توفير الخدمات وتحسين مستوى المعيشة للمواطنين، واستكمال سحب القوات الأجنبية، وإنهاء ملف العنف،
وبناء الوحدة الوطنية ، وعلاقات حسن الجوار...هذا هو البرنامج المطلوب لعراق اليوم والغد...خلال زيارته الأخيرة الى لبنان، وفي حوارات عامة وخاصة، أكد نائب رئيس الجمهورية العراقية السيد عادل عبد المهدي ان الانتخابات التشريعية المقبلة في العراق ستكون بامتياز انتخابات لبناء حكومة راشدة تعمل على توفير الخدمات وتحسين مستوى المعيشة للمواطنين، وتستكمل مهام سحب القوات الاجنبية، وإنهاء العنف الداخلي وبناء الوحدة الوطنية في الداخل وعلاقات حسن الجوار مع جميع الأشقاء: العرب والإيرانيين والأتراك...
وأعتبر السيد عبد المهدي ان أي تلاعب في موعد الانتخابات المقبلة هو ضربة قاضية للديمقراطية وللعملية الانتخابية في العراق، موضحاً أن الحديث عن احتمالات تأجيل الانتخابات انما هو إشاعات غير صحيحة فموعدها ثابت، والثبات على مواعيد إجراء الانتخابات هو إحدى الوسائل المهمة لإرساء مفهوم المؤسساتية والديمقراطية في البلاد.
ولا شك ان تأكيدات السيد عبد المهدي هذه قد لاقت إرتياحاً لدى العراقيين ولدى الديمقراطيين العرب الذين يهمهم نجاح التجربة العراقية في بناء المصالحة الوطنية والسلم الأهلي من جهة، وفي ترسيخ الديمقراطية وتداول السلطة سلمياً وعبر الانتخابات التي تجري في مواعيدها ووفق الأصول الديمقراطية وتحت أنظار العالم،من جهة أخرى..
ولعل أبرز ما يواجه الائتلاف الوطني العراقي الذي أعلن عن تشكيله الشهر الماضي،اثبات أنه ليس "ائتلافا شيعيا"، ولا يكفي لذلك القول بأنه يضم قوى سنية ، ومسيحية ، وتركمانية وحتى كردية، أو التأكيد بأن وجود غالبية شيعية فيه أمر طبيعي لأن الشيعة في العراق هم غالبية الشعب العراقي، بل المفيد إظهار وطنية الائتلاف أي تمثيله لمجموع أطياف وشرائح الشعب العراقي، من خلال البرنامج الواضح الذي يطرح الأمور بصدق وبشجاعة وبشفافية . وهذا البرنامج هو وحده الجواب على الحملة المبرمجة التي تتناول الائتلاف والتي تحاول الايحاء بأن الأطراف التي لم تدخل الائتلاف هي الأطراف المدنية العلمانية الديمقراطية في حين ان الائتلاف هو ائتلاف طائفي.. ولا بد هنا من إعادة تأكيد ما جاء في افتتاحية العدد السابع من نشرتنا من أن معيار طائفية أو لا طائفية أي طرف ليس الأسماء أو الانتماءات أو الخطابات الفضفاضة والشعارات الفارغة، فكل هذا جعجعة من غير طحن.. فما يريد العراقيون معرفته والتحقق منه هو البرامج والممارسات، الرؤية والسلوك.. وما يحدد نجاح الائتلاف أو غيره من القوى في الانتخابات المقبلة ليس إمساكه بسلطة الدولة المركزية واستخدام مؤسساتها وأجهزتها وتطويعها لخدمة مرشحيه، وليس التغني بالماضي النضالي لهذا أو ذاك، وإنما قرب المرشح والحزب من نبض الناس ومصالحها ومطالبها، ومن مستقبل العراق الجديد، وحمله لبرنامج ولمشروع يحقق الآمال..
