عبد العلي حامي الدين
صباح يوم الجمعة المنصرم أكمل المعتقلون السياسيون على خلفية ما سمي بملف بليرج سنتان داخل القضبان، سنتان مضت قبل أن يعانق الحرية أول معتقل في هذه القضية حميد نجيبي عضو المجلس الوطني للحزب الاشتراكي الموحد في الوقت الذي يقبع داخل السجن المحلي بسلا مجموعة من خيرة أبناء هذا الوطن أعرف منهم شخصيا الإخوة: المصطفى المعتصم الأمين العام لحزب البديل الحضاري المنحل، ونائبه محمد الأمين الركالة الناطق الرسمي باسم الحزب، ومحمد المرواني الأمين العام لحزب الأمة الغير معترف به، وماء العينين العبادلة عضو المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية، وعبد الحفيظ السريتي مراسل قناة المنار اللبنانية..
استقبلنا المناضل حميد نجيبي بكثير من مشاعر الفرح والبهجة، لكن بكثير من الحزن والألم والغضب على مصير الإخوة الآخرين...
استرجعت بعض الذكريات التي جمعتني بباقي المعتقلين السياسيين الخمسة، ندوات، نقاشات، وقفات نضالية، اجتماعات جمعوية... تذكرت الأستاذ محمد الأمين الركالة ونحن نتوجه معا للمشاركة في ندوة فكرية بمدينة آسفي في إحدى ليالي رمضان بدعوة من إحدى الجمعيات المحلية...اضطررنا أن نركب سيارة أجرة من مدينة مراكش إلى آسفي حتى نكون في الموعد المحدد، بعدما تأخر بنا القطار ولم نجد حافلة تقلنا من مراكش...
تذكرت دفاعه المستميت عن مفاهيم الديموقراطية والحرية والتعددية وعن ضرورة التنسيق بين جميع الديموقراطيين في البلد..وعن الآمال التي كان يتطلع إليها من وراء مبادرة القطب الديموقراطي...
تذكرت الأستاذ المصطفى المعتصم، تذكرت غيرته الوطنية ومزاجه الصعب، تذكرت البعد الإنساني في شخصيته عندما كنت أبحث عن منزل للكراء، فاقترح علي منزلا لأحد أقربائه بحي أكدال بالرباط وعمل كل ما في وسعه لمساعدتي...
تذكرت الآمال التي ظل يعلقها على العهد الجديد بعد ولاية محمد السادس، وتذكرت نضاله المستميت من أجل تأسيس حزب البديل الحضاري...
قرأت البارحة حوارا مؤثرا لابنته سمية في هذه الجريدة، وهي تتحدث عن أبيها بالكثير من الفخر والاعتزاز والشجاعة، تأثرت كثيرا وأنا أقرأ فقرة من رسالتها وهي تخاطب أباها قائلة له:"ننتظرك يا أبي، فمهما طالت ظلمة الليل لابد أن تنجلي وشمس الحق ستشرق لا محالة..أنت مصدر فخري واعتزازي وأنت النجم الذي ينير دربي ..فبنضالك أنال حريتي وبصمودك تتقوى عزيمتي وبشجاعتك أرفع هامتي..ولا تنس أن ذاك الشبل من ذاك الأسد، فشعارك شعاري:"نموت نموت ويحيا الوطن"...
تذكرت الأستاذ محمد المرواني الذي جمعتني وإياه مقهى الحصبة عدة مرات بشارع فرنسا بأكدال، وهي مقهى قريبة من محل عمله ومن محل سكناي، جمعتنا نقاشات فكرية وسياسية ممتعة..كانت قناعاته بالديموقراطية قناعات راسخة وأفكاره أفكارا معتدلة..كان يقدم بعض الملاحظات النقدية حول العدالة والتنمية بالكثير من اللطف، كان يقول لي مبتسما: "رغم اختلافي معكم فعندما تطرحون سؤالا جيدا في البرلمان، فإن بعض المواطنين يتصلون بي لتهنئتي ظنا منهم أني من العدالة والتنمية..فلا أجد بدا من مبادلتهم التهنئة " ثم يضحك..
