لقاء خاص مع الشيخ زهير الشاويش حول السلفية –بيروت- تشرين الأول 2008
أجريت هذا الحديث مع شيخنا الكبير المحدث السلفي الأثري العلامة المجاهد زهير الشاويش في منزله بالحازمية-بيروت في تشرين الأول-أكتوبر 2008 وأنشره تعميماً للفائدة...
د. سعود المولى
السلفية لم يكن لها أصل من هذه التسمية إلا بعد زمن طويل من عصر الدعوة التي حمل رايتها وأرسى قواعدها جميعاً محمد رسول الله وصحبه الكرام وقد كانوا يوصفون بأنهم "السلف الصالح". وتسمية "السلفية" لا بد لها ممن سلف يسبقها تنتهي إليه، وهي تكون خلفاً لسلف..وكان هذا السلف من تابعي التابعين..وقد تبع كل السلفيين وغيرهم من المذاهب من كل الفرق بعضاً من التابعين، حتى أصبح الفقه، بل والعقيدة، وحتى الأخلاق، أنواعاً كثيرة جداً..وفي بعضها إختلاف ظاهر من اتباع الأثر، أو التمسك بالنص والدليل، أو الجنوح إلى الرأي وقولة "نحن رجال وهم رجال"..وبعضهم اقتصر على ما دلتهم عليه عقولهم..
وكان مثل ذلك عند كل المذاهب الإسلامية: الحنفية والشافعية والمالكية والحنابلة والظاهرية....والسلفية أثبتت أكثر ما تقدم: أخذت من كل فرقة ما صح عندها عنهم..
والسلفية طريقة في المعتقد والفقه، مفادها الرجوع إلى ما كان عليه الجيل الأول –السلف الصالح- في العقيدة والعبادة والأخلاق والسلوك- كما في باقي المذاهب أنها ترجع إلى من انتسبت إليه..
والسلفية تنكر التأويل اللفظي والباطني على السواء..وهي تعتمد على الصحيح الواضح من الكتاب والسنة والوقوف عند اتفاق الصحابة وما تتابع بعد ذلك بعمل وفهم التابعين من القرون الثلاثة التي شهد لها سيدنا محمد بالخيرية..وتتابعت بعد ذلك بأقوال أهل العلم والمعتقد والحديث والدعوة. وتركزت أقوالهم عند الإمام أحمد بن محمد بن حنبل (ت 240 هجرية) أيام الخليفة المأمون العباسي (ت 218 ه) بدءاً من فتنة خلق القرآن وما تبع ذلك من اضطهاد وحبس ونفي وضرب وقتل تعرض له الحنابلة والشافعية حتى نصر الله أهل السنة في عهد الخليفة العباسي المتوكل على الله (ت 247 ه)..بقيت السلفية بعد الإمام ابن حنبل هي السائدة في عقائد المسلمينالسنة على التحديد وكان الإمام الشعري حامل اللواء فيها مناهضاً للإعتزال والمعتزلة..وبقي مذهبههو مذهب أهل السنة والجماعة بالجملة لمدة زادت على المئتي سنة حتى قام ابن القشيري (الزاعم بأنه شافعي المذهب) بفتنته التي فرقت المسلمين وادعى أنه على مذهب الأشعري عقيدة..ثم كان للسلفيين بعد ذلك "بيان أهل السنة والجماعة" تأليف الإمام أبي جعفر الطحاوي (ت321ه) وهو حنفي مشهور...وبعده بمئتي سنة قام آل السبكي بإضافة ما عندهم من تفصيلات في العقيدة زاعمين بأن ذلك معتمد على مذهب الأشعري ومرتكز على فقه الإمام الشافعي..وتولى الرد عليهم ابن تيمية وتلامذته.. وكانت للسلفية جولات منصورة في عصر شيخ الإسلام أحمد ابن تيمية على من قام عليهم من آل السبكي (في القرن السابع) من الشافعية، والإمام المطهر الحلي من الشيعة، وبعض الحكام من المماليك الجراكسة، ومجموعة محمد بن محمد العجمي(العلاء البخاري-ت 841 ه) من الحنفية..ومضى الزمن والخلاف بين الأخذ والرد حتى ظهر إمام الدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب التميمي النجدي (ت 1206 ه).إذذاك نشأت معارضة شديدة لهم من قبل العثمانيين الأتراك وحاكم مصر محمد علي باشا وأولاده...ولكن ذلك لم يمنع من تمتعهم بانتشارات كبرى في الشام: العلامة جمال الدين القاسمي (ت1332ه) والشيخ طاهر الجزائري (ت1338ه) وتلامذته ومنهم الشيخ محب الدين الخطيب (ت1389ه) والشيخ محمد سعيد الباني (ت1351ه) وآل البيطار وآخرهم شيخنا محمد بهجة البيطار (ت1396ه) والشيخ عبد القادر بدران(ت1346ه) ومن تبعهم.
