الأربعاء، 21 ديسمبر 2011

عادل عبدالمهدي: الاستبداد.. الديمقراطية المُبطَنة.. الديمقراطية الدستورية

مر العراق بظروف عصيبة من الاستبداد والتفرد.. ودفع الشيعة والسنة والكرد والتركمان والمسيحيون وغيرهم تضحيات كبيرة.. وعانت الاحزاب الاسلامية كالمجلس والدعوة والاسلامي والصدريين والعمل.. والكردية كالبارت واليكتي.. والقومية واليسارية كـ "البعثيين" المناهضين لصدام والشيوعي والقوميين وبقية التشكيلات العسكرية والمدنية، الكثير من الاجراءات التعسفية من تعذيب لانتزاع الاعترافات.. والتشهير بالاعلام وباساليب البراءة المهينة.. والاتهام بالتآمر حقيقة او بالشك والظنة.. وتطبيق الاحكام الجائرة بالسجن والاعدام عبر قضاء مسيس وخارجه. فالاستبداد والطائفية والعنصرية هي السياسة، و"الديمقراطية الموجهة" هي الديكور.
وبعد التغيير والاستفتاء لدستور يضمن الحقوق الخاصة والعامة وتوزيع السلطات والموارد والانتخابات، بقي المطبق فعلاً خليط من ماض لم يصفَ تماماً.. ومن مبانٍ لم تستكمل حسب الدستور. فتجاهلنا التوازنات الضرورية لعمل النظام، كمجلس الاتحاد وتوازن الاقاليم والمحافظات وتحديد صلاحية كل سلطة.. واخضعنا الدستور لتوافقاتنا الهشة واحياناً الشخصية وليس العكس، متحصنين بـ "ديمقراطية مبطنة". ليس "موجهة".. ولا "دستورية" ايضاً. فكثير من القرارات الاساسية تتخذ في الكتل على حدة.. وكأن لكل طرف (وليس كردستان فقط) برلمانه وسلطته وشعبه.. فاجتماعات وقرارات الباطن (وبدون استثناء احد) تجعل شرعيتها الخاصة فوق كل شيء.. لتبرهن مرات عديدة انها اعلى من الشرعية الدستورية.. وقادرة على تعطيلها.. والتكلم باسمها واسم الشعب.
تاسيس الاقليم حق. لكن ما يجري فعلاً اعتقاد البعض ان الاقاليم تؤسس كرد فعل ومجرد قرار يتخذه حزب او مجلس، بدون مشاورات جدية واستكمال اجراءات دستورية.. بينما يعتبر اخرون، ان من حقهم حجز الطريق بشرعيتهم الخاصة.. وليس بالوسائل القانونية. لذلك ازدادت الامور توتراً في الاسابيع والايام الاخيرة لدرجة تنذر بعواقب وخيمة. فالجمهور السني يشعر ان هناك اجراءات امنية وسياسات محددة واغتيالات تنال منه ويشعر بالخوف على حاضره ومستقبله.. لكن الجمهور الشيعي يشعر ايضاً بالخوف وبان هناك من يتلبس باغطية الدولة.. ويستغل الديمقراطية والحريات لمواصلة ارهابه وقتله الجماعي والعودة للماضي. والكرد والتركمان والمسيحيون وغيرهم ليسوا بمنأى عن هذه المخاوف. فاذا لم نعد لسياسات المصالحة، وقبول الاخر حسبما هو وليس وفق مقاساتنا، مع التمسك الصارم بالدستور لنا وعلينا، فستتضخم المخاوف. فان عبرت حاجز اللاعودة، فلن تنفع اغلى الاثمان لترميم ما نحطمه اليوم. وسنكرر اخطاء غيرنا ولن نتجاوز اخطائنا. وسنخذل الشعب والبلاد ومصالحنا مرة اخرى.