إن الائتلاف الوطني العراقي الجديد هو قوة أساسية في البلاد، عليها أن تعمل على تأمين مصالح العراق وشعبه من خلال الممارسة الصبورة الديمقراطية التي لا تخدع الناس ولا تهرّج ولا تنافق .. ولعل غير الائتلاف من قوى الأمر الواقع السلطوي سيحاول الاستفادة ما أمكن من امكانات السلطة المسخرّة له ليكسب ما يسمى بالعلمانيين الى جانب السنّة والبعثيين، وزعماء العشائر... وسيحاول كسب التعاطف القومي العربي بالايحاء انه يدافع عن عروبة الموصل، وسيحاول كسب التركمان بالقول انه يتبنى مطالبهم في كركوك..كما انه سيحاول الظهور بمظهر القائد الوطني الشعبي (نموذج عبد الكريم قاسم) من خلال تصعيد حملاته ضد الخارج (فعلها قاسم مطلع عهده كما صدام في ىخر ايامه) وذلك لتصعيد حالة الاصطفاف الأعمى خلف الدولة وجيشها وقائدها...وكل ذلك تمهيداً لخوض معركة انتخابية ناجحة هي فرصته الوحيدة وفرصة حزبه الأخيرة للبقاء على خارطة العراق السياسية. ولكننا قرأنا القرآن ودرسنا التاريخ فلم يتغيّر معنى الآية الكريمة: "فأما الزبد فيذهب جُفاء... وأما ما ينفع الناس، فيمكث في الأرض" (سورة الرعد،17).. وأرض العراق تميّز الغث من السمين، والنافع من الضار، وتعرف من معاناتها وتجاربها أين تضع ثقتها وأين تنتظر أبناءها...
يبقى أن المطلوب من الائتلاف الوطني العراقي الجديد، ومن كل الأحزاب والتكتلات الحريصة على السلم الأهلي والمصالحة الوطنية وعلى مهمات استكمال تحرير العراق من الاحتلال وصوغ حياة برلمانية ديمقراطية، المسارعة الى تنظيم حملة وطنية واسعة لشرح خفايا الانتخابات ومصيريتها بالنسبة لمستقبل العراق .. والعمل على تشكيل جبهة وطنية عريضة تكون قادرة على حمل مشروع المرحلة المقبلة وقادرة على فرز قيادات جديدة على مستوى المسؤولية ومستوى التضحيات.
ونجاح الانتخابات وديمقراطيتها أمر مرهون بتحييد الدولة وأجهزتها المختلفة، وأن لا تتدخل في الانتخابات،وأن تسود ثقافة الحوار والتداول السلمي للسلطة وعدم الاستئثار وعدم استغلال النفوذ، فهل يكون مجلس النواب منتبهاً لهذه المسائل؟ وهل يتخذ إجراءات وقائية في هذا الجانب؟ أم أنه سيبقى مشلولاً معطلاً كما كان حاله حتى اليوم؟؟؟
صحيح ان العراق يحتاج الى دولة قوية ولكن الدولة القوية المقصودة اليوم هي الدولة العادلة ، المتوازنة مع مجتمعها، المتصالحة مع شعبها، دولة تصون ولا تبدد، تحمي ولا تهدد، تتكامل مع قطاعات المجتمع فتحفظ التعددية واللامركزية وتطورها بحيث تسمح بقيام حكومات محلية قوية.. فقد علمتنا التجارب أن المركزية الشديدة أمر مرفوض وهي جرّت الخراب والدمار على العراق، والمطلوب اليوم معادلة جديدة من اللامركزية الادارية الموسعة خاصة و"أن الدستور قد وضع النظام اللامركزي كأساس لنظرية الحكم في العراق"،على حد قول السيد عادل عبد المهدي، الذي أكد "ان العراق لا يخشى عليه من التقسيم لأنه حقيقة عمرها أكثر من ستة الاف سنة، وهو بلد تأتيه الهجرات من الخارج ويصهرها في المرجل العراقي، وهو بلد صلب وقوي وفيه مواد صلبة قوية تجذب الخارج الى العراق وتصنع منه حقيقة عراقية".
