مسيحيو العراق مهجرون في وطنهم وكنيسة مار يوسف ملاذهم
شهدت الأشهر التي سبقت الانتخابات حملات تهجير للمواطنين المسيحيين في مدينة الموصل مركز محافظة نينوى، ما جعل الكثير من العائلات المسيحية تنزح نحو محافظات إقليم كردستان بحثاً عن الأمن، لاسيما منطقة عين كاوه في اربيل.
وقال نوزاد هادي مولود محافظ أربيل: لا توجد أي علاقة للحكومة المركزية ووزارة الهجرة والمهجرين بالعائلات المهجرة في إقليم كردستان، حيث لم تقدم الوزارة لهم أي دعم وما قدم لهم من مساعدات كان من قبل حكومة إقليم كردستان فقط. وتم تخصيص مبلغ مليون دينار لكل عائلة مهجرة من قبل وزارة الهجرة والمهجرين في بغداد وبقية المحافظات، لكن هذا المبلغ لم يوزع في أربيل أطلاقاً.
وأضاف، بسبب سوء الأوضاع الأمنية في الموصل التجأت العائلات المسيحية إما إلى أطراف الموصل أو الى داخل إقليم كردستان. وقد تم الاهتمام بهذه العائلات وتقديم كل ما تحتاجه حتى تتغلب على بعض مشاكلها.
قال محمد رستم مهجر من بغداد إلى إقليم كردستان: تم تهجيري من بغداد منذ 5 سنوات وتم تسجيلي كمهجر في دوائر الهجرة ورئيس الوزراء نوري المالكي خصص لنا مكرمة ومنذ ثلاث سنوات أقوم بمراجعة دائرة الهجرة في الإقليم ولم استلم أي شيء، وقبل فترة اتصلوا بي لكي أستلم حصة مواد غذائية وعندما ذهبت وجدت أن المواد هي كيلو فاصولياء من النوع التالف وثلاث "قناني" زيت وأحذية أطفال.
وأضاف سكنت في منطقة "عين كاوه" لأنها تعد بمثابة عراق مصغر ولا يوجد فيها أية تفرقة، حيث نشعر أننا نعيش في بغداد، وهذه المنطقة فيها مدارس باللغة العربية. لكن المساعدات حتى الدولية منها لا تشمل المسلمين بل فقط للمسيحيين والدعم يوفر لهم بمجرد تسجيلهم في الكنيسة.
ويقول شكر ياسين مدير كتب الهجرة والمهجرين في إقليم كردستان، إن عدد المهجرين في إقليم كردستان وصل إلى 36 ألف عائلة مهجرة جاءت إلى الإقليم وهذا العدد يتغير باستمرار إما يزداد قليلاً أو ينقص قليلاً.
وعن مدى اهتمام الحكومة المركزية في بغداد ووزارة المهجرين بهؤلاء المهجرين قال: قبل أن تكون دائرتنا جزءاً من وزارة الداخلية في الإقليم كانت هناك مديرية باسم مديرية المهجرين، وقد تم توقيع مذكرة تفاهم بين وزير شؤون مناطق خارج الإقليم في حكومة كردستان ووزير الهجرة والمهجرين حول عشرة مليارات دينار عراقي توزع من قبل وزارة الهجرة والمهجرين وصرف حوالي 9 مليارات دينار للنازحين. لكن بعد تشكيل الحكومة السادسة في إقليم كردستان لم تخصص وزارة الهجرة والمهجرين أي ميزانية ولم يتم وضع مذكرة تفاهم لتوضيح الآليات لغرض تقديم المساعدة للعائلات المهجرة. أما بالنسبة للعائلات المسيحية التي هجرت من الموصل وجاءت إلى إقليم كردستان فقد طلبنا من وزارة المهجرين مساعدة هذه العائلات وكذلك ممثل الوزارة المذكورة في الموصل وبصورة عامة حكومة إقليم كردستان لم تقصر مع المهجرين من جميع النواحي وخصوصا في الجانب الأمني كونه أهم شيء بالنسبة لهم.
أضاف، بعد ما حدث في الموصل استقبلنا 172 عائلة مسيحية جاءت إلى إقليم كردستان وعندما سمعنا بهذا الخبر بدأنا بجمع المساعدات من مؤسسة البرزاني الخيرية وزودنا هذه العائلات بمواد غذائية ومدافئ وأدوات منزلية وأثاث منزلي، كما شاركت بعض المنظمات الدولية في إيصال المساعدات لهذه العائلات. فضلاً عن ذلك قمنا بتوزيع مبالغ مالية أيضاً، وعملية مساعدة المهجرين مستمرة إذ قدمنا تسهيلات للطلبة أيضا لإكمال دراستهم في المدارس والجامعات.
