الاثنين، 25 أكتوبر 2010

مبادرة بيروت: من أجل "شرعة وطنية لحقوق اللبنانيين الأساسية"

ينتاب اللبنانيين اليوم خوف كبير على السلم الأهلي والميثاق الوطني جراء عودة فريق منهم الى التهديد بالاحتكام الى السلاح، واضعاً البلاد أمام معادلة ظالمة ومستحيلة: التنكر للحقيقة والعدالة والقانون الدولي... وإلا فالحرب الأهلية!
هذه في ظل عجز السلطة عن القيام بواجباتها في حماية المجتمع، وفشل "هيئة الحوار الوطني" – نتيجة الانقسام السياسي الحاد – في اقناع بعض الأطراف الأساسيين بالعودة الى كنف الدولة في ما يخص الأمن الوطني والاستقرار العام، وذلك رغم التعهدات الموثقة من طاولة الحوار وصولاً الى بيان الحكومة الحالية. وما يضاعف خطورة هذه الأزمة الداخلية ارتباطها الوثيق بأزمة السلام في المنطقة حيث يصر بعض القوى الاقليمية على استرهان لبنان لمآربه الخاصة واستخدامه ورقة وساحة.
إزاء هذا الوضع، تداعى عدد من العاملين في الشأن العام وتباحثوا في سبل مواجهة الأزمة ، رافضين فكرة الاستسلام للأمر الواقع وانتظار ما سيكون للتكيف مع نتائجه. وقد رأى المجتمعون أن مواجهة الأخطار المحدقة بلبنان- في ظلّ الإستعصاءات التي أدت وما تزال إلى تراجع مشروع الدولة - تقتضي عملاً عاجلاً لاطلاق "تعبئة مدنية" واسعة من شأنها أن تشكّل شبكة أمان مجتمعية لحماية اللبنانيين من تكرار التجارب المأساوية التي عاشوها على مدى أكثر من ثلاثة عقود، واستعادة حقهم بحياة آمنة وكريمة.
وفي هذا السبيل قرّر المجتمعون إطلاق "مبادرة بيروت"، إطاراً مفتوحاً للتواصل والحوار وتنسيق الجهود في الوطن والمهجر، يتخطّى الحواجز الفئوية على اختلاف مسمّياتها، وذلك بغية التوصل الى اتفاق حول "شرعة وطنية لحقوق اللبنانيين الأساسية"، وهي حقوق يجري استباحتها منذ عقود بحجج طائفية وعقائدية مختلفة. وتشكل هذه الشرعة منطلقاً لتوحيد طاقات المجتمع واستعادة فاعليته في هذا الظرف الخطير الذي يجتازه لبنان.
وسوف يتولى الموقعون على هذه المبادرة القيام بالاتصالات مع كل المعنيين والتحضير للقاء موسع يناقش ويقّر "الشرعة " ويضع خطة للتحرك من أجل تشكيل كتلة ضغط مجتمعية تستطيع – بالوسائل الشرعية - أن تفرض على الدولة التزام هذه الحقوق الأساسية التي من دونها لا مستقبل للبنانيين في وطنهم.
تتضمن "الشرعة الوطنية لحقوق اللبنانيين الأساسية" المقترحة البنود التالية:
أولاً حقُّ اللبنانيين في وطنٍ لا يكون ساحةً دائمة للحرب من أجل مصالح خارجية أو حزبية، وطنٍ تحتكر فيه الدولةُ القوةَ المسلحة، من دون شريك، وحيث سيادتُها مبسوطةٌ على جميع أراضيها والمقيمين، لا تحدُّها إعتبارات طائفية أو عشائرية. ذلك أن الدولة هي وحدها المخوَّلة عبر مؤسساتها الدستورية إتخاذ قرارات مُلزمة لجميع المواطنين.
