محتشمي: يجوز للشيعي التعبد بالمذاهب السنية
اجرى المقابلة مصطفى عاشور, عبد الله الطحاوي
محتشمي في حديثه لإسلام أون لاين
حجة الإسلام علي أكبر محتشمي(* )، وزير داخلية إيران الأسبق ومدير مكتب الإمام خوميني وأحد صناع الثورة الإيرانية، يحاول في هذا الحوار أن يعطي إجابات واضحة على أسئلة معقدة، لكن هل تملك تلك الإجابات أو غيرها سلطة وقف التداعي المذهبي الذي يلوح في أفق الأمة؟ وهل تكسر سرديات التطمينات حدة اليقين المغلق للمتعصبين في كل المذاهب؟! الرجل أجاب باقتضاب، هل هي عادة المسئولين الإيرانيين المتحفظين دوما؟، أم هي اللغة التي لا تسعفه، وعبء الترجمة من الفارسية إلى العربية؟.
سألنا محتشمي عما يحول دون التواصل المذهبي، وعن موقفه من الإساءات التي مست شخص ومكانة الشيخ القرضاوي، وسألناه عن تنظيمات آل البيت التي تمتد في الدول العربية السنية، وعن البلاغ المذهبي، والأهم عن جواز التعبد بالمذاهب السنية، فأجاب بالجواز، وأكد أن أئمة الثورة يقدرون السيدة عائشة، ومن بينهم السيد خامنئي، وقبلهم الإمام خوميني الذي أصدر فتوى بقتل سلمان رشدي لأنه مس شخص النبي وآل بيته.. انتهى الحوار وطويت الإجابات.. لكن هل سيبقى المشهد ملتهبا؟؟
وفيما يلي نص الحوار:
أسئلة حائرة
* كيف يرى سماحتكم العلاقة بين السنة والشيعة في العالم الإسلامي الآن، خصوصا بعد تصريحات الشيخ يوسف القرضاوي وردود الفعل من مرجعيات وجهات إيرانية؟
- قال تعالى (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّة وَاحِدَة وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) [الأنبياء: 92] وكل هذه المذاهب المنتشرة في العالم الإسلامي تنضوي تحت الأمة الإسلامية، وهذا خطاب شامل من الله إلى كل المذاهب والأعراق، حيث يعتبرهم الخطاب القرآني حركة وتيارا وفكرا واحدا؛ فأمتنا مكونة من هذه الأمم والاتجاهات، ولديها ألوان مختلفة لكنهم يشتركون في محور التوحيد.
ومحور التوحيد هو النبي الخاتم محمد صلي الله عليه وسلم والرسالة الإسلامية التي جاء بها والتي تتلخص في القرآن الكريم والسنة النبوية للنبي العظيم.
وعلى هذا فإنني أعتبر أن المسلمين يمكن أن يقع بعضهم في الخطأ، ولكن لا ينبغي تضخيم وتعميم وتكبير هذا الخطأ على كافة من يتبع هذه الفرقة أو هذا المذهب.
علي سبيل المثال أعرض لكم عندما ألف سلمان رشدي كتابه "الآيات الشيطانية" واتهم وأهان النبي الأكرم وأصحابه وزوجاته، وارتكب التكذيب بحق القرآن الكريم وهتك حرمته.
في تلك الظروف كان الصمت والسكوت يخيم على كثير من علماء الإسلام، وقد انبرى الإمام خوميني للدفاع عن السيدة عائشة وكذلك زوجات الرسول وصحابة الرسول وأصدر فتواه المشهورة بإعدام سلمان رشدي.
تذكر أن الدول الأوروبية صعدت المشكلة حيث استدعت سفراءها من الخارج، وقتها قال الإمام خوميني ردا على استدعاء السفراء: "نحن لسنا مسرورين بأن تكون لدينا علاقات مع الغرب وسفراء لدينا..."، وقال سماحة الإمام: "إن عالم الكفر إن أراد أن يواجه ديننا فإننا سنواجهه بكل قدرة ومتانة وسندمر دنياهم...".
اقرأ أيضا:
مفتي نيجيريا: نعاني من الشيعة والوهابية
مفتي نيجيريا: التصوف والتشيع اللقاء المستحيل
بشير الفيضي: التقريب خرج من المذهب إلى السياسة
الغنوشي: العصبية المذهبية دعوة للعلمانية
همام سعيد: التقريب بين السنة والشيعة لن يتحقق
هذا نموذج من فكر وتصرف علماء الإسلام تجاه القضايا، وأنا أعتقد أن جميع أهل الإسلام من السنة والشيعة سيكونون هكذا.
