الأحد، 26 أغسطس 2012
سوريا: كل يوم عاشوراء.. كل شبر كربلاء
هوشنك أوسي- المستقبل- نوافذ- 26 آب 2012
(الى أحفاد الإمام الحسين في لبنان: سماحة السيّدين هاني فحص ومحمد حسن الأمين)
"الشعب السوري مابينذل"، هذا أول الشعارات التي رددها المتظاهرون السوريون في مطلع ربيع ثورتهم على "طاغية الشام"، على حدّ تعبير الزعيم اللبناني وليد جنبلاط.
رفض الذلّ والمهانة وهدر الكرامة وهتك الاعراض، والسعي نحو التحرر والانعتاق من جبروت الاستبداد وأذرع اخطبوطه الأمنيّة في سورية، كان ولا يزال لسان حال السوريين، رغم كل ما عانوه من ظلم وطغمة واجرام وإبادة وخنق ونحر وإحراق وتدمير ونهب وسلب للبلاد والعباد. وهذا ما يجعل الثورة السوريّة أنبل ثورات شعوب المنطقة وأشجعها. ذلك ان النظام الذي يواجهه السوريون، هو حتى أبشع من النظام الذي يواجهه الفلسطينيون، وابشع من نظام صدّام حسين الذي استخدم السلاح الكيمياوي ضدّ شعبه، وابشع من النظام الذي واجهه الامام الحسين، عليه السلام. وحين ردد السوريون شعارهم السالف الذكر، فقد كان قدوتهم في ذلك الإمام الحسين، في كربلاء، وهو تحت الحصار والتهديد بالموت، مع صحبه وعياله القلائل، مواجهاً اعتى عتاة الشرّ والإجرام آنئذ، فقال في خطبة عاشوراء: "ألا وإنّ الدعي ابن الدعي قد تركني بين السلة والذلة، وهيهات له ذلك منّي، هيهات منا الذلة. أَبى الله ذلك لنا ولرسوله والمؤمنون، وحجور طهرت، وجدود طابت، وأُنوف حميّة، ونفوس أبيّة أن يؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام". وعليه، خيار الشعب السوري في ثورته على نظام الأسد هو خيار الامام الحسين ضد الظلم والعدوان، الرافض للاستسلام للمهانة والذلّ. ولكن ثمّة من في لبنان والعراق وايران، لا يكتفي بدعوة الشعب السوري للاستسلام والاذعان لـ"يزيد العصر"، وفي الوقت عينه، يعلن هؤلاء؛ انهم من شيعة الامام علي بن أبي طالب، وبل يدعمون ويساندون نظام يزيد - الأسد بالعدّة والعتيد، ويسفكون دماء السوريين! يكفي الردّ عليهم، بما ردّ الحسين على أفراد من جيش الكوفة، الذين طلبوا الانصياع لحكم يزيد لكي ينعم بالسلامة قائلاً: "لا والله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا إقرار العبيد" (مقتل الحسين للمقرّم: 280، تاريخ الطبري 323:4).
