علي عبدالعال
قال الشيخ علي حاتم -المتحدث الرسمي باسم مجلس إدارة الدعوة السلفية- إننا نحتاج إلى طمأنة المتخوفين من مشاركتنا في العمل السياسي ممن لم يؤيدنا، ولا يعرف حقيقة دعوتنا، مضيفا: أن هذا يستلزم مد الجسور بيننا وبينهم، على أن تكون البداية من طرفنا، خاصة وأن هؤلاء خليط كبير من البشر، له احتياجاته ومصالحه، ويبحث عمن يخاطب مشاعره، وله درجته من التدين، ويحتاج من يأخذ بيده، ويصبر على تعليمه، ويرفق به.
وفي رسالة وجهها إلى الفائزين في الانتخابات من مرشحي حزب "النور" قال الداعية السلفي: إن النجاح الذي حققه الحزب ينبغي ألا يشغلنا عن التعرف على أخطائنا وعيوبنا، وإدراك سبل علاجها وتلافيها في المستقبل، وإزالة آثارها قبل الدخول في معترك جديد وهي تصحبنا كما هي؛ لئلا تؤثر على عملنا الحزبي والدعوي.
وقال الشيخ حاتم ـ وهو عضو مجلس شورى الدعوة السلفية ـ لقد دخلنا عالم السياسة ونحن نعلم ما فيه من تجاوزات تعارف الناس عليها من قديم، ولكننا دخلنا عالم السياسة؛ لنطهره مما فيه، وأضاف: مَن أيَّدنا ومنحنا صوته يتوقع منا ذلك، ويثق في قدرتنا على تحقيقه، وتابع: علينا أن نسعى جاهدين بلا تقصير أو تفريط في تحقيق المرجو من دخولنا في عالم السياسة، فلا نقابل إساءات الآخرين بإساءات منا، ولا نواجه تجاوزات الآخرين بتجاوزات مماثلة، وإذا دخلنا معهم في مناقشات فلا نحتد عليهم ولا نوسع هوة الخلاف معهم، ونلتزم بأخلاق الإسلام وآدابه، مع الحرص على الإقناع والبيان وإقامة الحجة.
واعتبر حاتم وجود هذا العدد الكبير من مرشَّحي "حزب النور" في مجلس الشعب يعكس مدى ثقة الجماهير في "الدعوة السلفية" وحزبها مع أنها أول مشاركة للحزب في الانتخابات. ودلل على ذلك بأن هذه النتيجة جاءت على بالرغم من كل الحملات الدعائية ضد السلفيين عامة والدعوة السلفية خاصة، والتي سبقت وصاحبت وتبعت الجولة الأولى من الانتخابات من الإعلام المغرض: المرئي، والمسموع، والمكتوب
ونبه القيادي السلفي إلى أن البرلمان القادم سيتحمل مسئولية وضع دستور البلاد، وإعادة بناء الدولة، والخروج بها مما هي فيه من أوضاع متردية. وقال إن هذا يتطلب الكثير من الجهد، والعمل الدءوب والمثابرة، خاصة في توضيح المنهج الإسلامي المستمد من الكتاب والسنة في بناء الدولة في الإسلام، والتعرف على القدر المتاح والممكن في ضوء ظروفنا الحالية وواقعنا الحاضر، مع الأخذ في الاعتبار السبل الممهدة لتحقيق ما لا يمكننا حاليًا تحقيقه، ورأى أن هذا ليس من باب التدرج في التطبيق بقدر ما هو إتيان ما في الوسع والطاقة، وقال "كلما أمكن تطبيق أمر؛ أدخلناه في حيز التطبيق حتى يأذن الله -تعالى- بكمال تطبيق شرعه".
كما توقع الشيخ السلفي أن يضم المجلس القادم "اتجاهات عديدة متباينة، منها: ما يحمل العداء السافر للتيار الإسلامي. ومنها: ما يحمل فكرًا تبناه من الفكر الغربي وتربى عليه، ويراه منهجًا للإصلاح على ما فيه. ومنها: من له أهداف ومصالح وأطماع يسعى لتنفيذها، لا يراعي فيها مصلحة الأمة والوطن". مشيرا إلى أن كل هذه الأطياف تتطلب أن يبذل النواب السلفيون مزيدا من الجهد والعمل الدءوب والمثابرة، خاصة في توضيح المنهج الإسلامي المستمد من الكتاب والسنة في بناء الدولة في الإسلام.