النقطة الأخرى، ودعني أتساءل: هل من الصحيح أن يبادر البعض إلى تبليغ هذا المذهب ليستقطب السني ليجعله شيعيا، أو أن يستقطب الشيعي ليجعله سنيا.. هذا غير صحيح، ولا أعتقد أن هذا التيار هو الغالب بين علمائنا الشيعة، فالإمام خوميني وكذلك خليفته لم يكونوا موافقين على القيام بهذه الحركة ويعتقدون أن تكريس وتقوية الوحدة الإسلامية على صعيد العالم الإسلامي هي الأهم من كل شيء.
وبشأن المؤامرات التي يقوم بها الأعداء للتفريق بين أفراد الأمة: فللأمر تاريخ منذ كان نظام الشاه يقوم ببعض التحركات التي تهدف إلى زرع بذور الفرقة وتكريس النزاع بين الفرق والمذاهب المختلفة في داخل إيران وفي خارجها، لكي يتقوى هو، وهؤلاء يصيبهم الضعف.
على سبيل المثال كان لدينا في إيران البهائيون، وفي مقابل ذلك كان هناك الجماعة الحجاتية الذين ينتظرون الحجة ويسعون إلى مجيء الحجة.. كان الشاه يقوي هذا التيار في مقاومة التيار الآخر، وكان السافاك (المخابرات الإيرانية في عهد الشاه) يقويهم ويعطيهم الأموال على حساب الطرف الآخر، وكان يحاول نظام الشاه تأليب السنة والشيعة بعضهم على بعض، ومنذ أن انتصرت الثورة الإسلامية انتهت هذه الجهود على صعيد إيران وخارج إيران وأخذت هذه الأمور تتجه نحو التوحيد والوحدة.
وأنا على ثقة أن العلامة الشيخ القرضاوي لديه اتجاه ورؤية ثاقبة في هذا الأمر، ويدرك الأفكار التي تحيط بنا من قبل الكفار والمنافقين والصهاينة وتهدد العالم الإسلامي، مما يجعله يفكر في إقامة مظلات وحدوية مثل مؤسسة القدس لجميع الأمم والمذاهب الإسلامية لتكون مظلة لتحرير القدس بتوحيد القوى، توحيد الأديان وكذلك توحيد الأمة الإسلامية.
* لسماحتكم تاريخ في صناعة الثورة الإيرانية، وكنت قريبا من الإمام خوميني، ولك حيثياتك السياسية كوزير داخلية سابق، وإجابتك عن بعض المشكلات التي تثور في العالم السني في قبالة المذهب الشيعي ربما تسهم في تخفيض حدة الحرج المذهبي.. والجمهور السني يحتاج إلى إجابات واضحة، من هذه المشكلات مشكلة سب الصحابة، كذلك سياسة التشييع المنظم، والمسألة الثالثة مسألة ما يتعلق بالمصحف الشريف وما يقال عنه؟؟.
- هذه الأشياء التي طرحتموها طرحها بهذا الشكل ليس صحيحا، كتب الروايات عندنا ليست ككتب الرواية لديكم، ففيها روايات صحيحة ودقيقة، وفيها روايات غير صحيحة وسقيمة وضعيفة، وفي كتب الصحاح عندكم صدق، وتوجد بها رواية صحيحة ورواية ضعيفة، وأنتم أيضا لا تقبلون بهذه الروايات الضعيفة؛ على هذا الأساس لا ينبغي أن نتمسك برواية ضعيفة رواها إنسان ضعيف وذلك من حيث الأمانة، مثال ذلك: تعتقدون أن بعض المذاهب أقرب إلى التشيع مثل مذهب الشافعية، وبقية المذاهب لا تقبل ببعض الروايات التي يرويها الشافعية، كذا أهل الشيعة فبعض علمائنا يرى بعض العلماء منا أيضا غلاة ولا يوافقونهم فيما يرون أو يقولون.
فالشيعة ليسوا كلهم سواء وليسوا كلهم مذهبا واحدا متشابها، وأهل السنة ليسوا مذهبا واحدا، هناك اختلاف في الرؤية ووجهات النظر في داخل السنة وفي داخل الشيعة أيضا، لا يمكن أن نتهم المذاهب في وجود وجهات نظر مختلفة فيما بينها.
* ما رأيك -بشكل شخصي- في مسألة سب الصحابة؟
- أنا ضد سب أي شخص، فما بالكم بسب أحد من الصحابة، فأنا أحرم ذلك.
