كلمةمحسن إبراهيم في أربعين جورج حاوي
ذهبنا بعيداً في تحميل لبنان من الأعباء المسلحة للقضية الفلسطينية فوق ما يحتمل
واستسهلنا ركوب سفينة الحرب الأهلية
لا يتسع الوقت المتاح لتكريم شهيدنا اليوم أن نقف أمام كل ما كان من إنجازات الحركة الوطنية اللبنانية وجبهة المقاومة الوطنية اللبنانية، وقد شكلتا متصلتين رهان عمره الأكبر. لقد كنا معاً ثنائياً عمل تحت قيادة الشهيد كمال جنبلاط، ويكفينا فخراً أن نقول اليوم، ونحن في مجال تكريمه، إن الحركة الوطنية التي إليها انتسب لم تقدم للبلد، في ذلك الصيف الحارق من عام 1975، مجرد نص برنامجي شهد الجميع بتقدمه وإستنارته، بل هي قدمت أولاً وأساساً ممارسة غنية حركت وأطلقت تياراً شعبياً زاخراً عابراً لكل المناطق ولجميع الطوائف، احتشدت ضمن شوارعه كتل إجتماعية شتى في وحدة مطلبية متصلة الأواني من دون غفتعال. وحين كان على هذه الحركة الوطنية أن تشتق من وقائع ممارستها المديدة، خلال كل الستينات والنصف الأول من السبعينات، برنامجاً يخاطب مصالح البلد ويلبي حاجاته خرجت بما يمكن إعتباره أبرز وأهم برنامج نهضوي في تاريخ لبنان الحديث. وفيه تلازمت مفاهيم وقضايا عانى اللبنانيون من افتراقها زمناً طويلاص: الإستقلال الوطني الحاسم بما هو حق صريح لشعب لبنان بعيداً من أي مركب نقص أو عن الإختناق بين جدران العزلة واساطيرها، والعروبة الثقافية والسياسية المستنيرة بما هي أفق حيوي لبقاء لبنان نقيضاً لكل إستبداد، والديموقراطية المسيجة بالعلمانية الرحبة محط أمان وتفتح، والمسلحة بالقاعدة الغجتماعية العابرة للطوائف ولجغرافياتها الضيقة ضمانة ومرجعاً. وإلى ذلك يضاف نبض لبناني مع فلسطين يعرف أصحابه جيداً ما بين لبنان وإسرائيل من صراع مصير، ويدركون تماماً أن الشعب الفلسطيني إذ يرابط منذ قرن من الزمان على خط المواجهة الأمامية لأعنف غزوة كولونيالية إستيطانية، مستمرة متسعة، تعرضت لها المنطقة العربية وما تزال، لا يدافع عن وجوده الوطني فحسب، بل هو يحجز ويضبط وسع طاقته خطراً يتهدد كل ارض الجوار العربي لفلسطين. لذا أعتبرت الحركة الوطنية اللبنانية دعم نضال الشعب الفلسطيني قضية وطنية تخص لبنان مثلما يجب ان تخص كل بلد عربي تضعه إسرائيل ضمن استهدافاتها المباشرة وغير المباشرة.
هل تراني في هذا التقديم التكريمي لما كان عليه دور الحركة الوطنية اللبنانية وبرنامجها، وقد ساقني إليه واجب تكريم جورج حاوي بصفته أحد بناتها الكبار، هل تراني أردت الإفلات من مسؤولية النقد الصريح لما كان من أخطاء هذه الحركة الوطنية وبعضه كان قاتلاً؟ كلا بالتأكيد، فليس هذا نهجي ولا هو نهج رفيق دربي أبي انيس. وإذا كان ثبت الأخطاء هنا يطول فإنني أكتفي بإيراد إثنين منها كان ضررهما عظيماً على الحركة الوطنية اللبنانية وعلى البلد في آن.
الخطأ الأول إننا في معرض دعم نضال الشعب الفلسطيني ذهبنا بعيداً في تحميل لبنان من الأعباء المسلحة للقضية الفلسطينية فوق ما يحتمل، طاقة وعدالة وإنصافاً.
والخطأ الثاني إننا استسهلنا ركوب سفينة الحرب الأهلية تحت وهم إختصار الطريق إلى التغيير الديموقراطي. فكان ما كان تحت وطأة هذين الخطأين من تداعيات سلبية خطيرة طاولت بنية البلد ووجهت ضربة كبرى إلى الحركة الوطنية وفي القلب منها يسارها الذي كان واعداً في يوم من الأيام.
وأسوق مجدداً هذا النقد الذاتي الواضح بإسم رفيقي جورج وبإسمي على رغم أننا لم نسمع حتى اللحظة ما يعادل هذا النقد وضوحاً أو يلاقيه صراحة من الضفة الاخرى، أو من أي ضفة. فمتى تصبح للبلد ذاكرة نقدية مشتركة نستطيع أن نستلهم منها معادلة لبنانية شاملة ترسي ثوابت صون الموقع الإقليمي للبلد من ناحية وتحدد أصول الصراع حول مستقبل نظامه السياسي من ناحية ثانية؟
الأربعاء، 19 يناير 2011
الثلاثاء، 18 يناير 2011
تونس تفتح طريق الحرية
برهان غليون
لم تفاجئ الانتفاضة التونسية المستمرة منذ نحو شهر في تونس سوى أهل السلطة الذين اعتقدوا أنهم وجدوا المعادلة الذهبية التي تجعل وصولهم إلى قمة السلطة نهاية التاريخ كما تجعل من التغيير الذي حلم به التونسيون بعد تنحية الرئيس السابق الحبيب بورقيبة، أي تغيير، سرابا بعيد المنال.
وهذه المعادلة الذهبية، المتبعة في أكثر البلاد العربية، هي التي يسمونها بالنموذج الصيني، وهي تعني الجمع بين إغلاق باب السياسة أو إزالتها من الحياة العامة وتحريم العمل فيها، في أي صورة كان، سواء كان عملا سياسيا مباشرا أو نشاطات مدنية، وتحليل الاقتصاد في أي شكل كان، سواء أجاء على صورة استثمارات أجنبية أو مراكمة للثروة بالطرق الشرعية وغير الشرعية، أو الفساد والسرقة العينية.
وكان الرهان أن تسمح التنمية الاقتصادية السريعة الناجمة عن هذا الانفتاح الكبير بتحسين شروط حياة السكان وتعظيم الأمل في المستقبل وتعزيز شرعية النظام، وبالتالي مقايضة السياسة نهائيا بالاقتصاد، وتفضيل الوجود أو البقاء على قيد الحياة على الهوية والمعنى.
ولا يخفى أن هذه الصيغة حققت نتائج واضحة في العقدين الماضيين. فقد ضمنت، من جهة أولى، تأييد الغرب، الشريك التقليدي لتونس، ودعمه للتجربة التونسية، وتشجيع رجال المال والأعمال على التعامل مع تونس على أنها شريك طبيعي، ما أعطى بالفعل دفعة قوية للاستثمار الأجنبي، وساهم في إيجاد معدلات تنمية أعلى نسبيا عما هي عليه في البلدان العربية المجاورة.
