الثلاثاء، 8 فبراير 2011

الدول العربية أمام رياح الثورة.. ترتعش..تترقب..لا تبالي

الدول العربية أمام رياح الثورة.. ترتعش..تترقب..لا تبالي

تشترك الدول العربية كلها هذه الأيام في أن عيونها تتسمر أمام شاشات التلفاز وهي تتابع الثورة المصرية، غير أنها تختلف في أن من هذه الدول من تتابعها بقلوب مرتجفة وفرائص مرتعشة من أن تكون هي الحلقة التالية في مسلسل الثورات المفاجئة، وأخرى تتابعها بنظرات حذرة، والبقية تتابعها في حالة من اللامبالاة.
وتشمل الفئة الأولى "المرتعشة": اليمن والأردن وموريتانيا والعراق، والفئة الثانية "الحذرة": سوريا والسودان وموريتانيا والسعودية والكويت والمغرب، والفئة الثالثة "اللامبالية": سلطنة عمان والإمارات والبحرين وقطر وجيبوتي وجزر القمر والصومال.
وبالإضافة إلى هذا التقسيم للدول العربية من حيث مدى خوفها أو لامبالاتها من أن تصلها عدوى الثورة الشعبية، فإن دوافع هذه الثورة أو الاحتجاجات الشعبية أياً كانت درجتها تختلف من منطقة لأخرى في الدول العربية؛ ففي بعض دول الخليج تدفعها مطالب تقتصر على إتاحة الحريات السياسية وإعادة توزيع الثروات، أما في بقية الدول فهي مدفوعة، إضافة إلى الحريات وتوزيع الثروات، بمطالب مكافحة الفقر والفساد والقمع الأمني.
دول "ترتعش"
في مقدمتها اليمن التي خرجت بالفعل إلى شوارعها مظاهرات احتشد فيها الآلاف، تطالب بتغييرات سياسية واقتصادية جذرية، لم تصل بعد لحد رحيل النظام "الآن"، وهو ما جعلت الرئيس على عبد الله صالح يسارع بشكل مفاجئ إلى عقد اجتماع استثنائي مشترك لمجلسي النواب والشورى يعلن فيه تراجعه عن نيه الترشح للانتخابات الرئاسية القادمة عام 2013، ويؤكد أن ابنه أحمد (رئيس الحرس الجمهوري) لن يخلفه كما كان شائعاً في الشارع اليمني، وأنه يستجيب لمطلب المعارضة بتأجيل إجراء الانتخابات النيابية لحين تغيير القانون الانتخابي.
ورداً على ذلك طالبته المعارضة بتنفيذ هذه التعهدات، وإقالة أفراد أسرته من المناصب الحساسة التي تمكنها من المشاركة في إدارة البلاد مثل قيادات الأمن والجيش.
وفي الأردن استجاب العاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني، لإلحاح المظاهرات المتلاحقة بإقالة حكومة سمير الرفاعي، وعين حكومة برئاسة معروف البخيت، غير أن المعارضة ما زالت تدعوه إلى إطلاق "مسيرة إصلاح سياسي حقيقي، وليس مجرد تغيير الوجوه".
وفي العراق أعلن رئيس الوزراء نوري المالكي، أنه لن يجدد ولايته لفترة ثالثة بعد انتهاء ولايته الحالية عام 2014، بعد أن سبق وأعلن خفض راتبه إلى النصف لتقليل التفاوت الحاصل بين رواتب الموظفين في مؤسسات الدولة، وكان أحد أعواد الثقاب التي أشعلت الاحتجاجات الشعبية في أنحاء متعددة من العراق.
وتشهد الشوارع العراقية بين حين وآخر في الأسابيع الأخيرة مظاهرات تندد بتفشي الفقر والتفاوت الطبقي، إضافة إلى البطالة التي ضربت رقماً قياسياً وصل إلى 45%.
