الثلاثاء، 12 يناير 2010

هذا الجيش ليس جيشي وهذا العارُ ليس عاري

هذا الجيش ليس جيشي وهذا العارُ ليس عاري

محمد كناعنة – أبو أسعد
أمين عام حركة أبناء البلد في فلسطين المحتلة 1948



إلى رافضي الخدمة الاجبارية في جيش الاحتلال الصهيوني، هؤلاء الشبان من أبناء الطائفة العربية الدرزية الذين لم يُذعنوا لقانون ما يُسمى "بالخدمة العسكرية" ورفضوا مزاعم "حلف الدم"، هذا القانون لم يكن برضى من الطائفة العربية الدرزية، لا بل كان هناك معارضة كبيرة جدًا لهذا القانون في حينه حيث وقّع على وثيقة رفضه عام 1953 حوالي ألف وخمسمائة رجل دين وسياسة وأكاديميين من أبناء الطائفة الدرزية، ووقع عليه فقط خمسة عشر شخصية درزية، في مؤامرة على إرادة هذه الطائفة العربية الأصيلة، وأصبح القانون إجباريًا جائرًا. وخلال سنوات هذا الجيش الاحتلالي وهذه المؤسسة العنصرية الفاشية لم تتوقف سياسة "فرّق تسد" بين أبناء الشعب العربي الفلسطيني في الداخل، ورغم كل هذه السياسة الجائرة إلاّ أنَّ صرخة المقاومة ضد سلخ هذا الجزء الحي عن شعبه تنامت وتصاعدت وما زالت، وصوت الشباب العربي الدرزي وكل القوى الوطنية ما زالت ترفع صوتها وتصرخ: "هذا الجيش ليس جيشي، هذا الثوب ليس ثوبي، هذا العار ليس عاري".
مئات الشبان العرب الدروز يرفضون الخدمة في جيش الاحتلال ويدفعون هم وعائلاتهم ثمن هذا الموقف القومي والأخلاقي، سنوات من السجن والمطاردة والملاحقة ولكنَّهم بهذا إنَّما يساهمون في اعادة ما سُلب من هذه الطائفة عُنوةً من انتماء وتاريخ وثقافة الصمود والمقاومة. هذه الفئة من الشبان تستحق منّا ليس التقدير والاحترام فقط، بل كل الحب والدعم والمساندة وصولاً إلى مرحلة يكون فيها رفض تام للخدمة والوقوف معًا جنبًا إلى جنب لمحاربة كل ظواهر الخدمة الطوعية والمدنية.
وهذا يتطلب من كل الهيئات الفاعلة في الموضوع العمل على رفع هذا الصوت، صوت رفض الخدمة الاجبارية وإلغاء القانون الارهابي الذي يحرق زهرة الشبان العرب الدروز في محرقة الاحتلال البغيض، والعمل على رفض الخدمة الطوعية في هذا الجيش، فهذا النوع هو الأخطر كونهُ يأتي من دوافع ذاتية خدمة لكذبة المصلحة الشخصية وهي في الحقيقة خدمة لجيش الاحتلال.
خلال سني الاحتلال الطويلة مورست سياسة التفرقة عبر غسيل الدماغ في المناهج التدريسية وفي نمط الحياة واعلان عن مناسبات لا تمت بصلة للعرب الدروز مثل "يوم الجندي الدرزي" ويوم "المحارب البدوي"، وإلغاء مناسبات وطنية قومية دينية، مثل عيد الفطر السعيد الذي سُلب من الطائفة العربية الدرزية الإسلامية، وعليه بات التعامل معنا كطوائف ومُلل أمرًا "طبيعيًا" وغَدت الخدمة العسكرية مفخرة لدى البعض والتطوع في الجيش وجهة نظر وما يُسمى بالخدمة المدنية – حَدّث ولا حرج- حُرية شخصية.

هذه الحالة المزعجة والمقلقة تتطلب توحيد الجهود ليس في مواجهة الظاهرة فحسب، أو محاربة للخدمة الاجبارية والطوعية فقط، وإنّما في تعزيز العمل على قاعدة أنّنا شعب واحد ولسنا طوائف، وترسيخ الوعي الوطني والقومي ونشره وبثه في صفوف المجتمع وخاصة الشباب يأتي في سياق اعادة تشكيل النسيج الاجتماعي الوطني والقومي المفقود.

هذا المشروع ليس جديدًا، وكما ذكرنا سابقًا فإنّهُ قائم منذ بداية وجود هذا الجيش، ولكن الجديد في الأمر إلى حدٍ ما أنّهُ يأخُذ منحى الرفض والمقاومة، رفض التجنيد الاجباري والتجنّد الطوعي، والمقاومة لكل محاولات الطمس والسلخ والتجزئة والشرذمة القادمة من باب "المواطنة والمساواة" مقابل الولوج في عالم المؤسسة الصهيونية وخاصة الأمنية على مختلف مسمياتها. وهنا صعوبة وخطورة هذا المشروع فهو بطبيعة الحال سوف يواجه من قبل أجهزة المؤسسة الصهيونية وأعوانها، فهذا المشروع من أهم المشاريع التي تحمل وزرها اليوم لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية في البلاد كونه يحمل في طياته بذور العودة إلى ما قبل الانهيار الكبير "النكبة"، إلى التصرف على قاعدة أننا شعب واحد جزء من أمة واحدة.