ونجحت من جهة ثانية في تأمين درجة كبيرة من الاستقرار الذي ضاعف من اهتمام الشريك الغربي بالنظام التونسي ودعمه، والمراهنة عليه باعتباره نموذجا يمكن وضعه في مواجهة النموذج الإسلامي، الذي ترفعه الحركات الاحتجاجية الرئيسية في المغرب العربي، والذي يشكل الشبح الذي يطارد النظم الحاكمة وحلفاءها منذ التسعينات من القرن الماضي.
والواقع أن الاقتناع كان ولا يزال قويا لدى هذه النخب العربية الحاكمة وحلفائها الغربيين بأن معادلة الخبز لقاء الحرية، أو لقمة العيش لقاء الاستقرار والنظام والانضباط، هي الأصلح لشعوب ليس لها ثقافة الغرب ولا مطالبه الفكرية والمعنوية، وأن تأمين الخبز للأغلبية الساحقة، وهو مطلبها الرئيسي بل ربما الوحيد، سوف يقطع أي طريق على المعارضات السياسية وحركات التغيير، إسلامية كانت أم مدنية.
وربما أمكن استغلال هذا التناقض بين تأمين الخبز الذي يشكل مطلب الشعوب الرئيسي والحريات الفردية والمشاركة السياسية، التي لا تهم سوى الأقلية الضئيلة من المثقفين "الرومانسيين أو الموهومين"، للتحريض ضد النخب السياسية المعارضة وأصحاب الرأي المختلف، وتشويه صورتهم وعزلهم عن الجمهور الواسع، بل وتسفيه السياسة والعمل السياسي ذاته. وهذا ما حصل بالفعل.
هكذا أمكن للنموذج أن يعيش وأن يعزل النخب السياسية والمثقفة ويضعها في صندوق مغلق ويستمر من دون منغصات تذكر. وأمام هذه النتائج الملموسة لنموذج ابن علي الذي كان يتوقع له أن يكون مثالا يحتذى، لم تكن المبالغة في القمع ولا الانتهاكات المتكررة لحقوق الإنسان، تشكل هاجسا كبيرا للحلفاء الغربيين، الفرنسيين أو الأميركيين.
بل لقد أصبح هؤلاء شركاء في خلق النموذج ومن أكبر المساهمين في التغطية على هذه الانتهاكات من خلال إطلاقهم التصريحات عن المعجزة التونسية وتسريب التقارير عن التقدم الاستثنائي الكبير في تونس، والآن من خلال الصمت الضالع على عمليات القمع الدموية.
ليست المعارضة السياسية، لا الإسلامية ولا المدنية، هي التي زعزعت أركان هذا النموذج وأبرزت نكتة المعجزة وإفلاسها. إن ما قوض أركانه هو انهيار الركيزتين اللتين قام عليهما منذ البداية، ومن داخلهما. الركيزة الأولى هي التنمية المعتمدة على الاستثمارات الخارجية ودعم المؤسسات المالية الدولية.
فقد تراجعت معدلات التنمية إلى النصف منذ سنتين على أثر الأزمة العالمية، وتوقف قسم كبير من الاستثمارات الأجنبية بالإضافة إلى تقلص قطاع السياحة الذي لا يزال القطاع الرئيسي في الاقتصاد.
لكن السبب الأعمق والأهم، والذي كان سيشكل قيدا على عمل النظام واستمراره، حتى من دون وجود الأزمة، لكن بعد وقت، هو التكلفة الإنسانية، أي أيضا السياسية والاجتماعية والأخلاقية، لهذا النموذج الذي لا ينبغي التردد في وصفه بالإجرامي.
فقد كان ثمن بقائه القضاء على الحياة السياسية والفكرية والمعنوية لشعب كامل، أي مصادرة إرادته وإفساد وعيه، وحلّ عُرى تنظيمه بحيث يتحول إلى جثة هامدة تتصرف بها نخبة حاكمة، حسب ما تريد وكيف ما تشاء.
وفي مواجهة شعب مشلول الإرادة وفاقد الرأي والعزيمة، لم يكن هناك أي حاجز يحول دون تحول النخبة الحاكمة نفسها إلى ما يشبه "العصابة" التي تدير شؤون الدولة وتستثمر مواردها حسب مصالحها الخاصة، ومن دون رقيب، بل تحول الدولة إلى مزرعة للمصالح الخاصة.
ومن الطبيعي أن لا تشعر مثل هذه النخبة التي نسيت دورها تماما وتحولت إلى آلات لجمع الثروة والمال، لا بمشاكل الناس ولا بمعاناتهم، ولا أن تعاين تفاقم الظلم الاجتماعي، الناجم عن التفاوت الصارخ في توزيع الثروة بين فئات المجتمع وبين المناطق.
ومن الطبيعي أيضا أن تفاجأ بانتفاضة سيدي بوزيد وانتشارها إلى المناطق الأخرى، وأن لا تفهم الكثير مما يجري حولها، وتعتقد أن من الممكن مواجهة انتفاضة الشعب بالحلول التقليدية التي عرفتها، أي بالوعود الكاذبة التي لا تلزم أحدا، وبالتمسك بتطبيق القانون، أي القمع وإطلاق النار على الجمهور الغاضب الذي كان ولا يزال في الواقع قانون السلطة الديكتاتورية الوحيد.
ما يحصل في تونس لا يعلن عن إفلاس المعجزة التونسية التي جمعت بين خيار القمع المعمم واقتصاد الإثراء بأي ثمن، وقادت إلى الفساد والاحتقان الاجتماعي والقتل السياسي، أي في الواقع إلى تحطيم القيم الإنسانية التي لا تقوم من دونها جماعة ولا شعب، قيم الحرية والعدالة والمساواة والكرامة وحكم القانون والمشاركة في الحياة العمومية، فحسب وإنما يعبر عن إرادة شعب كامل في الانعتاق والتحرر من الأسر، وكسر القمقم الذي وضع فيه.
وبالرغم من أن شعارات مسيرات هذه الانتفاضة لم تكن سياسية ولا ينتمي المشاركون فيها إلى عالم السياسة ونخبه المثقفة، فإن عملهم هو السياسة الكبرى، لأن مضمونه هو بالضبط تقويض نظام القمع الشامل الذي بنته النخبة الحاكمة، وسعت إلى التغطية عليه بمعدلات تنمية اقتصادية مرتفعة لم تعد تخدع أحدا اليوم، ومن وراء ذلك استعادة هويته الإنسانية، أي القيم التي لا يكون من دونها اليوم الإنسان إنسانا لا في تونس ولا غيرها.
