الجمعة، 9 أبريل 2010

سينودس فاتيكاني أم وقفة مسيحيين عرب ؟

سينودس فاتيكاني أم وقفة مسيحيين عرب ؟
بقلم سعود المولى
خلال زيارته "الأرض المقدسة" (المقصود فلسطين المحتلة) في الفترة من 8 الى 15 أيار 2009، استمع البابا بينيديكتوس السادس عشر إلى شكاوى مسيحيي فلسطين (وعلى رأسهم مطارنة وكهنة) الذين استعرضوا أمامه هموم الشعب الفلسطيني ومعاناته: من جدار الفصل العنصري الذي صادر الأرض وحوّل المدن والقرى سجوناً وكانتونات، الى المستوطنات التي تسيطر على كل الموارد وتقتل البشر وتدمّر الحجر، الى المذلّة والهوان عند الحواجز العسكرية، الى قضية اللاجئين في بلدان الشتات...
ولم يكتفِ المسيحيون الفلسطينيون بهذه الوقفة الأولى مع البابا، فتنادى عدد من الأساقفة والآباء من مختلف الكنائس (كاثوليكية وأرثوذكسية وبروتستانتية) ليطرحوا أمام الرأي العام العالمي، وكنائس الغرب خصوصاً، وثيقة عُرفت باسم وثيقة "وقفة حق"... قدمت الوثيقة قراءة نقدية شجاعة في المواقف الفلسطينية المتنوعة والمختلفة حيال أسلوب مقاومة الاحتلال: أكان موقف السلطة الوطنية التفاوضي أم موقف "حماس" المسلّح. كما أخذت مسافة واعية مُحبة وناقدة للموقفين معاً، إذ هما تسلّما زمام قيادة حركة التحرر الوطني الفلسطيني، ووصلا معاً (وأوصلا الشعب) إلى الحائط المسدود. إلا ان الوثيقة حملت المجتمع الدولي مسؤولية الانقسام الفلسطيني وتداعياته حين لم يقبل هذا المجتمع بالتعامل مع نتائج انتخابات 2006 برغم تغنّيه بالديموقراطية وتداول السلطة.
كانت الوثيقة بحق "كلمة إيمان مسيحي" حملت الهمّ الفلسطيني إلى مستوى اللاهوت حين قدّمت فهماً فلسطينياً ومسيحياً لمسألة "الوعد بالأرض"، فقالت إنه لم يكن عنواناً لبرنامج سياسي، بل مشروع لخلاص كوني شامل حمل رسالته كل الأنبياء وتجسد في الديانات التوحيدية الثلاثة. وفلسطين هي اليوم مكانٌ وزمانٌ لظلم مزدوج اذ ان التكفير عن الظلم الذي لحق باليهود لا يكون بظلم أشنع على حساب فلسطين. والوثيقة في جانبها المسكوني نداء للوقوف مع المظلوم ولقول كلمة حق ولاتخاذ موقف حق، من الاحتلال وتبعاته. ولذلك فهي تتوجه أيضاً إلى المجتمع الدولي للكف عن سياسة الكيل بمكيالين، وتدعوه إلى تطبيق نظام عقوبات على الكيان المحتل لفلسطين، ليس للإنتقام بل من أجل عمل جدي في سبيل السلام العادل والنهائي الذي ينهي كل أشكال الاحتلال ويضمن السلام والأمن للجميع.
ملاحظاتنا على الوثيقة:
-1 يجب ألا يغيب عن بالنا أنها وثيقة صادرة عن مجموعة من مسيحيي فلسطين، دعمها مجلس الكنائس العالمي: فهي إذن ليست وثيقة سياسية حزبية أو إسلامية جهادية. وهي من ناحية أخرى تأتي ضمن سياق المواقف المسيحية المسكونية (أي العالمية الموحدة) فهي بالتالي خلاصة الحد الأدنى لنقاط الاتفاق بين مختلف الكنائس المسيحية في العالم بما فيها موقف الفاتيكان.
