الاثنين، 28 نوفمبر 2011

الانتفاضة والجولانيّون

الحياة- الإثنين, 28 نوفمبر 2011
حسّان القالش *
شكّل خروج الأسير السوري السابق في سجون الاحتلال الإسرائيلي، وئام عماشة، إلى حريّته الأولى، في الثامن عشر من تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، مناسبة للفرح اخترقت الأشهر الثمانية الدامية التي عاشتها بلاده ولا تزال. كما مثّل مناسبة جديدة للتفكير بسورية. ذاك أن الحدث لم يتمثل في الزخم الذي أضافه إلى الانتفاضة السورية فقط، بل جعل الجولان المحتل، برمزيّتيه الوجدانية والوطنية الكبيرتين، حاضراً أيضاً، إلى جانب هذه الانتفاضة، كون وئام ابن الجولان وابن انتفاضة شعبه، التي كسبت به معركة أخلاقية جديدة في مواجهة السلطة.
فالأسير السوري المحرّر، كان قد وقف مع المقهورين من أبناء شعبه، وأعلن الإضراب عن الطعام من معتقله الإسرائيلي تضامناً معهم، وأعلن مراراً عن مواقفه المعارضة للسلطة، كانت تنجح في اختراق المعتقل ولا يسمع بها إلا قلّة من السوريين.
على أن السلطة، بتصرفات أجهزتها الإعلامية الحمقاء، وتجاهل الحدث «التحريري» لأحد أبنائها «المقاومين» للعدو الإسرائيلي، ومعاملته معاملة الخصم، بناءً على موقفه ورأيه السياسيّين، تثبت قصورها الفادح في جعل قضية الجولان مشتعلة وملتهبة في الوعي الجماعي العمومي، وخصوصاً عند الموالين لها. والأنكى من ذلك، أن إعلام السلطة قد امتطى القضيّة الجولانية لحسابه، فبعد أيام من حرية وئام عماشة، نشر بياناً يدّعي صدوره عن «أحرار الجولان العربي السوري المحتلّ»، كان حافلاً بخطاب خوّن من يتعاطفون مع انتفاضة شعبهم، من أبناء الجولان المحتل، وصفهم فيه بأنهم «خونة مارقون... ضلّوا الطريق».
والراهن أن قضية الجولان المحتلّ والجولانيين مدعوّة للدخول إلى المشهد العام وتفاصيل هذه المرحلة التاريخية من حياة البلاد. فلم يعد مقبولاً أن يكون موقع هذه القضية في العمل السياسي، الحالي، موقعاً ثانوياً، أو مجرد عنوان وطنيّ عام وبلا حيويّة أو معنى. وطالما أن هناك، في الجولان المحتلّ، سوريين يشاركون في قضايا بلادهم الداخليّة وأحوال إخوتهم، ويتفاعلون معها، إضافة إلى المرارات التي يسبّبها الاحتلال المديد وحروبه المتواصلة على هويّتهم الوطنيّة، فهذا ما يلحّ على السوريين في الداخل لرفع وتيرة تواصلهم مع إخوتهم الجولانيين، والاقتراب منهم أكثر. ليس على مستوى الشعار والعمل التحريريين فحسب، بل بالاقتراب من حياتهم اليومية، وجعل المشهد الاجتماعي للجولانيين حاضراً بقوة أكثر في وجدان بقية مواطني البلاد.
فمن المؤسف، والمفجع، أن تجد اليوم سوريّاً لم يسمع قبل بـ وئام عماشة، ولا يستطيع أن يذكر اسم واحد من بقية الأسرى السوريين الجولانيين القابعين في المعتقل الإسرائيلي (ناصر وفداء وماجد الشاعر، شام ويوسف شمس، صدقي المقت).
لهؤلاء، للجولانيّين، لتلك الأرض الجميلة، ألف تحيّة وسلام...
* صحافي وكاتب سوري