الاحترام المتبادل بين أهل الأديان بعامة، وأهل الدينين الكبيرين في الوطن العربي بخاصة، قيمة أكدت عليها الوثيقة التأسيسية للفريق العربي للحوار الإسلامي المسيحي: «الحوار والعيش الواحد» في مواضع عديدة منها.
فذكرت الوثيقة أن الفريق يؤكد على أن «الفهم الصحيح للدين يتضمن قبول الآخر المختلف دينياً، والعيش معه، واحترام قناعته الدينية وخصوصية شعائره وشرائعه».
وأشارت إلى «ضرورة ترسيخ قيمة الاحترام المتبادل بين أهل الدينين الإسلام والمسيحية».
وجعلت «الحوار... أداة لبناء الثقة وإقامة علاقات الصداقة والمودة مع احترام حدود المغايرة والاختلاف بين الأديان وقواعد العيش والعمل المشتركين، ومتطلبات المواطنة المتكافئة».
والحوار ـ في مفهوم الفريق العربي للحوار الإسلامي المسيحي ـ «ينطلق من احترام حق الآخر في اعتقاده وتعزيز الأسس الدينية للعيش الواحد في وطن واحد».
«ولا يستقيم الحوار... بغير احترام الخصوصيات والمشاعر والرموز والمقدسات الدينية الإسلامية والمسيحية. ولا يقتصر ذلك على سلوك أهل كل من الدينين تجاه أهل الدين الآخر، وإنما يعبر عن نفسه كذلك في وقوف الطرفين معًا ضد أي امتهان لمقدسات أي منهما أيًا كان مصدره».
* * * * *
وانطلاقًا من هذا الموقف المبدئي للفريق، ومراعاة لما جدّ منذ أحداث 11/9/2001 في الولايات المتحدة الأمريكية، ثم تداعياته التي أبرزها احتلال أفغانستان والعراق، والتهديد الأمريكي المستمر، والتدخل السافر في شؤون عدد من البلدان العربية والإسلامية، وماترتب على ذلك في مجال العلاقات الإسلامية المسيحية من جانب، وعلى كل من الساحتين الإسلامية والمسيحية في ذاتهما من جانب آخر، من مظاهر تشي بما يخشى معه فقدان خصيصة الاحترام من أهل الأديان لأهل الأديان، فيما بين كل منهم وسائر أهل دينه، أو فيما بين أهل الأديان المختلفة بعضهم وبعض، قرر الفريق إعلان وثيقة الاحترام المتبادل لتكون «دعوة للناس وشهادة بينهم»، على نحو ما كانت «وثيقة الحوار والعيش الواحد»، بالنص الآتي:
1- الاحترام المتبادل نتيجة ضرورية من نتائج الاعتراف بالاختلاف والغيرية. فلكل أهل دين خصوصياتهم الدينية. ولكل فرقة، أو مذهب، داخل الدين الواحد خصوصياته الفكرية.
والأصل أن يكون تصرف أهل الأديان جميعًا مراعيًا هذه الخصوصيات، حريصًا على حفظ حرمة أصحابها، كافلاً لهم حقهم في التعبير المشروع عنها.
2- لا يجوز أن يساء إلى الإنسان بسبب عقيدته، ولا بسبب دينه، فالأديان والعقائد، في نظر أصحابها، طرق لطاعة الله وعبادته، والفصل بين أصحابها مرجعه إلى رب العالمين وحده.
3- المواطنة مشاركة في الوطن وما يترتب على الانتماء إليه من واجبات وحقوق يجب كفالة أدائها والتمتع بها مهما يكن دين المواطن أو عقيدته. وأهل الأديان يتكاتفون في منع أي حرمان من هذه الحقوق والواجبات مهما تكن المظاهر التي يتخذها، أو الأسباب التي يختفي وراءها.
4- يرى الفريق العربي للحوار الإسلامي المسيحي أنه يجب أن تكفل كل دولة لمواطنيها مساواة حقيقية يحميها القانون في، شغل الوظائف، واتخاذ المهن، والتنقل، والعمل بأي طريق مشروع. وكل تفرقة بين أبناء الوطن في هذه الشؤون أوغيرها من الحقوق والحريات بسبب دينهم أو عقيدتهم تخالف قاعدة الاحترام المتبادل وتنقض الحق في المساواة الذي تقره الأديان كافة بين بني الإنسان جميعًا.