قال القس صبري المقدسي من كنيسة مار يوسف في منطقة عين كاوه: إن المسيحيين في العراق لهم جذور عميقة في العراق حتى قبل المسيحية وبقوا وأصبحوا مسيحيين وبعدها في عهد الفتوحات الإسلامية حدثت صراعات مختلفة ودخل غرباء دخلاء على العراق، ويعيش المسيحيون في إقليم كردستان في حالة سلام واطمئنان. حقيقة لم يحدث في التاريخ أي صراع بين الأكراد والمسيحيين إلا في العهد الانجليزي في تركيا خاصة خلال الحرب العالمية الأولى. والمسيحيون في العراق يعانون كثيراً مثلاً كان في البصرة ما بين 25 - 30 ألف مسيحي، بينما الآن لا يوجد فيها أكثر 4 آلاف مواطن مسيحي ومعظمهم هاجروا إلى خارج العراق وقسم قليل منهم أتى إلى إقليم كردستان، وفي بغداد ترك أكثر من 50% من المسيحيين بيوتهم وعملهم وهاجروا إلى خارج العراق وأغلبيتهم الآن في سوريا والأردن ومنهم من هاجر إلى الدول الغربية، ونسبة قليلة جداً أتت إلى إقليم كردستان العراق. وفي إقليم كردستان لا يتجاوز عدد المسيحيين اكثر من 10 - 15% من المهجرين أو المهاجرين من بغداد والبصرة الذين يأتون إلى كردستان بينما العائلات المسيحية التي تسمح امكاناتها المادية بالعيش في سوريا أو في الأردن فإنها تبقى هناك لمدة معينة وبعدها تهاجر إلى الغرب. المؤسف أن هذا الواقع يسمح لنا بالقول إن المسيحيين في العراق لا أمل لديهم للبقاء في العراق وهذا شيء خطير جداً، وما يثبت قولي هو الإحصائيات التي تؤكد أن أكثر من 50% من المسيحيين في العراق هاجروا إلى خارج العراق، والمسيحيون المهجرون الذين قدموا إلى أربيل في منطقة "عين كاوه" تجاوز عددهم ثلاثة آلاف عائلة مسيحية مهجرة.
وحول تقييمه لإجراءات الحكومة المركزية في بغداد للحد من ظاهرة استهداف المسيحيين قال: إن أفراد العصابات الإجرامية في الموصل يحاولون من خلال ممارساتهم التأكيد على أن حكومة بغداد هي حكومة ضعيفة ولكننا نعرف أنها حكومة ضعيفة ولا يوجد سبب لقتل الأبرياء ليقولوا إنها حكومة ضعيفة وهذا خزي وعار لكل من يدعي انه ثوري ويقتل مواطناً بريئاً، والدليل على ذلك أن أغلب دول الجوار لها أطماع في العراق ونحن نعرف انه لو لم تكن حكومتنا ضعيفة لما فعلوا بنا هكذا.
وأكد القس المقدسي أن المسيحيين عموما فقدوا الحس الوطني، لذلك كانت مشاركتهم في الانتخابات ليست بالمستوى المطلوب وعلى الحكومة أن تهتم بالأقليات. والمشكلة أن المواطن المسيحي مهجر داخل وطنه ويمتلك بيتاً محروماً منه ويسكن بالإيجار ولا توجد لديه فرصة عمل، والكنيسة تساعده لأشهر معدودة عن طريق المنظمات لكن ظروفه صعبة ويحتاج إلى إيجار شهري لا يقل عن 400 دولار شهرياً وبعض المسيحيين باعوا بيوتهم في بغداد بأقل من أسعارها واشتروا دوراً بسيطة وقديمة من اجل أن يتجنبوا دفع الإيجارات.
وبخصوص دعم حكومة بغداد للمهجرين في إقليم كردستان قال: سمعنا بعض الأحيان أن رئيس الوزراء نوري المالكي ساعد المهجرين لكن مساعدته كانت بسيطة جداً، والخسارة التي تعرض لها المهجرون كبيرة جدا، والمهجرون هم مواطنون عراقيون وكان يفترض بالحكومة أن تدفع لهم رواتب شهرية كمساعدة شهرية إلى حين تحسن الأوضاع، كما كان يفترض بالحكومة بدلا من أن تدفع مليون دينار لمرة واحدة للعائلة المهجرة أن تدفع هذا المبلغ شهرياً لكل عائلة اينما كانت في العراق أو في سوريا أو في الاردن لان المهجرين ضحية الأوضاع ولا أقول إن هذه الأوضاع خلقها النظام الحالي.
وعن السبب الذي جعل منطقة "عين كاوه" تستقطب المهجرين من كافة أنحاء العراق ومن مختلف مكونات الشعب العراقي أكد القس صبري المقدسي: أن منطقة "عين كاوه" جزء من إقليم كردستان العراق، وحكومة إقليم كردستان وفرت الأمن والأمان وفرص العمل في عموم مناطق الإقليم و"عين كاوه" تقع في شمال مدينة أربيل وقريبة من مطار أربيل الدولي الذي تتوافر فيه فرص عمل كثيرة بالإضافة إلى المحلات التجارية التي تعتمد على المطار والشركات الأجنبية المستثمرة في الإقليم بالإضافة إلى وجود مسيحيين في "عين كاوه" تربطهم علاقات معرفة وتقارب سابقة.
ونحن ككنيسة منذ اليوم الأول قمنا بمساعدة جميع المهجرين في منطقة "عين كاوه" والمناطق الأخرى وساعدناهم بمختلف الطرق مادياً ومعنوياً وإيجاد فرص العمل، وبعض الأحيان علاج الحالات المرضية المستعصية خارج العراق عن طريق منظمات دولية. ونحن ليس من عادتنا أن نكون طائفيين ولم نرد أي طلب لمواطن عراقي من الدين الإسلامي طلب مساعدتنا، ولكن عدد المهجرين كبير جداً، والمسيحيون لم يبق منهم سوى 2% في العراق وهذا العدد لا يشكل خطراً على بلد لكي يهجّروا منه أو يقتلوا.