د. سمير غطاس..
تكاد مصر أن تصل، بعد برهة وجيزة إلى مفترق طرق، فها نحن، للمرة الأولى بعد ١٩٥٢ لا نعرف على وجه الدقة أو اليقين إلى من وكيف ستنتقل سلطة الحكم ورئاسة الجمهورية الرابعة، لأنه لم يبت الأمر بعد فى ما يسمى اصطلاحاً بعملية «التوريث» وهنا، كما فى الحالات المشوشة والتى يسودها اللايقين، يجرى عادة الاستعانة بالسيناريوهات الافتراضية، وفى الحالة المصرية يمكن قراءة أربعة من هذه السيناريوهات:
١- أن يتشبث الرئيس مبارك، ما دام قلبه ينبض على حد تعبيره، بولاية حكم جديدة ويمضيها إلى نهايتها.
٢- أن يدعو الرئيس بعد فترة من ولايته الجديدة فى ثلثها الأول أو منتصفها إلى انتخابات جديدة مبكرة ويساند خليفته ويدعم حكمه فيما يقدر الله له من العمر.
٣- أن تضعف قبضة الرئيس فتظهر الصراعات الداخلية وقد يتطور الأمر لخروجها عن السيطرة.
٤- أو أن تختلط كل الأوراق فى حالة غياب الرئيس ويعاد النظر فى ترتيبها.
ورغم ما لكل واحد من هذه السيناريوهات من منطق مختلف وشروط مميزة فإنها تجتمع على ترجيح احتمال إجراء عملية نقل السلطة فى مصر من داخل النظام بالتوافق بين مراكز ثقله وليس من خارجه.
ومع هذا فإن مصر ستجد نفسها، موضوعيا، على عتبة مفترق طرق لأنه لم يعد من الممكن للنظام فى مصر أن يبقى محتجزاً لاطول من ذلك فى أزمة مارس ١٩٥٤ وما أفرزته من نظام سياسى لا نزال نعيش فى ظله، كما لايمكن لطاقات المجتمع المصرى أن تبقى لأطول من ذلك محتجزة فى أزمة صدمة الحداثة أو التصادم معها.
لكن اقتراب مصر من اللحظة التاريخية للوقوف على مفترق طرق يستوجب التزود بقدر ولو قليل من الحكمة ربما مثل تلك التى وردت بشكل رمزى فى القصة الشهيرة «أليس فى بلاد العجائب؟» التى صدرت فى عام ١٨٦٥ وتحكى مغامرات طفلة انزلقت إلى عالم غريب مع الحيوانات،
وعندما وصلت هذه الطفلة إلى مفترق طرق سألت صديقتها القطة عن أى الطرق التى يجب أن تسلكها، فردت بقولها: ما دمت لاتعرفين الهدف فليس مهما أى الطرق تسلكين، وكأن نفس هذا المعنى قد تردد قبل ذلك بكثير فى مقولة للفيلسوف سينيكا (٤.م- ٦٥م) قال فيها: «عندما لايعرف الإنسان الميناء الذى سيتوجه إليه فإن أى رياح ستهب لن تكون هى الرياح الصحيحة»،
وقبل أن تقترب مصر من الوقوف على عتبة مفترق الطرق ينبغى للمصريين أن يتوافقوا على هدفهم القومى، كانت كثير من الأمم قد اعتبرت أنها على مفترق طرق قبيل الدخول فى الألفية الثالثة وحددت كل منها أهدافها المنظورة، وشهد القرن الجديد ميلاد ظاهرة برامج ٢٠٢٠ التى أنجزتها دول عديدة فى العالم وحددت فيها أهدافها عند مفترق الألفية الثالثة.