5- أهل كل دين، أو مذهب، أو عقيدة يعتقدون فيه الصحة المطلقة والحقيقة الكاملة. وهذه خصيصة من خصائص الإيمان بالأديان والعقائد، إذا فقدها دين أو عقيدة اضطربت الحدود الفاصلة بينه وبين غيره. لكن هذه الحقيقة عند أهل الإيمان الصادق لا تورث شعورًا بالأفضلية، ولا بالتميز، ولا تؤثر سلبًا على العلاقات الإنسانية بين الناس، وإلا تحولت من استمساك محمود من كل ذي دين بدينه إلى تعصب ممقوت يغري السفهاء من كل جماعة بمن ليس منها.
6- التعصب وإن كان في أصله موقفًا فكريًا فهو في حقيقته وقود الفتن وأساس الفرقة الممزقة لوحدة أهل الإيمان. والواجب على كل ذي دين أن يراعي في نفسه، وفي الجماعة التي ينتمي إليها، بقاء حالة الإيمان نقيَّةً من آثار التعصب، منزَّهةً عن الشعور بالاستعلاء على الآخرين.
7- ينبغي على أهل كل دين ألا يخوضوا في خصوصيات دين آخر، وينطبق هذا على أهل المذاهب المختلفة والفرق المتعددة في الدين الواحد. والخوض المقصود هنا هو الخوض العلني الذي ينشر على الكافة وجوه اختلاف لا يستطيعون إدراك أسسها الفكرية أو الفلسفية.
إن الاختلاف العقدي قديم. وهو دائم بدوام الحياة. والمناقشات العلمية على قاعدة الاحترام المتبادل بين أهل الاختصاص فيه نتيجة لازمة له؛ ولكن تحويل ذلك إلى مادة يتناولها الكافة، وإشاعة أمر التعارض أو التناقض بين عقيدة وغيرها من العقائد، لا يؤدي إلا إلى البغضاء والشحناء وإغراء الناس بعضهم ببعض؛ وهو ما يحذِّرُ الفريق منه أشد التحذير ويدعو العقلاء إلى منعه والوقوف في وجهه أيًا كانت المغريات التي تدعو إليه.
8- المؤمنون حقًا لا يجاوزون الحدود التي يقتضيها حفظ الحرمة، وحسن الصحبة، ورعاية العهد في الوطن الواحد ـ بل في الوجود الإنساني كله ـ مع أهل العقائد الدينية الأخرى.
9- من حق أهل كل دين أو عقيدة أن يتوقعوا من مخالفيهم تصحيح ما يُرتكبُ في حقهم من خطأ، والاعتذار عما يصدر من هؤلاء المخالفين أو بعضهم من إساءة، أو إهانة، أو قول، أو فعل لا يليق. ولا يجوز لمن وقع منه الخطأ: غفلةً أو هفوةً أن يستكبر عن تصحيحه ويبحث عن تأويله، لأن ذلك يحول الخطأ إلى عمد، والسهو والغفلة إلى قصد وهما يُفَجِّرانِ، عند الطرف الآخر، مشاعر استخفافٍ به وإهانةٍ له تدمر، إذا استفحلت، الوطن وأهله.
10- من حق كل أهل دين أن يدفعوا عن دينهم ما ليس منه. وأن يُعلِّموا أصولَه وفروعَه للمؤمنين به، وأن يدعوهم إلى الاستمساك بأوامره ونواهيه. والإعلام الحر الذي يتيح اليوم للكافة فرص هذه الدعوة لا يجوز أن يكون وسيلة للإساءة أو الكذب أو الافتراء من قِبَلِ بعض أهل الأديان على بعض.
11- إن حرية اختيار الدين حرية فردية. والتبعات الدينية والقانونية المترتبة على هذا الاختيار، في كل دين، يقررها أهله إعمالاً لنصوصه وأصوله.
12- للأغلبية الدينية في الوطن التعبير عن نفسها والاستمساك بالنص على هويتها في وثائقه الثقافية والدستورية. وللأقلية حق مساوٍ في التعبير عما يحفظ لها خصوصيتها الدينية والثقافية على قاعدة الاحترام المتبادل بحيث لا تفقد الأغلبية هويتها ولا الأقلية تميزها.
* * * * *
إن الفريق العربي للحوار الإسلامي المسيحي، وهو يعلن هذه الوثيقة، يعلن التزام جميع أعضائه بما تضمنته من مبادئ، ويدعو جميع أهل الإيمان إلى اتخاذها أساسًا للعلاقات بين المؤمنين بعضهم وبعض.
والله وليُّ التوفيق،
الفريق العربي للحوار الاسلامي المسيحي