الجمعة، 9 مارس 2012

بناء السلطة.. بناء الدولة.. بناء المجتمع

عادل عبد المهدي
اختلط المصلحون والانتهازيون واصحاب النظريات الدينية والمثالية والقومية والطبقية، بحيث لا يمكن تفسير التدافع والمحاصصة والصراع الا كمحصلة لهذا الخليط والارتباك من المفاهيم والمناهج. فهناك من يعتقد ان لا سبيل للاصلاح دون السيطرة على السلطة، مصدر القوة والنفوذ والقدرة.. وهناك من يعتقد انه دون توفير قاعدة اجتماعية كافية تسند الاصلاح، فان الذهاب الى السلطة سيعني غرقاً فيها، لتحتويه وتحكمه بمنطقها، بدل ان يحكمها بمنطقه.
النهج الاول طريق المغامرين والطموحين، ومن تأتي به الصدفة او الاستمرارية.. وهو نهج سريع، متقلب، محفوف بالمخاطر.. ولعل تجربة صدام افضل مثال لقانون البقاء والـ"انا"، رغم النتائج المدمرة. فالعلاقة بالشرق او الغرب.. والحرب والمفاوضات في كردستان او مع ايران والكويت ودول الجوار.. والعلاقة بالدين والعلمانية والاخلاق والاقتصاد والحريات والحقوق، ليست موضوعات فلسفية او وطنية، بقدر ما هي موضوعات لتصفية خصوم الداخل.. وحصول دعم الخارج.. واحتكار القرارات.. وتكميم الافواه.. والاستيلاء على مقدرات البلاد. مما سيعزل السلطة عن الجمهور.. ويفصل بين مصالحها ومصالحه.. ويغلق مسارات بناء الدولة العادلة، ويفتح مطالبات التجديد.. ويقوي نهج التغيير سواء من داخلها او خارجها.
اما النهج الثاني فهو خط بطيء يلجأ اليه عادة الايديولوجيون والحركات الدينية والمصلحون الاجتماعيون.. فيفكرون بإحداث اكبر قدر ممكن من التأثير على الافراد والهيئات وشرائح المجتمع.. لتكون قاعدة قوية لهم تسندهم لوصولهم للسلطة عبر الانتخابات او الانقلابات والثورات، ليستكملوا عبرها مشروعهم. لكن هؤلاء قد ينتظرون طويلاً قبل نجاحهم.. وقد ترهقهم سياسات الانتظار والقمع والتضعيف.. وقد يمنعهم جمودهم الايديولوجي والمفاهيمي من مواكبة تغير الظروف المحلية والخارجية.. مما يضع حاجزاً بينهم وبين الجمهور.. وهو ما سيقوي النهج الاول ويمنحه عناصر التفوق والقوة.
فعمل سلطوي لا ينجح في بناء دولة مؤسساتية خادمة للدستور والشعب، وليس العكس، سيرتد على نفسه وسينهار بطريقة او باخرى، مهما ضخ من قدرات وتمويهات. وعمل سياسي يفشل في المساهمة ببناء دولة المواطن العادلة، سيتحول الى عمل فكري ومراهقة سياسية ليس الا. فنقطة اللقاء والاختبار والتقدم هي الدولة.. فسواء اكان المرء في السلطة او خارجها، فان معيار النجاح هو ليس مجرد الوصول اليها او المسك بها، بل قدرة الانتقال لعقل وممارسات الدولة المؤسساتية الدستورية الناجحة الضامنة لحقوق ومصالح الناس وتمثيلهم عن حق وحقيقة.