وليس أقل من أن نكون فى مصاف الدول المتقدمة اقتصاديا وأن نكون فى مصاف الدول المستقرة فى أنظمتها السياسية الديمقراطية وأن نرتقى إلى مكانة متقدمة على مدرج الدول التى تكفل الرفاهية لمواطنيها وترعى جميع حقوقه. هذا هو الهدف الذى تستحقه مصر والتحدى الذى ينبغى أن يرفعه المشروع القومى الجديد، ولم يعد من المقبول أن تبقى مصر فى حالة انعدام الوزن ولا تغادر الدوران فى فلك دول العالم الثالث التى تسمى بالدول النامية، وكل برنامج للإصلاح السياسى يجب أن يرتبط بهذا الهدف الذى يؤمن للمواطن المصرى حصة أكبر وأفضل من تنمية وتوسيع كعكة الدخل القومى إلى حدها الأقصى الممكن،
وقد يتعذر على الأحزاب فى مصر إدراك ما تدعو له من إصلاح سياسى حقيقى طالما هى تتمسك بإستراتيجية أحادية للتغيير من أعلى وتمشى مقلوبة على رأسها، ولا تمتلك بعد ما يؤهلها لأن تبرهن لعموم المصريين أن الإصلاح السياسى هو شرط ضرورى ولازم لتحقيق الأهداف القومية لمصر ولتحسين الأوضاع الشخصية للمواطنين،
وقد أشرنا فى مقالات سابقة إلى عجز هذه الأحزاب عن إيجاد أدنى صلة بين أشكال الاحتجاج المطلبية التى اجتاحت مصر فى السنوات الثلاث الأخيرة وبين برامج الإصلاح السياسى، وعجزها عن استعادة العافية للحركة الطلابية فى الجامعات وعجزها عن دمج منظمات المجتمع المدنى والمنظمات غير الحكومية فى مشروع الإصلاح السياسى، وقد لايتحقق كل هذا بما أسماه رئيس حزب الوفد مؤخراً بالذهاب إلى الجماهير بدلا من انتظار أن تأتى هى إلى الحزب، وكأنه يعيد الآن اكتشاف العجلة، لأنه ليس هناك من حزب فى مصر من أيام الاتحاد الاشتراكى إلى الحزب الوطنى لم يرفع الشعارات الفارغة عن النزول للجماهير والالتحام بالشعب؟!
ولا يمكن قبول منطق الأحزاب الذى يخفى عجزه الذاتى فى هذا المجال خلف المبررات التى تتحدث عن تقييد أجهزة الأمن لحركتها وسط الجماهير، ولو كانت هذه المبررات صحيحة لما شهدت البشرية، بما فيها مصر، أى ثورة أو إصلاح أو تغيير فى كل تاريخها، لأن الشرطى، وليس أى شىء آخر، هو أقدم مهنة فى التاريخ، ومع ذلك لم يخل سجل هذا التاريخ من ثورة أو أنتفاضة أو هبة أو تمرد أو عصيان مدنى أو احتجاج أو حركة للإصلاح والتغيير، المهم أن تكون مستعدا لدفع الثمن لأن الأحزاب ليست أندية أو وكالات للسياحة والسفر وهى تدعو جماهيرها للتغيير السياسى وليس لمتعة الاستجمام والاستحمام والتسوق .
ولهذا تثير الحالة السياسية فى مصر المزيد من الأسئلة حول طبيعة ودور النخبة، حيث يرى البعض أنها تتحمل المسؤولية الأولى عن تردى الأوضاع السياسية فى مصر بما فى ذلك الأوضاع الحزبية، وتمتد هذه المسؤولية حتى إلى النخب التى اختارت أن تلعب دوراً موهوماً للإصلاح من داخل الحزب الوطنى، فيما يحمل البعض الآخر هذه المسؤولية للأحزاب المصابة بالعقم المزمن وعدم القدرة على التفاعل مع المجتمع وتوليد أجيال جديدة من النخب التى تحمل راية الإصلاح السياسى ومشعل التنوير الفكرى والثقافى.
