إعداد: رندى حيدر
تغييرات كثيرة طرأت منذ محادثات "واي ريفر" التي أجراها بنيامين نتنياهو في تشرين الأول من عام 1998 بصفته رئيساً للحكومة الإسرائيلية آنذاك، مع الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات، بوساطة فعالة من الرئيس الأميركي بيل كلينتون.
يومها لعب الرئيس الأميركي دوراً أساسياً في اقناع نتنياهو الذي كان كثير الشكوك والتردد، بالتوقيع على اتفاق الإنسحاب من الخليل الذي سمح للسلطة الفلسطينية باسترجاع نحو 7 في المئة من أراضي الضفة وجعلها تحت سيطرتها الكاملة.
أدرك نتنياهو منذ مجيء باراك أوباما الى الرئاسة الأميركية، بأن لا مفر له من القبول برؤية حل الدولتين، وهي رؤية ورثها أوباما عن سلفه جورج بوش الذي سعى هو ايضاً الى تحقيقها، لكنه لم ينجح سوى في اطلاق خطة خريطة الطريق عام 2003 التي سرعان ما تعثر تطبيقها، وعقد مؤتمر أنابوليس في عام 2007 الذي فتح المجال أمام مفاوضات سياسية بين الفلسطينيين والاسرائيليين أيام حكومة إيهود أولمرت. وكان أولمرت قد سعى في الفترة الأخيرة لحكمه الى التعويض عن اخفاقاته العسكرية في حرب تموز على لبنان وعن فضائحه المالية وقضية الفساد والرشى التي تورط فيها، من خلال تحقيق انجاز سياسي أخير عبر تحفيز المفاوضات مع الفلسطينيين.
لكن كل ذلك لم يثمر عن تفاهمات حقيقية على الرغم من الساعات الطويلة التي قضاها المفاوضون الفلسطينيون والاسرائيليون. وتبخر بعد تنحي أولمرت عن زعامة حزب كاديما، وبعد فوز الليكود بزعامة نتنياهو برئاسة الحكومة في الانتخابات المبكرة التي جرت في شباط 2009.
اليوم يفتتح بنيامين نتنياهو صفحة جديدة من المفاوضات مع الفلسطينيين بإدارة أميركية وبإشرافه ورقابته الشخصية. وما يميز هذه المفاوضات عن غيرها المدة الطويلة التي استغرقها الاعداد لها، والجهد الكبير الذي بذله الموفد الأميركي الخاص الى الشرق الأوسط جورج ميتشل في ردم الهوات بين الطرفين، وفي صوغ التسوية للمشكلات المطروحة.
ولم يسبق أن شهدت المفاوضات الفلسطينية –الإسرائيلية هذا الحجم من الاعداد والتحضير، سواء على المستوى الفلسطيني أم على المستويين الإسرائيلي والأميركي. ومن يقرأ تفاصيل الجولات التفاوضية الماضية يرى أن عدم وجود تصور واضح وتفصيلي ودقيق للحلول المقترحة للمشكلات،كان دائماً أحد الأسباب الأساسية في إفشال هذه المفاوضات.
ويقال إن طاقم المفاوضين الإسرائيلي المحدود العدد الذي يترأسه المحامي إسحق مولخو، وهو أحد أقرب المستشارين السياسيين الى نتنياهو، على الرغم من أنه ليس عضواً في حزب الليكود، يحمل معه التصور الإسرائيلي للحل، أو لإتفاق سلام "ثابت ودائم" مع الفلسطينيين وليس "هدنة بين حربين" بحسب قول نتنياهو.
ثمة عدد من المشكلات الأساسية المطروحة على جدول الأعمال، سيحاول المجتمعون التوصل الى تسوية بشأنها بمساعدة الأميركيين الذين ستكون مهمتهم ردم الهوات بين الطرفين، واقتراح صيغ للحل، والضغط على كلا الطرفين حين تبرز الحاجة. في طليعة هذه المشكلات: ترسيم الحدود بين الدولتين ومستقبل المستوطنات اليهودية، والترتيبات الأمنية، ومستقبل مدينة القدس، وحل مشكلة اللاجئين. هنا تتباين مواقف الطرفين وتختلف (أنظر الجدول)، وسيحاول الوسطاء الأميركيون تسويق تسوية مقبولة من الطرفين.
المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية التي بدأت هي حلقة من سلسلة جولات تفاوضية شهدتها الأعوام الماضية (أنظر كرونولوجيا المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين). ولكنها تختلف عن سابقاتها بأنها تأتي في ظل ظروف فلسطينية وإسرائيلية مختلفة.
فعلى الصعيد الفلسطيني أحدثت وفاة ياسر عرفات، فراغاَ كبيراً على صعيد التمثيل الفلسطيني. فاقم ذلك واقع الانقسام الداخلي في ظل سيطرة حركة"حماس" بالقوة على قطاع غزة، والخلاف الحاد بين قيادة السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، وزعامة "حماس" في القطاع، والتي باتت تنكر على قادة السلطة تمثيلها الأوحد للشعب الفلسطيني، وتطالب بأن تكون شريكاً في أي اتفاقات يجري التوصل اليها. هذا مع العلم بأن "حماس" ترفض مبدأ التفاوض مع اسرائيل.
والهجمات الأخيرة التي قام بها أنصار الحركة في الضفة الغربية ضد مستوطنين يهود أبرز دليل على هذا الرفض. ومن المنتظر أن يلاقي محمود عباس معارضة قوية من جانب "حماس" وسائر الأطراف الفلسطينية المتشددة لأي اتفاق يتم التوصل اليه، الأمر الذي سيشكل اختباراً حقيقياً لزعامته السياسية، وعقبة أمام قدرة السلطة الفلسطينية على الالتزام بتطبيق الاتفاقات.
على الصعيد الإسرائيلي، شهد الرأي العام تحولاً مهماً نحو اليمين برز في الانتخابات الأخيرة للكنيست، وفي الأصوات الكبيرة التي حصدها حزب أفيغدور ليبرمان المناهض للتسوية مع الفلسطينيين والمؤيد لبقاء المستوطنات. كما أن الجمهور الإسرائيلي يبدو وكأنه يئس من امكانية التوصل الى تسوية مع الفلسطينيين بعد استيلاء "حماس" على السلطة في غزة، وبعد صورايخ القسام التي أخذت تتساقط على المستوطنات المتاخمة للقطاع. ويتمتع اليمين القومي المتشدد اليوم بنفوذ كبير داخل الائتلاف الحكومي الذي يتزعمه بنيامين نتنياهو.
وعلى الرغم من تأييد أعضاء الإئتلاف مبدأ المشاركة في المفاوضات، إلا أنهم وضعوا قيوداً كثيرة على رئيسهم، وطالبوه بوضعهم في صورة المحادثات، وألحوا عليه عدم التوقيع على أي شيء من دون العودة اليهم. وعملياً يمكن اعتبار تمسك اكثرية وزراء الحكومة باستئناف البناء في المستوطنات بعد 26 أيلول تاريخ انتهاء قرار التجميد مؤشراً على ما ستؤول اليه الأمور. فإذا أصر وزراء اليمين على ذلك، فإنهم سيضعون نتنياهو أمام خيارين إما الرضوخ لهم، وتالياً تفجير المفاوضات؛ أو التمسك بالصيغة التي اقترحها الوزير مريدور بتجميد البناء في المستوطنات المعزولة فقط، والتي لا يوافق عليها المفاوض الفلسطيني، علماً أن هذا القرار قد يضعه في مواجهة ليس فقط مع اليمين القومي المتشدد، وإنما ايضاً مع صقور حزب الليكود الذين لا يقلون تشدداً عن هؤلاء. إن الطريقة التي سيتصرف بها نتنياهو ستشكل دليلاً واضحاً على توجهاته الحقيقية التي لم يكشف عنها علناً حتى الآن.