لم يعد خافياً لكل ذي ضميرٍ حيّ؛ أن سورية، في كل لحظة عاشوراء، وكل شبر من ترابها تحوّل الى كربلاء، نتيجة الحصار والذبح والتعذيب والتجويع والتدمير والأرض المحروقة الممارس عليها، وإزهاق أرواح النساء والشيوخ والاطفال والشباب، والتمثيل بجثثهم، على أيدي نظام الأسد وجلاوزته من شبّيحة وأمن وجيش!. ان ما يحدث في سورية، ينقطع له قلب التاريخ، ويهزّ أركان الوجود وأقطاره، فما بالكم من إيلامه ذوي القلوب الرقيقة والعقول الراحجة من أقطاب الفكر الشيعي، ورجالاته الأصلاء في لبنان. وعلى خطى نصرة الحسين في كربلاء ومشايعته ومبايعته إماماً وليّاً، مظلوماً شهيداً، أصدر سماحة السيّدين هاني فحص ومحمد حسن الأمين بيانهما "التاريخي"، معلنين فيه تضامنهما مع الثورة السورية والشعب السوري. وقالا فيه: "تواصلاً مع موروثنا الشيعي في مقارعة الظالمين، أياً كانوا، ونصرة المظلوم أياً واينما كان، والتزاماً منا بموجبات موقعنا الديني المنتقص من دون ان ينقص، بالقوة والجمهرة والكلام التعبوي اليومي والزبائنية السياسية والعلاقة الريعية". وأشارا الى دورهما الفكري الشيعي الاسلامي العربي والتنويري "الذي لا ينكره الا مكابر او غوغائي ووقوفهما الى جانب المقاومين للاحتلال الصهيوني لفلسطين ولبنان، والاحتلالات الوطنية، التي استخدمت فلسطين والعروبة والممانعة ضد شعوبها فقط". ودعا الأمين وفحص الشيعة في البيان "إلى الانسجام مع أنفسهم في تأييد الانتفاضات العربية والاطمئنان إليها والخوف العقلاني الاخوي عليها.. وبخاصة الانتفاضة السورية المحقة والمنتصرة باذن الله والمطالبة بالاستمرار وعدم الالتفات الى الدعوات المشبوهة بالتنازل من أجل تسوية جائرة في حق الشعب السوري ومناضليه وشهدائه مع ما يجب ويلزم ويحسن ويليق بنا وبالشعب السوري الشاهد الشهيد من الغضب والحزن والوجع والدعم والرجاء والدعاء، أن يتوقف هذا الفتك الذريع بالوطن السوري والمواطن السوري". مؤكدين أن "من أهم ضمانات سلام مستقبلنا في لبنان ان تكون سوريا مستقرة وحرة تحكمها دولة ديموقراطية تعددية وجامعة وعصرية". وتابع فحص والامين: "إننا نفصح بلا غموض أو عدوانية عن موقفنا المناصر غير المتردد للانتفاضة السورية، كما ناصرنا الثورة الفلسطينية والإيرانية والمصرية والتونسية واليمنية والليبية وتعاطفنا مع التيار الاصلاحي والحركة الشعبية المعارضة في ايران وحركة المطالبة الاصلاحية في البحرين وموريتانيا والسودان". وأبدى الأمين وفحص "استعدادهما لمناصرة أي حركة شعبية ضد أي نظام لا يسارع إلى الاصلاح العميق تفادياً للثورة عليه واسقاطه"، معتبرين ان "الباطل الذي كان دائما زهوقاً قد زهق، اما احقاق الحق فطريقه طويل ومعقد ومتعرج، وفيه كمائن ومطبات كثيرة، ويحتاج إلى صبر وحكمة ويقظة وحراسة لدم الشهداء، حتى لا يسطو عليه خفافيش الليل وقطعان الكواسر.. ويحتاج الى شفافية وحوار وود ونقد. ولن نبخل بالود الخالص والنقد المخلص، آتين الى الحق والحقيقة والنضال والشهادة من ذاكرتنا الإسلامية النقية ومن رجائنا بالله ومن كربلاء الشهادة التي تجمع الموحدين وتبرأ الى الله من الظالمين".
الحقّ أنه لخطابٌ كربلائيٌّ أصيل، لا يصدر إلاّ من حفيدين حقيقيين لسيّد شباب الجنّة، أبا عبدالله الحسين. انه الخطاب الخالص المخلص للإرث الحسيني الكربلائي في المقاومة ومقارعة الظلم والظالم، أيّاً كان، وأين كان. وهو ليس بجديد عن هذين العالمين الإسلاميين الجليلين، بل أتى تتمّة لمواقف وتصريحات سابقة، مؤيّدة للثورة السوريّة، وناقدة لكلّ توجّه لبناني، مؤيّد وداعم للنظام السوري.