ومن المثير حقا للاستنكار والدهشة أن نصادف فى القرن الواحد والعشرين نفس المعارك الفكرية التى واجهتها النخبة المصرية فى أواخر القرن التاسع عشر وكادت أن تنتصر فيها لحرية العقل ومواكبة الحداثة والتقدم وكأننا لم نفارق بعد اللحظة التى عرفتها مصر قبل قرن كامل من الزمان والتى واجهتها وانتصرت فيها النخب فى المجتمعات الأخرى قبل أكثر من خمسة قرون، وهناك من يرى أن الوضع الراهن هو أكثر تراجعا حتى من الحالة التى واجهت فيها النخب المصرية لحظة الصدمة مع الحداثة التى فجرتها الهزيمة أمام البونابرتية فى عام ١٧٩٨،
فبعد اكثر من ١٧٠ عاما وقعت صدمة هزيمة ١٩٦٧ ما أدى إلى تراجع قطاعات ليست قليلة من النخبة المصرية عن مشروع الدولة المدنية والالتحاق بالتقدم والحداثة بل والارتداد إلى المشروعات السلفية ووصل الأمر ببعض رموز النخبة المصرية المعاصرة إلى حد إدانة كل رموز الإصلاح الفكرى والسياسى ولم يسلم من ذلك الافتراء ممثلو السلفية الإصلاحية الشيخ حسن العطار والشيخ محمد عبده، والمصلحون الآخرون مثل رفاعة الطهطاوى والشيخ على عبدالرازق وأحمد لطفى السيد وقاسم أمين وغيرهم ممن تتهمهم النخب المتحولة للسلفية الجهولة بالتغريب؟،
رغم أن هذه النخبة الجهولة لم تنتج أى أثر فكرى يتجاوز أو حتى يجارى ما وضعه هؤلاء فى زمانهم، يكفى أن نشير هنا إلى ما ورد فى كتاب طه حسين «مستقبل الثقافة فى مصر» الذى صدر فى ١٩٣٨ وقال فيه: «مادام لاكهنوت فى الإسلام ولم تنشأ فيه طبقة ذات منفعة معينة فى سيطرة الدين على المجتمع فلن يكون من الممكن إجراء فصل بين الدين والمدنية مماثل لذلك الذى أجرى فى أوروبا فحسب بل إن ذلك سيكون أسهل على المسلمين منه على المسيحيين»،
ولو قرأت مثل هذه العبارة اليوم بعد ٧٠ سنة على مسامع مجلس الشعب لطلب نواب الوطنى قبل نواب الإخوان من الدكتور فتحى سرور شطبها من مضبطة الجلسة واستصدروا قرارا بالأغلبية بتكفير طه حسين وتجريده من عمادة الأدب العربى وربما تكليف السيد حبيب العادلى بإلقاء القبض عليه؟!، لكننا مع ذلك نعتقد أنه لا مستقبل للمشروع السلفى المجهول فى مصر كونه سيتصادم موضوعيا مع حركة التاريخ للأمام ومع الحراك الاجتماعى وتوق الأجيال الجديدة فى مصر للالتحاق بالتقدم والحداثة وليس الارتداد عنها أو التصادم معها، لكن المشكلة تبقى فى محنة النخبة التى تتحايل الآن لأسلمة الحداثة بدلا من أن تحدث التفكير الدينى وتنتصر للعقل على النقل وللتقدم على التأخر وتكون قادرة على الرد على موشى دايان الذى قال بعد ٦٧: «ليتهم يسألون أنفسهم لماذا يتحدثون دائما عن عظماء ماضيهم ولا يجدون فى حاضرهم أحدا من العظماء يتحدثون عنه».
ولتفادى الوقوع فى الخطأ المتكرر لإعادة وصف المشهد السياسى للنخب فى مصر فأنه يمكن اقتراح سلة من الخيارات العملية لإيجاد مخارج، ولو انتقالية، لإشكالية النخبة فى مصر، ومن ذلك مثلا اقتراح مايلى:
١- أن تبادر قوى ما من النخبة فى مصر للدعوة إلى إطار ديمقراطى يدعو للتوافق حول بيان نهضوى للإصلاح الدينى والفكرى والثقافى ويؤسس لمدرسة مفتوحة وحرة تهتم برفد الواقع الراهن بدماء جديدة تعزز النخب الإصلاحية فى مصر.
٢- أن تبادر المؤسسات القائمة فعلا (اتحاد الكتاب/ الجمعيات الأهلية غير الحكومية/ بعض الصحف الخاصة/ الفنانين...إلخ) إلى إعادة تعريف وظيفتها الفكرية والثقافية وإعادة تحديد أدوارها الاجتماعية فى إطار مشروع إصلاحى نهضوى تنتظم فيه المبادرات الفردية والقطاعية المبعثرة.
٣- أن يجتهد الجميع فى حل إشكالية العطالة التى أصابت دور الجامعات فى مصر لتستأنف دورها المحتجز فى تكوين كوادر نخبوية جديدة، وتبدو حركة ٩ مارس لهيئة التدريس إذا ما ربطت الصلة بالجماعات الطلابية مؤهلة لتحمل قسم من هذه المسؤولية الخطيرة.