أما في أقاصي المغرب العربي فقد سارع الرئيس الجزائري، عبد العزيز بوتفليقة، فور نشوب الثورة في جارته تونس إلى إلغاء زيادة الأسعار في عدد من السلع الرئيسية، وعند وصول الثورة إلى مصر اتخذ قراراً طالما صم أذنيه عن الاستجابة للمطالبين به وهو العمل على إلغاء حالة الطوارئ المعلنة منذ 19 عاما، إضافة إلى إعطاء جميع الأحزاب السياسية قنوات لها في الإذاعة والتلفزيون، والسماح بممارسة حق التظاهر والمسيرات الاحتجاجية.
غير أن هذه القرارات لم تثنِ عزم جماعات حقوقية وشبابية عن الدعوة إلى مسيرة احتجاجية يوم السبت 12 فبراير الجاري، وذلك رغم أن المسيرات في الجزائر ما زالت محظورة.
وسبق أن خرجت احتجاجات عفوية إلى الشارع بعد الإعلان عن ارتفاع أسعار أساسية فيما عرف بـ"انتفاضة الزيت والسكر" سقط فيها قتلى وجرحى.
ونفس الأمر في جارتها موريتانيا التي دعا رئيسها، محمد ولد عبد العزيز، قبل أيام حكومته لاتخاذ إجراءات "عاجلة" لاحتواء ارتفاع أسعار المواد الغذائية مثل السكر والزيت والحليب، خاصة مع خروج مظاهرات من حين لآخر تحتج على مستويات المعيشة والفساد، منها مظاهرة وصلت إلى القصر الرئاسي الأسبوع الماضي.
دول تحترز
وإن كانت هذه الدول قد وصلتها شرارات الثورة بالفعل فإن دولاً عربية أخرى تعمل على إقامة الحواجز والسدود لمنعها من الوصول، مثل المغرب، التي ورغم تأكيد مسئوليه على أنه لن يتأثر بثورتي مصر وتونس، إلا أنه من جانب آخر أعلنت السلطات فيه عزمها الاستمرار في دعم المواد الأساسية مثل الطحين والسكر والزيت وغاز البوتان لمنع ارتفاع أسعارها.
ورغم عدم خروج أي مظاهرات احتجاجية، ولو ضئيلة، في المغرب حتى الآن إلا أنه شهد مسيرات نظمها مغاربة ومصريون تضامناً مع الثورة المصرية، كما قال الأمير مولاي هشام، الملقب بالأمير الأحمر لمواقفه المعارضة للنظام الحاكم إن الاحتجاجات التي تهز دولاً العربية الآن "لم تصل بعد إلى المغرب ولكنه لن يُستثنى منها على الأرجح".
وعلى وقع الثورة في جارتها تونس أعلنت ليبيا، التي يحكمها العقيد معمر القذافي منذ ما يزيد على 40 عاما، والتي تحظر إنشاء أحزاب أو حركات معارضة إلى سد فوهة انفجار شعبي قادم بإنشاء صندوق للاستثمار والتنمية المحلية برأسمال 24 مليار دولار، يركز على بناء منازل لتلبية حاجات سكانها الذين يتزايدون بمعدل سريع.
وأتى هذا الإجراء بعد قرارات سابقة بتخفيض الرسوم الجمركية على المنتجات الغذائية وخفض أسعار مختلف المواد الأساسية.
وفي الكويت التي تشهد بالفعل منذ فترة سجالاً حاداً بين الحكومة والمعارضة أطلق شباب كويتيون الأسبوع الماضي دعوة لتنظيم تظاهرة كبيرة أمام مبنى مجلس الأمة؛ للمطالبة بإسقاط الحكومة ومحاسبة وزير الداخلية.
والشباب الذين يشكلون مجموعة أطلقوا عليها اسم "السياج الخامس"، قالوا إنهم يروجون لدعوتهم عبر شبكة التدوين والتواصل "تويتر"؛ احتجاجاً على الممارسات "غير الديمقراطية" خاصة بعد وفاة المواطن الكويتي محمد المطيري (35 عاما) نتيجة التعذيب في مركز للشرطة.
