السبت، 14 أغسطس 2010

بين آذار 1978 وتموز 2006

آذار 78 ربيع الكرامة

الساعة الرابعة فجر الثاني من آذار 1978 احتل العدو الصهيوني قرية مارون الرأس: دخلت قوات سعد حداد القرية معززة بدعم إسرائيلي ودون وجود أدنى مقاومة إذ أن مارون الرأس قرية في رأس جبل يسيطر على بنت جبيل ويطل على فلسطين المحتلة التي تبعد عنه مرمى حجر؛ وكانت بسبب حساسية موقعها الإستراتيجي هذا خالية من أي وجود عسكري لأن هذا كان قرار أهلها كما قرار المقاومة في بنت؛ جبيل ولأن التمركز فيها كان يعني تغيراً أساسياً في ميزان القوى العسكري في القطاع الأوسط لا بل في الجنوب كله. كان احتلال مارون الراس يعني سقوط بنت جبيل وكل المحور دون قتال. ولذا ركّز العدو قوات مطلة على بنت جبيل وعيناتا والمحاور المحيطة بها وباشر بالقصف والقنص.. وفي الواحدة إلا ربعاً ظهر نفس اليوم كانت قوات المقاومة (الكتيبة الطلابية بقيادة مروان كيالي وعلي أبو طوق) تشن هجوماً مضاداً مفاجئاً (إذ تم في وضح النهار وضد موقع إستراتيجي خطير). وبعد ساعتين كانت سرية كاملة من قوات العميل حداد تقع في أيدي المهاجمين تاركة وراءها جثث سبعة قتلى و4 آليات مدمرة و3 بحالة صالحة ، وتم نقل أكثر من عشرين بين قتيل وجريح الى مستشفيات العدو... وكما سبق القول فإن مارون الراس تحتل موقعاً حساساً على الصيعد العسكري له دور حاسم على أكثر من محور من محاور القطاع الأوسط وصولاً إلى تبنين، إضافة إلى نقل المواجهة الى التماس المباشر مع المستعمرات الإسرائيلية. وقد اتخذ أهالي مارون بداية حرب الجنوب (آب 76) موقفاً إجماعياً يقضي بتحييد البلدة. وحصلت اجتماعات متعددة مع ممثلي الأهالى (في بنت جبيل) أبدينا لهم خلالها حرصنا على مصير مارون وأهلها وانتهت هذه اللقاءات الى اتفاق (تموز 77) ينص على:
1- يجوز لأهالي مارون مقاومة أي طرف يأتي لإقامة مواقع عسكرية في بلدتهم.
2- يتحمل كل طرف من الأطراف بما فيهم أهالي القرية تبعة أي خرق لهذه الاتفاقية.
حين سيطرت المقاومة على القرية قمنا بالإتصال بالأهالي وطمأنتهم وكذلك جرى تأمين حوائجهم والمحافظة على أرواحهم وأرزاقهم وتقديم التسهيلات حتى لأولئك الذين كنا نعرف أنهم سهلوا دخول قوات سعد حداد .
أدى إحكام السيطرة على مارون بسرعة غير متوقعة ومباشرة عمليات التحصين والخندقة منذ اللحظة الاولى لجلاء المعركة (وبقيادة الشهداء علي أبو طوق وسعد أرزوني ومروان كيالي، وأبو وجيه العنداري، ونذير الاوبري) إلى انقلاب الموقف الاستراتيجي بالكامل.. وكانت القيادة المشتركة للمقاومة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية قد رفضت في البداية موقفنا القاضي بسرعة الرد واستعادة مارون الراس، إلا أننا نفذناه بالتنسيق التام مع الشهيد خليل الوزير (أبو جهاد) والإمام موسى الصدر، والإمام الشيخ محمد مهدي شمس الدين ، وقيادة الحزب القومي السوري (إنعام رعد) ومنظمة العمل الشيوعي (محسن ابراهيم) وحزب العمل العربي الاشتراكي(هاشم علي محسن) وجيش لبنان العربي (أحمد الخطيب)، وهي القوى التي تواجدت في منطقة بنت جبيل والتي استشهد لها العدد الأكبر من المقاتلين في تلال مسعود وشلعبون كما في الطيبة ورب الثلاثين، إبان حرب آذار المجيدة.