وأيضا ما يلزم من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والإرشاد والنصح والتوجيه، وبيان ما يحتاج إلى بيان من أحكام الشرع، والدلالة عليها، وإظهار مقاصد الشرع ومحاسنه في كل ما أمر به أو نهى عنه، والرد على شبهات المخالفين، والتصدي لألاعيب وافتراءات أهل الأهواء الذين ستظهر نواياهم من خلال ما يعرضونه من أفكار وآراء يريدون بها فتح أبواب الفساد والإفساد على الأمة.
وقال إن كل ذلك يحتاج إلى التعامل معه بالحكمة والموعظة الحسنة بعيدًا عن الشدة والعنف، وفق ضوابط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الشرع، فيكون لكل مخاطب منا يناسبه أخذًا بالأسباب، والهداية والتوفيق من عند الله -تعالى-.واستدل الشيخ بقول الله -تعالى- لنبيه -صلى الله عليه وسلم- معلمًا للأمة في شخص النبي: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ) (آل عمران:159).
ووضع الشيخ علي حاتم أمام النواب السلفيين أعمال كبيرة عليهم أن ينجزوها، مثل: الدخول في مناقشة دستور البلاد وسن القوانين الجديدة، ومراجعة التركة الموروثة من القوانين السيئة التي وضعها النظام السابق، والأخذ بما يصحح من أوضاع الأمة ويخرجها من أزمتها الحالية. وقال إن ذلك يستدعي من كل نائب تم اختياره من حزب النور "أن يسارع بإعداد نفسه لذلك"، كما يتطلب من الحزب "التعجيل بتهيئة نوابه المختارين لهذه المهمة الخطيرة تهيئة مناسبة". خاصة وأن الجماهير العريضة تتطلع إلى رؤية أداء نواب الحزب، وأن أعداء الدعوة على اختلاف مشاربهم يتربصون بهم، فهي مرحلة دقيقة وحرجة في حسابات الأمة والدعوة، لا نقول: لا تحتمل الخطأ، فالخطأ من البشر وارد، ولكن ينبغي تفادي الأخطاء والإقلال منها بقدر الاستطاعة، وسرعة معالجة ما يقع منها إن وقع، وفي الوقت المناسب بدون تأخير.
وتابع أن هذا يحتاج إلى بصيرة وعلم، وتدبر وحكمة، وهمة وعزيمة، وأخذ بالأسباب، وتجرد للحق، وتحمل للمسئولية، وقبل ذلك وبعده إخلاص لله -تعالى-؛ ليوفقنا إلى الاجتهاد الصائب الذي يضع الحق في نصابه. وقال حاتم: إننا ما زلنا نحتاج إلى الكثير والكثير من الوقت لاستخراج ما عندنا من الكفايات والطاقات وزيادة الإمكانيات، وتوظيفها في أماكنها المناسبة، وحسن الاستفادة منها.
وأضاف: علينا بعد ذلك أن نحذر من الفشل ما استطعنا؛ حتى لا تضيع منا فرصة الإصلاح الذي نتمناه، فيشمت فينا من يشمت، ويتعلل بفشلنا من يتعلل أمام من يحاول إعادة التجربة بعدنا. وأنهى رسالته إلى نواب الحزب قائلا: وعلى أي فستبقى لنا دعوتنا، نحافظ على حريتنا في ممارستها ونعمل من خلالها، فهي الأساس الذي بدأنا منه، ونبني عليه، ونضيف إليه، وما زلنا نتمسك به، بل ما عملنا بالسياسة وشاركنا فيها إلا لكوننا نتطلع إلى نجاح فيها يكون رافدًا من روافد هذه الدعوة، يقويها، ويحولها من دعوة عملت فيما مضى لبناء الفرد المسلم إلى دعوة تعمل كذلك لبناء المجتمع المسلم بقدر المتاح على كتاب الله -تعالى-، وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-، وفهم سلفنا الصالح.