ضياء الشكرجي
كتبت هذه الأسطر صباح اليوم، وبعد عودتي من ساحة التحرير وجدت أنها لم تنشر بعد، لذا أراجع بعض ما كتبت، وأضيف ما أجعل الإضافات بين قوسين قامين [...]. قلت صباح هذا اليوم: إني ذاهب يا أبا إسراء إلى ساحة التحرير مشيا على القدمين، إذا كنت حقا قد منعت اليوم السيارات ووسائل النقل الأخرى. [لم اكن متأكدا من الخبر] سأذهب، لكن يا أبا إسراء أنا لست بعثيا. سأذهب، ولكني لست من أعداء العملية السياسية. سأذهب، ولكني لن أنادي بإسقاط النظام، بل بإصلاحه، حتى لو كان إصلاحه يكون بالتمهيد لاستبدالك وطاقمك بمن هم خير. لكننا لن نطالب اليوم بإسقاط أحد، ولا باستبدال أحد. الذي سنرفع صوتنا به هو مجموعة مطالب مشروعة، أعيد سردها، ولو باختصار هذه المرة:
1. تقليص مجلس الوزراء إلى ما لا يزيد على 20 وزارة.
2. اعتماد نائب واحد فقط لكل من الرئاستين.
3. تخفيض رواتبكم بنسبة 70%.
4. إناطة الوزارات التي تحتاج إلى اختصاص، إلى تكنوقراط معروفين بخبرتهم ونزاهتهم.
5. وضع حد للمحسوبية الحزبية، والطائفية، والقومية، والعشائرية، والمناطقية، والأسرية.
6. تقديم وجبة أولى من كبار الفاسدين إلى القضاء العادل
7. تعديل قانون الانتخابات.
8. تشريع قانون للأحزاب.
9. الكف كليا عن كل الممارسات التي تحد من الحريات.
10. التعجيل الجاد في وضع خطط استراتيجية حقيقية لمعالجة الخدمات.
11. عرض البرنامج الحكومي على الشعب مع تحديد توقيتات واضحة للإنجاز.
12. حل مشكلة البطاقة التموينية.
أخبرني بالله عليك يا أبا إسراء، أخبروني يا حيدر العبادي وكمال الساعدي وبقية (الدعاة) الأشاوس: هل هذه بالله عليكم مطالب بعثية؟ هل هي فعلا غير مشروعة؟ لماذا كل هذا الخوف؟ لماذا أنتم مرعوبون، ولماذا أنت بالذات يا رئيس وزرائنا مرعوب إلى هذا الحد؟ لماذا هذا النداء المتشنج بالدعوة إلى عدم المشاركة في هذه التظاهرات بتهمة أنها (مريبة)؟ هل سمعت بالله عليك يوما رئيس سلطة تنفيذية في دولة ديمقراطية يطلب من الناس عدم التظاهر؟ لماذا منع الحافلات هذا اليوم؟ نحن المتظاهرين اليوم أحرص من غيرنا على الحيلولة دون عودة البعث الصدامي وغير الصدامي، ولكننا لا نرضى أن يقود سفينة العراق قادة لا يؤمنون بالديمقراطية، ولا يؤمنون بالحرية، ولا يلتزمون بمبدأ النزاهة، ولا يتحسسون معاناة الإنسان العراقي. وصلت إلى هذه العبارة، وجاءني نداء هاتفي من الأصدقاء من وسط التيار الديمقراطي، علمت منهم إنهم أو إن معظمهم لن يذهب لانقطاع السبل للوصول. [تغير الموقف بعد ذلك إلى حد ما والحمد لله] حققت انتصارك يا أبا إسراء. [ظنا مني أنه حال دون التظاهر إلى حد كبير] لكنه انتصار موقت. فإرادة الشعب، إرادة الوطنيين، إرادة المؤمنين بالديمقراطية، ستنتصر في آخر المطاف، هذا وعد علينا غير مكذوب. صدقني، يا أبا إسراء، إنك وقّعت اليوم بنفسك على الحكم بسقوطك، حتى لو حكمت مدة ما حكم زين العابدين بن علي، بل حسني مبارك، بل القذافي، دون أن أشبهك بأي منهم أعاذك الله. حكمت بسقوطك، لأنك سقطت في أعين ونفوس وقلوب كل الذين كانوا يختلفون معك، لكنهم كانوا يكنّون ثمة احترام لك. وعلى ذكر الاحترام، أمس قلت لوفد زارك إنك لا تحترم من يشارك في تظاهرة 25/2. ونحن بناءً على ذلك لا نحترمك. لأننا