وبينما كانت قيادة قوات العدو تستجمع المعلومات للإحاطة بصورة الوضع الجديد فاجأتها عملية الشهيد كمال عدوان التي قامت بها مجموعة دير ياسين بقيادة دلال المغربي (من الكتيبة الطلابية) على الطريق الساحلي بين حيفا وتل أبيب (11 آذار). يومها قطع وزير الدفاع الإسرائيلي زيارته لواشنطن وأشرف رئيس الأركان وكبار ضباطه على عمليات التصدي لوحدة دير ياسين حيث جرى فرض منع التجول في منطقة يسكنها نصف مليون إسرائيلي لأول مرة منذ الإنتداب البريطاني .

الاجتياح:
أصبح واضحاً بعد مارون الراس وعملية دلال المغربي أن العدو سيقوم بعملية اجتياح كبيرة لجنوب لبنان. وجاءت المعلومات تؤكد تفاصيل الحشود الضخمة منذ فجر 12 آذار. ولعل سوء الأحوال الجوية في 12 و13 و14 آذار هو المسؤول عن تأجيل الهجوم إلى ليلة 14- 15 آذار. وقد بدأت القذائف بالتساقط منذ الساعة الواحدة من فجر 14 آذار فوق عشرات القرى والمواقع واستمر القصف طوال النهار وحتى ساعة متأخرة من ليل 14 آذار حين بدأ الهجوم. في الدقائق الأولى بعد منتصف ليلة 14- 15 آذار بدأ القصف التمهيدي الشامل على طول الحدود وقد اشتركت فيه أسلحة الطيران والمدفعية والبوارج الحربية، ثم تحرك المشاة لإحتلال بعض المواقع الأساسية في حوالي الثالثة فجراً... تميز الهجوم في لحظته الأولى بالدقة العالية في التنسيق بين قصف الطيران والمدفعية وبين حركة المشاة ، وباتقان الحركة الليلية.. والمعلوم أن هذه أول حرب يبدأ العدو فيها القتال في الظلام ويستخدم فيها الطيران ليلاً... كما أنها أول مرة يبدأ فيها الهجوم بالمشاة وليس بالدبابات .. كما أنها المرة الأولى التي غيّر فيها العدو استراتيجيته القتالية التي سبق أن أعلنها الجنرال اسرائيل طال والتي تقوم على نقل القوات المدرعة إلى خلف الخطوط لمحاصرة قوات الخصم وقطع طرق إمدادها.. وبدل ذلك استخدم العدو خطة المدحلة وبواسطة المشاة وهي تقوم على القصف المركز للموقع من قبل الأسلحة كافة، وفي أثناء ذلك تطويق الموقع واقتحامه من الخلف واحتلاله ثم التقدم وعدم ترك مواقع معادية وراءه.. ومن هنا عدم استخدامه للآليات في بداية هجومه لأنه أراد تحقيق المفاجاة الكاملة. وقد دخل إلى جنوب لبنان حوالي 30 الف جندي وكان في اعتقاد العدو انه سيتقدم ويصل إلى الليطاني في 24 ساعة أو 48 ساعة على أبعد تقدير... وقالت اذاعة العدو في السادسة والنصف صباحاً أن قوات الغزو أنهت عملية تمشيط الجنوب وتصفية قواعد المخربين- وفي 16 آذار نشرت الفيغارو الفرنسية نقلاً عن المصادر الإسرائيلية أن العملية انتهت وقوات الاحتلال ستبقى في أماكنها. وعن مراسل الإذاعة العسكرية الاسرائيلية (في 15/3) أن قوات العدو تتقدم بلا صعوبات وفقاً لبرنامج الهجوم وأنها لا تصطدم بأمور غير متوقعة.. وكان هدف العملية إنزال هزيمة سياسية معنوية بقوات المقاومة في الجنوب ودفعها إلى إخلاء الجنوب وتدمير أكثر ما يمكن من قوتها العسكرية وتحقيق الشريط الأمني أو (دولة لبنان الحر) بقيادة العملاء لتكون ورقة ابتزاز لتوتير الوضع الداخلي في لبنان ولابقاء نافذة للتدخل المستمر في شؤون لبنان والمنطقة.