ولذلك أيضا لن يوقف الانتفاضة التونسية تكرار الوعود بمعدلات تنمية استثنائية جديدة تخفف من معدل البطالة أو تحسن مستوى معيشة الناس. ولا تعزيز الإجراءات الأمنية واستخدام سلاح القتل الجماعي. إن طمأنة الشعب على مصيره ومستقبله تستدعي تغيير قواعد اللعبة السياسية من الآن .
هذا هو التنازل الوحيد الذي يوقف انتفاضة الغضب والياسمين ويحرر تونس من كابوسها الثقيل. وتغيير قواعد اللعب يعني هنا تفكيك نظام احتكار السلطة والديكتاتورية الحزبية والشخصية والقمع الذي هو جوهر النظام الاجتماعي والتمييزي القائم، والانتقال بمشاركة جميع القوى السياسية والثقافية إلى نظام ديمقراطي يعيد إلى الشعب حقه في تقرير مصيره، أي في إدارة شؤونه، وينزع هذا الحق ممن صادره بغير حق، ولأي سبب كان.
فتحية لتونس التي تفتح طريق الحرية في عالم عربي قتله الانتظار على الطريق .
لم تفاجئ الانتفاضة التونسية المستمرة منذ نحو شهر في تونس سوى أهل السلطة الذين اعتقدوا أنهم وجدوا المعادلة الذهبية التي تجعل وصولهم إلى قمة السلطة نهاية التاريخ كما تجعل من التغيير الذي حلم به التونسيون بعد تنحية الرئيس السابق الحبيب بورقيبة، أي تغيير، سرابا بعيد المنال.
وهذه المعادلة الذهبية، المتبعة في أكثر البلاد العربية، هي التي يسمونها بالنموذج الصيني، وهي تعني الجمع بين إغلاق باب السياسة أو إزالتها من الحياة العامة وتحريم العمل فيها، في أي صورة كان، سواء كان عملا سياسيا مباشرا أو نشاطات مدنية، وتحليل الاقتصاد في أي شكل كان، سواء أجاء على صورة استثمارات أجنبية أو مراكمة للثروة بالطرق الشرعية وغير الشرعية، أو الفساد والسرقة العينية.
وكان الرهان أن تسمح التنمية الاقتصادية السريعة الناجمة عن هذا الانفتاح الكبير بتحسين شروط حياة السكان وتعظيم الأمل في المستقبل وتعزيز شرعية النظام، وبالتالي مقايضة السياسة نهائيا بالاقتصاد، وتفضيل الوجود أو البقاء على قيد الحياة على الهوية والمعنى.
ولا يخفى أن هذه الصيغة حققت نتائج واضحة في العقدين الماضيين. فقد ضمنت، من جهة أولى، تأييد الغرب، الشريك التقليدي لتونس، ودعمه للتجربة التونسية، وتشجيع رجال المال والأعمال على التعامل مع تونس على أنها شريك طبيعي، ما أعطى بالفعل دفعة قوية للاستثمار الأجنبي، وساهم في إيجاد معدلات تنمية أعلى نسبيا عما هي عليه في البلدان العربية المجاورة.
ونجحت من جهة ثانية في تأمين درجة كبيرة من الاستقرار الذي ضاعف من اهتمام الشريك الغربي بالنظام التونسي ودعمه، والمراهنة عليه باعتباره نموذجا يمكن وضعه في مواجهة النموذج الإسلامي، الذي ترفعه الحركات الاحتجاجية الرئيسية في المغرب العربي، والذي يشكل الشبح الذي يطارد النظم الحاكمة وحلفاءها منذ التسعينات من القرن الماضي.
والواقع أن الاقتناع كان ولا يزال قويا لدى هذه النخب العربية الحاكمة وحلفائها الغربيين بأن معادلة الخبز لقاء الحرية، أو لقمة العيش لقاء الاستقرار والنظام والانضباط، هي الأصلح لشعوب ليس لها ثقافة الغرب ولا مطالبه الفكرية والمعنوية، وأن تأمين الخبز للأغلبية الساحقة، وهو مطلبها الرئيسي بل ربما الوحيد، سوف يقطع أي طريق على المعارضات السياسية وحركات التغيير، إسلامية كانت أم مدنية.
وربما أمكن استغلال هذا التناقض بين تأمين الخبز الذي يشكل مطلب الشعوب الرئيسي والحريات الفردية والمشاركة السياسية، التي لا تهم سوى الأقلية الضئيلة من المثقفين "الرومانسيين أو الموهومين"، للتحريض ضد النخب السياسية المعارضة وأصحاب الرأي المختلف، وتشويه صورتهم وعزلهم عن الجمهور الواسع، بل وتسفيه السياسة والعمل السياسي ذاته. وهذا ما حصل بالفعل.
هكذا أمكن للنموذج أن يعيش وأن يعزل النخب السياسية والمثقفة ويضعها في صندوق مغلق ويستمر من دون منغصات تذكر. وأمام هذه النتائج الملموسة لنموذج ابن علي الذي كان يتوقع له أن يكون مثالا يحتذى، لم تكن المبالغة في القمع ولا الانتهاكات المتكررة لحقوق الإنسان، تشكل هاجسا كبيرا للحلفاء الغربيين، الفرنسيين أو الأميركيين.
بل لقد أصبح هؤلاء شركاء في خلق النموذج ومن أكبر المساهمين في التغطية على هذه الانتهاكات من خلال إطلاقهم التصريحات عن المعجزة التونسية وتسريب التقارير عن التقدم الاستثنائي الكبير في تونس، والآن من خلال الصمت الضالع على عمليات القمع الدموية.
ليست المعارضة السياسية، لا الإسلامية ولا المدنية، هي التي زعزعت أركان هذا النموذج وأبرزت نكتة المعجزة وإفلاسها. إن ما قوض أركانه هو انهيار الركيزتين اللتين قام عليهما منذ البداية، ومن داخلهما. الركيزة الأولى هي التنمية المعتمدة على الاستثمارات الخارجية ودعم المؤسسات المالية الدولية.
فقد تراجعت معدلات التنمية إلى النصف منذ سنتين على أثر الأزمة العالمية، وتوقف قسم كبير من الاستثمارات الأجنبية بالإضافة إلى تقلص قطاع السياحة الذي لا يزال القطاع الرئيسي في الاقتصاد.
لكن السبب الأعمق والأهم، والذي كان سيشكل قيدا على عمل النظام واستمراره، حتى من دون وجود الأزمة، لكن بعد وقت، هو التكلفة الإنسانية، أي أيضا السياسية والاجتماعية والأخلاقية، لهذا النموذج الذي لا ينبغي التردد في وصفه بالإجرامي.
فقد كان ثمن بقائه القضاء على الحياة السياسية والفكرية والمعنوية لشعب كامل، أي مصادرة إرادته وإفساد وعيه، وحلّ عُرى تنظيمه بحيث يتحول إلى جثة هامدة تتصرف بها نخبة حاكمة، حسب ما تريد وكيف ما تشاء.