ثانياً حقُّهم بالإنصاف، في إطار المواجهة العربية مع إسرائيل. فلا يُرغمون على تحمّل أعباء الصراع المسلح وحدهم، كما حدث في العقود الأربعة الماضية، حيث عقدت مصر والأردن معاهدتي سلامٍ مع اسرائيل، فيما حافظت سوريا على حدودٍ هادئة في الجولان منذ عام 1973، وهي تفاوض منذ سنوات من أجل معاهدةٍ مشابهة.
ثالثاً حقهم في أن يتحمل المجتمع الدولي مسؤولياته في الدفاع عن لبنان تطبيقاً للقرارات التي اتخذها، وفي أن يضع حداً لسياسة الكيل بمكيالين التي اعتمدها إزاء الصراع العربي الاسرائيلي على مدى عقود والتي غذّت حروباً متواصلة أدمت لبنان والمنطقة كما تسببت بتأزيم العلاقات بين المسلمين والغرب، الأمر الذي بدأ ينعكس سلباً داخل المجتمعات الغربية نفسها.
رابعاً حقُّهم بالعيش في بلدٍ لا يُختزل المواطنُ فيه بالبُعد الطائفي، مستوعَباً في جماعة تُعيِّنُ خياراتِها ومصالحَها أحزابٌ سياسية تدّعي احتكار تمثيلها من دون استشارته، وحقهم في أن يؤسسوا عيشهم المشترك على شروط الدولة التي ينتمون اليها لا على شروط طائفة بعينها.
خامساً حقٌّهم في العيش معاً بسلام، مستخلصين دروس الحرب، وداعمين عمل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، لئلا يتأسس سلمهم الأهلي على التنكُّر للحقيقة والعدالة. فالعدالة هي ضمانة السلم الدائم، والتنكُّر لها يضرب نظام القيم الذي يقوم عليه مجتمعنا ويؤسس لحروب جديدة.
سادساً حقًّهم بالعيش تحت جناح دولة الحق، حيث يتساوى المواطنون في الخضوع لسلطة القانون وليس لسلطة الحكام؛ وحيث العدالة تشمل كل فئات المجتمع بما في ذلك اصحاب السلطة؛ وحيث لا يُمكِّن أهل السياسة من توظيف الموارد العامة في معاركهم السياسية؛ وحيث لا تشكّل الإدارة العامة مرتعاً للزبائنية والمحسوبية، وحيث مشاركة المواطن في الحياة العامة مكفولةٌ بقانون انتخاب حديث، ولا مركزية إدارية...
سابعاً حقُّهم بالعيش في مجتمع حديث ومنفتح، يحترم نفسه، حيث مردود النمو الاقتصادي لا يتعارض والعدالة الاجتماعية، وحيث يستطيع الفرد أن يختار نظاماً مدنياً لأحواله الشخصية، وحيث لا تتعرض المرأة لأي شكل من أشكال التمييز، وحيث احترام الشخص الإنساني هو ذاته للميسورين كما للمعوزين، للعمال اللبنانيين كما للأجانب، وحيث تُصان حقوق الأطفال والعجزة والمعوَّقين، وحيث يَفرض القانون احترام الطبيعة ويمنع الإعتداء على البيئة ويحمي التراث الوطني مثلما يحمي صحَّة المستهلك.
ثامناً حقُّهم بالعيش في ظل دولة تحترم نظام قيمهم، وفي مجتمع لا يُستخدَم فيه الدين لتحقيق مآرب سياسية حزبية، ولرسم هويات مغلقة تبرّر استخدام العنف باسم "المقدَّس" – وهو عنفٌ لا يلبث أن يحوّلها إلى "هويات قاتلة"؛ مجتمع يدين الفساد، من دون تمييز بين فاسدٍ وآخر؛ مجتمع يؤمن بقيمة الحوار واحترام الرأي الآخر؛ مجتمع يسود فيه التضامن والشعور بالمسؤولية العامة، على حساب الأنانيات المفرطة، فرديّة أو فئوية؛ مجتمع يُدرك أنه مؤتمن على وطنٍ هو ملكٌ للأجيال الآتية.