غير أن العدو فوجىء بالمقاومة التي واجهته بالحرب الضارية التي استمرت ثمانية أيام والتي اعترف فيها بسقوط عشرات القتلى و52 جريحاً (جراح 37 منهم خطرة).. ففي مارون الرأس صد المقاومون 7 هجمات متتالية الأمر الذي أدى إلى قيام الطيران والبوارج بقصفها بشكل جنوني ولمدة 8 ساعات.. وبدل الانسحاب إلى بنت جبيل، انسحب المقاومون إلى داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة وما أن أنزل العدو قواته في القرية حتى فوجىء بعودة المقاومين..أما في شلعبون فقد استمر القتال ساعات التجأ فيها المقاتلون إلى إحدى المغاور وبعد قتال ضار استشهد قائد المجموعة أبو خالد محمد الشحيمي (من سعدنايل) وفي داخل المغارة استشهد الشبل بلال (من عكار العتيقة) ولم يجرؤ العدو على اقتحام المغارة وظل يقصفها طوال النهار وفي الليل تسلل منها المقاومان عبد الله البقاعي (طرابلس ) وقاسم بزي(بنت جبيل)، وعادا إلى بنت جبيل وفي طريقهما ضربا آلية فيها جنود ورشاش 500.
وعلى تلة مسعود كان بشار فاعور (من الخيام) وحسان شرارة (بنت جبيل) يقتحمان مواقع العدو باتجاه كازينو عين إبل وينصبان كميناً للقوات المتقدمة ويقاتلان لمدة 8 ساعات فيستشهد بشار ويجرح حسان الذي عاد إلى بلدته بنت جبيل ليشارك مع رفاقه قاسم بزي وفؤاد دباجة وعبدالله البقاعي في ملحمة القتال داخل البلدة.. وقد نقلت الوكالات صورة رائعة لملحمة بنت جبيل فقالت إن الشبان كانوا ينشدون الأناشيد الحماسية والمآذن تكبر بينما كانت قوات العدو تحاول دخول البلدة من عدة محاور فيدمر لها المقاومون عدة آليات ... وكالة الصحافة الفرنسية تحدثت عن القتال العنيف في بنت جبيل ونقلت عن أحد جنود العدو قوله إنها كانت معركة قاسية. وقال مراسل الوكالة إن ضابطاً اسرائيلياً كان يقف بقربه شاهد جنديين إسرائيلين يسقطان برصاص مقاتل من داخل أحد المنازل.. وقال مراسل يديعوت أحرونوت إن القتال في بنت جبيل ومارون الرأس دار من بيت إلى بيت. ونقلت رويترز عن مصدر عسكري إسرائيلي لآأن عدم استخدم الطيران صبيحة 15 آذار يعود إلى أن القتال يتم عن قرب، وقد عادت الطائرات إلى العمل بعد الظهر وتركز القصف على العقد الاستراتيجية.
وفي بنت جبيل فجر العدو عشرات المنازل واحتجز الاهالي لمدة 4 ايام متتالية تحت البرد والمطر ودون غذاء وقامت قواته بسلب ونهب البيوت والمتاجر... ورغم ذلك رفعت البلدة صور شهدائها (حسان وقاسم وفؤاد والشهيد الطرابلسي عبد الله ) وكتبت عبارات التأييد والتحية لهم..
في اليوم الثالث غّير العدو تكتيكه حيث أعطى دوراً أكبر للطيران والمدفعية وذلك بسبب ضخامة الخسائر التي لم يكن يتوقعها.. وقالت الإذاعة الإسرائيلية في 16/3 إن العدو "استقدم تعزيزات جديدة لاقت مقاومة عنيفة في قتال حذر يدور من منزل إلى منزل في عدة قرى شمال الحزام الأمني وعلى طول الجبهة الصخرية الكثيرة التلال وخصوصاً في بنت جبيل ومارون الرأس والطيبة والقنطرة". ونقل المراسلون الأجانب أن جنود العدو يرفضون التحدث إليهم ويهددونهم أحياناً مما يثبت وقوع خسائر كبيرة في صفوفهم. وقالت وكالة الصحفة الفرنسية إن القوات الاسرائيلية تواجه مقاومة لم تكن في الحسبان... مراسل رويترز زار قريتي بيت ياحون وتبنين وقال إن المقاتلين يتبعون تكتيك التصدى ثم الانسحاب ثم التجمع من جديد والإشتباك وإرباك القوات المتقدمة ثم التراجع من جديد ولذا فإن الإصابات في صفوفهم كانت قليلة.. رئيس الأركان موردخاى غور عقد مؤتمراً صحفياً قال فيه "إن الفدائيين يقاتلون بضراوة وشجاعة مستخدمين شتى أنواع الأسلحة وخصوصاً نصب الكمائن والألغام والقتال من بيت إلى بيت" . وقال "إن القتال بالغ الصعوبة".. في حين أن عزرا وايزمن (وزير الدفاع) قال لجريدة يديعوت أحرونوت "إن العملية تدحرجت إلى أكثر مما كان متوقعاً لها في البداية". وأوضح أن القرار كان بدخول الجنوب من أربعة محاور واقتلاع الفدائيين ومنع عودتهم. ولكن تطورات لم تكن متوقعة حصلت حسب قوله وتعاظمت نيران وقذائف الفدائيين واجتمع مجلس الأمن وكان من المهم والضروري أن نصل إلى أقرب ما نستطيع من الليطاني. وقال إنه يوافق غور القول على اعتبار القصف الكثيف لتجمعات المدنيين ضرورة لولاها لكان لنا ضحاياً كثيرة لا حصر لها. واستغرب قتل الفدائيين لثلاثة جنود في قانا دخلوا القرية بعد رفع راية بيضاء فوقها.
