مرافعة نقيب المحامين في طرابلس الاستاذ بسام الداية (في الشق الوطني ) ممثلاً جهة الادعاء الشخصي في جلسة المجلس العدلي بتاريخ 14/10/2011 لمحاكمة معمر القذافي واعوانه في جريمة خطف وحجز حرية الإمام الصدر واخويه
الجمعة، 14 ت1، 2011
أصحاب السعادة؛
رئيس وأعضاء المجلس العدلي المحترمين؛
سعادة النائب العام التمييزي الأستاذ سعيد ميرزا المحترم؛
الزملاء الأعزاء؛
الغيبة والغدر ثقيلان، ولكن الليل مرتعُ القمر، والنهارُ قبة الشمس، وهو كالشمس والقمر، لا تُنَكَّسُ له هامة، ولا تلتوي له قامة... لأنه صاحب الإمامة والقوامة، لأنه سماحة الإمام السيد موسى الصدر... كليم العقول وصدر الوطن وأمل المحرومين...
غيْبته.. إختطافه... تطارد الغدّار الذي يفرّ من جحر إلى آخر... عالي النبرة دنيء الحضرة... جعل من باطنِ الأرضِ ملاذَه وحوّل سطحَها إلى يباب.
ظنّ أنه ملك الأرواح والكرامات وصادر الحريات وقبض على زمام الثروات يبذّرها أبناؤه وحاشيته على حساب النمو ومستقبل الأجيال... وعاث في الكرة الأرضية فساداّ وطارد الآمنين المدنيين في رحلات طائراتهم كمن ينصب نفسه قيّماً على الحياة... وصاحباً للرزق يستأجر الثورات أو يخترعها ويلفّقها... يجابه بعضاً من الدول بالصراخ وينهزم أمامها من أول طلقة... إنه المتهم معمّر القذافي... الذي لفظته الأمة والشعب من شدة قهره وظلمه وتعسفه وتعظيمه لذاته ومصادرته لحقوق الإنسان.
لا أرى إلا سماحة الإمام السيد موسى الصدر ورفيقيه يطاردون ذلك الطاغية.. بالعقل المشرق الذي يكرهه... بالسماحة التي يُعاديها... بالتواصل الذي دأب على تقطيعه... رافعاً كتابه الأخضر الأبله... وهو في حقيقته كتاب أسود في عمر البشرية وبخاصة في عمر الشعوب العربية...
أصحاب السعادة...
على مشارف الأحداث اللبنانية بزغ لنا السيد موسى الصدر كأنه النجم الهادئ... يعتصم في المسجد... يصوم مع الجياع... يحاضر في الكنائس كأنه حِبرٌ من أحبارها ويدعو اللبنانيين إلى التبصّر في عواقب الفتنة... بل كان يقول لهم... هذا هو لبنان شرفة العروبة والإنسانية، موئل التفاعل والتلاقح، ملاذ الجوار ومَبْعث الأنوار... فحافظوا عليه... لأن التفريط بهذا الكيان هو تفريط بالوجود وبالشرف معاً.
إنه السيد موسى الصدر الذي تحدّر من أرومة سيد الشهداء حبيب رسول الله محمد عليه الصلاة والسلام وجسّد بنفسه بعضاً من عذابات السيّد المسيح، يُغيَّب فجأة ومُحِبُّوه ولبنان بأمس الحاجة إلى وجوده لكي يقتحم المتاريس ويزجر المتمترسين والمسلحين ... متجلبباً ببساطته وعمق تفكيره متعمماً بضوء النهار حاملاً عصاه لكي يَذودَ بها عن أهله ووطنه لبنان.
لم يكن السيد موسى الصدر سوى جسر التواصل وهوائي الإتصال يخاطب المسيحي بلغة الفداء... ويكلم السّني بلسان الحسين... ويلعن مع الجميع كما نحن الفتنة الكبرى وما ولّدته من فتن... ويذهب إلى العقل حاملاً له نبض قلبه... ويدخل القلب بشعاع عقله... كأنه القلب والعقل معاً... كأنه اللسان الذي يبني أواصر المواطنة التي لا تقوم إلا على رجاحة الفكر والبراءة من التعصب والتزمّت والتحجّر...
يقول سماحته " رفضنا وسنرفض بقوة حمل السلاح في سبيل التحديات أو المنافسات أو الإنفعالات الطائفية "... ونحن نقول له نعم أيها السيد... ما زلنا على هذا الموقف لأننا نرى أن السلاح الموجّه نحو العدو الإسرائيلي الغاصب... هو زينة الرجال...
يقول سماحته " أن حياة المواطن غاليةٌ جداً لا نبذلها رخيصة ولا نستهتر بنقطة من الدم، ولا نتاجر بالشهادة والشهداء "... ونحن نقول له... حياتك غالية على كل مواطن وغيبتك لن تطول بإذن الله وعودتك أمل في أن يمسك الرجال بزمام الأجيال... فالنار تكاد تُحرقنا هنا وهناك وهنالك... فالقبطي سليل مكرم عبيد يتوجس خيفة من أخيه... وهنالك من ينفخ بين العلوي والسني والدرزي والشيعي... وأنت مطفئ هذه النار وأمثالك أهل لإنقاذ الأمة من الغمة...
أصحاب السعادة؛
لقد دأب المجرمون على تغييب أهل الحوار وقادة الرأي ورادة التواصل لكي تبقى آلة الغدر وسيلة بارزة في الصراع السياسي ولكننا ما زلنا نعوّل مع سماحته على الحوار ونعوّل على حامل رسالته دولة الرئيس نبيه بري بما أوتي من حنكة وحكمة ومهارة وما حمل على كتفيه من أمانة الغائب أن يمدّ مع المخلصين ومن موقعه ومن شخصه جسراً للقاء والحوار والتآخي...
فوحدة لبنان هي الأساس وكل ما عداها إستثناء...
ولبنان كما نؤكد مع سماحة الإمام المغيّب هو ضرورة حضارية للعالم... والتعايش اللبناني هو ميزة لبنان الخاصة وأن السلام لقاء تاريخي محتوم بين الإسلام والمسيحية... وعلينا أن نرسّخ دعائم الوطن متمسّكين بصيغة العيش المشترك ذلك أن لبنان شاء من شاء وأبى من يتآمر على وحدته... هو وطن نهائي لجميع أبنائه... إنه بلد اللقاء والحوار، بلد الحرية والديموقراطية، بلد الإنسان والإنصهار الوطني....
إننا إذ نقف في هذا المقام فلِنبيّن لمجلسكم الموقر كم أن الخسارة فادحة بذلك التغييب الغادر... وكم أن جريمة الإختطاف منكَرة... وكم الأهداف جهنمية... إرتكبها الشيطان الذي لا بد أن ينال عقابكم الصارم وعقابه القومي والوطني والدولي كما لا بد ان ينال عقاب السماء...
وعلى أمل أن لا تطول غيبتك أيها الحاضر الدائم بيننا أترك الكلام لسادتي الزملاء الذين شرّفوني بمشاركتهم في هذه القضية الوطنية بإمتياز، كما أترك لهم تحديد المطالب في هذا المكان وهذا الزمان حيث تلتئم محكمة، لا ينظمها مذهب ولا تجمعها طائفة وخلت وراءها وبمهابتها دعوات دحضها اللبنانيون الذين يجب أن يمارسوا وحدتهم كل يوم بحقي الإختلاف والإتفاق ولكن على أسس وطنية لا تمت إلى الطائفية والمذهبية بصلة كما نهج وفكر الإمام المغيّب السيد موسى الصدر.