تاسعاً حقُّهم في توحيد إنجازي الإستقلال والتحرير، بدلاً من وضعهما، كما هي الحالُ اليوم، في مواجهة بعضهما بعضاً. وهو ذاته حقُّهم في إجراء مصالحة طبيعية وضرورية بين من يعطون الأولوية المطلقة للحرية ولو على حساب العدالة وبين من يعطونها للعدالة ولو على حساب الاستقلال. إن هذا الأمر لا يتِمّ على قاعدة المبادلة بين فريقين، بل في إطار الدولة وبشروطها ، بوصفها (أي الدولة) التعبير الأرقى عن وحدة المجتمع.
عاشراً حقُّهم بأن تكون العلاقة مع سوريا علاقةً طبيعية بين دولتين سيّدتين، من دون أن تتدخّل إحداهما في الشؤون الداخلية للدولة الأخرى، مع احترامٍ كامل لعمل المؤسسات الدستورية في البلدين، وهو ما يمثّل شرطاً ضرورياً للأرتقاء بالعلاقة إلى مستوى التفكير المشترك في مشرقٍ عربي محرّر من عبوديات القرن الماضي وصراعاته التناحرية، ومن عنفٍ يسكن حاضره ويصادر مستقبله، مشرقٍ قادر على إستعادة دوره الريادي الذي لعبه أبّان عصر النهضة، ليشكل قطب تجدّد لمجمل العالم العربي.
حادي عشر حقُّهم بطيّ صفحة الماضي الأليم مع إخوتهم اللاجئين الفلسطينيين في لبنان من خلال مراجعة مسؤولة للتجربة المشتركة، وعلى قاعدة حقّ الدولة اللبنانية بممارسة سيادتها على المخيمات والتجمعات الفلسطينية، وواجبها في توفير الحقوق الإنسانية والإجتماعية للاجئين، من دون أي نوع من المقايضة أو الموازنة بين حق سيادي وحق إنساني.
ثاني عشر ثاني عشر حقُّهم – استناداً إلى كونهم "خبراء بالعيش المشترك" – بأن يساهموا في صَوغ رؤية جديدة إلى العروبة، مُبَرَّأة من أي محتوى يرمي إلى توظيفها في خدمة دين أو دولة أو حزب، عروبةٍ معاصرة تتّسع لمفاهيم التنوّع والتجدُّد والإنفتاح على الثقافات الأخرى، وتحتضن قيم الديمقراطية والإعتدال والتسامح والحوار وحقوق الانسان، عروبةٍ تعطي الأولوية لحل القضية الفلسطينية حلاً عادلاً ولمشروع السلام في المنطقة على قاعدة أن لا بديل من السلام الّا السلام.
ثالث عشر حقُّهم، مسلمين ومسيحيين، وانطلاقاً من تجربتهم الانسانية المشتركة، بالمساهمة في تعزيز خط الإعتدال الإسلامي مقابل أصوليات عُنفيّة تقود العالم العربي اليوم إلى حروب أهلية. وهو حقُّهم، مسلمين ومسيحيين، بالمشاركة في النقاش الجاري حول مسببات الهجرة الآيلة الى ضمور الحضور المسيحي في الشرق واستعادة دور المسيحيين الأصيل في بناء عالم عربي جديد.
رابع عشر أخيراً حقّ اللبنانيين في أن يعتزّوا بتجربتهم الغنية في ممارسة الحرية والديموقراطية والعيش المشترك، وأن لا يخضعوا لابتزاز الديماغوجيات العالية النبرة التي تحطُّ من شأن تلك التجربة بدعوى الأزمات المتلاحقة التي رافقتها. فتجربتهم تلك، بما لها وما عليها، هي التي جعلت من لبنان محطّ أنظار التوّاقين في العالم العربي إلى عيش الحرية والتنوع والإنفتاح، كما شكّلت إسهاماً حقيقياً في تحديث مفهوم العروبة، وقدّمت نموذجاً نقيضاً لكلّ الأصوليات في المنطقة، بما فيها وعلى رأسها الأصولية الصهيونية العنصرية.