وقد غيّر العدو تكتيكه مجدداً في اليوم الخامس...
فبعد أن استخدم القصف الكثيف وتحرك الآليات قبل الاقتحام طوال اليومين الثالث والرابع، فوجىء بكثافة استخدام المقاومين للألغام المضادة للدروع والتي اعترف بأنها زرعت بصورة جيدة وأنزلت خسائر كبيرة، فانتقل إلى ما وصفه وايزمن نفسه بانه سباق مع الزمن للوصول إلى الليطاني واحتلال مدنية صور قبل صدور قرار مجلس الأمن.. ومن هنا استخدامه القصف الوحشي للمدنيين كما حصل في العباسية لحظة صدور القارر 425، وكان العدو يحاول جاهداً الوصول إلى صور. قبل ذلك ظل العدو يقصف تبنين لمدة يومين ويخاف اقتحامها في حين أن المقاومين كانوا قد انسحبوا منها.. وبعد أربعة أيام من القتال لم يكن العدو قد تقدم أكثر من 7 كليومترات وهو المدرب للتقدم بسرعة 7 كلم في الساعة مهما بلغت قوة المقاومة أمامه. وشهد المراسلون الأجانب كيف أن معنويات جنود العدو كانت ضعيفة ولاحظ بعضهم أنهم كانوا يعطلون آلياتهم لتأخير وصولهم إلى الميدان.. وقد دار قتال عنيف في تبنين وجويا وقانا استشهد فيه أبو بهيج غسان فتح الله(من طرابلس) وجعفر السحلوت (من فلسطين)، وهما يقودان عملية تراجع القوات باتجاه صور.. وقد صدت مجموعتهما التقدم الإسرائيلي على محور جويا- العباسية طوال يومي 17- 18 آذار وسقط أحمد محمد مصطفى (من عكار) يوم 19 آذار على مدخل العباسية بعد ان أمّن المقاتلون عدم سقوط البلدة في يد العدو قبل صدور قرار مجلس الأمن. فكان الرد الهمجي البربري تدمير البلدة وذبح أهلها بعد نصف ساعة على صدور قرار وقف اطلاق النار، وفي مجزرة سبقت مجزرة قانا ولو أنها لم تنل حظها من الإعلام في تلك الأيام..(استشهد أكثر من مئة مواطن وجرح أكثر من خمسين ودمر 90% من منازل البلدة) .
لقد فقد العدو المبادرة واضطر إلى تغيير تكتيكه 3 مرات نظراً لعدم توقعه استخدام كل القوة التي كان قد حشدها لخوض قتال فعلي إذ أنه بنى خطته الأولى على إرهاب الخصم وإجباره على الفرار وترك الجنوب وعندما واجه مقاومة حقيقية ارتبك فلجاً إلى استخدام قوة النيران والطيران والتكنولوجيا بكثافة.. ويكفي أن نذكر هنا أن قوات العدو ظلت حتى منتصف نيسان أي بعد مرور شهر على الاحتلال تخاف اقتحام المواقع والتحصينات والدشم التي تركها المقاتلون واكتفت بقصفها بالطيران والمدفعية وبتطهيرها من بعيد بالرشاشات الثقيلة. لقد وقع العدو في سوء تقدير للموقف واضطر لتغيير تكيكه كرد فعل وليس كخطة ناضجة مما أوقعه في التخبط والارتباك الأمر الذي سمح للمقاومة اللبنانية بأن تقطف ثمار الحرب والمواجهة قراراً دولياً هو الأول من نوعه يدعو إلى الانسحاب الفوري وغير المشروط لقوات الاحتلال إلى خارج خطوط الهدنة. وكانت هي المرة الأولى أيضاًَ التي يطلب فيها العدو وقف اطلاق النار، والتي يصدر فيها قرار عن الأمم المتحدة بهذا الوضوح والحسم. وقد شكل العدو 4 لجان تحقيق:
1- لجنة للتحقيق في ظروف عملية كمال عدوان وأسبابها وغفلة أجهزة أمنه عنها قبل حدوثها وعدم قدرتها على التصدي لها بعده.