بيان السيّدين فحص والأمين، هو لسان حال قطاعات واسعة من النخب الثقافيّة والدينيّة الشيعيّة اللبنانيّة والعراقيّة، غير التابعة للسلطة الإيرانية. ولا يتسع هنا المقام لذكر عشرات الأدباء والشعراء والمثقفين والساسة اللبنانيين والعراقيين ممن يدعمون الثورة السوريّة، وينتقدون موقف ايران ودكاكينها السياسيّة في لبنان والعراق. ولعمري أنه لو كان سماحة السيّد محمد حسين فضل الله وسماحة الشيخ محمد مهدي شمس الدين على قيد الحياة، لكانا الى جانب الأمين وفحص في بيانهما التاريخي السالف الذكر. ذلك أنه أقلّ ما يقال في هذا البيان، انه اصطفاف مع المظلوم كائناً من كان، ضدّ الظالم الذي ربما يمتّ بآصرة بالمذهب او الطائفة، وعدم ترجيح العصبيّة المذهبيّة والطائفيّة على مناصرة المظلوم ضدّ الظالم. هذا البيان، كان له وقع البلسم والمرهم لجراح السوريين، وسط ما يقترفه حزب الله وباقي الزواريب السياسيّة (السوريّة - الايرانيّة) في لبنان والعراق من جور وظلم بحقّ الثورة السوريّة، ونصرتهم لنظام القتل والاجرام الاسدي. هذا البيان، هو بمثابة انشقاق عمّن يريد زجّ الطائفة الشيعيّة الكريمة في هذه الحرب القذرة والدنيئة ضد الشعب السوري وثورته على طغمة الآسد وشبّيحته. انه بيان العقل والروح الشيعي الأصيل، الذي لن ينساه الشعب السوري، بكل مكوّناته الدينيّة المذهبيّة والقوميّة والعرقيّة. وسيكون مادّة للدراسة والتحليل، كوثيقة دالّة عن عمق تنويري - ثقافي معرفي، وحساسيّة وطنيّة ديموقراطيّة، وبُعد تاريخي حضاري، لدى فحص والامين تأكيداً على المواقف الحازمة والحاسمة في مواجهة الدوغما العقيديّة التي تدفع بالمحازبين نحو التورّط في الحروب الظالمة. انه نداء العقل والروح لكل من تورّط في سفك دماء السوريين، بأن يعود الى صواب كربلاء الحسين، وألاّ يكون مع الظالم، لأن الأخير من قومه أو دينه أو مذهبه أو طائفته!. انه بيان العقلانيّة الدينيّة، في أرقى أشكال حساسيّتها وتنبّهها لمخاطر التحزّب الأعمى للدين او المذهب او الطائفة. لذا، لا غرابة في اعتبار الدوغمائيين والطائفيين لفحص والامين على انهما "خائنان" و"مارقان"، لكونهما شقّا عصا الطاعة لايران وحزب الله اللبناني، المنخرطين في قمع الثورة السوريّة الى جانب نظام الأسد.
نشرت صحيفة "الحياة" لكاتب هذه الأسطر، مقالاً بعنوان: "آن للسيّد السيستاني أن يخرج عن صمته" (الثلاثاء 20/03/2912). وكان المقال، نداء موجّهاً لسماحة السيّد علي السيستاني، كي يعلن عن موقف حيال المجازر الوحشيّة التي يرتكبها نظام الأسد بحق ابناء الشعب السوري، وان يبدي موقفه من التورّط الايراني وحزب الله اللبنانيّ وبعض الاحزاب العراقيّة الايرانيّة في هذه ارتكاب هذه المذابح الى جانب نظام الأسد. إلاّ ان السيستاني لا زال على صمته!. والى جانب استمرار هذا الصمت المريب، يظهر مدى نبل وعظمة وسموّ صرخة فحص الأمين في بيانهما.
قصارى الكلام: إذا كانت وثيقة فحص الأمين بيان دعم للثورة السوريّة، فيه في الوقت عينه، بيان تنديد وشجب وإدانة لكل من يدعم نظام الأسد. وعليه، هكذا يكون الاخلاص لنهج الحسين، عبر إدانة المعايير المزدوجة بأن يكون المرء مع ثورة المظلومين في مكان ما، وضدّ هذه الثورة في مكان آخر، لكون الظالم المستبدّ هنا، من نفس طينة الملّة او الطائفة او الحزب. بيان الأمين فحص، أكّد ان حزب الوطن، أكبر وأعظم وأسمى من حزب الدين والملّة والطائفة. وأن حزب الإنسان المظلوم، كائناً من كان، هو الأكثر قوّةً من حزب البنادق والسلاح والصواريخ. كما أكّد البيان؛ ألاّ مكان للشيعة إلاّ في محيطهم الوطني الديموقراطي، بعيداً من المحاور السياسيّة الطائفيّة، اللاوطنيّة.
() كاتب كردي سوري