-2 الا انها في الآن نفسه تنطلق من الانتماء الفلسطيني لأصحابها إذ هي تحمل الهمّ الوطني الفلسطيني والايمان الديني المسيحي معاً. ومن هنا تركيز الوثيقة على التوجه إلى الكنائس في العالم وإلى القادة السياسيين والمجتمع الدولي، ولكن أيضاً إلى "المجتمعين والشعبين" في فلسطين (المقصود الفلسطيني والإسرائيلي).
-3 سقفها السياسي هو إذن سقف الموقف العربي الرسمي المتجسّد في قرارات قمة بيروت أي مبادرة السلام العربية: الدعوة للسلام والعدالة بين شعبين ودولتين (فلسطين وإسرائيل).
-4 سبب وجود الوثيقة أو المسوغ الأساس هو الأزمة الفلسطينية العميقة: لا حل سيأتي من "فتح" أو "حماس"، والصمت الدولي بإزاء خطر الضياع الكامل لأي أمل بسلام ما.
-5 لا تقدم الوثيقة حلولاً إلا انها تتبنى ضمناً دعوة إلى إعادة توجيه فوائد ونتائج العمل المسلح وخصوصاً العمليات الاستشهادية وقصف الهاون، وإلى تبني المقاومة المدنية السلمية دون التخلي عن حق الدفاع (ولو المسلح) إنما الدفاع وليس أية سياسة أصولية تفاقم أزمة الشعب الفلسطيني.
-6 تدعو الوثيقة إلى استنهاض داخلي وإلى حشد دولي لعزل العدو. وتتبنى الدعوة الى فرض حصار على الكيان الصهيوني شبيه بالحصار الذي فرض على الأقلية العنصرية البيضاء في جنوب أفريقيا.
-7 غموض موضوع الحلول السياسية حول القدس، المستوطنات، حق العودة، لعله يعود إلى عدم الدخول في السياسة التفصيلية وترك ذلك للسياسيين. أو لعله يعود إلى عدم وجود موقف كنسي موحد حول ذلك أو حتى عدم وجود موقف فلسطيني أو عربي موحد.

من "وقفة حق"
إلى "شركة وشهادة"
صدرت وثيقة "وقفة حق" في أيام عيد الميلاد 2009 ولقيت فوراً تأييداً كنسياً عالمياً رفع لواءه مجلس الكنائس العالمي (مركزه جنيف) وعدد من الكنائس البروتستانتية في أميركا وأوروبا.
سبق ذلك إعلان البابا بينيديكتوس السادس عشر خلال اجتماعه مع بطاركة الشرق الأوسط ورؤساء الأساقفة (19 ايلول 2009) الدعوة الى عقد "جمعية خاصة لسينودس الأساقفة حول الشرق الاوسط". وهو شكّل لهذه الغاية مجلساً من سبعة بطاركة يمثلون ست كنائس شرقية (الموارنة، السريان، الكلدان، الملكيين، الأرمن، الأقباط) وبطريركية القدس للاتين، يعاونهم عدد من كبار العاملين في الفاتيكان. قام هذا المجلس بإعداد وثيقة أولى تعرف باسم "الخطوط العريضة" (صدرت في 8 كانون الاول 2009) أرفقت كل فصل منها بعدد من الأسئلة "بهدف إثارة النقاشات في كنائس الشرق الأوسط"، على أن تصل الأجوبة كلها قبل عيد الفصح (4 نيسان 2010) ليتم بعدها إعداد "ورقة العمل" التي سيسلمها البابا "لممثلين مؤهلين" من أساقفة الشرق الأوسط الكاثوليك، خلال زيارته الى قبرص في حزيران 2010.
وقد اجتمع الفريق العربي للحوار الإسلامي المسيحي (محمد السماك، رياض جرجور، عباس الحلبي، حارث شهاب، كميل منسى، سعود المولى، هاني فحص، جورج مسوح) بممثل عن اللجنة الخاصة بالسينودس (سيادة المطران سليم غزال) وطرح أمامه ملاحظاته الكثيرة على الوثيقة وأبرز نقاطها باختصار شديد:
-1 عنوان السينودس هو حول الكنيسة الكاثوليكية في الشرق الأوسط وليس عن مسيحيي الشرق أو المسيحيين العرب. فيما المطلوب هو التركيز على المشاكل التي يواجهها المسيحيون في الشرق العربي تحديداً. والمطلوب إبراز دورهم، وتاريخهم، والحديث عن مستقبلهم المشترك مع إخوانهم المسلمين العرب.