وفي مواجهة شعب مشلول الإرادة وفاقد الرأي والعزيمة، لم يكن هناك أي حاجز يحول دون تحول النخبة الحاكمة نفسها إلى ما يشبه "العصابة" التي تدير شؤون الدولة وتستثمر مواردها حسب مصالحها الخاصة، ومن دون رقيب، بل تحول الدولة إلى مزرعة للمصالح الخاصة.
ومن الطبيعي أن لا تشعر مثل هذه النخبة التي نسيت دورها تماما وتحولت إلى آلات لجمع الثروة والمال، لا بمشاكل الناس ولا بمعاناتهم، ولا أن تعاين تفاقم الظلم الاجتماعي، الناجم عن التفاوت الصارخ في توزيع الثروة بين فئات المجتمع وبين المناطق.
ومن الطبيعي أيضا أن تفاجأ بانتفاضة سيدي بوزيد وانتشارها إلى المناطق الأخرى، وأن لا تفهم الكثير مما يجري حولها، وتعتقد أن من الممكن مواجهة انتفاضة الشعب بالحلول التقليدية التي عرفتها، أي بالوعود الكاذبة التي لا تلزم أحدا، وبالتمسك بتطبيق القانون، أي القمع وإطلاق النار على الجمهور الغاضب الذي كان ولا يزال في الواقع قانون السلطة الديكتاتورية الوحيد.
ما يحصل في تونس لا يعلن عن إفلاس المعجزة التونسية التي جمعت بين خيار القمع المعمم واقتصاد الإثراء بأي ثمن، وقادت إلى الفساد والاحتقان الاجتماعي والقتل السياسي، أي في الواقع إلى تحطيم القيم الإنسانية التي لا تقوم من دونها جماعة ولا شعب، قيم الحرية والعدالة والمساواة والكرامة وحكم القانون والمشاركة في الحياة العمومية، فحسب وإنما يعبر عن إرادة شعب كامل في الانعتاق والتحرر من الأسر، وكسر القمقم الذي وضع فيه.
وبالرغم من أن شعارات مسيرات هذه الانتفاضة لم تكن سياسية ولا ينتمي المشاركون فيها إلى عالم السياسة ونخبه المثقفة، فإن عملهم هو السياسة الكبرى، لأن مضمونه هو بالضبط تقويض نظام القمع الشامل الذي بنته النخبة الحاكمة، وسعت إلى التغطية عليه بمعدلات تنمية اقتصادية مرتفعة لم تعد تخدع أحدا اليوم، ومن وراء ذلك استعادة هويته الإنسانية، أي القيم التي لا يكون من دونها اليوم الإنسان إنسانا لا في تونس ولا غيرها.
ولذلك أيضا لن يوقف الانتفاضة التونسية تكرار الوعود بمعدلات تنمية استثنائية جديدة تخفف من معدل البطالة أو تحسن مستوى معيشة الناس. ولا تعزيز الإجراءات الأمنية واستخدام سلاح القتل الجماعي. إن طمأنة الشعب على مصيره ومستقبله تستدعي تغيير قواعد اللعبة السياسية من الآن .
هذا هو التنازل الوحيد الذي يوقف انتفاضة الغضب والياسمين ويحرر تونس من كابوسها الثقيل. وتغيير قواعد اللعب يعني هنا تفكيك نظام احتكار السلطة والديكتاتورية الحزبية والشخصية والقمع الذي هو جوهر النظام الاجتماعي والتمييزي القائم، والانتقال بمشاركة جميع القوى السياسية والثقافية إلى نظام ديمقراطي يعيد إلى الشعب حقه في تقرير مصيره، أي في إدارة شؤونه، وينزع هذا الحق ممن صادره بغير حق، ولأي سبب كان.
فتحية لتونس التي تفتح طريق الحرية في عالم عربي قتله الانتظار على الطريق .
الأربعاء، 12 يناير 2011
دعوة للتصالح مع المجتمع
بقلم سعود المولى
في سلسلة المراجعات التي أجرتها الجماعة الإسلامية المصرية (كبرى حركات الجهاد وأهمها) كتاب بقلم الدكتور ناجح إبراهيم (أحد أبرز قادة الجماعة)بعنوان "دعوة للتصالح مع المجتمع"، إستعاد فيه زبدة فكر وفقه المراجعات، من حيث الجمع بين الإعتذار عن الأخطاء التي وقعت فيها الجماعة من جهة، وبين تقديم إجتهادات فقهية ومرجعية جديدة، ونقلها لأبناء الجماعة والشباب المتدين بشكل عام من جهة أخرى. وقد ركّز المؤلف على فكرة التصالح ما بين الشباب المتدين وباقي فئات مجتمعاتهم، داعياً إلى نبذ كل ما من شأنه إشاعة الفرقة وبث روح الشقاق والخلاف بين أبناء الوطن الواحد والدين الواحد...ولذلك فإن صفحات الكتاب تبدو أشبه ما تكون بمناظرة مفتوحة يطرح خلالها حججه وبراهينه على طرف آخر مفترض، مكثراً من ضرب الأمثلة وسرد الاستشهادات التي تصف "دأب الكثير من الشباب المتدين على قطع الصلة بينه وبين مجتمعه إلى درجة فك الإرتباط الذي يربط بينه وبين أقاربه وجيرانه، وذلك بزعم التميَز بالإيمان".
ويشمل الكتاب أربعة فصول، يؤصل الفصل الأول المسمى: "الإنتماء إلى الأوطان لا ينافي الإنتماء للإسلام"، لمكانة الوطن في الإسلام، ضارباً الأمثلة على عظم مكانة الوطن والوطنية، ومؤكداً أن "الوطنية الحقة هي التي ينبع معناها من الدين، وتسير في نفوس الناس على هدى من تعاليمه، فنحن ننكر المغالاة فيها برفعها فوق حدود الدين، كما ننكر في ذات الوقت التهاون فيها بزعم أنها تضاد الدين وتوافق التعصب لغير الحق".
ويرصد الفصل الثاني "لا للصدام مع المجتمع" الأسباب التي توجد الخلاف بين أبناء الوطن الواحد، مشدداً على أن هذه الإختلافات يجب ألا تشكل بأي حال من الأحوال مسوغاً للصدام مع باقي المجتمع، على أساس أن الإختلاف بين بني البشر أمر مقدر من الله عز وجل.
ويعتبر أن ليس كل إختلاف يُنظر إليه على أنه شر محض، فأحياناً يكون إختلاف الآراء وتباين وجهات النظر مدعاة لإثراء الحركة الفكرية والفقهية، ولذا فإنه يقسم الخلاف الواقع بين المسلمين إلى نوعين: إختلاف التنوع وإختلاف التضاد، ويعرف النوع الأول بأنه ما لا يكون فيه أحد القولين مناقضاً للأقوال الأخرى، بل كل الأقوال صحيحة، ضارباً المثل على ذلك بالإختلاف في المستحب الذي كان يفعله النبي وغير المستحب الذي كان يتركه.
