فهذا الدواء مثل كل الأدوية يضر إن لم يؤخذ بحكمة وترتيب؛ وإذا كانت السويداء ضاربة أطنابها وأنت لا تستطيع الضحك فخذ «الهدى» واقرأ القصص الصينية فيه. الرجل الذي يخرج للتنزه مع امرأته أم خطيبته أم صديقة له يجتهد أن يكون لطيفاً ظريفاً ويجب ان يعرف الناس ذلك. ولكن متى بالغ في اللطف وحمل للمرأة مظلتها (شمسيتها) النحيفة الخفيفة يصبح أبله خالياً من روح الرجولية. والامرأة التي تطلب من زوجها أم صديقها حمل المظلة هي بليدة فيها من الرقة والغنج ما يشمئز منهما كل ذي ذوق سليم وعقل صحيح. لماذا لا تحمل المرأة مظلتها؟ ألأنها ثقيلة؟ كلا فذيل فستانها الذي تحمله بيدها اليسرى هو أثقل من دست(دزينة) مظلات نسائية نحيفة. لماذا إذاً لا تحملها؟. أتضطر أن تبقي يدها اليمنى فارغة لترفع قبعتها للذين يحيونها؟ كل امرأة صحيحة العقل سليمة الذوق ترفع بيدها اليسرى فستانها وتحمل مظلتها بيدها اليمنى إذا كانت ماشية مع رجل أم لا. كل عاقلة من النساء لا تكلف الرجل عمل شيء تستطيع أن تعمله بنفسها دون عناء. ونحن نحتقر الرجل الذي يجاري بعض النساء والبنات على ذوقهن الفاسد ويعجب برقتهن القتالة وبغنجهن المتطرف فيحمل لهن المظلات ويربط لهن شريط الأحذية وغير ذلك من الأعمال البليدة. نعم الرجل يحب في المرأة الغنج، ولكن متى أكثرت المرأة منه وتطرفت فيه يصبح الغنج للرجل كزيت الخروع، ونحن نفضل أن نشرب زيت السمك أو زيت الخروع من أن نجالس فتاة «مخروعة» أم نمشي مع امرأة مغنّجة للغاية. إذا مشى المجنون كثيراً فهو لا يشعر بتعب ولذلك سبب فيزيولوجي نتركه لأرباب هذا العلم، ولكن نريد أن نذكر هنا رأي الخرافيين في المسألة وهو هذا: إن المجنون لا يشعر بالتعب من كثرة المشي لأنه بالحقيقة لا يمشي إذ إن الشيطان ما زال ساكناً فيه يحمله، وحبذا لو حمل بعضَ العاقلين الذين يعتقدون هذا الاعتقاد. المجانين على نوعين: أولهما محبوس في «البيمارستان» والثاني مطلوب في العالم، وعدد النوع الثاني يفوق بدرجات عدد النوع الأول. الهدى ـ 27 تشرين الأول 1902. يقال إن الهر كروب الذي مات في ألمانيا مؤخراً كان من الرجال الذين يكرهون الحرب ويعشقون السلم. وكروب هذا كان صاحب أكبر معمل للمدافع في العالم. فماذا تنفع الإنسانيةَ عاطفتُه الشريفة ما زالت ملايينه تستخدم لاصطناع أدوات الحرب وموادها. فلو مال إلى الحرب لكان خلص من المناقضة التي أوقعه بها الأصدقاء الغيورون الذين ينشرون له مآثر نرتاب فيها. إذا كان المساعد على تعزيز الحرب يكره الحرب فمن يا ترى يحبها. الهر كروب الذي نرجو له النجاة من كل كرب في الآخرة أحيى في هذا العالم مكروب الحرب ونشّطه ثم تظاهر بالبغض له. فهل الذي يكره خليقته يعد فاضلاً؟ نكره سفك الدماء ولكننا نمجد من جعل الحرب صنعته والقتل مهنته. نحن أبطال التاريخ ونرضى أن تكون فينا نقائصهم وعيوبهم. إذا شئت أن تعرف من هو عدوك الألد فتش عليه في نفسك. نفتخر بنابليون وبالقيصر وبهانيبال ونحتقر مارا وروبسبير ودانتون. ولماذا؟ لأن الأولين قتلوا وسبوا بإذن من التقاليد، والأخيرين أذنوا بالقتل أو تغاضوا عنه حباً بقتل تلك التقاليد. فأي أفضل؟ وبمن يجب أن نفتخر؟ الرجل الذي تبتدئ حياته بالتقوى والتدين تنتهي غالباً بالمكر والاحتيال. الراهب هو أكبر سياسي والسياسي هو العالم بأساليب الكذب والمتمهر في فن الاحتيال والتدليس والتمويه. الطريق السهلة هي غالباً طريق الضلال والغرور. الحكيم يشتغل في سفينته كل يوم ويظل متأهباً. والجاهل ينتظر الطوفان ويصرخ إذ ذاك «نجوني من الغرق». الامرأة التي ترى ثيابها على الأرض تستحق أن ترمى من الشباك. لا تأذن لنفسك التعمق في درس أطباع صديقك إذا كنت تحب دوام صداقتك له. الحجار الكريمة توجد أحياناً في الوحل والأقذار. أي أكثر؟ الجوازات الشعرية أم المقفّون؟ سؤال نطرحه على شعرائنا الذين ينامون وهم ماشون ويمشون وهم نائمون. قد يستغني الذكي عن معرفة قواعد الجدل وقوانين المنطق. ما لقيصر لقيصر وما لله لبني البشر. قال سبنسر: «إن الإنشاء الطلي هو نتيجة للممارسة والاستعداد أكثر مما هو نتيجة معرفة الكاتب قواعد الكتابة». وقال أيضاً «قد يستغني عن علمَي المعاني والبيان من كان متوقد الذهن، سريع الفهم، حاد التصور، ذا أذن حساسة ونظر دقيق».إذا وقعت بين شرين فابتعد عن الاثنين. نكرر مثلنا هذا لأن بعض إخواننا وأصدقائنا يميلون إلى التمثل بالمثل القديم الذي هو: «إذا وقعت بين شرين فاختر لنفسك الأصغر» أي إذا وقعت بين بغل وحمار فاختر لنفسك الأقل ضرراً من الاثنين. ولكن البغل قابل أن يحرن والحمار قابل أن يتهور. الهدى ـ 28 كانون الثاني 1903