سوريا يجتهد رئيسها، بشار الأسد، الذي "ورث" المنصب عن والده حافظ الأسد في التأكيد أمام الداخل والخارج على أنها في منأى عن الاحتجاجات الشعبية، حتى أنه قال لصحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية إن سوريا "محصنة مما يحدث في تونس ومصر"، وذلك لأنها تتبع "إصلاحاً تدريجياً" منذ فترة طويلة.
غير أن دعوات صدرت بالفعل من داخل سوريا للخروج في مسيرات احتجاجية، إلا أنها لم تلقَ استجابة، ورغم ذلك بدت مخاوف السلطات من ظهور محاولات أخرى لتحفيز الناس على التظاهر، حتى أنها سعت لإجهاض وقفة سلمية نظمها سوريون للتضامن مع الشعب المصري نهاية الأسبوع الماضي بالضرب على أيدي الشرطة.
ويحكم حزب البعث سوريا منذ 50 عاما، ويحظر أي معارضة، ويفرض قانوناً للطوارئ، ولا يسمح بأي احتجاجات لا تنظمها الحكومة.
وفي السعودية دفعت الثورتان المصرية والتونسية بتغير مفاجئ في سلوك المواطنين السعوديين؛ حيث أطلق ناشطون سعوديون حملة شعبية هي الأولى من نوعها على "فيس بوك" اتخذت شعارا مستلهما من الثورتين، وهو "الشعب يريد إصلاح النظام"، ولم تصل الحملة إلى حد المطالبة بـ"إسقاط النظام".
وقال الناشطون إن حملتهم تطالب بتحقيق إصلاحات جذرية منها قيام ملكية دستورية تفصل بين الملكية والحكم، وإجراء انتخابات تشريعية وإطلاق الحريات العامة، والتوزيع العادلة للثورة ومعالجة البطالة.
وفيما بدا استباقاً لتحول الحملة إلى احتجاجات قوية في الشارع اعتبر مفتى المملكة، عبد العزيز آل الشيخ، أن المظاهرات والاحتجاجات ليست سوى "خطط مدبرة، يسعى من خلالها أعداء الأمة إلى تفكيك الدول الكبرى إلى دول صغيرة متخلفة".
غير أن هذا الرأي خالفه- في خطوة نادرة- عضو هيئة كبار العلماء الشيخ صالح اللحيدان الذي أعلن تضامنه مع ثورة الشعب المصري لدرجة وصلت لمطالبته الرئيس المصري حسنى مبارك بترك السلطة؛ رحمةً بشعبه وحفظاً للدماء.
في وادٍ آخر
وبخلاف الكويت والسعودية بدت دول أخرى، معظمها خليجية، في وادٍ آخر بعيد عما يجري في مصر وتونس؛ ففي الإمارات لم يظهر أي حراك شعبي يعكس التأثر بالثورتين، كما لم يحدد النظام الحاكم هناك موقفاً واضحاً مما يجري في مصر بشكل خاص، وخرج من وزير الخارجية، الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان، تصريح وحيد خلال زيارته مؤخراً للعراق طالب فيه دولا لم يسمها بعدم التدخل في شئون مصر، كما أكد حرص بلاده على استقرار مصر "أياً كانت حكومتها".
وكذلك الأمر في سلطنة عمان التي لم يخرج منها تصريح رسمي عما يجري في مصر، كما لم يتحرك الشارع العماني للاحتجاج ضد حكومته في أي أمر من الأمور، إلا أنه صدر بيان من مثقفين عمانيين وعرب يؤكد تضامنهم مع الشعب المصري في "ثورته المشروعة".
وفي البحرين أيضاً لم تظهر في شوارعها أي احتجاجات شعبية على النظام الحاكم، غير أن عدداً من الجمعيات السياسية وجهت دعوة إلى الحكومة البحرينية بـ"الاستجابة الفورية للمطالب العادلة للشعب البحريني في الديمقراطية والعدالة والشراكة في السلطة والثروة، وإنهاء كل أوجه الاستبداد والفساد"، محذرين من أن "التاريخ لا يرحم المتخلفين الذين لا يستوعبون دروسه والذين عاندوه كما فعل النظام المصري".