ويبقى الملف الآخر الذي يحتاج الى عمل متواصل، ملف العلاقات مع سوريا ودول الجوار (العربي وغير العربي على السواء فلا فضل لواحد منهم على الاخر غلا بمقدار ما يتعاون مع العراق ومع غيره لتحقيق نهوض مجتمعاتنا العربية والاسلامية وحماية ثرواتنا والاستفادة منها لا تبديدها.. ودور العراق الرائد في محيطه العربي والاسلامي القريب كما على الحلبة الدولية، يستوجب أن يبقى طريق الحوار مفتوحاً مع الجميع ولخير الجميع.. وطريق الضغط للوصول الى المطالب العراقية في الأمن والأمان والتقدم والازدهار هو الأسلوب الصحيح وليس طريق الحرب والعداء مع المحيط العربي والاسلامي... فالتمسك بالحقوق والمصالح العراقية يعني البحث عن سبل تحقيقها سلمياً وليس عبر الأزمات والتوتير حتى ولو افتعل الغير تلك الأزمات.. إن مصلحة العراق تكمن في السير بطريق المصالحات الداخلية ومع الاشقاء العرب والمسلمين لأن هذا هو قدر العرب والمسلمين وهذا هو الأسلوب الأفضل لادارة الخلافات والنزاعات بدل تحقيق أمنيات الخارج في رؤية العرب والمسلمين متناحرين متقاتلين..وها أن القمة السورية-السعودية والعلاقات السورية-الايرانية والسورية-التركية كما الايرانية-التركية هي المثال الأفضل عن اسلوب تحقيق مصالح الجميع دون افتئات أو استحواذ أو استبعاد . إن السير في طريق الحوار والمصالحة والتعاون والتكامل أصعب وأخطر ويحتاج الى شجاعة أكبر، خاصة حين يكون العراق ضحية الارهاب وحين يكون هذا الارهاب يحظى بدعم وتمويل واحتضان من الأشقاء الأقرباء.. وظلم ذوي القربى أدهى وأشقى وأمر من ظلم الأعداء والمحتلين..الشجاعة ليست في التطرف والصراخ بل في الحوار الهادئ وفرض المطالب بقوة الوحدة الوطنية والسلم الأهلي والازدهار الداخلي وهذا يتطلب تأمين مصالح الشعب أولاً غذ لا مقاومة ولا ممانعة من دون حرية وكرامة وديمقراطية...الاستبداد والديكتاتورية والحكم المركزي القوي يستنسخ تجربة صدام ولا يقدم حلولاً لمشاكل الناس.
ان التعاون مع دول الجوار بدون استثناء هو السياسة الصحيحة للعراق الجديد ورغم ابتعاد هذا الجوار عن مقتضيات الجيرة والصداقة والاخوة وغرقه في الدم العراقي...نعم هناك أجندات اقليمية، وهناك تقاطعات في المواقف، لكن لا سبيل الى تحسين الحالة الأمنية في العراق وايقاف التدخلات الا بالحوار وعبر القنوات السياسية والديبلوماسية... ونحن نرجو أن يكون العراق الجديد عراقاً يعيش فضاءاته الاسلامية والعربية، لا عراقاً منعزلاً عن أشقائه، وعراقاً له صداقات مع المجتمع الدولي، وليس متخاصماً مع أحد... نعم هذا هو العراق الجديد الذي يبنى اليوم بتضحيات أبنائه ورغم أنف الحاقدين والمتآمرين..هذا هو عراق الحوار والمصالحة والسلم الأهلي، عراق الحرية والكرامة والعدالة والديمقراطية للجميع وبين الجميع..
نشرة العراق الجديد- عدد 9- 12 تشرين الاول 2009