٤- أن الاحزاب المصرية، حتى فى وضعها الراهن، يمكن أن تستعيد تقاليد مدارس الكادر ليس فقط لتلقين أيديولوجاتها وإنما للانفتاح على معارف فكرية وثقافية أوسع بما يسهم فى تكوين كادرات نخبوية جديدة.
٥- بذل الجهد لتشبيك المواقع الليبرالية على الإنترنت وإيجاد الوسائل المناسبة لنقل إسهامات الشباب من الفضاء الافتراضى إلى الواقع المجتمعى.
ومن جهة أخرى كانت ردة فعل الشارع المصرى، وخاصة فى القطاع الواسع للشباب، على نكسة أم درمان الكروية قد اجتذبت العديد من التأويلات، التى كان أكثرها تميزا التأويل الذى عزا ما حدث إلى الرغبة العارمة لهذا الجيل فى البحث عن هويته الوطنية واحتجاجه على طمس الطابع الوطنى لهذه الهوية تحت وطأة الدوائر الثلاث، القومية العربية والأفريقية والاسلامية، فضلا عن استدعاء الدائرة الفرعونية فقط عندما يتعلق الأمر بالمنافسات الرياضية،
ومن البديهى أن تحتل إشكالية الهوية الوطنية مكانتها المركزية فى صلب أى مشروع للإصلاح السياسى فى مصر بالنظر لموقف التيار القومى الذى يقدم العروبة على الوطنية المصرية ويبدو متناقضا فى مواقفه عندما يرفع صوته بالمعارضة فى مصر فيما يبتلع لسانه إزاء نفس الظواهر العربية التى يعارضها هنا (التوريث فى سوريا والتمديد والتوريث فى الجماهيرية والقمع والتمييز الإثنى والدينى فى السودان...الخ)،
وبالمقابل يعتمد الإخوان المسلمين فى مصر مفهوما مختلفا للأمة تعنى به الأمة الإسلامية وليس الأمة المصرية، ومن المفارقات الطريفة أن يعلن مرشد الإخوان عن رفضه لولاية المرأة المصرية أو القبطى المصرى فيما يقبل تولية أى مسلم ولو من زمبابوى أو سيرلانكا على حكم مصر (الإسلام الأسيوى ولى النساء الرئاسة فى الباكستان وبنجلاديش، والهند ذات الأغلبية الهندوسية ولت عليها رئيسا مسلما وتخلفه الآن امرأة)، والطريف أن المرشد نفسه يرفض ولاية غير المصرى على منصب المرشد العام للإخوان، ويبدو أن الإخوان كتنظيم أعز على قلب المرشد من مصر كدولة ووطن، ولهذا يبدو من الضرورى أن يشتمل كل برنامج للإصلاح السياسى على ما يحسم مفهوم هوية مصر والمصريين.
ولا تتوقف إشكالية الإصلاح السياسى فى مصر على هذه الامور المهمة، اذ ثمة ماهو أهم وأخطر منها تعطيلا لعمليات الإصلاح، ويتعلق الأمر بانسحاب أو استقالة الأغلبية من الشعب المصرى من المشاركة فى الحياة السياسية، وبهذا الصدد تشير الدراسات إلى انحسار عضوية المصريين فى الأحزاب إلى ما هو أقل من نسبة ٥%من السكان والقسم الأكبر من هذه النسبة ينتسب إلى عضوية الحزب الوطنى لأسباب واضحة ومعروفة،
كما لاتتجاوز نسبة المشاركة فى الانتخابات ٢٠% من المسجلين فى القوائم، وتعود هذه الظاهرة فى أصلها إلى سببين متعاقبين تاريخيا، الأول منهما يعود إلى مرحلة النظام الأبوى الناصرى الذى كان يبسط وصايته على المصريين ويفرض نموذج الحزب الواحد ويقمع أى مبادرة للعمل السياسى المستقل بما حدا بالمصريين إلى اعتزال العمل السياسى مبكرا والاستقالة من الحياة السياسية، ولم يتغير هذا الأمر فى جوهره فى ولاية الرئيس مبارك لأن المواطن المصرى بات يطرح سؤال الجدوى من المشاركة فى نظام الحريات المقيدة وفى ظل احتكار حزب الأغلبية للحكم وإقصاء وتهميش المعارضة
وفى ظل العجز الذاتى لأحزاب المعارضة عن تمثيل الأغلبية الصامتة من الشعب وقد انعكست كل هذه الظواهر سلبا على الحالة الفكرية والثقافية للمجتمع المصرى، لأن استقالة المصريين وعزوفهم عن المشاركة السياسية تزامنت مع استقالة العقل الجمعى من وظائفه فى التفكير النقدى الحر والانشغال بقضايا الوطن والمجتمع وانجرف إلى الانشغال بالقضايا البيولوجية للبقاء على قيد الحياة، وأشاعت الثقافة السلفية الجهولة قيم التعصب الدينى والمذهبى وأنماط التفكير الغيبى والخرافى واستنزاف الجهد والطاقة فى محاكاة الماضى شكلا ومظهرا بما يصعب معه الحديث عن حاضنة شعبية لمشروع الإصلاح والتغيير.
