حسن فحص
الجمعة 1 كانون الثاني (يناير) 2010
اعلن زعيم تيار الخضر الإيراني مير حسين موسوي عن مبادرة من خمس نقاط لحل الازمة التي تواجهها إيران منذ الاعلان عن نتائج الانتخابات الرئاسية. اعلان موسوي تداعت معه احداث ووقائع تاريخية تقارب في ابعادها الابعاد التي ذهب لها موسوي في نقاطه الخمسة.
يروي المؤرخون ان المهدي ابن المنصور الخليفة العباسي الثالث وفي لحظة مراجعة محسوبة وفي محاولة لاستيعاب الحركة الاعتراضية للجماعة المؤيدة لآل البيت وابناء الامام علي بن ابي طالب، امر باستدعاء الامام موسى بن جعفر الكاظم الامام السابع لدى الشيعة الامامية.
وفي لعبة سياسية مدروسة كان الهدف منها التقليل من الدوافع الاعتراضية لدى البيت العلوي على السلطتين الاموية والعباسية واعتبارهما غاصبين للسلطة والخلافة، وكذلك تصغير اسباب الاختلاف إلى حدود الخلاف على ملكية قطعة من الارض اختلفت التفاسير حول طبيعة ملكيتها، فمنهم من اعتبرها – أي الشيعة - ارثا اعطاه الرسول لابنته فاطمة الزهراء، في حين استند الاخرون او اهل الجماعة على تفسير الحديث النبوي "نحن معشر الانبياء لا نورث وما تركناه صدقة" على اختلاف الرواية من اثبات للواو او اسقاط لها.
قدم المهدي عرضا للكاظم قد يراه البعض محاولة لحل الخلاف والنزاع بين البيتين العلوي والعباسي في تلك اللحظة، وقال للكاظم "اريد ان ارد عليكم فدكا"، غير ان رد الكاظم جاء مفاجئا حين قال له "بحدها وحدودها" فسأله: وما حدودها؟ فأجاب: إنّي إن حددّتها لم تردّها، فألحّ عليه المهدي، فحددّها الكاظم: الحدّ الأول: عدن إلى الجنوب. فتغيّر وجه المهدي، ثم قال: والحد الثاني: سمرقند إلى الشرق، فاربد وجهه، ثم قال: والحدّ الثالث: إفريقية إلى الغرب، فقال المهدي: والحدّ الرابع؟ قال: سيف بحر الخزر وأرمينية. عندها قال المهدي: لم يبق لنا شيء. فتحول إلى مجلسي. فكان جواب الكاظم: لقد أعلمتك بأنّي إن حدّدتها، لم تردّها.
وهو ايضا ما فهمه الرشيد بان ابناء علي بن ابي طالب يطالبون بالدولة والخلافة كلها، وان "فَدَك" باتت تعبيرا مجازيا عن الخلافة الاسلامية كلها، هذه الخلافة التي قال فيها الرشيد لولده المأمون "والله لو نازعتني هذا الأمر لأخذت الذي فيه عيناك". وبناء على موقف موسى الكاظم قام الرشيد بوضعه في السجن لاكثر من عشرين عاما الى ان توفي.
الدافع لهذا الاستحضار التاريخي ما صدر عن زعيم المعارضة الايرانية وتيار الخضر والرئيس المسلوب الاصوات في ايران مير حسين موسوي من مبادرة تتضمن نقاطا خمسة تشكل من وجهة نظره مخرجا مشرفا لحل ازمة التلاعب الذي حصل في نتائج الانتخابات الرئاسية في شهر يونيو / حزيران من العام الماضي 2009.
موسوي لم يتطرق في رسالته التي تضمن هذه النقاط الى موضوع نتائج الانتخابات، لكنه وضع حدودا خمسة لحل الازمة، تتلخص بالتالي :
1 – ان تعلن الحكومة مسؤوليتها المباشرة عن التقصير امام الشعب والبرلمان والسلطة القضائية بحيث لا تتلقى هذه الحكومة دعما غير معتاد لتغطية ضعفها وتقصيرها، وان تكون الحكومة مسوؤلة مباشرة عن اعطاء اجابات عن الازمات التي تسببت فيها للبلاد، واذا لم تكن الحكومة قادرة على تقديم اجابات للشعب والبرلمان واذا كانت عاجزة وغير كفؤ فان على البرلمان والسلطة القضائية التصدي لها في اطار الدستور.