-2 لقد استمر التحضير لسينودس لبنان أكثر من أربع سنوات (من 12 حزيران 1991 الى آخر كانون الأول1995) برغم إلحاح وضغط المسألة اللبنانية أيام ما كان يسمى الإحباط المسيحي، في حين فاجأنا أن التحضير لهذا السينودس الخاص بالشرق الأوسط أعطي اقل من سنة (من تاريخ الدعوة في 19 أيلول2009 الى تاريخ الإنعقاد في 10 تشرين الأول 2010). فما هو المبرر لهذا الاستعجال؟
-3 كان من المطلوب الكلام تفصيلاً عن معاناة الفلسطينيين، مسلمين ومسيحيين. وإبراز الالتزام بقضية الشعب الفلسطيني ومعاناته. والانطلاق على الأقل من وثيقة "وقفة حق" المسيحية.
-4 في موضوع هجرة المسيحيين لا بد من الحديث عن أسباب الهجرة المسيحية وأهمها الحروب والنزاعات والأوضاع الاقتصادية الاجتماعية. وأخطرها ما يجري في فلسطين.
-5 هل الهدف من السينودس إصدار وثيقة تدين المسؤولين عن معاناة مسيحيي الشرق أم البحث عن حل لمشكلة مسيحيي الشرق؟ وهل الحل خارج الشرق أم ينبع من أهله؟
-6 مسيحيو الشرق جزء من ثقافة المنطقة وهويتها وهم يفهمون هذه الأمور فلماذا لم يُستشاروا في الأمر عند صوغ الوثيقة والإعداد لها؟
-7 هناك خطورة في طرح خيار الهجرة وكأنه الخيار الوحيد أمام المسيحيين في حين أن المطلوب استبداله بخيار البقاء والتجذر وطرح المسائل التي تساعد عليه ومسؤولية المسلمين فيه ودورهم. المطلوب إثارة مواضيع الحرية والديموقراطية والقهر والتمييز والمواطنة وهذه هي القضايا التي توحّد المسلمين والمسيحيين للعمل معاً في بلادهم.
-8 ضرورة التأكيد والتشديد على التمييز بين المسيحية والغرب. فلا يجوز أن يستمر الخلط بين المسيحية (الكاثوليكية تحديداً) والدول الغربية.
إضافة الى هذه الملاحظات القيَّمة التي شاركتُ في إعدادها أتمنى على الهيئة المسؤولة عن أعمال السينودس النظر في الملاحظات التالية النابعة من حرص إسلامي على الحوار:
-1 إن هذا المجمع هو مجمع خاص بالفاتيكان وليس بنا (مسلمين ومسيحيين غير كاثوليك) فلا نستطيع تغيير عنوانه أو أهدافه. وانما فلنحاول الاستفادة ما أمكن من إلتزام الفاتيكان بهذا الموضوع للتقدم معاً على طريق الخير لشعوبنا، مستذكرين مشاركتنا كمسلمين في السينودس الخاص بلبنان.
