الثلاثاء، 11 يناير 2011

برنامج عملي للوحدة الوطنية

نحتاج لمعالجة التداخل المربك بين الديني والمجال العام

د. هشام جعفر
من الملاحظات الجديرة بالتأمل في الواقع المصري اليوم هو بروز ظاهرة ما أطلق عليه «فائض التدين» وأقصد بها ذلك التداخل المربك بين الديني وبين المجالات الأخرى ثقافية وسياسية واقتصادية.. إلخ.
ويعد المثل الأبرز لهذا التضخم هو ذلك التضخم في استخدام المفردات والرموز الدينية في المجال العام، وتمثل ظاهرة الفتاوى الدينية: مسيحية ومسلمة أحد أهم تجليات ذلك التضخم. بالإضافة لوجود مجموعة استقطابات حادة على أسس دينية، حيث لم تعد الهوية الدينية أحد دوائر الانتماء العديدة التي تثرى «الهوية المصرية» وترسم مجالها الحيوي، بل على العكس؛ أصبح الانتماء الديني نفيا للآخر في الوطن الواحد.
وقد أنتجت ظاهرة «فائض التدين» مجموعة من الظواهر الثقافية الخطيرة، منها:
1. الحساسية للاختلاف الديني والثقافي: بمعنى عدم الاعتراف بالاختلاف أو القبول به، ناهيك عن احترامه.
2. التمركز حول الذات الثقافية – الدينية: بمعنى الحكم على الآخرين وفق المعايير الثقافية التي تحولت إلى معايير ضيقة.
3. التمييز: التفرقة في المعاملة.
4. التحامل: تشكيل لرأي أو موقف شعوري دون سبب أو تفكير مسبق أو معرفة كافية.
5. النمطية والتعميم الثقافي – الديني: أي النظر إلى المسلمين والمسيحيين باعتبارهم كتلا مصمتة لا تحوى داخلها أي اختلاف أو تنوع.
هذا التحليل الثقافي يجعل قيمة التنوع أحد أهم قيم التنشئة في المجتمع المصري. فالتنوع في جوهره يعنى التسليم بالاختلاف، التسليم به واقعا لا يسع عاقلا إنكاره، والتسليم به حقا للمختلفين لا يسع أحد أو سلطة حرمانهم منه.
يجب أن يُعطى للتنوع مشروعيته في الثقافة المصرية السائدة، ويستلزم الاعتراف بهذه المشروعية التسليم بحق المختلفين في التعبير عن اختلافهم. فالتنوع في جوهره يعنى ثلاثة أشياء، هي:
1. الاعتراف بوجود تنوع في مجتمع ما.
2. احترام هذا التنوع وما يترتب عليه من اختلاف.
3. إيجاد صيغ ملائمة للتعبير عن ذلك بحرية، وبشكل يحول دون نشوب صراع يهدد سلامة المجتمع.
ولكن كيف يمكن أن نصل إلى تسهيل عملية التواصل بين الحدود الثقافية - الدينية تمهيدا للوصول إلى حالة التناغم الثقافي التي كانت سائدة في المجتمع المصري؟ وبرأيي أن السبيل للوصول لحالة التناغم الثقافي تلك علينا اعتماد برنامج يستدعي بفاعلية الآليات التالية:
1. الوعي: وهى النقطة التي ندرك عندها أن هناك ما هو إيجابي خارج نماذجنا الثقافية - الدينية.
2. الفهم: وهى النقطة التي ندرك فيها أهمية القيم الإيجابية الكائنة بثقافة الآخر، وندرك سبب وجودها.
3. القبول: عندما ندرك أنه ينبغي علينا السماح لأصحاب الثقافات الأخرى بأن يعيشوا كما يرغبون، وليس كما نرغب نحن.
4. التقدير: وهى النقطة التي نبدأ عندها رؤية القيمة الإيجابية في الأمور التي تقع خارج نماذجنا الثقافية - الدينية الخاصة.
5. التناغم الثقافي: عندما نبدأ في دمج خبراتنا مع مجموعة متنوعة من الخبرات الثقافية الموجودة في المجتمع.
وهذا يتطلب:
1. الانتقال بالديني إلى المدني، أي خلق مجال مدني مشترك يتحرك فيه الجميع مساهمين وفق نماذجهم الثقافية - الدينية في حل مشكلات مجتمع يعانى أزمات عدة متصاعدة.
2. استدماج قيمة التنوع في مجالات ثلاثة: التعليم - الخطاب الديني - التنشئة في الأسر المصرية.