على صعيد الكنيست الإسرائيلية، يمكن رسم الصورة التالية: في حال طُرح اقتراح الإتفاق مع الفلسطينيين على التصويت فإنه على الأرجح سينال موافقة حزب المعارضة كاديما(28 صوتاً) وحزب العمل (13)، بالإضافة إلى أصوات أحزاب اليسار والأحزاب العربية (14 صوتاً). أما على جبهة أحزاب اليمين، من المعلوم أن هناك عدداً من أعضاء حزب الليكود في الكنيست يعارضون مبدأ تقسيم القدس وتفكيك المستوطنات اليهودية، وهؤلاء قد يتمردون على قرار زعيمهم، ولكن من ناحية أخرى المعارضون الشرسون لأي تنازلات للفلسطينيين هم حزب "إسرائيل بيتنا"(15 صوتاً)، وحزب الاتحاد القومي (4)، وحزب البيت اليهودي –المفدال الجديد(3).
أما تصويت الأحزاب الدينية مثل "شاس"(11 صوتاً) و"يهودوت هاتوراه"(4)، فليس محسوماً منذ الآن وهو عرضة لمقايضات سياسية داخلية.
لكن الثابت في هذه المفاوضات كما في كل سابقاتها، الهجمة التي تتعرض لها من جانب كل الأطراف الراديكالية الفلسطينية والإسرائيلية على حد سواء، والتي تأخذ شكل هجمات وحملات تحريض من كلا الطرفين. ناهيك بتأثير دول "الممانعة" العربية التي بدأت منذ الآن حملتها ضد المفاوضات.
أكثر من 19 عاماً مرت منذ انعقاد مؤتمر مدريد، وبدء العملية التفاوضية بين إسرائيل والعرب. المفاوضات الدائرة حالياً في واشنطن قد تشكل فرصة للطرفين الفلسطيني والإسرائيلي من أجل تسوية نهائية للنزاع. ووجود رئيس مثل باراك أوباما على رأس الإدارة الأميركية، واجماع الرأي العام الدولي على تسوية النزاع يشكل ايضاً حافزاً مهماً من اجل نجاح الطرفين في مهمتهما.
كرونولوجيا المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية
- 1/9/1993: التوقيع في واشنطن على اتفاق أوسلو بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية.
- 4/5/1994: التوقيع في القاهرة على اتفاق الحكم الذاتي في غزة وأريحا.
- 28/9/1995: التوقيع في واشنطن على الإتفاق الانتقالي بين إسرائيل ومنظمة التحرير.
- 4/11/1995: اغتيال اسحاق رابين، على يد يهودي متدين هو ريغال عمير.
-23/10/1998: اتفاق واي ريفر بين نتنياهو وعرفات.
- 17/5/1999: انتخاب إيهودا باراك رئيساً للحكومة الإسرائيلية.
- 4/9/1999: التوقيع على مذكرة شرم الشيخ بين ياسر عرفات، وإيهود باراك.
- 8/11/1999: بدء المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية في رام الله.
- 10/5/2000: مفاوضات سرية إسرائيلية-فلسطينية في السويد.
- 11- 25/7/2000: قمة كمب ديفيد بين كلينتون وعرفات وباراك.
- 29/9/2000: بداية انتفاضة الأقصى.
- 23/12/2000: خطة كلينتون لإتفاق فلسطيني - إسرائيلي.
- 18/1/2001: مفاوضات إسرائيلية - فلسطينية في طابا.
- 6/2/2001: انتخاب أرييل شارون رئيساً للحكومة الإسرائيلية.
- 30/5/2003: اعلان البيت الأبيض عن خريطة الطريق لحل الدولتين، وحل النزاع حتى عام 2005.
- 3/6/2003: قمة شرم الشيخ بين الرئيس مبارك وجورج بوش ورئيس الحكومة الفلسطينية محمود عباس، ورئيس الحكومة الإسرائيلية أرييل شارون.
- حزيران 2005: أرييل شارون يعلن خطته للانفصال عن غزة. في أيلول من العام عينه ينهي شارون خطته باخلاء كل المستوطنات اليهودية في القطاع.