وفي الفصل الثالث يحاول طرح تصور لطبيعة العلاقة بين الدعاة وعوام الناس، والقائم أساساً على الهداية ودعوة الناس، لا الدعاء عليهم، ثم يخصص الفصل الرابع للتشديد على القيمة الضابطة للعلاقة بين الشباب المتدين وباقي أفراد المجتمع، وهي: الدين المعاملة.
وفي هذا السياق يوضح الفارق بين المداراة والمداهنة، لافتاً إلى أن الأولى تعني بذل شيء من الدنيا إبتغاء خير وصلاح الدين، وللدين، ونيلاً للأجر والمثوبة في الآخرة، كما أنها تعني حسن السياسة وكمال الكياسة؛ إذ إننا مأمورون بالإحسان إلى كل الناس، أما المداهنة: ففيها تخلٍّ عن شيء من الدين وتهاون فيه إبتغاء مصلحة دنيوية عاجلة، تعود على صاحبها بالخسران والخذلان في الدنيا في قلوب الناس، وفي الآخرة عند علام الغيوب.
وفي الخلاصة فإن الكتاب يؤكد على أن أهل الدين والتدين الحق هم أعظم الناس إخلاصاً لوطنهم وأكثر الناس عملاً لصالح بلادهم..فالوطنية الحقيقية ليست بضاعة قولية شعاراتية تستورد من الخارج وإنما هي تنبع من ثقافة الناس وحياتهم وأساسها الدين.. كما أن الإنتماء للوطن والتعايش فيه بروح الإسلام يستلزم العدل مع كل قاطنيه ويوجب الإحسان إليهم حتى لو كانوا على غير ديننا.... وعلينا أن نتمثل بأخلاق النبوة وآداب المعاملة النبيلة التي تجمع ولا تفرق، وتحنو فلا تقسو ، وتستعلي على حزازات النفوس طلباً لتأليف الناس وكسب ودهم..
في سلسلة المراجعات التي أجرتها الجماعة الإسلامية المصرية (كبرى حركات الجهاد وأهمها) كتاب بقلم الدكتور ناجح إبراهيم (أحد أبرز قادة الجماعة)بعنوان "دعوة للتصالح مع المجتمع"، إستعاد فيه زبدة فكر وفقه المراجعات، من حيث الجمع بين الإعتذار عن الأخطاء التي وقعت فيها الجماعة من جهة، وبين تقديم إجتهادات فقهية ومرجعية جديدة، ونقلها لأبناء الجماعة والشباب المتدين بشكل عام من جهة أخرى. وقد ركّز المؤلف على فكرة التصالح ما بين الشباب المتدين وباقي فئات مجتمعاتهم، داعياً إلى نبذ كل ما من شأنه إشاعة الفرقة وبث روح الشقاق والخلاف بين أبناء الوطن الواحد والدين الواحد...ولذلك فإن صفحات الكتاب تبدو أشبه ما تكون بمناظرة مفتوحة يطرح خلالها حججه وبراهينه على طرف آخر مفترض، مكثراً من ضرب الأمثلة وسرد الاستشهادات التي تصف "دأب الكثير من الشباب المتدين على قطع الصلة بينه وبين مجتمعه إلى درجة فك الإرتباط الذي يربط بينه وبين أقاربه وجيرانه، وذلك بزعم التميَز بالإيمان".
ويشمل الكتاب أربعة فصول، يؤصل الفصل الأول المسمى: "الإنتماء إلى الأوطان لا ينافي الإنتماء للإسلام"، لمكانة الوطن في الإسلام، ضارباً الأمثلة على عظم مكانة الوطن والوطنية، ومؤكداً أن "الوطنية الحقة هي التي ينبع معناها من الدين، وتسير في نفوس الناس على هدى من تعاليمه، فنحن ننكر المغالاة فيها برفعها فوق حدود الدين، كما ننكر في ذات الوقت التهاون فيها بزعم أنها تضاد الدين وتوافق التعصب لغير الحق".
ويرصد الفصل الثاني "لا للصدام مع المجتمع" الأسباب التي توجد الخلاف بين أبناء الوطن الواحد، مشدداً على أن هذه الإختلافات يجب ألا تشكل بأي حال من الأحوال مسوغاً للصدام مع باقي المجتمع، على أساس أن الإختلاف بين بني البشر أمر مقدر من الله عز وجل.
ويعتبر أن ليس كل إختلاف يُنظر إليه على أنه شر محض، فأحياناً يكون إختلاف الآراء وتباين وجهات النظر مدعاة لإثراء الحركة الفكرية والفقهية، ولذا فإنه يقسم الخلاف الواقع بين المسلمين إلى نوعين: إختلاف التنوع وإختلاف التضاد، ويعرف النوع الأول بأنه ما لا يكون فيه أحد القولين مناقضاً للأقوال الأخرى، بل كل الأقوال صحيحة، ضارباً المثل على ذلك بالإختلاف في المستحب الذي كان يفعله النبي وغير المستحب الذي كان يتركه.
وفي الفصل الثالث يحاول طرح تصور لطبيعة العلاقة بين الدعاة وعوام الناس، والقائم أساساً على الهداية ودعوة الناس، لا الدعاء عليهم، ثم يخصص الفصل الرابع للتشديد على القيمة الضابطة للعلاقة بين الشباب المتدين وباقي أفراد المجتمع، وهي: الدين المعاملة.
وفي هذا السياق يوضح الفارق بين المداراة والمداهنة، لافتاً إلى أن الأولى تعني بذل شيء من الدنيا إبتغاء خير وصلاح الدين، وللدين، ونيلاً للأجر والمثوبة في الآخرة، كما أنها تعني حسن السياسة وكمال الكياسة؛ إذ إننا مأمورون بالإحسان إلى كل الناس، أما المداهنة: ففيها تخلٍّ عن شيء من الدين وتهاون فيه إبتغاء مصلحة دنيوية عاجلة، تعود على صاحبها بالخسران والخذلان في الدنيا في قلوب الناس، وفي الآخرة عند علام الغيوب.
وفي الخلاصة فإن الكتاب يؤكد على أن أهل الدين والتدين الحق هم أعظم الناس إخلاصاً لوطنهم وأكثر الناس عملاً لصالح بلادهم..فالوطنية الحقيقية ليست بضاعة قولية شعاراتية تستورد من الخارج وإنما هي تنبع من ثقافة الناس وحياتهم وأساسها الدين.. كما أن الإنتماء للوطن والتعايش فيه بروح الإسلام يستلزم العدل مع كل قاطنيه ويوجب الإحسان إليهم حتى لو كانوا على غير ديننا.... وعلينا أن نتمثل بأخلاق النبوة وآداب المعاملة النبيلة التي تجمع ولا تفرق، وتحنو فلا تقسو ، وتستعلي على حزازات النفوس طلباً لتأليف الناس وكسب ودهم..