تذكرت الأخ عبد الحفيظ السريتي الذي أعرفه منذ سنوات النضال الطلابي، رجل هادئ، نظراته البعيدة تخفي وراءها براءة الأطفال، ولعه بالصحافة وموهبته الإعلامية دفعته ليكون مراسلا ناجحا لقناة المنار اللبنانية، عمله الإعلامي تميز بالكثير من المهنية والالتزام، علاقاته بزملائه مبنية على الاحترام والتقدير، آمن بعمله المهني ووهب كل وقته لخدمة رسالته الإعلامية...
تذكرت الأخ العبادلة ماء العينين، آه من العبادلة، الأديب والشاعر وصاحب الإحساس المرهف.. لم أر في الحزب الذي أنتمي إليه رجلا أكثر منه حياء..ابن كلميم باب الصحراء الذي عشق النضال السياسي والمدني منذ صغره..
أحب وطنه ودافع عن مغربية الصحراء بكل ما أوتي من حكمة وقوة، في أوساط صحراوية تخترقها أفكار انفصالية لم تعد خافية على أحد، ترأس اللجنة المكلفة بمتابعة ملف الصحراء المغربية داخل حزب العدالة والتنمية بكثير من الاقتدار...
عجل الله بإطلاق سراحكم أيها الأخيار....
كثيرا ما يسألني بعض المهتمين : ما السر وراء اعتقال المرواني والمعتصم والأمين والسريتي والعبادلة ..والآخرون؟ فأعجز بصدق عن الإجابة، وأقول: اسألوا من كان وراء اعتقالهم؟
لكن، منذ البداية ظهر بأن الأجهزة الأمنية هي صاحبة اليد الطولى في ملف المعتقلين السياسيين الستة، بحيث خرج وزير الداخلية السابق بتصريحات تضمنت إدانة مسبقة للمعتقلين الستة..
وفي الوقت الذي كان فيه الملف بيد الضابطة القضائية، قام نفس الوزير بعقد ندوة صحافية للترويج لمعطيات البحث التمهيدي التي ينبغي أن تحاط بالسرية، والتي لاحق له في الاطلاع عليها لأن مجريات البحث التمهيدي تخضع لسلطة النيابة العامة، ولكنه بهذا السلوك يعبر عن المكانة التي تحتلها الأجهزة في ظل الوضع السياسي الراهن، وقدرتها على توجيه باقي المؤسسات..
لقد أحاطت بهذا الملف مجموعة من التجاوزات القانونية الخطيرة منذ البداية ، بحيث أصدر الوزير الأول مرسوما يقضي بحل حزب البديل الحضاري بناء على تفسير تعسفي لقانون الأحزاب، وذلك قبل صدور حكم القضاء وقبل إدانة المتهمين، بل إن قرار الوزير الأول تضمن حكما "قضائيا سريعا" حينما استند على ما أسماه" ثبوت العلاقة بين الشبكة وتأسيس حزب البديل الحضاري"! وهي سابقة في تاريخ المغرب لم تحدث حتى في الوقت الذي كان فيه مسؤولون من حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية يتابعون بتهمة التآمر على الملك، وصدرت فيهم أحكام بالإدانة وصلت إلى الإعدام في ظروف سياسية صعبة، ولم يتم إغلاق الحزب..
وتوالت التجاوزات برفض قاضي التحقيق تمكين دفاع المعتقلين من صورة من محاضر الملف ووثائقه، بينما تولت بعض الصحف المقربة من الأجهزة نشر مقاطع منها بطريقة "مخدومة" تتعارض مع ميثاق مهنة الصحافة وتمس بقرينة البراءة..
كما تم توظيف الإعلام العمومي للنيل من سمعة المعتقلين السياسيين الستة، بينما اكتفت الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري بتوجيه إنذار إلى القناة الأولى..
إن غياب المقاربة السياسية وتغول المقاربة الأمنية هو الذي سمح بأن يتخذ ملف المعتقلين السياسيين الستة المسار الذي اتخذه، فلو كانت الدولة تتوفر على عقول كبيرة لتم تغليب منطق الحكمة والتبصر، و لتم التعاطي مع هذا الملف بطريقة سياسية مسؤولة تجنب بلادنا معركة سياسية وحقوقية جديدة ، تبدو فيها الدولة قد تورطت في ملف يجعل الاعتقال السياسي ملفا مفتوحا إلى إشعار آخر...
يومية "أخبار اليوم المغربية"العدد:67-الثلاثاء 23 فبراير2010