أحرار، ولأننا نملك نفوسا أبية، وإحساسا عميقا بالكرامة يصل إلى درجة الغرور، بل والتكبر تجاه من يتكبر علينا، لأن تكبر المتواضع على المتكبر هو أرقى أنواع العبادة، ولأننا بناءً على ذلك لا نستطيع أن نحترم من لا يحترمنا. أما قبل ذلك فكنا نختلف معك ولكننا نحترمك إلى حد ما. لن تنطلي اللعة علينا إذا أخرجتم أشخاصا يحملون صور الطاغية المقبور صدام، لتمرروا دعوى أن التظاهرة بعثية. [لم يحصل ذلك، مما كان بعضنا يتوقعه، وربما لأنهم عرفوا أنهم سيفتضح أمرهم إذا فعلوه] وأخيرا، وليس تحريفا للقرآن والمعاذ بالله، بل استعارة من وحي الآيات 8 إلى 16 من سورة البقرة، أختم بهذه العبارات صرخة غضبي هذه: ومن الإسلاميين من يقول آمنا بالديمقراطية والحريات، وما هم بمؤمنين بها، يخادعون الشعب والذين آمنوا بالديمقراطية، وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون، يعانون من مرض فزادهم طغيانهم مرضا، ولهم غضب الشعب غدا بما كانوا يكذبون ويسرقون، وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الوطن، قالوا إنما نحن مصلحون، ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون، وإذا قيل لهم آمنوا بالديمقراطية والمواطنة وحقوق الإنسان والحريات كما آمن الديمقراطيون، قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء، ألا إنهم هم كما يصفون ولكن لا يعلمون، وإذا لقوا الذين آمنوا بالديمقراطية قالوا آمنا بها، وإذا خلوا إلى أقرانهم قالوا إنا معكم، إنما نحن مستهزئون، الشعب والتاريخ سيستهزئان بهم إذا ما تمادوا في طغيانهم يعمهون، ألائك الذين اشتروا المناصب والسلطة والثروة بالوطنية، فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين. هذا ما كنت كتبته قبل خروجي إلى ساحة التحرير، لكن بعد التواصل مع بعض الأصدقاء العلمانيين، قررت الخروج، ولحسن حظي فإن سكني ليس ببعيد كل البعد، فقطعت المسافة بأقل من الساعة والنصف الساعة بقليل. لم أجد (حزب البعث العربي الاشتراكي) لا الصدامي ولا البشاري، بل وجدت شبابا، وجدت عراقيين من الجنسين ومن مختلف الطبقات والشرائح والثقافات والأعمار والأديان والمذاهب. صحيح صدرت بعض الهتافات التي تنادي بإسقاط النظام، لكن التوجه العام كان باتجاه المطالبة بـ: 1) إصلاح النظام، 2) اجتثاث الفساد، 3) توفير الخدمات، وغيرها من المطالب المشروعة. وجدنا الشباب الريفي البغدادي بهوسات الريف، ووجدنا الشباب المدني بهتافات مدنية حديثة، ووجدنا الكثير من أصدقائنا السياسيين العلمانيين والمثقفين والفنانين والإعلاميين، ووجدنا طلبة الجامعة، ووجدنا شباب الفيسبوك. التظاهرة كانت صحيح ليست بالحجم الذي كنا نتأمله، والسبب واضح، وذلك بفرض منع تنقل الحافلات، ومع هذا قدم أشخاص، ومنهم من تجاوز عمر الشباب قد قطعوا أربع ساعات مشيا ليصلوا إلى التظاهرة، ووجدت أحدهم مقطوع إحدى ساقيه وعلى عكازة وقد تجاوز متوسط العمر، فكانت التظاهرة بالآلاف، وإلا ولولا هذه الإجراءات، وتخويف الناس بكون التظاهرة مستهدفة من قبل القاعدة وغير القاعدة، لكانت التظاهرة بعشرات الآلاف، بل لا أستبعد أنها كانت قد وصلت إلى مئات الآلاف، إلم نقل مليونية. أقول إذا كان المالكي قد ربح هذا الشوط، فالشوط الأخير سيكون للجماهير.