2- لجنة للتحقيق مع قائد أحد الالوية التي شاركت في الغزو بسبب أخطاء ارتكبها أدت إلى وقوع خسائر كبيرة في صفوف قواته.
3- لجنة للتحقيق مع الضابط المسؤول عن الدورية التي وقعت في كمين قرب صور.
4- لجنة للتحقيق مع عدد كبير من العناصر التي شاركت في أعمال السرقة والنهب في قرى الجنوب.
لقد أدى الصمود الرائع والقتال البطولي في آذار 78 إلى عزلة خانقة للعدو وإلى استنهاض واسع لموقف دولي هو الذي أمّن النجاح في إصدار القرار 425 (19 آذار 1978) ولم يفد العدو من كل تلك الحرب إلا توسيع رقعة سيطرة قوات سعد حداد..في 5 أيار انسحب العدو من حوالي 300 كلم مربع ليكمل انسحابه من المنطقة الحدودية في 13 حزيران... وقد لفت الإنتباه يومها كيف أن قوات سعد حداد كانت عاجزة عن تغطية محور رميش/ عين ابل/ دبل/ ومحور القليعة/ مرجعيون قبل الإجتياح ثم أصبحت تغطي الشريط المحتل بعد 13 حزيران.

تكتيك المواجهة
منذ البداية كان للتقدير السياسي السليم وللسياسات الصحيحة التي اتبعت الدور الأول في صنع ملحمة الصمود أو كرامة الجنوب. وكان القرار بالمواجهة ورفض الانسحاب، مع التحصين الجيد للمواقع، والتجهيز المضاعف لكل مقاتل تحسباً لأنقطاع الإتصال في ظل معركة طويلة الأمد ومتواصلة (الوحدات النارية- التموين- تخفيف الأعداد من المواقع- التمويه الجيد- الإنتشار الجيد ضد الطيران) إلى جانب تسليح المقاومين بالرؤية السياسية – العسكرية المناسبة، هو الذي مكّن من تقليل الخسائر ومن إنزال الهزائم بالقوات المعادية بمجابهة محدودة تهز زخم الهجوم وتستوعب حدته منزلة به خسائر ملموسة، ثم الإنسحاب إلى عقدة ثانية قريبة، في ما عرف باسم تكتيك القتال التراجعي..
كانت المقاومة تجر العدو إلى عقدة تلو العقدة بعد أن تكون قد أحكمت نصب الكمائن وحقول الألغام الأمر الذي سمح لها بتنظيم التراجع الجيد إلى جانب القتال الجيد بأقل قدر من الخسائر وبأعلى مستوى من الروح الهجومية.
ولقد ظل المقاتلون يضربون العدو ويتراجعون وينقضون مجدداً طوال ثمانية أيام بلياليها، وعادت بعض المجموعات إلى صور بعد أسبوع من وقف اطلاق النار بينما كان كل أهالي الجنوب يتابعون سير القتال بمعنويات عالية وتضامن فعال مكّن المجموعات المنسحبة من الإختباء والانقضاض على مواقع العدو عدو مرات.
لقد شكلت حرب آذار أول امتحان لموضوعة المقاومة اللبنانية التي كان أطلقها الإمام السيد موسى الصدر والتي عمل الشهيد مصطفى شمران على رعايتها وتطويرها..وهي كانت مدرسة استفادت منها المقاومة الإسلامية في العديد من المواجهات اللاحقة وإن بقوة أكبر وبأسلحة أكثر وبتنظيم وإعداد وتعبئة متفوقة..ويكفي ان نذكر ملحمة تموز 2006 التي صنعتها المقاومة افسلامية لنتعرف على ملامح كبيرة من معركة آذار 1978..
إن الواجب يقضي بأن نرفع عاليا أسماء أولئك الأبطال، أقمار الجنوب، الذين أضاءوا عتمة الليل وكانوا بداية الموج الهادر الذي قال عنه الصدر: "أنتم يا أبنائي كموج البحر، متى توقفتم أنتهيتم".