-27/11/2007: الرئيس جورج بوش يعقد مؤتمر أنا بوليس للبدء بالمفاوضات الاسرائيلية -الفلسطينية بمشاركة محمود عباس وإيهود أولمرت.
- 22/9/2009: لقاء مشترك بين باراك أوباما ومحمود عباس وبنيامين نتنياهو في نيويورك على هامش أعمال الجمعية العمومية للأمم المتحدة.
-27/7/2010: لقاء سري في العاصمة الأردنية يجمع بين محمود عباس ونتنياهو.
"جدول أعمال" الاختلافات
قضية ترسيم الحدود
الموقف الفلسطيني
إنهاء الاحتلال الاسرائيلي للضفة الغربية والعودة الى حدود الرابع من حزيران عام 1967، كشرط أساسي لدولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة وقابلة للحياة. من المتوقع أن يرفض عباس إدخال مستوطنة أريئيل ضمن الكتل الاستيطانية، لأنها تقع على بعد 18 كلم من الخط الأخضر، وتقطع التواصل الجغرافي بين أنحاء الضفة. كما سيصر على نسبة متساوية لتبادل الأراضي.
الموقف الإسرائيلي
إعلان الفلسطينيين انهاء حالة النزاع والإعتراف بإسرائيل كدولة يهودية، مقابل الإنسحاب الى ما وراء الخط الأخضر، وضم الكتل الاستيطانية اليهودية الكبرى الواقعة وراء هذا الخط، ومبادلة أراض مع السلطة الفلسطينية. إقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح. تفكيك المستوطنات اليهودية المعزولة في الضفة ونقل سكانها الى داخل إسرائيل.
قضية الترتيبات الأمنية
الموقف الفلسطيني
المطالبة بدولة ذات سيادة، قادرة عن الدفاع عن أمن مواطنيها. مع رفض أي وجود عسكري إسرائيلي في الضفة وغور الأردن، ومع المطالبة بوجود قوات تابعة للحلف الأطلسي.
الموقف الاسرائيلي
تشدد إسرائيلي في المطالبة بدولة منزوعة السلاح، وبإبقاء منطقة غور الأدرن تحت السيطرة العسكرية لإسرائيل، والحصول على ضمانات أميركية تضمن سلامة وأمن إسرائيل.
قضية القدس
الموقف الفلسطيني
اعلان القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية المستقلة، تفكيك المستوطنات اليهودية المقامة داخل المدينة، المطالبة بالسيادة على الحرم الشريف.
الموقف الإسرائيلي
الرسمي ليس واضحاً تماماً حتى الآن. ولكن يجري الحديث عن إمكان تقسيم القدس بحيث تكون الأحياء اليهودية خاضعة للسيادة الإسرائيلية، والأحياء العربية خاضعة للسيادة الفلسطينية؛ أما المدينة القديمة والأماكن المقدسة فتخضع لسلطة خاصة ويطبق عليها تفاهمات متفق عليها.
قضية اللاجئين
الموقف الفلسطيني
التمسك بحق اللاجئين بالعودة الى أراضيهم، مع إبقاء الباب مفتوحاً امام صيغ للحل.
الموقف الإسرائيلي
رفض عودة اللاجئين الفلسطينيين الى إسرائيل، والعمل على إيجاد حل لهم في الدولة الفلسطينية، أو التعويض عليهم، ودعوة دول العالم للمساعدة في ايجاد حل لهم.
البناء في المستوطنات
الموقف الفلسطيني
يطالب الفلسطينيون بتمديد قرار تجميد البناء بحيث يشمل كل المستوطنات الاسرائيلية بما في ذلك القدس.
الموقف الإسرائيلي
ثمة توجه الى الاستمرار في قرار تجميد البناء في المستوطنات المعزولة التي سيجري اخلاؤها في التسوية المقبلة، مع استئنافه في الكتل الاستيطانية الكبرى، وفي القدس التي ستبقى تابعة للسيادة الإسرائيلية.