-2 أعتقد أن الملاحظة الأهم تتعلق بصيغة "الشرق الأوسط". فالخطوط العريضة واضحة حين تتحدث عن هذا الشرق الأوسط باعتباره يشمل المسيحيين "في وسط مجتمعاتهم الاسلامية: العربية - التركية - الاسرائيلية - الايرانية" (هكذا بالنص)، فنحن هنا نتحدث عن شرق أوسط ليس للعرب فيه (وتحديداً للمسيحيين العرب) أي وزن أو دور. وهو شرق أوسط لا يتسع فقط لإسرائيل (حيث يوجد مسيحيون بالطبع) ما يفرض بالتالي التعامل مع اليهود (إذ هم جزء من الشرق الأوسط - إسرائيل- وليس فقط باعتبارهم الديني)، وإنما يقيم تساوياً بين مختلف أضلاع هذا المربع السياسي الإقليمي: تركيا - إيران-إسرائيل - العرب... وبالتالي فإن المسألة تتعلق بالهدف من السينودس: هل هو الشرق الأوسط (وهي تسمية مطاطة قد تشمل أيضاً أفغانستان وباكستان وليس فقط تركيا وايران) أم العالم العربي؟ وهل المقصود بالشرق الأوسط صيغة ملتبسة لضمان الكلام مع الإسرائيليين؟ وهل مطلوب من المسيحيين العرب أن يكونوا عرّابي الحوار والتسوية مع إسرائيل؟ هل هكذا يفهم البابا الدور الجديد للمسيحيين في الشرق؟ ثم ألا يوجد خصوصية للمسيحيين العرب في هذا المجال؟ هل يتساوون في قضاياهم وهمومهم ووزنهم ودورهم مع مسيحيي تركيا وإيران؟ وأين ضاع مسيحيو فلسطين (الأرض المقدسة)؟
-3 ومن هنا ربما أيضاً ما سمعناه عن أن البابا سيقوم بتسليم الكنائس وثيقة "أداة العمل" في قبرص وليس في أي مكان آخر (لبنان أو سوريا مثلاً). فقبرص أيضاً هي جزء من هذا الشرق الأوسط. ومركز مجلس كنائس الشرق الأوسط كان طوال 30 سنة في قبرص (والقس الدكتور رياض جرجور كان هناك أميناً عاماً للمجلس). حين تأسس مجلس كنائس الشرق الأوسط (1974) كان الهاجس الأساسي وراء تأسيسه له علاقة بالمشكلة القبرصية وبالقضية الأرمنية (وهما تتصلان بتركيا). ناهيك عن انخراط البروتستانت في دور متعاظم في المنطقة من خلال القضية الفلسطينية، وبروز الدور القبطي من خلال الصراع بين البابا شنودة والرئيس السادات وانطلاقة الشرارة الطائفية في مصر أولاً (أحداث 1971) ثم في لبنان (منذ 1973). وصعود الوزن الارثوذكسي نسبة الى صعود دور وقوة الاتحاد السوفياتي في المنطقة بعد تبنيه لمنظمة التحرير الفلسطينية رسمياً(1974). وكان الارثوذكس دخلوا مجلس الكنائس العالمي العام 1961 ولم يدخله الكاثوليك. ولا ننسى أن الكنيسة الكاثوليكية لم تنضم الى مجلس كنائس الشرق الأوسط إلا في العام 1990 أي عشية سقوط الاتحاد السوفياتي ودخول العالم مرحلة جديدة. أما اليوم فهل هناك ما يستدعي التوجه الى "كنائس الشرق الأوسط الكاثوليكية" وليس الى كنائس العالم العربي؟
-4 حين نقرأ وثيقة الخطوط العريضة لهذا السينودس نرى الفرق الكبير بينها وبين وثيقة الخطوط العريضة للسينودس من أجل لبنان. ولكن ما لفت انتباهي في الوثيقة في القسم الخاص بوضع المسيحيين في الشرق الأوسط (نظرة تاريخية، الفقرات 8 الى 11، ص6-7) القول بأن الكنائس الكاثوليكية في الشرق (وهي سبع) ذات أصول ثقافية وبالتالي أيضاً طقسية، مختلفة، وينبع غناها من تنوعها. "لكن التمسك الزائد بالطقس وبالثقافة الخاصة يمكن أن تكون سبباً لفقرها جميعاً" (ص7). ولا يوجد بعد ذلك ما يشير الى ضرورة نقاش هذا الكلام الخطير أو الى معناه وهدفه ويمكننا الاستنتاج أن هناك دعوة الى جعل الكنائس الشرقية لاتينية رومانية في طقسها وثقافتها فهل هذا ما يقصده النص؟