وكذلك في اليمن كالإمام محمد بن علي الشوكاني(ت1250ه)والإمام محمد بن إسماعيل الصنعاني (ت1182ه). ورغم الإنتشار الماتريدي الحنفي في الهند ظهر علماء أفاضل منهم الجماعة الإسلامية (الإمام أبو الأعلى المودودي: ت 1399ه) وجماعات أهل الحديث المتعددة..وفي المغرب العربي ورغم انتشار المذهب المالكي فقهاً، وعقائد ما نسب إلى الإمام أبي الحسن الأشعري، ظهر أمثال المشايخ: عبد الحميد ابن باديس (ت1359ه) ومحمد البشير الطالبي الإبراهيمي (ت1385ه) والفضيل الورتلاني (ت1378ه)..والدكتور تقي الدين الهلالي...وفيما نراه اليوم في بعض فصائل الجهاد الجزائري الصادق...
وقامت في مصر نهضات دعوية وتألفت جمعيات اعتمدت على السلفية في أصول مناهجها كدعوة الشيخ محمد رشيد رضا (ت1354ه) وجماعة أنصار السنة المحمدية برئاسة الشيخ محمد حامد الفقي (ت1378ه) والإخوان المسلمين وأفراد من الأزهر الشريف مثل المفتي الأكبر شيخ الأزهر عبد المجيد سليم (ت1372ه) والشيخ سيد سابق مؤلف كتاب فقه السنة والشيخ محمد الغزالي الجبالي والشيخ عبد الرزاق عفيفي والدكتور عبد العزيز كامل والشيخ عبد الرحمن الوكيل وغيرهم...وكذلك ظهر في الأردن المفتي العام الشيخ عبد الله القلقيلي والأستاذ أبو الوليد إبراهيم الترهي (ت1392ه) وغيرهما..كما قامت جماعة اعتمدت الحديث النبوي راسهم العلمي الشيخ محمد ناصر الدين الألباني (ت1420ه) وقام المكتب الإسلامي بنشر الكثير من مؤلفاته.
وفي سورية ظهرت جماعة الإخوان المسلمين بقيادة الدكتور مصطفى السباعي (ت1384ه) والأستاذ عبد الفتاح غندور ...وكان مشاركاً لهما في الجماعة أو قبلها الشيخ عبد القادر بدران، والشيخ عبد الفتاح الإمام والشيخ علي الطنطاوي (ت1420ه)..وغيرهم...وفي حلب الشيخ نسيب الرفاعي(ت1413ه) وفي حماه الشيخ سعيد الجابي والشيخ مصطفى معطي...وفي دير الزور الشيخ محمد سعيد العرفي والدكتور عزالدين جوالة والأستاذ عبد الرؤوف بعاج والأستاذ سعيد شرف..وغيرهم..وثورات وانتفاضات فلسطين منذ عام 1920 وحتى اليوم ما قام بها إلا من تمثلوا العقيدة السلفية من الحاج محمد أمين الحسيني (ت1394ه) والشيخ فرحان السعدي(ت1356ه) والشيخ محمد الأشمر (ت1380ه) والشيخ عز االدين القسام(ت1354ه) والشيخ عطيه سالم وغيرهم..وكل من ذكرت ومن لم أذكر هم تجمعات وأخوان وأتباع يربط بينها اتفاق عام على أكثر الأمور السلفية واختلافات فرعية في العديد من الأمور..وقد تركت الكلام عما في المملكة العربية السعودية لأن الدولة هناك كلها تقوم على الفكر السلفي المتمثل بالشيخين ابن تيمية وابن عبد الوهاب...ولكن وجدنا فيها أخيراً خلافات بين المجموعات التي تدعي كلها بأنها سلفية وأكثر هذه الخلافات على جزئيات شبه لفظية ولا يكاد يعرفها سواهم..