السبت، 14 أغسطس 2010

التجديد والإجتهاد في الفكر الشيعي المعاصر

بقلم سعود المولى-1997
يقول الإمام الراحل الشيخ محمد مهدي شمس الدين: "إن التجديد هو إعادة تأصيل وتجذير للمسلمات وثوابتها وأركانها بأفق أوسع ونظرة أكثر عمقاً وأكثر شمولية تلحظ خصوصيات الظرف في ما يناسبه ذلك وتلتزم الاطلاق في غير ذلك من خلال ضوابط وموازين وأصول محددة ُيعاد على أساسها قراءة الدليل وتحليله وصياغته وترتيب آثاره"..
كما أن التجديد برأي المجددين المسلمين منذ السيد الافغاني والأستاذ محمد عبده هو "استمرار متطور للتاريخ وإبداع يستمد من الأصالة"، وليس أبداً انقطاعاً عن التاريخ أو خروجاً عليه أو تخلياً عن الجذور. فالتجديد حسب الفقهاء المسلمين هو "التصدي لكل وضع جديد لم يرد فيه نص مباشر يشمله بعمومه وإطلاقه"، ومن خلال رؤية لعلاقة هذا الوضع بحياة الإنسان المعاصر على مستوى المجتمع، وعلاقات المجتمع الداخلية والخارجية وعلاقته بالطبيعة، الأمر الذي قد يؤدي إلى نتائج غير مسبوقة في حكمه الشرعي... ومن هنا كونه تجديداً.
بداية، ما هو التجديد؟ هل هو الإتيان بكل مستغرب جديد على غرار ما يحصل مع مصممي الأزياء وأصحاب الموضة؟ هل هو الإغراب والشذوذ بحيث يخالف المشهور والمألوف؟ هل هو حركة خارج الدليل نابعة من موقف شخصي تقتضيه الأهواء أو الأطماع أو الطموحات ويغذيه الإستهلاك الإعلامي؟ هل هو عملية توفيق بين المسلمات العقيدية وثوابتها وأركانها وبين متطلبات الواقع المعيش بحيث تؤدي إلى بتر تلك المسلمات والثوابت عن جذورها للإيهام بأن ذلك هو تكّيف مع الواقع؟
وبهذا المعنى هل يكون تفسير القرآن وتأويل قضايا عقيدية كبرى بما يخالف المشهورأو المجمع عليه عند المسلمين عامة، كافياً بحد ذاته ليكون تجديداً، من قبيل آراء البعض (من السنة والشيعة على السواء) التي تقوم على أن القرآن نتاج بشري، وعلى موضوعة الوحي النفسي أو غير ذلك من القضايا في مجال الألوهية والنبوءات ومقام الأنبياء وعصمتهم وشفاعتهم الى الآراء المتعلقة بادعاء صحة التوراة والانجيل الفعليين وعدم نفي ادعاء النصاري بأن المسيح عليه السلام قد توفي أو صلب، وتأويل ذلك كله تاويلاً رمزياً، وصولاً الى القول بأن التثليث ترميز فلسفي وليس شركاً؟
هل التوسع في تجويز بعض الأمور مثل حلق اللحية والموسيقي والغناء والرقص واللعب بالآت القمار من دون مراهنة، واستمناء الفتاة وغير ذلك من الأمور المستحدثة التي أفتى ويفتي بها الكثيرون على غرار الأحباش وبعض أسياد الضاحية الجنوبية من بيروت المعروفين بتجويز زواج المتعة للفتاة القاصر والثيب ومن دون إذن وليها.. هل هذا هو التجديد الذي يدعون أنه يلقى معارضة ومقاومة "سلفية رجعية محافظة"؟
هل صحيح أن الخلاف بين التجديد والسلفية يدور حول مشروعية إثبات الهلال بواسطة علم الفلك أو حول مشروعية إسالة الدم وجلد الذات في مراسيم عاشوراء؟ وهل تكفي إثارة الغبار حول هذه "المواقع والمعارك الكبرى" لخلق ساحة لبطولة وهمية تقوم على إدعاء التجديد فيما هي تخفي أبشع أنواع الحزبية والفئوية والصنمية الشخصانية؟ هل تكفي البطولات الوهمية في معارك وهمية للتغطية على القضية الأساس المتعلقة بإدعاء المرجعية والاجتهاد؟ وهل يجوز الإعتماد في إثبات الأعلمية والعدالة والتقوى وسلامة العقيدة على الشهرة والشياع الناشئين عن الإعلام والدعاية أو عن القوة الحزبية الأمنية والمالية أو الدعم الخارجي؟
إن التجديد المطلوب اليوم يتمثل في صياغة مناهج ملائمة لإجتهاد معاصر يستجيب لقضايا التنظيم المجتمعي في مختلف الحقول ولتفاعلات كل عمل بشري مع المجتمع، وتفاعلات الإنسان مع الطبيعة.
إن تطور الحياة، والوضع التنظيمي للمجتمعات، وتطور حاجات الإنسان في المجتمع على المستوى العالمي، وغير ذلك، كلها أمور تطرح أسئلة جديدة، الامر الذي يتطلب ان تستجيب عملية استنباط الاحكام لهذه التطورات مما يعني ضرورة تطوير قواعد الاستنباط... وبهذا المعنى فإن التجديد ليس حركة نظرية بحتة لا تتحمل مسؤولية التغيير العملي، وليس فذلكة ثقافوية نخبوية تترك شخصية المسلم متأرجحة بين التمسك اللاواعي بالجذور والموروث وبين تلقي الطارئ والوافد بروح الإنفعال والتأثر وبمنهج التبرير. إن هذا النوع من التجديد يوقع في فخ الإزدواجية المدمرة، ازدواجية ثقافية على مستوى اللغة والخطاب (المعلن والمضمر –الظاهر والباطن) وازدواجية في تعايش نمطين وشخصين تحت سقف واحد مما يدخل الأمة في التيه بين المنطلقات والأهداف، وآلية التطوير والموقع الحضاري..
إن التجديد هو عملية علمية فكرية دائمة ومستجدة، إنه حركة رعائية دائبة للنتاج الإنساني بين البداية والغاية تقتضي التصحيح والتصويب حيناً كما الخلق والإبداع حينا آخر، إنه حركة تتحمل مسؤولية تحويل النظرية الى إنجاز يصوغ الواقع على أسس تحفظ للشخصية توازنها ووحدتها من خلال التمسك الواعي بالجذور وتلقي الوافد بروح نقديه."زز .
بهذا المعنى لا يكون الفكر التجديدي إغراباً للإعجاب ونيل رضا حلقات نخبوية مخالفة لمعتقد الناس.. نحن لا نجدد لكي يقول عنا الغربيون إننا تطورنا.. أو لكي يقُال عنا إننا منفتحون ونقبل بالتثليث.. نحن لا نجدد لكي يقُال إننا غير متعصبين.. إن التجديد يرمي الى "جعل الفكر مؤسسة ثقافية كاملة تتغلغل في ثنايا الأمة لتولد تشكيلاتها وتنتج مؤسساتها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والتعليمية"، والتي تؤمن للأمة استمرارها التاريخي المنتظم وتطورها المنسجم وشخصيتها السوية وتفاعلها المميز في حوار الحضارات! الأمر الذي يؤمن الدور والمعنى، وهو المقصود بكونها خير أمة أخرجت للناس وبأنها الأمة الوسط..
د. سعود المولى