الشيخ المنتظري ومسالة طول عمر الامام المهدي
يمكن البحث حول طول عمر الامام الحجة ( عج ) في مجالين : الأول : الامكان الذاتي لطول عمره . الثاني : اثبات وقوع ذلك . اما بالنسبة إلى الامكان الذاتي فأنت تخلط بين الممكن الذي يندر وقوعه ، والمستحيل الذي لا يمكن وقوعه ، فهناك أشياء مستحيلة من قبيل اجتماع النقيضين أو الضدين في محل واحد ، وهذه لا تتعلق إرادة الله بها أبدا ، واما طول عمر الانسان فهو غير مستحيل ، الا انه معلول لشروط مخصوصة يندر توفرها . ان نظام الوجود قائم على العلية والمعلولية ، وان حياة الانسان الطبيعية و المادية في هذا العالم متوقفة على كفاءة الأعضاء والأعصاب وصحة أجهزة الجسم ، وتوفر الشروط من قبيل الماء والطعام والأوكسجين وعدم التعرض للحوادث والموانع ، وتحقق هذه الأمور يختلف بالنسبة إلى الافراد اختلافا ‹ صفحة 175 › كبيرا ، فخلايا الجسم في حالة تبدل وتجدد مستمر ، وما دام الماء والطعام و الهواء موجودا ، وأمكن للجسم تحليلها والاستفادة منها ولم يتعرض الانسان للحوادث يكون الجسم سليما والروح متعلقة به ، وهو خاضع لاشرافها و على قيد الحياة ، ولا يبعد عن قدرة الله ان يوفر لفرد بخصوصه امكانية البقاء على قيد الحياة لآلاف السنين . فمثلا نور المصباح معلول للطاقة المودعة فيه ، فلو كانت تلك الطاقة دائمة و لم يحدث مانع ، سيصدر النور من المصباح بشكل دائم ، فلا يمكن ان تكون العلة التامة باقية ، وفي الوقت نفسه ينعدم معلولها . قال تعالى بشأن نوح ( عليه السلام ) ( فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما ) ، ( 1 ) كما أثبت سفر التكوين من التوراة أعمارا طويلة لآدم وشيث وأنوش ونوح و إدريس وكثيرا من الأنبياء وغيرهم . كما ذكر التاريخ كثيرا من المعمرين الذين تجاوزت أعمارهم المستوى الطبيعي لعمر الانسان ، حتى أفرد المجلسي ( قدس سره ) بابا مستقلا للمعمرين في العالم في الجزء الحادي والخمسين من بحار الأنوار . مضافا إلى ما تقدم يمكن اثبات حياة الامام المهدي ( عج ) وطول عمره من أربعة طرق أخرى أيضا : 1 - مفاد حديث الثقلين المتقدم ، حيث قال : " لن يفترقا حتى يردا علي الحوض " ، فقد صرح فيه بعدم الافتراق بين القرآن الكريم والعترة الطاهرة إلى يوم القيامة ، فما دام القرآن بين الناس فالعترة موجودة بينهم ، وليس في عصر الغيبة من العترة سوى الامام المهدي المنتظر ( عج ) . ‹ صفحة 176 › 2 - تواترت الروايات من كتب الفريقين عن الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، في حصر عدد الحجج أو الأمراء أو النقباء أو الخلفاء أو الأوصياء بإثني عشر شخصا ، وجاء في أكثر هذه الروايات عبارة : " لا يزال . . . وما دام الدين قائما " مما يدل على وجود الأئمة الاثني عشر بوجود الدين الاسلامي والأمة الاسلامية ، كما جاء في أكثرها أنهم بأجمعهم من قريش . ( 1 ) ذكرت كثير من روايات العامة بقول مطلق أن خلفاء النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أو أوصياءه أو نقباءه اثنى عشر شخصا ، ولا يمكن تطبيق هذا العدد على خلفاء بني أمية أو بني العباس ؛ لأن عددهم اما دون الاثني عشر أو يتجاوزها ، هذا أولا . وثانيا : يشترط فيمن يخلف رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ويكون حجة ان يكون معصوما ، إذ ليس بامكان غير المعصوم