الخميس، 19 يناير 2012

وليد جنبلاط: الشعوب العربيّة الثائرة لم تعد تقبل بالحزب الواحد والحاكم الأوحد

نظرية الممانعة صادرت آراء الشعوب

أدلى رئيس جبهة النضال الوطني وليد جنبلاط بموقفه الأسبوعي لجريدة "الأنباء" الصادرة عن الحزب التقدمي الاشتراكي مما جاء فيه:بعيداً عن الخطب الكلاميّة المطولة التي نظرّت لمفاهيم ومصطلحات مضى الزمن على القسم الأكبر منها، فإن ثورات الشعوب لها حيثياتها وظروفها الموضوعيّة، وهي حركة تتقدّم الى الأمام ولا تعود الى الوراء. الشعوب العربيّة الثائرة ترفض القمع والاستبداد والفساد،ولم تعد تقبل بالحزب الواحد والحاكم الأوحد، واللغة الخشبيّة التي إستُخدمت لسنوات بهدف السيطرة على الشعوب لم تعد تنطلي على الأحرار والثوار في كل البلدان العربيّة. كما أن المحاولات المستمرة لتسويق نظريّات الارهاب والمجموعات الارهابيّة المسلحة أيضاً لم تعد تقنع الشعوب الغاضبة. وإذا كان هناك من عصابات تُنعت بأنها إرهابيّة تستغل حالات الفوضى التي تثيرها الحلول الأمنيّة والقمعيّة التي يمارسها النظام في مواجهة المطالب السياسيّة والاجتماعيّة المشروعة، فذلك لا يلغي أن هناك شعوباً تريد تحقيق حريتها وديمقراطيتها وعزتها وكرامتها.
فمحمد بو عزيزي من بلدة سيدي بوزيد، مفجر الثورة التونسيّة لم يكن إرهابيّاً، والآلاف من التونسيين الذين نزلوا الى الشوارع لم يكونوا إرهابيين، إنما كانوا أحراراً يرفضون البقاء تحت نير الظلم والقمع والاستبداد الذي مثله حكم زين العابدين بن علي على مدى سنوات وقد إحتفلت تونس بالأمس بالذكرى السنوية الأولى لانتصار ثورتها.
وخالد يوسف مع الملايين من الشباب والأحرار في ميدان التحرير لم يكونوا إرهابيين، وهم أسقطوا نظام حسني مباركوذهبوا به الى المحكمة لينال عقابه بعد سنوات من القهر والفساد والمحسوبيّات. ونحن أيضاً على مشارف الاحتفال بالذكرى السنوية الأولى لثورة 25 يناير.
والمحامي فتحي تربل الذي رفع الصوت في قضية سجن أبو سليم الذي كان معتقلاً مورست فيه كل أشكال التنكيل والتعذيب والابادة وواجه القمع في بنغازي، وفي منتصف شباط المقبل تحل الذكرى الأولى لاسقاط نظام معمّر القذافي؛ فتربل والآلاف من الثوار الليبيين الذين إنتفضوا ضد إستبداد الحاكم وممارساته القمعيّة ونظرياته السخيفة، لم يكونوا إرهابيين.
كما أن توكل كرمان والملايين من المناضلين في ساحات اليمن وشارع الخمسين الذين خرجوا للمطالبة بالحرية والديمقراطيّة والتعددية لم يكونوا إرهابيين كذلك. والبحرينيون الذين تظاهروا في ساحة اللؤلؤة للمطالبة بحقوقهم السياسيّة المشروعة لم يكونوا إرهابيين أيضاً.
وإذا كان كل هؤلاء ليسوا إرهابيين، فمن الظلم إعتبار أطفال درعا وحمزة الخطيب وغيرهم بأنهم إرهابيون، ناهيك عن الذين يقبعون في السجون والمعتقلات والمفقودين وجميعهم ليسوا سوى طلاب حرية. أما عشرات الآلاف من المناضلين والمناضلات والمواطنين العزل نساءً وأطفالاً وشيوخاً الذين يواجهون سلمياً البطش والقمع بصدورهم العارية، فهم حتماً ليسوا من الارهابيين.