2 – وضع قانون انتخابات شفاف يعزز الثقة، بحيث يساهم بإقناع الشعب بوجود منافسة حرة وعادلة وبلا خداع او تدخل، وعلى هذا القانون ان يضمن مشاركة كل الشعب بغض النظر عن اختلاف الاراء والافكار، وان يقطع الطريق امام التدخلات المزاجية والجهوية لمسؤولي النظام في كل المستويات، ويمكن هنا العودة الى تجربة السنوات الاولى للثورة في الانتخابات البرلمانية واعتمادها نموذجا لهذا الامر.
3 – اطلاق سراح السجناء السياسيين واعادة حيثيتهم وكرامتهم، وانني على يقين بان هذا الاجراء لن يفسر على انه دليل على ضعف النظام، ونحن نعرف ان تيارات سياسية وضيعة ستعارض هذا الحل.
4 – منح الصحافة ووسائل الاعلام الحرية ورفع الحظر عن الصحف الممنوع والسماح لها بالعودة للعمل، يشكل جزءاً من ضروريات هذا المسار، يجب التخلص من الخوف من حرية الصحافة، وهنا يجب التوقف عن التجارب العالمية في هذا المجال. توسيع القنوات الفضائية والوقوف على اهميتها وتأثير هذا النوع من الاعلام الحاسم وهو امر يكشف لنا فشل وعجز الاساليب القديمة التي تعاني منها مؤسسة الاذاعة والتلفزيون. ومن الممكن ان يكون التشويش والرقابة على الانتزنت مؤثرا بشكل مؤقتا، وان الحل الوحيد هو بان يكون لدينا وسائل اعلام متعددة ومتنوعة واعية وحرة داخل البلاد، الم يحن الوقت لاتخاذ خطوات جريئة مبنية على الثقة بالمفكرين والقوى الخلاقة في المجتمع وجذب انظارها المتعلقة بالجانب الاخر من العالم ودفعها بالعودة للاهتمام بما في الداخل من تطور وازدهار سياسي وثقافي واجتماعي؟
5 – الاعتراف بحق الشعب في اقامة التجمعات القانونية وتشكيل الاحزاب والتيارات تطبيقا للمادة 27 من الدستور. وان أي خطوة في هذا الاطار يمكن ان تتم من خلال التعاون بمشاركة جميع المهتمين بالبلاد، وهو امر باستطاعته نشر اجواء من الصداقة والمحبة الوطنية خلال الاشهر القادمة بديلا عن الاشتباك التي حدثت بين الشعب ومنظمة "البسيج" والقوى الامنية او الاشتباك بين ابناء الشعب.
في قراءة مبسطة لهذه النقاط الخمسة، يمكن القول ان موسوي لم يتخل عن مطالبه في اعادة النظر بنتائج الانتخابات والغائها او الدعوة لاجرائها من جديد، وهو المطلب المشترك الذي اجمعت عليه قيادة المعارضة الخضراء المتمثلة بمحمد خاتمي ومهدي كروبي و"حزب المشاركة" و"منظمة مجاهدي الثورة الاسلامية". بل اعاد ترتيب الاولويات على اساس من احتياجات المرحلة وبهدف سحب الذرائع من الطرف المقابل الذي استدعى كل ما في جعبته من اسلحة دينية وعسكرية وقمعية. وبالتالي فقد اسقط كل الحجج التي يتذرع وتذرع بها النظام منذ ستة اشهر باتهامه المعارضة برفض الحوار والتحاور وانها تنفذ اجندة خارجية للقضاء على النظام الاسلامي.
موسوي بهذه الخطوة دفع بالكثير من القيادات الايرانية التي تقف الى جانب النظام مراعاة للتاريخ ووحدة الصف، للاعلان عن تأييدها لهذه الخطوة والطلب من مرشد النظام التعاطي مع مبادرة موسوي بايجابية كأرضية لحل الخلاف والانتقال بالبلاد الى اجواء من الوحدة والانسجام ووقف موجة الاعتراضات، وهو ما عبر عنه القائد الاسبق للحرس الثوري وسكرتير مجتمع تشخيص مصلحة النظام "محسن رضائي" في الرسالة التي وجهها للمرشد خامنئي طالبه فيها التعاطي بايجابية مع مبادرة موسوي، في منحى يذكر بالمبادرة التي اطلقها الشيخ هاشمي رفسنجاني في اول واخر صلاة جمعة له بعد الانتخابات الرئاسية. وقد اشار رضائي الى امكانية استغلال الفرصة التي اتاحتها مبادرة موسوي بتغييب الحديث عن تشكيكه بنتائج الانتخابات، الامر الذي اعتبره رضائي اعترافا من موسوي بحكومة احمدي نجاد، ودعا المرشد للالتقاط المبادرة والبناء عليها والامر بفتح حوار ينتهي بعودة اجواء الوحدة الوطنية الى البلاد.