* الإمام شلتوت رحمه الله كان قد أفتى بجواز التعبد بالمذهب الجعفري، فهل لديكم مثل هذه الاتجاهات نحو الاعتراف التعبدي بالمذاهب الأخرى؟.. حدثنا عن جهود التقريب من قبل الشيعة لاسيما في ضوء ما طرحنا من تساؤلات؟.
- أعلى مرجع ديني عندنا في إيران هو مقام القائد، وهو السيد خامنئي، في صلاة الجمعة وصف الإمام خامنئي السيدة عائشة بأنها أم المؤمنين حتى إن بعض المستمعين أخذ ذلك على الشيخ خامنئي، المرجعيات العليا هي تقول القول الفصل، وهو يقول إن السيدة عائشة هي أم المسلمين، ولا يحق لأي شخص أن يهين أم المؤمنين، لأن من أهان أم المؤمنين عائشة يصدر عليه حكم بالإعدام، ماذا يفعلون بعد ذلك؟
* هل تبيح في رأيك التعبد بجميع المذاهب السنية مثل الشافعية والمالكية؟
- من وصل إلى قناعة أن هذا المذهب هو تحت مظلة الإسلام، يؤمن به ويشتغل به فإنه مباح، ويجوز له العمل به سواء أكان شافعيا مالكيا أم حنبليا أم حنفيا أم جعفريا زيديا.. كل هؤلاء مسلمون، وبعض علمائنا يقولون بأنه يجوز للمسلم أن يقلد عدة مراجع في عباداته، لا إشكال في ذلك.. الاختلاف بين مذاهب أهل السنة رحمة أم لا؟ كذلك الاختلاف بين مذاهب أهل الشيعة.
تقريب.. أم تعايش
* يرى البعض أن مسألة التقريب بين السنة والشيعة هي مسألة مستحيلة، ويطرحون بديلا عن ذلك مصطلح التعايش، فما رأيكم في ذلك؟
- في حالة اعتقاده بأن هذا الحكم هو الحكم الصحيح، يجوز له ذلك، وهذا رأي ممتاز وغير معروف.. التعايش أفضل من النزاع والعداء لكن لا أعتقد به أنا، وما كان يسعى له الإمام هو الوحدة بين المسلمين، والتقريب هو طريق الوحدة.
* ما هي الجهود التي قامت بها المراجع الشيعية من أجل التقريب؟
- أنا أعتقد أن الكثير من مراجع الشيعة يسيرون في طريق التقريب، لكن البعض يكتبون وجهات نظر وردود أفعال عما يرونه وعما يصل إليهم، وهذا الأمر كذلك عند علماء السنة يسيرون في طريق التقريب والتوحيد، وبعضهم أيضا من الذين يصدرون ردود أفعال.
* ما موقفكم من التصريحات التي مست الشيخ يوسف القرضاوي في الفترة الأخيرة من قبل إحدى الوكالات الإيرانية، وموقف النظام الإيراني والمرجعيات من هذه التصريحات؟.
- بداية، هي ليست وكالة أنباء حكومية رسمية، وهي موجودة في إيران وطرحت نفسها بشكل مفاجئ دون أن يكون لديها ترخيص، ولهم موقع على الإنترنت يقولون إنهم وكالة أنباء، وليس للحكومة أي إشراف عليهم.
من جهة أخرى بعض هذه الوكالات تورد وتنشر أمورا ومواضيع هي ضد الحكومة والقيادة والنظام، وضد حتى عقائد الشيعة، وعلى سبيل المثال: فقد كتبت إحدى وكالات الأنباء مؤخرا مواضيع ضد الإمام المهدي نفسه الذي تعتقد به الأمة الإسلامية في إيران، وهذه الوكالات لا تحظى بالتأييد من علمائنا ومراجعنا.. ومن المهم القول بأن شخصياتنا الحكومية والرسمية ليس منهم أي شخص واحد اقترف إهانة، واستنكروها، ويمكن حل الأمور جميعها بالحوار الجاد.
* هل ترى أن هذه الأوصاف ليست صحيحة بالشيخ يوسف القرضاوي خصوصا اتهامه بأنه على اتصال بالصهيونية؟
- إن من قال بهذه الأمور هو شخص محرض من قبل الصهاينة.
* هل تعتقد أن السياسة والعاملين عليها هم العائق أمام التقريب أم الفقهاء؟
- الساسة ليسوا معارضين للتقريب، بينما الساسة المعارضون للدين هم المعارضون للتقريب، وكذلك العلمانيون، لأن هؤلاء يرون قوة اتجاههم العلماني في إضعاف الاتجاهات الدينية.