إن القبول بهذا المنطق المؤامراتي يقود الى الاستنتاج، على سبيل المثال لا الحصر، أن ثورة الشعب الأميركي ضد الاستبداد البريطاني كانت تنفيذاً لمؤامرة فرنسيّة، أو أن المقاومة الفرنسيّة بقيادة شارل ديغول من بريطانيا في مواجهة النازية كانت مؤامرة بريطانيّة، أو أن الاحتضان المصري والتونسي للثورة الجزائريّة كان مؤامرة مصرية وتونسيّة، أو أن إستقبال فرنسا للامام الخميني جعل من الثورة الاسلاميّة سنة 1979 تطبيقاً لخطة إنقلابيّة فرنسيّة. وهذا المنطق ذاته سوف يعني أن لينين كان متآمراً مع الألمان عندما إجتاز ألمانيا وإلتحق بالثورة الشيوعيّة سنة 1917! والاسترسال في هذا المجال يفضي الى تقديم أعداد لا تُحصى من الأمثلة التاريخيّة.
لذلك، فإن إطلاق العنان للمخيلات الخصبة وفقاً لهذا المنطق سيضع كل حركات تحرّر الشعوب المشروعة ومعظم الدعم الداخلي والخارجي لهذه الحركات في خانة المؤامرات، وهذا أمرٌ مرفوض جملة وتفصيلاً.
أما نظريّة الممانعة فكانت تمثل محاولة مستمرة لمصادرة آراء الشعوب العربيّة في التحرر والقرار المستقل خصوصاً في فلسطين، ويعود للشعب الفلسطيني وحده حق تقرير مصيره بعيداً عن مصالح بعض المحاور عربيّة كانت أم إقليميّة.
وبالمناسبة، ليس بهذه الطريقة التي عبّر عنها بعض المستشرقين في وزارة الخارجيّة الجزائريّة يُكافىء الشعب السوري، أو يُعبّر عن التراث الجزائري في الثورة والتحرر ولا تزال حاضرة ذكرى الأمير عبد القادر الجزائري الذي حمى الأبرياء في الشام وأهلها في منتصف القرن التاسع عشر من "الشبيحة" آنذاك.
لا شك أن إستمرار النزف في سوريا قد يؤدّي الى الانزلاق نحو الحرب الأهليّة التي ستكون نتائجها مدمرة، أو ربما تُتخذ خطوات للهروب الى الأمام تدفع الأمور نحو التفجير في ساحات أخرى بعواقب وخيمة تُخرج كل الأحداث عن السيطرة. لذلك، نكرر بأن التنفيذ الحرفي للمبادرة العربيّة بحذافيرها هو السبيل الوحيد للخروج من الأزمة وبناء سوريا جديدة معافاة، ديمقراطيّة، متنوعة، ومتعددة.
إننا نؤكد مجدداً على ضرورة أن تقوم الجمهورية الاسلاميّة بمبادرة ما تجاه الشعب السوري الذي وقف الى جانب الثورة الايرانيّة ضد نظام الشاه وفي مواجهة الهجوم الصدّامي في الثمانينات. كما أنه من الضروري لروسيا التي دعمت الشعب السوري في بناء سد الفرات وقدمت الآلاف من المنح الدراسيّة وساهمت في دعم سوريا عسكرياً وإنمائياً، أن تقوم بمبادرة سياسيّة مع الدول المعنية لاخراج سوريا من هذه الأزمة. فالبوارج، على أهميتها، ليست هي السبيل الأمثل للتعاطي مع هذه الأزمة الحادة، فأي عاقل لن يمتنع مستقبلاً عن تقديم التسهيلات لروسيا في ميناء اللاذقيّة أو سواه.
أخيراً، صحيحٌ أنني لم أطلب موعداً من السيّد حسن نصرالله، وربما كان من الأفضل تفادي تلك الهفوة الكلاميّة بعدم طلب موعد مستقبلاً خصوصاً أنني ناديتُ وسأبقى أنادي بالحوار بين اللبنانيين في كل الظروف والخروج من حالة القطيعة السياسيّة بينهم؛ إلا أن ذلك لا يلغي تمسكنا بالمقاومة والوظيفة الدفاعيّة التي تؤدّيها في مواجهة العدو الاسرائيلي بما يتلاءم مع المصلحة الوطنيّة اللبنانيّة مع التأكيد على ضرورة التوصل توافقيّاً الى خطة دفاعيّة وطنيّة شاملة وعدم إستخدام السلاح في الداخل. ونحن نملك كل الحرص، مع المقاومة، للحفاظ على الاستقرار الداخلي والسلم الأهلي لا سيّما في ظل هذه اللحظة الإقليميّة الحساسة والحرجة. أما التباين الحاصل في قراءة تطورات الأزمة السوريّة فنتركه للحوار المباشر بعيداً عن التساجل الاعلامي.