فلاح المشعل
إعتذار السيد عادل عبد المهدي القيادي في المجلس الاعلى الاسلامي عن تسنم منصب نائب رئيس الجمهورية ، يذكر بموقف النائب الوطني النزيه والشجاع جعفر الصدر، و يكرس موقفا أخلاقيا وسياسيا في وقت واحد ، فالسيد عبد المهدي اقرب لمعرفة واقع الفساد الحكومي وغياب المنهجية التي تضبط سياقات العمل الحكومي الصحيح ،ومنذ سنين عديدة وهو يدعو ويناشد ويتحدث عن ضرورة ايجاد آليات لمكافحة الفساد ووضع البلاد على السكة الصحيحة باقتصاده وسياسته وعلاقاته الخارجية وأنظمة بنائه الداخلية للحياة المدنية ، لكن دون جدوى لانه ليس بالموقع التنفيذي الحكومي الذي يسمح له ان يحيل افكاره ونظرياته الى أجراءات او برامج عمل واقعية فكان لايملك سوى التصويب عبر وسائل الاعلام ، اما الان وبعد ان انتفضت جماهير الشعب ضد فساد الحكومة وعجزها وتكشفت عيوبها ، صار من الحكمة ان ينأى السيد عبد المهدي بنفسه عن التورط بهذه المهزلة التي تدعى حكومة مشاركة وطنية ،ويقف بالضد من صفقات الفساد السياسي والمالي الذي يشكل قوام التشكيل الحكومي ،وباعتقادي فان الساحة العراقية بحاجة لشخصيات سياسية معارضة من وزن السيد عادل عبد المهدي ، سيما وان مواسم الاحتجاج والتظاهر والتصدي للفساد ستنطلق بنحو اكثر كثافة وتنظيما وبلورة لاهداف قطاعات الشعب بغية تصحيح العملية السياسية واسقاط الفساد ورموزه الحزبية والحكومية وهكذا صراعات وحراكات سياسية مصيرية تحتاج لقادة سياسيين يتمتعون بالرؤية العلمية والخبرة السياسية و حصافة الرأي والنزاهة العالية .
بعض المراقبين وجدوا في اعتذار عبد المهدي عن المنصب استثمارا سياسيا لضعف الحكومة الراهن وتداعياتها التي ستنتهي الى سحب الثقة منها خلال الاشهر المقبلة وهو ماسيجعل الساحة تتطلع لشخصية تحظى بقبول كافة الفرقاء السياسيين وتتمتع بقدر عال على الاقناع والحيوية الفكرية والثقافية ، وتلك الخصائص تتوفر بالسيد عادل بامتياز ، وتدعوه للخروج من محدداته السياسية الحالية وتبني خطاب وطني منفتح وقادر على استقطاب الشخصيات الثقافية والاعلامية والاكاديمية الوطنية والنزيه التي لم تتلوث بالفساد، ومجاميع اخرى من شباب الفيس بوك وحركات التحرر والتغيير التي تشكلت بالآونة الاخيرة وهي تبحث عن محيط او اطار سياسي ينظم ويوحد جهودها في أصلاح النظام السياسي واعادة كتابة الدستور وبناء الدولة المدنية الديمقراطية التي تؤكد ثقافة وروح المواطنة والمساواة والعدالة الاجتماعية والحريات المدنية وتكافؤ الفرص واشاعة ثقافة التسامح والمصالحة والبناء .
ان العملية السياسية الجارية حاليا في العراق تقوم على جملة أخطاء ،بما يعني انها مركبات سياسية غير متساوقة بأهدافها وهو ما يجعل النظام الديمقراطي الناشئ يقع بمطبات واخطاء واشكاليات عديدة وينذر بتفجرات سياسية وصراعات دموية على المستويات المتناحرة قوميا وطائفيا وحزبيا وهو الواقع الذي يعيق حركة تطور العملية السياسية والبنائية في الوطن ويكرس مفاهيم وسلوكيات العلاقة التصارعية التنافسية التسقيطية ويشيع مناخات الفساد والانهيار ، وتلك الاسباب الجذرية لضعف وهزال الحكومة المركزية في بغداد والحكومات المحلية في المحافظات ، ومن هنا فأن فتح ملفات التصحيح ينبغي ان تنطلق من رؤية لواقع الاخطاء الجوهرية اولا ، ثم البحث عن آليات معالجة تصحيحيه ثانيا ، وهو مايستدعي وجود جهدا منظما ،وبرنامج عمل سياسي تشترك به كافة القوى السياسية الوطنية ، وهذه المهمة – الاشكالية – العراقية الكبرى لايمكن ان تحل بالانشاء السياسي الفارغ لبعض رموز احزاب الاسلام السياسي او بالوعود السرابية والواهمة لهذا الرئيس او ذاك الوزير ، انها اشكالية وطن ومصير شعب يمر بمرحلة خطرة من تاريخه وحركة نموه ، وفي ظل محيط متلاطم الامواج والتحولات التي تؤثر في المجرى العراقي ، ومن هنا فأن التصدي لهذه الاشكالية تستدعي وجود شخصيات متماسكة فكريا وعلميا ووطنيا وقادرة على انتاج برنامج انقاذ وطني ،ومن هنا اجدها فرصة تاريخية للسيد عادل عبد المهدي ان يتبوء الريادة في مشروع انقاذ وطن .