جعفر الشايب
تمر تونس في هذه المرحلة بحالة تحول مهمة على مختلف الأصعدة ينبغي العمل على دراستها وتحليلها، وعدم الانشغال بالأحداث والقضايا اليومية التي لا تشكل الأساس في فهم التحول الجذري نحو الديمقراطية في تونس، ولا توجد إلى الآن دراسات وأبحاث توثيقية ترصد هذه التجربة في التحول من الاستبداد إلى الديمقراطي. وبينما تبدو الأوضاع في ظل أنظمة الاستبداد متسمة بالهدوء والسكينة، فإن الحالة تختلف في حال الأنظمة الديمقراطية التي تتميز بالحركية والفاعلية السياسية لتعدد الأدوار والجهات الفاعلة فيها، ولوضوح صراع المصالح بينها، وهو ما يحدث حاليا في تونس مقارنة مع ما مضى.
في لقاء مع نشطاء توانسة تمت مناقشة مآلات التغيير الحاصلة في تونس والحديث عن أبرز التطورات والتحديات التي تمر بها هذه التجربة الوليدة والمهمة في عالمنا العربي. فعلى الرغم من وجود بعض المعوقات والمصاعب، إلا أن تجربة التحول أثبتت نجاحاً غير مسبوق في القدرة على معالجة العديد من هذه الإشكاليات حينما برزت الإرادة الوطنية المشتركة لحلها.
في تونس كان هنالك انتخاب مجلس تأسيسي لا برلمان، ومهمة هذا المجلس إعداد الدستور لا إدارة البلاد، كما اتضح صعوبة الانسلاخ عن الماضي لأنه ليس انفصالا فقط عن النظام السياسي بل هو انفصال عن جميع مكوناته الثقافية والاجتماعية أيضاً. وتم التصويت والاتفاق بالإجماع على قانون الترشح للانتخاب على أن تشمل كل قائمة 50% من النساء، وتشكيل هيئة عليا لتحقيق أهداف الثورة مكلفة بإعداد مراسيم القوانين خلال ثلاثة أشهر للمرحلة الانتقالية، التي تشمل قانون الجمعيات وقانون الأحزاب وقانون الانتخاب والهيئة المستقلة للانتخاب وقانون الحصول على المعلومات بالإضافة إلى إصلاح الإعلام. وهذه الهيئة مكونة من 154 شخصاً من بينهم حقوقيون وممثلو أحزاب ومؤسسات مدنية وقضاة وخبراء في الإعلام والاقتصاد.
واستندت الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة إلى مبدأين رئيسيين هما: تأكيد مصلحة الجميع وحماية الحريات، وإقرار حضور مؤسسات المجتمع المدني لما له من تأثير قوي على فاعلية القوانين. كما اعتمدت ضوابط ومعايير أساسية للقانون الانتخابي منها: ضمان عدم سيطرة طرف محدد، التناصف ما بين الرجال والنساء، ومشاركة التونسيين في الخارج.
يعتقد هؤلاء النشطاء أن هنالك عقبات وتحديات كثيرة تواجه الثورة برزت بعضها في الانتخابات، منها: محاولة إعادة إنتاج الاستبداد من خلال إبقاء سيطرة رجال النظام السابق في المراكز الإدارية، ومحدودية الوقت وقصره لتشكيل الأحزاب، وضعف الرقابة على الانتخابات بسبب الحاجة إلى عدد هائل من المراقبين، وطرح قضايا الهوية في العملية الانتخابية، والاستعمال المفرط للمساجد..