الجمعة 23 ديسيمبر 2011
حسام عيتاني
كرد فعل شرطي، جاءت الانفجارات في بغداد بعد اتهامات نوري المالكي لطارق الهاشمي وصالح المطلك بالتورط في أعمال إرهابية.
ما كان يصح الاعتقاد أن تصعيداً طائفياً من النوع الذي نشب في يوم الانسحاب الأميركي من العراق، يمكن أن يمر من دون أن يدفع ثمنه المدنيون العراقيون. وبعد عدد من التفجيرات التي سقط ضحيتها بعض المواطنين، جاءت تفجيرات بغداد أمس لترسم الأطر الحقيقية للأزمة التي يتجه العراق نحوها.
ربما نشهد في هذه الأيام التباين الأوسع في وجهات النظر حول تقاسم السلطة في العراق (على أساس طائفي طبعاً)، منذ الاحتلال الأميركي في 2003، فيما تلوح سمات احتراب أهلي ستبدو معه موجة المجازر والتصفيات الطائفية في العامين 2006 و2007، كنزهة في حديقة. ويخطئ من يقلل من حجم الأحقاد بين العراقيين على رغم أنهم ما زالوا يتخاطبون على شاشات الفضائيات بـ «الأخوة في القائمة العراقية» و «الأخوة في لائحة دولة القانون». فإرث الكراهية الذي لم تفعل أعوام الاحتلال غير تضخيمه، جاهز للانفجار.
لا يمكن لغير تحقيق قضائي نزيه ومستقل الجزم في صحة أو عدم صحة الاتهامات إلى الهاشمي والمطلك، لكن سيكون من المضحك الاعتقاد بغياب الأبعاد السياسية عن اتهام الرجلين في اليوم الذي أنهى فيه الأميركيون وجودهم العسكري الرسمي في البلاد. ففي بلد شهد ما لا يمكن وصفه أو تخيله من جرائم انغمس في أوحالها المسؤولون السياسيون والأمنيون من كل صنف ولون، تبدو غبية تلك الصلة التي يريد المالكي إقامتها حصراً بين الهاشمي والمطلك (واستطراداً الطائفة التي ينتميان إليها) وبين الأعمال الإرهابية. ومعروفة بالأسماء والتواريخ الجهات التي تلوثت أيديها بدماء العراقيين، من مختلف الطوائف والاتجاهات، في الأعوام الماضية.
وربما لا يبالي المالكي، باستعجاله اتهام خصميه بتصوير الاحتلال السابق كضمانة للأقليات في العراق. فالمهم عنده، على ما يبدو، إحكام القبض على نياط السلطة ومنع تسربها إلى الأطراف المشاركة شكلياً في الائتلاف الحكومي الذي ظهر بعد لأي وعسر عام 2010. وربما يجوز الرد على اتهامات رئيس الوزراء إلى نائبه المطلك ونائب رئيس الجمهورية الهاشمي، باتهامات من القاموس ذاته، كاسترجاع سجل علاقته بإيران والتجاوب الكامل مع السياسات الإيرانية في العراق وخارجه.
ويمكن التذكير أيضا أن إصرار المالكي على الاستحواذ على السلطة كاملة واحتكارها وإبعاد كل من يبدي ميلاً للتعاون مع الفئات المختلفة من أجل صوغ حياة سياسية جديدة، كعدد من قادة قائمة «العراقية»، يترافق مع فشل عام وشامل في جميع النواحي الخدمية والأمنية. وأحوال الكهرباء والماء والطرق في عراق اليوم تبدو أسوأ مما كانت أيام الحصار الدولي في التسعينات، على رغم إنفاق مئات البلايين من الدولارات على مشاريع البنى التحتية. أما الأمن فيبدو أن المالكي الممسك بخيوط جميع الأجهزة والقوات المسلحة، لا يفهمه سوى تجريد للحملات على مناطق خصومه السياسيين.
بيد أن هذا وغيره لا يجب أن يخفي الصورة العريضة للموقف في العراق. فأوان الأفراد الذين تتحكم بهم هواجسهم الطائفية والشخصية يجب أن ينتهي، بغض النظر إلى أي ملة أو طائفة أو عرق انتموا، ليحين وقت العراقيين الراغبين فعلاً في طي صفحة الاحتلال والتوجه نحو معالجة الأحقاد ومحو آثارها. هذا، أو أننا سنشهد في القريب حقول قتل تجعل العراقيين يترحمون على الماضي.