الثلاثاء، 11 يناير 2011
المجلس الشيعي مُهَيمَن عليه وهناك استحواذ على خطاب الطائفة
ابراهيم شمس الدين
المستقبل - الاثنين 10 كانون الثاني 2011 - العدد 3878 - شؤون لبنانية - صفحة 2
[ بداية ماذا تقولون في الذكرى العاشرة لغياب الامام محمد مهدي شمس الدين؟
ـ في هذا الشهر يكون قد مرت عشر سنوات على رحيل رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى الامام الشيخ محمد مهدي شمس الدين، وللتذكر والتذكير لم يتم حتى الآن انتخاب رئيس للمجلس الاسلامي الشيعي الاعلى ولا انتخاب القوام الكامل، وهذا امر غريب، ولا اعتقد انه مبرر على الاطلاق، خصوصا ان الوضع القانوني لم يعد وضعا صحيحا للمؤسسة العليا للبنانيين المسلمين الشيعة في لبنان ليتدبروا امورهم وينظموها. ان مفصل السنوات العشر هو عقد من الزمن، تراجع فيه الامور، وتقارن بينه وبين مرحلة سابقة، وبين ما نحن فيه اليوم، ويتم استشراف المستقبل.
ان نصف العقد الذي مر كان مضطربا، لا استقرار سياسياً بل تباعد سياسي لبناني كبير. هناك مجموعة أزمات أوجدت أزمة وطنية كبرى على مستوى مفهوم الدولة وبنائها، وأزمة تواصل بين اللبنانيين، لا على مستوى الناس بل على مستوى الاحزاب التي تتجاذب اطراف الوطن، وتتجاذب عناصر تكوين الدولة ولا تسمح ان يستقر الوضع ويستقيم حتى نكون دولة صحيحة في وطن صحيح.
في تواريخ ولحظات من هذا النوع، يتذكر المفكرون والسياسيون والمثقفون والناس العاديون في لبنان والعالم العربي والاسلامي مواقف لرجال كبار، ويحاولون ان يقارنوا ويستلهموا ويأخذوا العبر، ومن هؤلاء الرجال الامام الشيخ محمد مهدي شمس الدين، بصفته رجل دين صحيح، لا شخصا معمما، عنده حقيقة الانتساب الى الدين والايمان. لقد كان رجل تقوى كبيراً في المجالين السياسي والعملي، مجتهدا ومجددا في الفكر الاسلامي وفي الاجتماع الاسلامي السياسي، وفي الشريعة الاسلامية، وفي مواضيع الفقه السياسي. حاضر كبير في العنوان السياسي في لبنان، يفتقد كأحد قادة المجتمع المدني، وكرجل كان على صلة مع الجميع، فلم تكن له خلافات خاصة او شخصية مع احد. واذا وجدت كان سببها الطرف الآخر، والامام كان يتجاوزها ويتصل ويرشد وينصح ويقدم البدائل، وهذا الامر صار مفقودا. لم يكن عنده موقع حزبي يتحزب فيه لنفسه او لمؤسسته او حتى لطائفته، بل كان يفتح كل الآفاق التي بين يديه للجميع خارج الاطر الضيقة.
في هذا السياق، كان عنوان التشيع في لبنان عنواناً وطنياً عاماً، لم يتعامل معه الامام بخصوصية خاصة، من هنا جاء التعبير الذي نحته "الاندماج"، يعني ان الشيعة ليسوا حالة خاصة، بل لبنانيون مثلهم مثل غيرهم، ومن ضمن الوطن.
في العام الاخير لم تعد دعوة الاندماج خاصة بالشيعة بل هي دعوة للمسيحيين للاندماج في المجتمع اللبناني، بمعنى ان يكونوا حاضرين وفاعلين اكثر، ويكونوا لبنانيين ليس من باب الانتقاص بل الخروج من السلوك الاقلوي. من هنا المطلوب الاندماج الذي هو ليس الذوبان بل المشاركة الكلية، يعني في كل شيء تحت عنوان "الوطنية اللبنانية"، لا التخلي عن الخصوصية المسيحية.
[ هل الشيعة اندمجوا حقيقة في الدولة، وهل ترى حركة "الشيعة السياسية" في الحالة الوطنية اللبنانية؟
ـ نأسف ان هناك دوما خلطاً يثير الاشتباه. لبنان مكون بما هو وطن على حد تعبير الشيخ شمس الدين، نصنعه كل يوم ونحميه ضمن صيغة العيش الواحد وضمن اتفاق الطائف. هو مكون من تنوع ثقافي ايماني بين المسيحيين والمسلمين. ما يكوَن لبنان هي الطوائف اللبنانية، وليس الاحزاب اطلاقا. لا علاقة للاحزاب ببنية لبنان، ولا بصيغة نظامه السياسي، ولا بالتركيبة الاجتماعية السياسية، فعندما يكون هناك توافق وطني، المفروض ان يكون الحضور للطوائف بما هي مكونات اساسية كبرى للبنان الوطن. الطوائف هي كائن حي دائما، الطائفة لا تموت، تمر بأزمات وتمر عليها ازمات، تضم الصالحين والطالحين وفيها حركات صالحة وغير صالحة على الرغم من كل ذلك تظل موجودة عند الشيعة وغيرهم. لقد مرت على الطوائف تغييرات لكنها بقيت واستمرت.
عندما يكون هناك كلام عن الشيعة في لبنان يحصل خلط، اما بالمعنى الايجابي وغالبا بالمعنى السلبي. يذكر عنوان "شيعة" او "شيعي" في حالة الازمات، بينما لا يكون الشيعة كطائفة لبنانية كبرى، مكونة للاجتماع السياسي اللبناني، معنية فيه كطائفة، بل يكون هناك مكون خاص داخل الطائفة. مثلا حركة "امل" في العقود الماضية موجودة على نحو قوي، ارتكبت اخطاء في حقبة من الزمن، ولم يتم اتهام الشيعة ككل. وفي سنوات الحرب الاولى ارتكب "الكتائب" و"القوات" والحزب "التقدمي الاشتراكي" منكرات، ولم يتم اتهام المسيحيين او الدروز كطائفة بأنهما صاحبتا الاذية. في اية جماعة كبيرة توجد آراء واتجاهات تكون فيها غلبة في الرأي، ليس بالضرورة ان تكون لرجاحة الرأي بل لعناصر قوة اخرى، لغلبة ارغام، وغلبة خوف وتخويف. بهذا المعنى الشيعة مندمجون. لم يكن الشيخ شمس الدين يدعو الشيعة الى الاندماج لشيء يفتقدونه، انما يدعوهم الى شيء موجود لديهم، بل يذكرهم بالاندماج وينبههم. هو تنبيه كي لا يقعوا في مشاريع يدعون اليها، مشاريع ليست وطنية وليست اندماجية، فيها تباين مع المشروع الوطني، ومع الجماعات اللبنانية الاخرى. يذكرهم بنهائية الوطن وبأن لبنان وطن لجميع بنيه كما عبّر في وصاياه. ان الاندماج هو نتاج الفكر السياسي الشيعي وتحديدا فكر المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى الذي هو مؤسسة "المركزية الشيعية" التي تقرن بالسيد موسى الصدر والشيخ محمد مهدي شمس الدين، يعني الرئيس الاول والرئيس الثاني للمجلس. ان المجلس هو مجلس الامام موسى الصدر والامام محمد مهدي شمس الدين، بعد هذه الحقبة هناك كلام آخر، اقولها بكل وضوح، حيث حصل تحول وتغيير. بهذا المعنى الشيعة موجودون ضمن الاندماج، وفي فكرة الدولة والوطن والرغبة والارادة بعيدا عن الفكر المغاير او الفكر الانفصالي.
