صبحي مجاهد، مراسل إسلام أون لاين
/ 27-12-2009
"زبدة التفكير في رفض السب والتكفير".. هذا هو اسم الكتاب الذي أصدره الدكتور علي الأمين، مفتي منطقة صور وأحد علماء الشيعة في لبنان، ويحوي الكتاب نقدا عنيفا للآراء الشيعية التي تكفر أهل السنة، ويرفض القول بكفر من لا يؤمن بإمامة علي رضي الله عنه، والكتاب هو مضمون مقابلة تليفزيونية أجرتها قناة "المستقلة" الفضائية.
ويظهر الكتاب ما طرأ في البنية الفكرية الشيعية من تطور جذري، لاسيما في العديد من المفاهيم الكبرى، كمفهوم ارتباط دخول الجنة بالإيمان بالأئمة، ويعد هذا الكتاب خطوة كبيرة يقوم بها عالم شيعي بارز في هذا المجال.
مفتي صور أكد في كتابه أن سب الصحابة ليس لصيق المذهب الشيعي، وأن ذهاب بعض علماء الشيعة إلى رأي من الآراء تجاه الصحابة لا يعني أنه رأي المذهب.
وشدد د. الأمين على أن القول بفسق كبار الصحابة كأبي بكر وعمر هو جمود فكري مرفوض، موضحا أن ما تتبناه بعض المراجع الشيعية في هذا الأمر ليس حجة على الشيعة، كما أنه لا يوجد إجماع لمذهب الشيعة الإمامية على ذلك، فسب الصحابة ليس أصلا من أصول المذهب الشيعي كما يدعي البعض.
وقال: "إن ما يقول به المرجعان علي السيستاني والخميني بأن من لا يؤمن بإمامة علي رضي الله عنه بعد الرسول صلى الله عليه وسلم كافر، هو قول يجب ألا نسير عليه؛ لأن الأصل أن من وجد فيه الإيمان بالله وبالرسول وبالآخرة فهو مسلم ومؤمن، أما الإيمان بالإمامة -وإن كان يعد أصلا بمذهب- لكنه لا يجوز أن يكون طريقا لتكفير الآخرين".
واستطرد الأمين: "إن مصطلح الإيمان عند جملة من فقهاء المذهب الجعفري يقصد به الإيمان بالمذهب الإمامي (الإثنا عشري)، وهذا قول لا يجوز، علاوة على مخالفته للمعنى القرآني، ونحن نعتقد أن هذا المصطلح من المصطلحات المتأخرة التي جاءت بعد عصور متعددة من نزول الآيات، ومحاولة البعض تحميل لفظ الإيمان الموجود في القرآن الكريم معنى مذهبيا هو توجه خاطئ".
وتساءل متعجبا: ماذا نقول إذن في المؤمنين الذين كانوا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وتوفوا قبل أن تطرح مسألة إمامة علي من الأساس، هل نقول إنهم كفار؟ وعلى هذا فإن تفسير كلمة الإيمان في القرآن اصطلاحيا بهذا المعنى أمر لا يقبله عقل.
وأضاف أن "تحمل لفظ الإيمان الذي ورد في القرآن الكريم معنى اصطلاحيا جاء بعد قرون من زمن النزول.. يعني مثلا كان هناك مؤمنون في عهد رسول الله وتوفوا قبل أن تطرح مسألة الإمامة وما شاكل هذا".
وأشار إلى أنه ينبغي فهم معنى الإيمان الحقيقي بأنه هو الإيمان بهذه الأصول التي ذكرها القرآن الكريم: الإيمان بالله وبرسوله وملائكته وكتبه، طبعا مع العمل، وعليه فلا صحة للرأي الشيعي الذي يردده البعض من أن دخول الجنة يتطلب الإيمان بالأئمة "الإثنا عشرية"، وأكد أنه لابد من تحرير هذا الأمر؛ حيث يعد خطأ في الاجتهاد.
ويرفض الكتاب ما ذهب إليه الشيخ المفيد -وهو من علماء الشيعة الكبار- من أن الخلفاء الراشدين الثلاثة السابقين للإمام علي ((فساق ظالمون عصاة وفي النار بظلمهم مخلدون)).
واستطرد: "إن التكفير الذي يذهب إليه البعض في قضية الإيمان بالأئمة ليس شرطا من شروط المذهب الشيعي، وإنما هو اجتهاد يتحمله صاحبه".
ويشير إلى أنه لا ينبغي للشيعي أن يقلد مرجعية شيعية كالسيستاني في أن الصحابة مرتدون؛ لأنهم أنكروا بيعة "علي" بعد الرسول صلى الله عليه وسلم.
وأوضح الكاتب قائلا: "إن أهل الاختصاص يقولون بأن التقليد في الموضوعات غير واجب وغير صحيح، ولذلك عندما يقول السيستاني بأن الصحابة مثلا ارتدوا لأنهم لم يبايعوا عليا فهذا رأيه في موضوع من الموضوعات التي يجب عدم رجوع المقلدين إلى مقلدهم فيها، وإنما بإمكانهم أن تكون لهم أنظارهم في هذه القضية".
وأضاف الأمين أن هناك تقصيرا في العلاقة بين الشيعة وأهل البيت، وأن تلك العلاقة بحاجة إلى تهذيب وتنظيم، خاصة فيما يتعلق بالدعاء؛ لأن الدعاء بغير الله مرفوض؛ لذا يكون التهذيب حتى لا تترك الأمور للعادات والتقاليد تتحكم في الأمر.
وعن مسألة أولي الأمر وقصرهم على الأئمة أوضح مفتي صور "أن (أولي الأمر) شامل كل من تولى أمور المسلمين، وليس قاصرا على أئمة آل البيت، وأن القصر لأولي الأمر عليهم هو نوع من التأويل وليس التفسير".
وأكد: "أن الإمامة لا تعني القيادة السياسية، وأن الإمام هو الحافظ للشرع ومؤتمن عليه، ومستمر في النهج في دفع الشبهات عن الشريعة، فهذه مكانة الإمامة في الدين، ومتروك للأئمة أن تختار ولي أمرها في السياسة".
وأضاف أنه بناء على ذلك "فإن إمامة علي إمامة شرعية وليست سياسية، فهو إمام اختارته الأمة وإن لم تختره سياسيا، فلم يفقد موقعه التشريعي والتوجيهي في عصر الخليفة الأول والثاني والثالث؛ لذا كان هناك تعاون بين الخلفاء وتناصح، وكان هناك انخراط".
وقال الأمين: "إن الإمامة ليست موضع شك عندنا وهي ثابتة على نحو القطع واليقين، ولا يؤثر في ثبوتها عدم تمكن الإمام من القيادة السياسية للأمة؛ لأن الإمامة لا تزيد على النبوة التي كان الهدف الأساسي منها هو مشروع الهداية والإرشاد إلى سواء السبيل".
وانطلق الكاتب من هنا إلى أن الإمامة في المذهب الشيعي لا ينبغي أن تكون لصيقة بالمنصب السياسي باعتبار إنها تقتضي القيادة السياسية الفعلية، مشيرا إلى أن هذا ما ذكره في كتاب "ولاية الدولة ودولة الفقيه".
ودلل الأمين على كلامه بأن سيدنا إبراهيم عليه السلام كان إماما ولم يكن قائدا سياسيا، وهذا ما يعين أن الإمامة لا تقتضي القيادة السياسية، وإنما يمكن التعبير عنها بالمعنى المنطقي بأنها تعطي الأهلية للقيادة السياسية والفعلية.
________________________________________