حازم صاغيّة
هناك اليوم مَن يستخدم "تأييد المسيحيّين السوريّين لنظام الأسد" حجّةً تُدان بها الانتفاضة السوريّة، ومن خلالها يُصار إلى توكيد "دور الإسلاميّين والسلفيّين" في الانتفاضة، وإلى توكيد "علمانيّة النظام" في المقابل.
وبالطبع، ليس لدينا ما يؤكّد أو ينفي هذا "التأييد" وحدوده. لكنّ وجوده، في حال صحّته، ليس سوى دليل آخر على ما زرعه نظام البعث منذ قيامه في 1963، ولا سيّما منذ "حركته التصحيحيّة" في 1970، وعلى ما تجنيه سوريّا اليوم.
فأن يكون خوف المسيحيّين هو ما قادهم إلى ما انقادوا إليه، فهذا إنّما ينمّ عن حجم التخريب الذي ألحقته العقود البعثيّة بالنسيج الاجتماعيّ السوريّ، بحيث باتت الجماعات لا تتبادل في ما بينها إلاّ الريبة والخوف، ولا ترى في المستقبل إلاّ حقول القتل المفتوحة.
وتقضي الأمانة القول إنّ الطائفيّة ومخاوف الأقليّات ليست بالطبع من إنتاج البعث وحكمه. فهي تضرب في تاريخ الملل والنحل وفي التراكيب والثقافات العصبيّة التي ازدهرت في منطقتنا. مع هذا يصعب القفز فوق ذاك الواقع المرّ القائل إنّ 48 سنة من سلطة "الوحدة والحريّة والاشتراكيّة" أطلقت هذه المشاعر وفاقمتها، بدل أن تحدّ منها وتحاصرها.
وما يمكن استنتاجه تالياً أنّ المزيد من حكم البعث هو مزيد من التفتّت الاجتماعيّ والمجتمعيّ، ومزيد من مخاوف الأقليّات التي تطالب الحاكم بـ"حمايتها"، بل مزيد من مخاوف الجميع حيال الجميع.
فإذا صحّ أنّ المسيحيّين "يؤيّدون" نظام الأسد، صحّ القول إنّهم يخطئون لأنّهم، بهذا، يؤسّسون لأوضاع أسوأ ترتدّ عليهم في مقبل الأيّام. أمّا مخاطر الانتقال، ويمكن أن تكون هناك مخاطر فعليّة على الأقلّيّات وأيضاً على الأكثريّات، فوجهها الآخر هو التأسيس لبدايات جديدة. وتبقى أكلاف عدم التسامح المصحوب باحتمالات التحوّل أقلّ من أكلاف عدم التسامح المثبّت والمكرّس والمغلق والمتعاظم.
لقد قيل سابقاً إنّ مسيحيّي العراق يؤيّدون صدّام حسين ونظامه لأنّه "يحميهم". وهذا، أيضاً في حال صحّته، دليل على الدور الذي تلعبه الأنظمة البعثيّة في تفتيت النسيج الاجتماعيّ لبلدانها وفي مقايضة ولاء الجماعات الأقليّة بحمايتها، بدلاً من تحكيم معايير المواطنة بديلاً عن ثنائيّ الخوف والحماية. ألم يكن عهد صدّام حسين، بتمييزه وبكبته المديدين، هو نفسه السبب وراء انفجار الأحقاد الدمويّة والمتعصّبة التي تبادلها العراقيّون بعد إطاحة صدّام؟.
إنّ أنظمة كهذه تنهض على نوع من عقدة استوكهولم، حيث يقع السجين في حبّ سجّانه. يكفي السجّان، في هذه الحالة، ألاّ يقضي على حياة السجين كي يبدو هو من يمنحه الحياة. والمسيحيّ السوريّ، بل أيّ كائن انسانيّ، يُفترض به أن يكون أذكى من ذلك وأعرف.