هذا أوان الثورة
الذي انتظرناه طويلاً. بعد عقود عرفنا فيها السجون والمجازر والكبت والتشريد. وقد جاء؛ بجرأة الشباب وإبداعه؛ محملاً بطاقة جبارة على التغيير الشامل، في السياسة والاقتصاد والثقافة والأخلاق وغير ذلك...وهذا طبع الثورة الحقيقية، أن تشحن الشعب بطاقة جديدة هائلة من الشجاعة والتصميم والتضامن والقدرة الواضحة الحاسمة على إنهاء الاستبداد والانتقال إلى الديمقراطية.
1- من الاستبداد... إلى الثورة
لقد مرت علينا- نحن السوريين- عقود من الاستبداد، أدت إلى ابتلاع الدولة من سلطة غاشمة برأس واحد، صادرت إرادة الشعب، وعمَّمت نظاماً أمنياً كلي الهيمنة على جميع جوانب الحياة، وحوَّلت الجيش الوطني إلى آخر عقائدي لخدمة النظام، وأدت إلى هيمنة السلطة التنفيذية على السلطتين التشريعية والقضائية، واعتمدت الإفساد وسيلة لجمع المؤيدين إلى جانب الترهيب ونشر الخوف، مما أدى إلى انتشار الفساد ونهب الثروة الوطنية، وهكذا انهار موقع سورية على جميع مؤشرات التنمية الاقتصادية والبشرية.
بالرغم من انتقال السلطة عبر التوريث، فقد ازدهر ربيع دمشق في عام 2000، قبل هجوم السلطة عليه بشراستها القديمة المألوفة في خريف 2001، ثم انقضاضها على الانتفاضة الكردية عام 2004. وفي عام 2005، ظهر إعلان دمشق، الذي حمل دعوة مفتوحة لكل القوى التي تعمل من أجل التغيير، واستطاع في أواخر 2007 أن يقدّم نموذجاً في آليات الائتلاف على برنامج التغيير الوطني الديمقراطي، من خلال انعقاد مجلسه الوطني الأول، في ممارسته وبيانه الختامي الذي ما زال صالحاً حتى الآن في توجهاته؛ وأيضاً قبل أن يزج النظام بالكثير من قياداته ونشطائه في السجون ويلاحق الآخرين.
ومؤخراً فتحت أدوات العصر الحديث طريقاً جديداً للشباب العربي، يتواصلون من خلاله ويبحثون في طرائق لهدم الجدار الذي يغلق الآفاق أمامهم... وبلغ اشتداد الخناق مداه الأقصى، فابتدأ الربيع العربي من تونس، بقوة الشباب وإبداعه، ليمتد إلى مصر فليبيا واليمن والبحرين وصولاً إلى سورية.
التقى معاً، تصميم الشباب السوري على البدء في ثورته في منتصف آذار، مع الاحتقان الذي أثارته غطرسة النظام ووحشيته باعتقال الأطفال في درعا وتعذّيبهم؛ في إضرام الثورة المجيدة من أجل الحرية والكرامة والتغيير الديمقراطي. هذه الثورة، التي كنا وما زلنا- نحن في إعلان دمشق- منحازين إليها منذ بدايتها وداعمين لها.
لقد انقضى زمن الاستبداد، ولم يعد ممكناً الرجوع إلى وراء، وأصبح التغيير الوطني الديمقراطي مطلباً مباشراً لشعبنا. وليس ما ترفعه الجماهير من شعار إسقاط النظام إلا تطوير ميداني لعملية التغيير.
أثبتت الثورة حتى الآن أنها سلمية بطبيعتها وأهدافها، عصية على الانجرار إلى العنف والصراع الطائفي البغيض. وهي قادرة على سدّ الفجوات التي يحاول النظام أن يحدثها فيها، فالثورة ما زال يحكمها الصبر والحكمة والتفهّم، في علاقتها بالفئات التي ما زالت صامتة، وكلما بادرت قوى النظام إلى التسليم بإرادة الشعب والبدء بنقل السلطة، كان لها دور في تحسين أمن عملية الانتقال وأمانها.
2- ما ينبغي هو الدخول في مرحلة الانتقال الآنً
على النظام أن يبادر فوراً إلى ضمان حق التظاهر السلمي وحرية العمل السياسي والقيام بما يلي:
1- تحقيق مبدأ حيادية الجيش أمام الصراعات السياسية الداخلية، وعودته إلى ثكناته لأداء مهمته في حماية الوطن والشعب، وضمان وحدة البلاد.
2- وقف انتشار الأجهزة الأمنية وتشكيلاتها المتشعبة، وكف يدها عن قمع الشعب، وإعادة هيكلتها مع بدء المرحلة الانتقالية.
