الاثنين، 23 يناير 2012

إشكالية الدين والدولة: من مصر إلى تونس

سعود المولى
يوم الأربعاء 11/1، أصدر الأزهر بياناً تاريخياً عرضه على نحو 60 من الرموز والقيادات والشخصيات العامة التي وافقت عليه وشاركت في إعلانه وذلك "من أجل استعادة روح الثورة"... ومع أن الكثيرين شككوا وطرحوا الأسئلة حول مبدأ الزج بالأزهر في الموضوع السياسي ، إلا أن دعوة البيان إلى "التعاون بين شباب الثورة وبين ممثلي الشعب المنتخبين، لبناء مصر المستقبل"، قد أعطت البيان قيمة أدبية ومعنوية فائقة الأهمية. وقد ساهم البيان في ترطيب الجو العام المتشنج بين العلمانيين والدينيين رغم أنه لم يوقف حالة الاستقطاب العام بين التيارين في المجتمع المصري على ما رأى الكاتب والصحفي القدير فهمي هويدي في مقاله الأسبوعي في جريدة الشروق القاهرية.. وهو ذهب إلى حد انتقاد المثقفين الذين يدعون إلى عدم تدخل الدين في السياسة، لكنهم يسكتون على الوجه الآخر الأكثر أهمية، والذي يتمثل في تدخل السياسة في الدين، بما يؤدى إلى توظيفه لخدمة الأهواء السياسية. وحجة فهمي هويدي أن الفصل بين الدين والسياسة هو فصل نظري حتى في التطبيقات الغربية والعلمانية التي ينطبق عليها معنى التوظيف السياسي للدين، وهو أوضح ما يكون في الولايات المتحدة وإسرائيل على سبيل المثال.
بيان الأزهر ونتائج الانتخابات البرلمانية التي جاءت بنسبة عالية جداً لصالح الإخوان المسلمين (47%) ثم السلفيين (23%) أعادا طرح مسألة الدستور واللجنة المكلفة بصياغته لجهة إطار عملها وحدود صلاحياتها.. ومن يتابع السجالات المصرية الحادة والاتهامات والتشكيك المتبادل يقتنع بأن الوفاق الوطني المنشود لم يتحقق بعد سنة على نجاح الثورة.. ويبدو أن القوى السياسية المصرية ما تزال عاجزة عن صياغة مشتركات وتفاهمات وتوافقات استراتيجية تسمح لها بالتقدم صوب المستقبل وذلك على عكس التجربة التونسية التي خطت ومنذ اليوم الأول خطوة تاريخية هائلة من حيث مراعاة تحــقيق التوافق بين القوى السياسية الرئيسية التي جاءت بها صناديق الاقتراع... وهنا لا بد من أن نسجل للشيخ راشد الغنوشي ولحركة النهضة نجاحهم ومنذ سنوات المنفى والتشرد والمعتقلات والنضال الثوري، في إدارة الحوار الوطني المثمر والشفاف مع كل الفئات الوطنية من علمانية وماركسية وقومية وفي بلورة الحد الأدنى المشترك المتوافق عليه حول العلاقة بين الدين والدولة..
لقد ابرزت التجربة التونسية وجود ثلاثة تحديات تواجه العرب في تطلعهم إلى انجاز تغيير ديموقراطي حقيقي وتأسيس علاقة سليمة بين الدين والدولة: 1- استبداد السلطة ومن مظاهره إخضاع الدين للإرادة السياسية للنظام القائم وتوظيفه (مثال الأنظمة العربية). 2- الاستبداد باسم الدين الناجم عن قراءة أحادية مغالبة للإسلام، والذي يؤدي إلى التدخل بالقوة في حياة المواطنين الخاصة، وإلى النيل من حقوقهم وحرياتهم الأساسية ومن المبادئ الديموقراطي، وهذا ما يخشاه العلمانيون من صعود الاسلاميين. 3- الاستبداد باسم الحداثة الذي يعمل على إلغاء الدين من الحياة العامة بوسائل قهرية من داخل أجهزة الدولة وخارجها ويدفع نحو التصادم بين الدولة والدين وهو تصور لا يؤدى إلى إدامة الاستبداد القائم ودعم انتهاك الحريات وحقوق الإنسان وتعطيل المشروع الديموقراطي.
وقد أنتجت التجربة التونسية هذه توافقاً على بناء الدولة المدنية التي سبق أن اقترحها محمد مهدي شمس الدين في لبنان وحسن الترابي في السودان ومحمد الغزالي في مصر وطبقتها تجربة العدالة والتنمية في تركيا والمغرب ومحنة التيار الإصلاحي في ايران.. وهي تقوم على مبادئ الجمهورية وحقوق الإنسان وتستمد مشروعيتها من إرادة الشعب الذي يتولى في إطار هذه المبادئ إنتخاب مؤسسات الحكم بشكل دوري ومحاسبتها وحيث يخضع فيها الحاكم والمحكوم للقوانين والقواعد التي تسنها المؤسسات الدستورية المنتخبة مع ضمان حق كل طرف في استلهام مقترحاته وبرامجه في كل المجالات من مرجعيته الفكرية الخاصة.