ولطالما كان في الطائفة الشيعية زمن الامام الصدر وجودات سياسية متنوعة ومتعددة ومتضاربة في "الكتائب" و"الاحرار" والحزب "التقدمي الاشتراكي" والاحزاب اليسارية والحزب "القومي" و"منظمة العمل الشيوعي". وكانت الاحزاب بكلها او جزئها على تناقض مع الامام الصدر، ألم يكن الامام يمثل الطائفة الشيعية في تلك الحقبة؟ هل الحق او السلوك الصحيح هو في الكثرة؟ الامام الصدر كان لوحده، هل يعني انه كان على خطأ؟ خطاب الامام الصدر والشيخ شمس الدين كان يرتكز دوريا على مصطلحين: الوطن والدولة. لقد دعا الشيخ شمس الدين في ذكرى عاشوراء عام 1983 ومن على منبر العاملية، وعلى اثر الاجتياح الاسرائيلي، الى المقاومة المدنية الشاملة وفي ظل دولة ضعيفة. دعا الى قيام الدولة ولم يشتمها لأنه يؤمن بكيان الدولة، لا كما يحصل في هذه الآونة اذ يتم التعرض للدولة وكيانها وتمتهن كل قدراتها.
نعم هناك استحواذ على الخطاب الشيعي، وما يسمع هو الصوت الاعلى والاقوى. كان الشيخ شمس الدين يقول عندما يسأل عن التناقضات الشيعية: "الشيعة بخير"، المجلس يعبّر عن كل القوى، الكل موجود في المجلس الشيعي. اما الآن فهناك استلاب للمجلس ولموقفه الذي ينبغي ان يكون على مسافة واحدة من الجميع او استلاب للسياق السياسي كله. ليس هذا ما رسمه الامام شمس الدين وناضل من اجله وعمل له على مدار السنوات الاربعين الماضية.
[ لماذا لم ينسحب فكر الشيخ محمد مهدي شمس الدين على عموم الشيعة في لبنان لاسيما وانه فكر تنويري يدعو الى الاندماج وعدم اقامة مشاريع خاصة؟
ـ انا لا اعتبر انه حصل غياب لهذا الفكر الاسلامي الشيعي الذي تأسس في المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى، ولا اعتبر انه معدوم بل كامن. كل سلوك او فكرة يحتاج الى آليات، لكن في صيغة النظام اللبناني آليات الحضور اصبحت ملتوية، بحيث تسمح للاقوى ان يحتل كل المساحة، ولا تسمح للاقل قوة او للاضعف وان كان صاحب حق ان يظهر او ان يحتل مساحة معينة. التمثيل حصل مثلا في قانون للانتخاب غير عادل، يسمح بأن تحتل جهة معينة لها افضلية نسبية كل شيء. وانا اردد دوما انه في ظل قانون الاكثري وسياسة المحادل والبوسطات لو ترشح الامام موسى الصدر للانتخابات لا ينجح. فداحة الامر هي على هذا الشكل.
يجب التوقف عن استعمال مصطلح "الشيعة" الكلي في توجيه خطاب او في التعبير عن موقف لجهة سياسية معينة. هناك رأي وفكر وايمان كبير عند الشيعة انهم يريدون الدولة والوطن والاستقرار والانفتاح والشراكة القطْعيّة مع الآخرين وحضور مسيحي ممتاز وتعاون كلي مع المسلمين الآخرين. ان الاشخاص الذين يعبّرون عن هذا الامر بتواصل وانفتاح غير موجودين، لأن هناك حضوراً خارجياً كبيراً داخل البنى الطوائفية عبر الجهات السياسية الاقوى.
الاشكال الآخر ان الكل يعمل خارج الدستور وخارج اتفاق الطائف، لا احد يعمل داخل الدولة، الكل يبرم صفقات. ناس الامام الصدر والشيخ شمس الدين يجلسون الى الطاولات القانونية وحضورهم يكون ضمن بنية الدولة، من هنا كان يقول الشيخ شمس الدين "لا نقبل بأية آلية او اتفاقات خارج الدولة". وكان بعض الجهات يأخذ عليه ويأخذ منه مواقف شديدة. قناعتنا ان الدولة هي الحضن والمطلب والراعية الكبرى للشيعة ولغير الشيعة، لمصلحة الشيعة وغيرهم، والاندماج يتم في الدولة وللدولة. مجلس النواب له دور رقابي كبير وهو ليس سلطة تنفيذية ولا شريكاً لها.
[ هل ترى من يمثلون الشيعة على المستوى السياسي يسبحون خارج فلك الدولة وثقافتها؟
ـ الدولة أصبحت الطرف المستضعف، والبعض يمارس امورا غير مستقيمة تحت عنوان الدولة. المفارقة ان الكل يريد شرعية الدولة. لا مانع لدى الجميع من تحطيم الدولة وصولا الى المنافع ومناطق النفوذ والاستقواء والرغبات الطائفية، لكن يريدون هذه الشرعية، لأنهم يدركون ان كل وجود خارج الدولة لا يكتسب صفة شرعية، الدولة هي التي تضفي هذه الصفة، من هنا يريدون هذا الغطاء. لقد عبّرت مرات عدة لعدد من اعيان الدولة الكبار الذين أحترم ان المخالفات تقع وكنا نراها بأم العين عندما كنت وزيرا. نحن في ازمة سياسية اطرافها ممسكون بأمور البلاد. وان حصلت تسوية كما حصل في التسعينيات بعد الطائف، تقف الدولة على قدميها ولكن يبقى الجميع في حصصهم ومكاسبهم الطائفية.