-5 ورد أيضاً في الوثيقة دعوة واضحة الى تجديد التبشير!! هذا ما فهمته على الأقل من النص الذي يتحدث عن "الرسالة الخاصة بكنائسنا" والمتمثلة "بحمل الانجيل الى العالم أجمع"، وأن هذا الدافع الرسالي الرسولي كان "ملهماً للعديد من كنائسنا عبر التاريخ: في بلاد النوبة والحبشة وفي شبه الجزيرة العربية وبلاد فارس والهند، وحتى الصين". ومن قول النص بأن "هذا الدافع الانجيلي قد تباطأ اليوم غالباً وخبت شعلة الروح" (الصفحة 8، الفقرة 13)؟ ألا يعرف كاتبو الوثيقة من المطارنة والآباء الأجلاء خطورة هذا الكلام في هذه المرحلة؟ وهل الشهادة للمسيح في عالم اليوم تعني التبشير كما كان في القرون الغابرة أم هي تعني بالضبط الحوار والعيش المشترك والاحترام المتبادل والتعاون على الخير والبر والعدل والسلام، ورد الإثم والظلم والعدوان؟
-6 افهم أن يكون هناك همّ مسيحي كاثوليكي بالعلاقة مع اليهود. فالفاتيكان بدأ منذ فترة مسيرة الاعتذار والتوبة. وأفهم أن تتضمن الوثيقة (كما وثيقة وقفة حق بالمناسبة) دعوة للمصالحة مع اليهود وللسلام في المنطقة. ولكن ألفت الانتباه الى أن المسلمين والعرب سينظرون الى الوثيقة بمنظار الواقع السياسي وليس بمنظار لاهوتي أو فلسفي. فالمطلوب الانتباه كثيراً الى الصياغات والى الإشكالية الرئيسية التي يريد السينودس التعبير عنها. إذا لم يكن هناك تضامن صريح وواضح مع آلام وعذابات الشعب الفلسطيني وإذا لم يكن هناك كلام صريح وواضح حول مستقبل القدس من زاوية إسلامية مسيحية وزاوية وطنية فلسطينية (إسترشاداً على الأقل بوثيقة وقفة حق)، وإذا لم يكن هناك حوار صريح وشفاف مع العالم العربي والإسلامي حول العمل معاً من أجل التنمية والعدالة والسلام، فإن كل كلام آخر سيصب في طاحونة المواقف الإسرائيلية خصوصاً في هذه الفترة العصيبة التي تجتازها القضية الفلسطينية.
-7 يجب الانتباه إلى كيفية مقاربة موضوع هجرة المسيحيين من المنطقة أو قضية التعديات الواقعة على المسيحيين في بعض البلدان العربية. المسألة ليست مسألة "إضطهاد ديني" وإنما هي مسألة جرائم سياسية إرهابية تقع على المسلمين أيضاً وربما بقسوة أكبر، كما هو الحال في العراق على سبيل المثال. إن تصاعد الإرهاب "الإسلامي" التكفيري ضد الآخر ليس إضطهاداً دينياً تعيشه المجتمعات المسلمة أو تقوم به الدولة أو المجتمع بحق أقلية دينية. إنما هو من نوع الأزمات التي تطول مجمل المجتمع وتصيب كل أبنائه وتهدد نسيجه ووحدته في غياب الحلول العادلة والشاملة وفي غياب الدولة الحاضنة والضامنة للحرية والديموقراطية والعدالة والمواطنة.
أما في فلسطين فإن هناك سياسات تمييز عنصري وديني وسياسات احتلال واستيطان تمارسها الدولة الصهيونية.
-8 لا أدري لماذا قفزت الوثيقة (والأعمال التحضيرية لهذا السينودس) عن منجزات ومكتسبات تحققت خلال الخمسين سنة الماضية من الحوار والعيش معاً في هذا الشرق العربي؟ أقصد بالتحديد المجمع الفاتيكاني الثاني (1962-1965) وبيانه التاريخي (نوسترا آيتاتي)، والسينودس الخاص بلبنان (حزيران1991- كانون الأول1995) والإرشاد الرسولي الصادر عن البابا يوحنا بولس الثاني في زيارته التاريخية للبنان لتسليم الإرشاد (10 ايار 1997)، ومؤتمرات بطاركة الشرق الكاثوليك (انعقد المؤتمر التاسع عشر في تشرين الاول 2009) وبياناتها ومقرراتها؟ ولنأخذ بعض الأمثلة من هذه الوثائق:
"إن حواراً حقيقياً بين مؤمني الأديان التوحيدية الكبرى، يرتكز على الاحترام المتبادل والعمل معاً على حفظ العدالة الاجتماعية والقيم الأخلاقية والسلام والحرية وتنميتها لجميع الناس" (المجمع الفاتيكاني الثاني، بيان في العلاقات مع الأديان غير المسيحية، الفقرة3).