3- إنهاء جميع أعمال القمع والقتل والاعتقال السياسي، والإفراج عن كافة سجناء الرأي والمعتقلين السياسيين.
4- اعتقال المسؤولين عن الجرائم المرتكبة بحق المواطنين العزل، لمحاكمتهم أمام قضاء مستقل.
5- إيقاف الحملة الإعلامية التحريضية على الثورة وتحرير الإعلام الرسمي من احتكار السلطة وهيمنة الأجهزة الأمنية عليه، والسماح بحركة وسائل الإعلام العربية والدولية.
6- السماح للمنظمات الحقوقية والإنسانية بالعمل بحرية في بلادنا.
7- عودة المبعدين السياسيين بدون شروط، وإلغاء الأحكام الصادرة بحقهم. وإلغاء القانون 49 سيئ الصيت.
يمكن الدخول في مرحلة انتقالية يجري التوافق على أسسها من خلال مؤتمر وطني جامع تحت عنوان التغيير الديمقراطي وتحديد مستقبل البلاد وطبيعة نظامها السياسي يضم ممثلي الشباب الثائر وممثلي المجتمع السوري بكل أطيافه وممثلي المعارضة، ومن كانت أيديهم نظيفة من دماء الشعب أو ثروة الوطن من أهل النظام، ، ونقدم فيما يلي بعض أفكارها الأولية:
1- يتشكل مجلس وطني في المرحلة الانتقالية، من ممثلي الشباب الثائر وممثلي المجتمع السوري بكل أطيافه وممثلي المعارضة، مع قادة الجيش وأهل النظام ممن يقبلون عملية الانتقال ولم تتلوث أيديهم بدماء المواطنين أو ثروتهم الوطنية.
2- يشكل المجلس حكومة من ذوي الكفاءات لتسيير أمور البلاد.
3- تجري تحت إشراف الحكومة الانتقالية انتخابات حرة وبضمانات كافية لجمعية تأسيسية تقر دستوراً جديداً ومعاصراً، يقرّه استفتاء شعبي.
3- سوريا الجديدة كما نراها
لن يرضى السوريون، بعد كل ما عانوه من ظلم وعنت، أن تكون بلادهم أقل من الشعوب الأخرى التي تحيا في ظل دولة مدنية حديثة، تقوم على المبادئ التالية في دستورها:
سورية جمهورية ديمقراطية، السيادة فيها للشعب ونظامها برلماني يقوم على مبدأ المواطنة والمساواة وفصل السلطات وتداول السلطة وسيادة القانون.
وهي تضمن لمواطنيها ما ورد في الشرائع الدولية من حقوق الإنسان، والحريات الأساسية في الاعتقاد والرأي والتعبير والاجتماع والإعلام وغيرها.
تهتم حكومتها بتنميتها اقتصادياً وبشرياً، بشكل مستمر ومتصاعد. الثروة الوطنية فيها ملك للشعب أولاً، تنعكس عدالة توزيعها في سياسة الحكومات المتعاقبة تحت أنظار الشعب وممثليه.
تشكل سورية الجديدة بنظامها المدني الديمقراطي أفضل ضمانة لكافة مكونات الشعب السوري القومية والدينية والطائفية وحل القضية القومية للشعبين الكردي والآشوري حلاً ديمقراطياً عادلاً في إطار وحدة سورية أرضاً وشعباً مع ممارسة حقوق وواجبات المواطنة المتساوية بين جميع المواطنين.
تضمن سورية الجديدة للمرأة حقوقها الكاملة، وحسب الشرائع الدولية. كما تقرّ لها في دستورها بنسبة فعالة في البرلمان.
* * *
إن الرؤية السياسية التي طرحتها الأمانة العامة لإعلان دمشق في حزيران الماضي- وفي نقاطها الأساسية- جزء لا يتجزأ من تصورنا لمسار العملية السياسية والعمل المشترك للمعارضة الديمقراطية في سوريا.
على طريقنا هذا، الذي قد يطول أو يقصر؛ ونرى الضوء واضحاً في نهايته مع بداية المعجزة التي صنعها شباب سوريا؛ لابد من التقاء المعارضة الديمقراطية، بعد تبلورها يوماً إثر يوم في تجمعات كبيرة، على برنامج واضح يعتمد التغيير الوطني الديمقراطي شعاراً، وضمن شرط التلاحم والتحالف مع قوى الثورة الحية وتنسيقياتها التي تزداد قوة ووحدة وتنظيماً.. للانطلاق أقوياء معاً في مسار عملية الانتقال من حالة الاستبداد إلى فضاء الديمقراطية الرحب، في دولة مدنية حديثة.
عاشت سوريا حرة وطناً ومواطنين
بتاريخ 20 / 7/ 2011
الأمانة العامة لإعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي