الخميس، 19 يناير 2012

هل رأى أحدكم وطناً مخطوفاً

سعود المولى
بالأمس بحثت عنه في كل مكان، كانت أخباره يتناقلها الأثير في الهواء.. حتى إن التلفزيون الفلاني نفسه سأل عنه، إثر زيارة كريمة لوفد من حزب معيّن إلى قيادات مسيحية.. كما أن تلفزيون كذا تحدث عنه برفق وحنان إثر مقابلة أجراها مراسله مع أحد شيوخ السلفية في طرابلس..أما التلفزيون العلاني فقد استذكر وقفات موسى الصدر معه..فبكى وبكينا..وفي تلفزيون آخر كانت شهقات وزفرات مع المؤتمر الصحفي الأسبوعي لقائد محدد لا يفكر بالوطن إنما يبحث يومياً عن خياله...
ومع ذلك فقد بحثت عنه أنا..ولم أوفق..
قيل إن عشيرة بعلبكية (غير بيت المولى) اختطفته، وهي تطالب بفدية كبيرة تعويضاً عن منعها من زراعة الحشيشة.... ولكن لم يقولوا من سيدفع الفدية ولمن؟؟
وزعم البعض أن الخطف تم لأسباب سياسية ولكن لم تصل التحريات إلى تحديد مكان احتجازه: أهو في أنفاق الناعمة أم مع القاعدة في جرود عرسال أم في وادي خالد؟؟
وقيل إن راكبي موتورسيكلات انقضوا عليه في إحدى الصيدليات بضواحي بيروت بحثاً عن أدوية مخدرة.. فخدروه وما تركوه..ولم تعثر لهم السلطات على أثر..
وقيل إن إمرأة فقيرة خرجت من بيتها في عكار تبحث عن لقمة عيش لصغارها الستة فتاهت على الطريق وتعلقت برقبته ولم تتركه..ولا أحد يدري أين ذهبا واختفيا..
وقيل إن مواطناً في جرود جبيل أمسك بتلابيبه معتقداً أنه جابي كهرباء جاء يقبض ممن لا تصلهم كهرباء ولا ماء ولا طرقات.. فقتله ودفنه قرب مزار القديس شربل..
وقيل إن صاحب حانة في صور زعل من القوات الدولية التي لم تعد تشتري من عنده مشروبات كحولية.. فقام بتفجير دورية للقوات الدولية ثم خطفه لكي يضلل التحقيق ويتم اتهامه بالجريمة..
وقيل إنه لم يستطع أن يتكيف مع الغلاء وأن يغير عاداته الغذائية فقرر الاعتكاف حتى زوال الغمة..
وقيل إنه لم يستطع هضم عمليات بيع تراب الشواطئ ولا المتاجرة بمازوت الفقراء ولا شراهة ونزق سائقي الفانات... فركب فاناً وانتحر..
وقيل إنه سئم وعاف أكل الأغذية الفاسدة، ورؤية الأطفال ينهش السرطان ما تبقى من أعمارهم، ومصانع الأوبئة الشرعية وأعمدة الكهرباء الوطنية تنتشر في طول البلاد وعرضها ولا أحد يتنفس احتجاجاً حتى لا يصير مصنفاً في فئة أعداء المقاومة والتنمية والتحرير والاصلاح والتغيير...وما شاء الله من أسماء وعناوين..
وقيل إنه لم يستطع أن يفسر سر انتشار عيادات التجميل في كل مكان..حتى داخل المساجد والكنائس والجامعات والمدارس..
وقيل إنه شوهد يتمشى في مبنى إحدى كليات الجامعة اللبنانية فهاله ما رأى وسمع فانفجر ومات..
وقيل إنه رأى شخصاً يقتات من النفايات في بيروت المحروسة، ورأى طفلاً يموت على باب أحد المستشفيات في صيدا، ورأى شخصيات الوطن تدفع الملايين ليلة رأس السنة فقال: لاحول ولا قوة إلا.. وتوكل عليه وراح..
وقيل إن بعض نواب الأمة الأشاوس لم يرق لهم غنجه ودلعه عليهم فقرروا تغييره خصوصاً وأن عندهم أكثر من بديل!..
وقيل إن المحكمة الدولية الخاصة استدعته للشهادة وإنه خاف من اتهامه بالصهينة فذهب ولم يرجع..
وقيل إنه رفض أن يكون عنده رعايا لا يريدون أن يجدوه حتى لا تموت أحلامهم الصغيرة قبل الكبيرة..

مقتطفات من قصيدة للشاعر الشعبي العراقي عباس جيجان:

أنا شفت الوطن بالطيف جاني البارحة.
قلت له: ليش أنت من دون الدول صاحت عليك الصايحة.
وليش أنت من دون الدول أطفالك الحلوين بالدم سابحة.
وليش أنت من دون الدول بكل بيت عندك نايحه.
وليش أنت من دون الدول ناسك تصبح نازحة.
وليش أنت من دون الدول جيرانك تواقحه؟
وليش أنت من دون الدول أي ثور بالعالم قوي تركض عليه تناطحه.