* لكن أي تقريب ولأبي لؤلؤة قاتل أمير المؤمنين عمر مشهد ومزار في إيران!!
- هو أبو لؤلؤ، لا، أبو لؤلؤة.. وهو شخص كان يعيش في منطقة ساسان وكان درويشا، بخلاف من قتل عمر بن الخطاب، وأبو لؤلؤ كان يعيش في هذه المنطقة ودفن هناك قبل مائتي عام، ومثل هذه المزارات للشعراء والدراويش منتشرة في إيران.. بعض العلماء من الإنجليز في إيران -وطبعا تعرفون أن سياستهم "فرق تسـد"- جاءوا وأشاعوا بين الناس أن هذا قبر أبو لؤلؤة وليس أبو لؤلؤ، وبعد هذه الحوادث والأقوال التي قيلت ووقعت أصدر سماحة القائد أمرا رسميا وصارما بغلق هذا المزار.
إيران.. وشيعة العرب
* في العالم السني ظهرت جماعات شيعية تسمى تنظيمات آل البيت أو رعاة آل البيت، هل لتلك التنظيمات علاقة بإيران؟
- لا علاقة لنا بهم أصلا، وليس لدينا أحد في مصر متفق معنا أو يتبعنا.
* هل ترى من العلامات الصحية أن يرتبط الشيعة العرب بإيران كمرجعية دينية ومذهبية.. لماذا لا تتخلي إيران عن ذلك؟
- ينبغي للمسلم أن يكون متبعا لمذهب ما، وعلماء ذلك المذهب هم الذين يقررون ويكتبون أحكام هذه الأمور، فالذي يتبع المذهب المالكي، يجب أن يأخذ أحكام الصلاة والصيام والحج من عالم مالكي، أقرأ كتبه وأطبق الأحكام الشرعية.
أهل السنة الإيرانيين
* يقال إنه لا يوجد مساجد لأهل السنة في طهران، وأهل السنة يعاملون في إيران كأنهم مواطنون درجة ثانية، فما رأي سماحتكم في ذلك؟
- أينما يعيش أهل السنة في إيران فلهم كل متطلباتهم وحرياتهم الشخصية وكذلك دور عبادتهم والطعام الذي يأكلونه... الخ، حتى القضاء في تلك المنطقة يتبع مذهب الأكثرية فيها.. أما بالنسبة للمساجد، فإنه توجد مساجد لأهل السنة في طهران.. السنة لا يعترض أحد عليهم حتى الشيعة يذهبون إلى مساجد أهل السنة وكذلك يصلي السنة في مساجد أهل الشيعة.
* هل لأهل السنة حق الترشيح في الانتخابات؟
- دعني أقول توجد في بعض المناطق تكون الأكثرية فيها للشيعة، وبسبب تنافس المرشحين الشيعة، فإن المرشح السني هو الذي يفوز في تلك المنطقة، ويأتي ويدخل المجلس، وهناك نواب سنة في مجلس الشورى الإسلامي على الرغم من كونهم أقلية، مع العلم بأنه ليس من أهل السنة وزراء أو قيادات في إيران.............
(*) التعريف بحجة الإسلام المحتشمي:
علي أكبر المحتشمي، مولود سنة 1946، منذ عام 1961 دخلت الحوزة العلمية، وفي عام 1966 ذهبت إلى النجف وغادرت إلى باريس في عام 1978 مع الإمام، وكنت رئيسا لمكتب الإمام في باريس، وبعد ذلك عدت إلى إيران، وكنت سفيرا لإيران في سوريا لمدة أربع سنوات (1981- 1985) ثم عدت إلى إيران وكنت فيها وزيرا للداخلية لمدة أربع سنوات، ثم كنت عضوا في البرلمان الإسلامي في الدورة الثالثة والسادسة، ومنذ عام 1991 قمت بتأسيس مؤتمر تأييد ودعم الانتفاضة الفلسطينية، وبعد عشر سنوات وفي 2001 أقمنا الدورة الثانية للمؤتمر "مؤتمر دعم الانتفاضة"، وفي عام 2006 قمنا بإقامة الدورة الثالثة لهذا المؤتمر وأنا الأمين العام لهذا المؤتمر، وقبل سبع سنوات تأسست هذه المنظمة "مؤسسة القدس" وكنت عضوا في الهيئة التأسيسية فيها، وأنا نائب للشيخ القرضاوي في الهيئة التأسيسية فيها "نائب في هيئة الأمناء".