ان يكون حجة على الآخرين بشكل مطلق ، كما ان الخلافة تقتضي من الخليفة ان يكون متناسبا مع من يخلفه ولا يتناسب مع النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) الا المعصوم . واما روايات الشيعة وبعض العامة فقد ذكرت أسماء الأئمة الاثني عشر و صفاتهم ابتداء من الامام علي ( عليه السلام ) إلى الامام المهدي ( عج ) . ( 2 ) ‹ صفحة 177 › كما صرحت الروايات المتواترة عن الفريقين بأن المهدي ( عج ) من صلب الامام الحسين ( عليه السلام ) وانه ولده التاسع ، وانه ابن الامام الحسن العسكري ( عليه السلام ) . ( 1 ) ومن جهة أخرى وردت من طرق الشيعة روايات ترى عدم خلو الأرض من حجة الله والامام أبدا . ( 2 ) وهذا ما يقتضيه الدليل العقلي الذي تقدمت الإشارة اليه أيضا . وعليه يستفاد من الجمع بين هاتين الطائفتين من الروايات ان حجة الله و امام العصر هو الامام المهدي ( عج ) وانه على قيد الحياة . 3 - يستفاد من اطلاق أو عموم الحديث القائل : " من مات ولم يعرف امام زمانه مات ميتة جاهلية " إن هناك إماما بحق في كل عصر ، تؤدي عدم معرفته إلى موت الإنسان ميتة جاهلية ، ولا يمكن ان يكون ذلك الامام الا المعصوم الذي هو تالي تلو الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وفي درجته المعنوية ؛ لأن الذي تؤدي عدم معرفته إلى الموت بميتة جاهلية ليس الا الانسان الكامل والامام المعصوم من الذنوب والأخطاء ، وقد نقلت هذه الرواية من طرق الفريقين . ( 3 ) 4 - تواترت الروايات عن أهل بيت العصمة ( عليهم السلام ) بغيبة الثاني عشر و ‹ صفحة 178 › ولادته ، حتى أن بعض الرواة وهو الفضل بن شاذان ألف كتابا في غيبته قبل ولادته . فمع كل هذه الروايات المتواترة بنحو التواتر الاجمالي في كتب الفريقين عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، والأئمة المعصومين ( عليهم السلام ) في مواطن مختلفة وبعبارات شتى ، حول الامام المهدي ( عج ) واسمه وصفته ، وظهوره في آخر الزمان ، لا يعود بالامكان انكار هذه المسألة القطعية ، ورفع اليد عن كل هذه الروايات لمجرد استبعاد طول عمره ( عج ) .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
‹ هامش ص 175 › 1 - العنكبوت ( 29 ) : 14 ‹ هامش ص 176 › 1 - من قبيل : مسند الطيالسي ، ج 3 ، ص 105 وج 6 ، ص 108 ؛ الفتن ، ج 1 ، ص 39 ؛ مسند احمد ، ج 5 ، ص 78 و 93 و 106 ؛ المعجم الكبير ، ج 2 ، ص 258 ؛ صحيح البخاري ، ج 4 ، كتاب الاحكام ، ص 248 ؛ صحيح مسلم ، ج 3 ، ص 1452 ؛ كتاب الامارة ، كنز العمال ، ج 12 ، ص 32 2 - من قبيل : كفاية الأثر ، ص 87 ، بحار الأنوار ، ج 36 ، ص 315 ، وج 51 ، ص 71 ؛ فرائد السمطين ، ج 2 ، ص 312 ؛ كمال الدين ، ج 1 ، ص 280 ؛ ينابيع المودة ، ص 447 ‹ هامش ص 177 › 1 - من قبيل : أربعين أبي الفوارس ، ص 38 ، ينابيع المودة ، ص 160 ، و 440 و 442 ، فرائد السمطين ، ج 2 ، ص 132 و 133 و 136 و 337 2 - الكافي ، ج 1 ، ص 178 و 179 3 - منها : مسند احمد بن حنبل ، ج 4 ، ص 96 ؛ المعجم الكبير للطبراني ، ج 19 ، ص 388 ؛ حلية الأولياء ، لأبي نعيم ، ج 3 ، ص 224 ؛ مجمع الزوائد ، للهيثمي ، ج 5 ، ص 218 ؛ كنز العمال ، ج 1 ، ص 103
. . . . . . . . . . . . . . . . .
المصدر: من المبدأ إلى المعاد في حوار بين طالبين - الشيخ المنتظري - ص 174 - 178