فساد المجتمع لا يقل عن فساد الدولة
لا نتناول هنا النظام الاخلاقي رغم انه جزء من الكل، فما يهمنا فساد العلاقات الاجتماعية المنتجة للقيم المادية والمعنوية والمسلكية. فـ"النظام" هو قدرة انتاج العلاقات بتدوير نفسها او ارقى منها. والمجتمع المصاب بالفساد هو عندما يتعطل "نظام" انتاج القيم البناءة والمنافع المتنامية. والكلام كله كقاعدة وظاهرة وليس كمواطنين ومجموعات.
مجتمعنا –كأساس- يأخذ اكثر مما يعطي، مما ورثناه.. ومن ثروة نقف عليها.. فاصبحنا اسرى لها، تتوقف الحياة بدونها. اننا نستورد مقومات عيشنا. نظامنا –كقاعدة- هو صراع لتقاسم البترودولار.. فالاغنياء قلة تأخذ اكثر واكثر.. والفقراء اغلبية تنقصهم الوسيلة، وعند توفرها تضغط اتجاهات الفرهدة والتمرد.. بلادنا تتراجع، فاختزلنا طموحاتنا وسلوكياتنا بالتحزب العشائري والطائفي والقومي.. والتعيش غير المنتج.. والتوظف ولو بشهادات مزورة باختامها.. او بمقومات مؤسساتها، التي –كظاهرة- باتت "مزورة" بالمعاني القياسية والعلمية.
اصبحنا –بالتعريف- نظاماً قسرياً اتكالياً تبريرياً ينظم علاقاته بالقوة والغش والتهديد من جهة.. واللاانتاجية وعدم الثقة والتسقيط والتلون والخنوع من جهة اخرى.. نتكل على الدولة المالكة لكل شيء.. المستقوية على مجتمعها. تصنعه ولا يصنعها. فتراجعت –كاتجاه- مقومات السمعة والخبرة والنزاهة لتحل مكانها قلة الكفاءة وسوء الاداء ونقص الامانة.. فنمت عناصر الاحباط وفقدان الثقة والامل. عندها سيتم الفساد باسم القيم والشعارات الكبرى بما فيها الدينية والوطنية.
هل جف شريان الحياة؟ نعم، عند النظر للسطح.. ولكن العراق –بعمقه- يشق طريقه.. وان ظهور الاصلاح والقسط سيخترق الفساد والظلم والاحتكار.. فوعي عوامل الاخير هو جزء من تمهيد الاول. فالمرجعية.. والمصلحون.. والجمهور المنتفض.. ينبهون للمخاطر. فالامة ما زالت تنبض بالحياة، وطاقاتها البشرية والمادية المبعثرة المبددة هائلة.. وتراثها عظيم وهي سائرة قطعاً لاعادة بناء نظامها المنتج للقيم والمكاسب.
"النظام" يرتبط بالدوافع والحقوق. وعندما تمسك الدولة بكل الحقوق، تنعدم كل الدوافع الايجابية. فالدولة ضيقة، والمجتمع منفتح.. والدولة غير قابلة للقسمة، لذلك الاستفراد والمحاصصة والفساد.. والمجتمع مركب قابل للتنوع والتعدد، لذلك المنافسة والشفافية والجدوى والمساحة المتاحة للجميع.
الخطوة الاولى للاصلاح.. نزع الاحتكار واعادة الحقوق للشعب وتمكينه وتمليكه وحمايته. ليعود الاساس النشاط والتعلم والعمل والابداع، وليس مجرد العيش على بطاقة تموينية او رعاية اجتماعية او وظيفة مقنعة.. ليستعيد المجتمع والشعب دورهما.. ولتكون الدولة خادمة وراعية لنشاطاتهما. دولة المواطن.. وواجب المسؤول الوحيد خدمته.