"إن الكنيسة الكاثوليكية منفتحة على الحوار والتعاون مع المسلمين في لبنان، وتريد أن تكون منفتحة على الحوار والتعاون مع مسلمي سائر البلدان العربية، ولبنان جزء لا يتجزأ منها. وفي الواقع إن مصيراً واحداً يربط المسيحيين والمسلمين في لبنان وسائر بلدان المنطقة. وكل ثقافة خاصة لا تزال تحمل طابع ما رفدتها به على الصعيد الديني وغير الديني الحضارات المختلفة التي تعاقبت على أرضهم" (سينودس الأساقفة الخاص بلبنان، وثيقة العمل، الفقرة 99).
"ومسيحيو لبنان وكامل العالم العربي فخورون بتراثهم، يساهمون مساهمة نشطة في التطور الثقافي... بودي أن أشدد بالنسبة الى مسيحيي لبنان، على ضرورة المحافظة على علاقاتهم التضامنية مع العالم العربي وتوطيدها، وأدعوهم الى اعتبار انضوائهم في الثقافة العربية التي أسهموا فيها إسهاماً كبيراً، موقعاً مميزاً لكي يُقيموا هم وسائر مسيحيي البلدان حواراً صادقاً وعميقاً مع المسلمين. إن مسيحيي الشرق الأوسط ومسلميه، وهم يعيشون في المنطقة ذاتها، وقد عرفوا في تاريخهم أيام عز وأيام بؤس، مدعوون الى أن يبنوا معاً مستقبل عيش مشترك وتعاون، يهدف الى تطوير شعوبهم تطويراً انسانياً وأخلاقياً، وعلاوة على ذلك قد يساعد الحوار والتعاون بين مسيحيي لبنان ومسلميه على تحقيق الخطوة ذاتها في بلدان أخرى" (الإرشاد الرسولي، الفقرة 93 وعنوانها "التضامن مع العالم العربي").
-9 إن التحدي الرئيسي الذي يواجه أهل هذه البلاد يتعلق بدور المسيحيين العرب ومساهمتهم الفريدة في مجتمعاتهم وبالمسؤولية المشتركة بين المسلمين والمسيحيين في مواجهة هجرة المسيحيين من الشرق، ناهيك عن المسؤولية المشتركة في تجديد الحياة السياسية والثقافة السياسية وفي بناء أفق عربي إسلامي مسيحي علماني للعيش معاً وللتطور الديموقراطي لمجتمعاتنا العربية المأزومة.
-10 وفي هذا المجال لا أدري ما الحكمة من تجاهل مواقف رجال مثل السيد موسى الصدر والشيخ محمد مهدي شمس الدين في لبنان والشيخ محمد الغزالي في مصر والشيخ حسن الترابي في السودان والشيخ راشد الغنوشي في تونس والسيد محسن الحكيم والسيد أبو القاسم الخوئي والسيد علي السيستاني في العراق؟
ألا يمكن أن نتقدم إلى السينودس على أساس ما قاله الشيخ شمس الدين في وصاياه؟ "أنا أرى أن من مسؤولية العرب والمسلمين أن يشجعوا كل الوسائل التي تجعل المسيحية في الشرق تستعيد كامل حضورها وفاعليتها ودورها في صنع القرارات وفي تسيير حركة التاريخ"...
باعتقادي أن هذه الكلمة الطيّبة الصادقة هي التي كان ينبغي أن تجسّد معنى عنوان السينودس "شركة وشهادة". شراكة كاملة مع المسلمين، وشهادة للحق والعدل قبل أي شيء آخر!
النهار- الأحد 04 نيسان 2010 - السنة 77 - العدد 2400