ولهذا كله يجب أن تتصدر ظاهرة انسحاب المصريين من المشاركة السياسية جدول كل الأحزاب والقوى التى تدعو إلى الإصلاح ولكن من منطلق ومنظور المساءلة الذاتية عن أسباب هذه الظاهرة واستمرارها، لكن الأمر لايجب أن يقتصر على هذا الجهد البحثى والفكرى وإنما ينبغى أن يتجاوزه إلى المبادرة باقتراح أطر جديدة تعنى بالأساس بإقناع المصريين بجدوى عودتهم عن الانسحاب أو الاستقالة من المشاركة السياسية،
وما من شك فى أن المجتمع المصرى بحاجة ماسة إلى حركة حقيقية للدفاع عن حقوق المواطن، تعنى بتوعية المواطنين أولا بحقوقهم الأساسية كدافعى ضرائب ومنتجين وممولين لخزانة الدولة وموازنتها العامة كما تعنى هذه الحركة بتدريب وتعويد المواطنين على المشاركة العملية فى الدفاع عن حقوقهم وقضاياهم المعيشية بالطرق السلمية، ولابد أن تشعر الأحزاب فى مصر بالخجل من أن تبادر وزارة الصناعة والتجارة إلى إنشاء هيئة لحماية المستهلك فيما تعتقد الأحزاب موهومة أنها تنشغل بالقضايا الكبرى للإصلاح السياسى،
كما يجب أن تشعر الأحزاب مرة أخرى بالخجل بعد أن تحول المستشار جودت الملط، رئيس الجهاز المركزى للمحاسبة إلى زعيم حقيقى لمعارضة الحكومة فى مجلس الشعب، وربما لإخفاء خجلها وعجزها بالغت بعض القوى بالاحتفاء بالدور الذى لعبه المستشار الملط فى يناير من العام الماضى (انظر مثلا الموقع الرسمى للإخوان المسلمين يوم ١٤/١/٢٠٠٨)،
وفضلا عن حاجة مصر لتجديد دماء النخبة وإذكاء روحها وإحياء هويتها الوطنية واستعادة مشاركة المصريين فى الحياة السياسية فإنها تحتاج أيضا إلى حزب سياسى جديد يعى أولا تعريف نفسه ومبرر وجوده كحزب وظيفته الأساسية هى السعى لاستلام السلطة أو المشاركة فى الائتلافات الحكومية، وأن يعد نفسه وكوادره لهذه المهمة التاريخية وأن يكون حزبا مستقلا بالفعل ويعتمد ذاتيا على موارده الاقتصادية والمالية وأن يقطع كل صلة له بنموذج الحزب الواحد والزعيم الواحد ويبرهن عن تبنيه غير المشروط للالتزام بالديمقراطية ويسمح بتعايش الأجنحة والتيارات المتباينة داخله وأن ينمى ويطور برامجه ويبنى حكومة ظل حقيقية تتمتع كوادرها بالنزاهة والكفاءة السياسية والمهنية وتكون لديها القدرة والجاهزية اللازمة لتدوال السلطة، وأن يكرس هذا الحزب جهده لإصلاح قيم المجتمع وسلوكه ويعزز قابليته ومشاركته فى الإصلاح والتغيير وأن يكون حزبا شعبيا وجديرا بتمثيل المصالح الأساسية لمصر والمصريين.
قد يكون علينا أن نبدأ من الآن التفكير بجدية أكثر حول خيارات المستقبل لأن مصر، موضوعيا، تقترب كثيرا من لحظة الوقوف على مفترق طرق.