وقد وضع موسوي قيادة النظام من المرشد ومسؤولي الحرس الثوري والجهات التي تقف وراء نتائج الانتخابات وعمليات القمع الدموية التي شهدتها شوارع طهران والمدن الايرانية الاخرى امام تحدي الاستجابة لهذه المبادرة، وفي حال رفضت فان هؤلاء المسؤولين، وخاصة مرشد النظام فان عليهم مواجهة الصعوبات الكبيرة التي ستظهر في المستقبل وسيحلق بهم الندم على تفويتها وتفويت غير من الفرص السابقة، والتي لن يكون في قدرة القيادات الاصلاحية الحالية السيطرة على مساراتها وتوجيهها.
والذي هدف منه موسوي في مبادرته هذه، التأكيد لقيادة التيار المحافظ التي تدفع باتجاه التأزيم والمواجهة الدموية، ان الحركة الاصلاحية او تيار الخضر لا يحمل مشروعا انقلابيا ضد نظام الجمهورية الاسلامية في ايران، بل ما الهدف الذي يعملون من اجله هو اصلاح الخلل الذي طرأ على هذا المشروع وانحرف به من مشروع ديمقراطي يضمن الحريات والتعددية الحزبية والفكرية الى مشروع لاقامة حكومة دينية وولاية الهية الغائية لا تعترف بالاخر او بحقه في التعبير والمشاركة.
وبالتالي اعاد موسوي تركيز الاسس المحركة لتيار الحركة الخضراء وابتعادها عن التيارات العلمانية وحدد ايضا استراتيجية حركتها الاعتراضية بانها حركة:
1 – غير متعجلة للتغيير، وهي المرة الاولى في التاريخ السياسي والاجتماعي المعاصر لايران، يظهر ان حركة شعبية واصلاحية تبدو غير متعجلة للوصول الى اهدافها ولا تسعى وراء الفوضى والثورة والانقلاب على النظام، وهذا نابع من قدرتها على تحديد منطلقاتها ومسارها والى اين تريد الوصول.
2 – عدم وجود قيادة كارزماتية واحدة للحركة، فخاتمي وكروبي وموسوي يتمتعون بالقدر نفسه من التأثير ولا احد منهم يدعي قيادة الحركة.
3 – عدم وجود فصل حاد داخل الحركة الخضراء "ابيض واسود" على العكس من المعسكر المقابل "المحافظ"، ففيها متسع لكل الاطياف الفكرية والسياسية والاجتماعية التي تلتقي مع هذه الحركة في اهدافها وافكارها.
4 – لقد اثبتت الحركة الخضراء والاصلاحيين معها انها لا تخشى الوقوف بوجه النظام والتصدي للظلم وما تعتبره خرقا للدستور وحق المواطنة وحقوق الانسان، وقد برهنت الاشهر الستة الماضية هذا الامر وعدم قدرة الطرف الاخر التأثير عليها واخافتها.
5 – تعترف الحركة الاصلاحية بوجود تعددية في صفوفها وتسعى لتوظيف المشتركات لهذه التعددية لتصب في الاطار العام للحركة، ولا تنفي وجود متسلقين ومتقلبين، وهذا مرده عدم وجود ثقافة " القدسية او التقديس " لذلك فهي لا تعتمد على بناء تنظيمي او حزبي.
وفي حال التقط مرشد النظام هذه المبادرة، فلا بد ان تبدأ ورشة عمل واسعة لبحث ابعادها ومعالجة نتائج المرحلة السابقة والتي قد لا تقف عند الستة اشهر الماضية، بل تتعداه لتصل إلى كل المرحلة التي تلت وفاة المؤسس الامام الخميني.
الا ان هناك عوائق قد تعرقل او تمنع المرشد من الموافقة على هذه المبادرة، اذ ان كل الاجراءات التي طالت وتطال الصحف والصحفيين والناشطين السياسيين وعمليات القمع قد تمت بعلم منه وبموافقته، والموافقة على اعادة النظر بهذه الاجراءات بناء على مبادرة موسوي يعني اعترافا من المرشد بمسؤوليته عن هذه الاجراءات، فهل سيكون المرشد على استعداد للتنازل والقبول ليضع إيران على طريق الخروج من ازمة تطال وجود النظام، كما فعل موسوي، ام انه سيرفض ويشيح وجهه عن هذه الخطوة ؟ هذا ما ستجيب عليه الايام القادمة.