[ لماذا لا نرى لكم تنسيقا مع أقطاب شيعة خارج الفلك الذي تتحدثون عنه؟
ـ ان الاشخاص الذين يحملون الفكر والنهج نفسه يعرفون بعضهم البعض، ونحن نعرف من الذي يشبهنا ومن الذي لا يشبهنا، والآخرون يعرفون من يشبههم ومن لا يشبههم. التواصل والتلاقي موجودان، لكن ما لا يحصل هو تحويل الامر الى حركية سياسية على الطريقة اللبنانية، وهو ما لا نرغبه لأنني اعتبر ان الشيعة بحاجة الى حزب بالناقص وليس بالزائد، كما اعتبر ان هذا المنحى هو منحى تفتيتي. السياسيون مصلحتهم تخويف الناس للجوء اليهم طلبا للحماية، ومن مصلحة السياسيين ان تبقى نفوس الناس مذعورة، تطلب حمايتهم، ودائماً نلاحظ أن خطاب الجهات العليا، يحمل التهديد والوعيد، والنبرة العالية الشديدة، لتبقى الناس خائفة.
ان مفهوم التكليف هو بيان في أمور، بالمقدار الذي يسمح فيه لبنان، والناس هي من تختار، ولا نستطيع ارغامها على فضيلة أو اي أمر آخر. وهو ليس حزبياً، لأن الحزبية هي ضد فكرة التشيع أصلاً، وحتى ضد الاسلام كلياً، ففي الاسلام لا يوجد ما يسمى بالحزبي. ما معنى الشيعة، وما عنوانها ومرجعيتها؟ هي أهل البيت ـ المعصومون سلام الله عليهم ـ وبسيرة هؤلاء، نسأل أنفسنا من منهم أسس لحزب سياسي، من أمير المؤمنين علي حتى الإمام الثاني عشر (عجل الله فرجه)، علماً انهم يستطيعون ان يأسسوا أبعد من ذلك، ويملكون بعد النظر، ويتقنون الاستراتيجية السياسية، وهم أعلم ناس عصرهم، وأصحاب حق، ومع هذا، لم يدخل أحد منهم في أي صيغة حزبية تناكف الدولة التي كانت موجودة في عصرهم اطلاقاً. فنحن لسنا أفضل منهم مع تعدد الأزمان. علينا لنكون شيعة، التشبه بهم من خلال عملنا السياسي في الحد الادنى، وبالتالي، فكرة الاندماج التي عبّر عنها الشيخ محمد مهدي شمس الدين، هي فكرة أهل البيت، وهي فكرة التشيع أي الإندماج مع الناس، ولهذا انا اعتبر مفهوم "التقية" اندماجاً مع الناس، اي ان نكون مثل الآخرين، فوحدة الأمة التي كان يحافظ عليها أهل البيت هي الوحيدة المقدسة، لأنهم كانوا يدعون شيعتهم إلى الانضمام والاندماج بالمجتمع الاسلامي كله، ضمن الصيغة السياسية التي كانت قائمة، فهم لم يشكلوا ما يسمى بالمعارضة، أو صلات مع الخارج، أما دون ذلك مثل الحكومة والبنى السياسية والحزبية فهي غير مقدسة. وحفظ المجتمع وحفظ الأمة والتنسيق بدءاً من الإمام علي بن أبي طالب إلى آخر الأئمة، تجسد من خلال تقديمهم المشورة الى الخلفاء والأعيان، بحيث كانوا على تواصل كامل ودائم معهم. ليس المطلوب خط شيعي ثالث، بل العودة إلى التشيع الأول، وليس كما يحلو للبعض في السنوات الأخيرة ان يكتب عبارة أين الشيعي الآخر من "شيعة ثانية وثالثة"، ومنهم الاستاذ وليد جنبلاط.
[ أبديتم ملاحظات على اداء المجلس الاسلامي الشيعي، فعلى أي قاعدة أنتم تنتقدون، وهل ترون ان المجلس مغيب في هذه المرحلة او يسبح في فلك خاص بعيدا من الفلك الشيعي الشامل؟
ـ المجلس الشيعي هو المؤسسة المركزية الأولى بناء على الصيغة في لبنان (المسلمون اللبنانيون الشيعة)، وتأسس بسعي كبير ومبارك من السيد موسى الصدر، في العام 1969، وعلى مسافة متساوية من الجميع، لأنه مؤسسة وطنية كبرى لا تأخذ طرفاً. وكان الشيخ شمس الدين يصف هذا النوع من المؤسسات بـ"القائدة في المجتمع اللبناني". القائد يكون دائماً قائداً لجماعة ما، كما عليه ان يكون على مسافة واحدة من الجميع، والشيح شمس الدين ثبت كالسيد موسى على هذا الأمر، فقد عانى الكثير وجرب وهوجم لأنه حرص على ان يكون المجلس معتمداً سياسة المسافة الواحدة بين الجميع.
وبالنسبة إلى الملاحظات، أولاً لا توجد انتخابات، فعلى أي أساس تبقى المؤسسة بعد 10 سنوات على شغور موقع الرئيس، علماً ان احداً لا يستطيع التحجج بأنه لا يمكن اجراء انتخابات لسبب ما. ففي السنوات العشر الاخيرة أجريت انتخابات نيابية مرتين على مستوى الوطن، وانتخابات بلدية لكامل لبنان في يوم واحد، إضافة إلى العدد من الانتخابات النقابية والطالبية، وبالتالي الامر ممكن في المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى وليس مستحيلا.
ثانيا، البعض لا يزال يتحجج بأن الهيئة الناخبة كبيرة جداً، فمنذ السبعينيات، كان عددهم يبلغ نحو 1500 ناخب، وارتفع هذا العدد إلى 25 أو 30 ألفاً، فمتى كان العدد يمثل مشكلة لوجستية؟. كما لدينا جهات داخل الطائفة تتباهى بحق، ان باستطاعتها تنظيم تظاهرات ومسيرات ونشاطات تضم مئات الآلاف، فهل نعجز عن تنظيم انتخابات تحوي 25 ألف ناخب؟. الحجة التي نسمعها دائماً، ان الهيئة العامة الناخبة داخل الشيعة كبيرة جداً، وكذلك الأمر المضحك والمستغرب جداً، ان بعض السياسيين الشيعة يناكف لبنانيين آخرين بحجة العدد، ويتباهى بأنه الأكثرية، بحيث ان الحضور العددي عليه ان يشكل ثقلاً وتعبيراً وانعكاساً في هذه الصيغة السياسية في لبنان، وهذا ما يخلق التوتر. عندما يأتي الوقت، أو الاطار الذي تستفيد فيه الطائفة الشيعية من عددها، نسمع من الداخل ان هذا العدد كبير وعلينا تصغير عدد الهيئة الناخبة.
علينا ان نعلم كيف سيتشكل الجسم العلمائي في الطائفة الشيعية، فالصيغة الموجود فيها المجلس من حيث وضعه القانوني ليست سليمة، كما ان رئاسة المجلس انتهت مدتها منذ 6 سنوات تقريبا، وكذلك الهيئة التنفيذية المدنية التي تبلغ 12 عضواً، انتهت مدتها، والهيئة الشرعية ايضاً. لا شرعية قانونية للمجلس كما هو قائم اليوم، ويمكن الطعن في كل شيء تصدر عنه قرارات لها علاقة بالبنية الشيعية الداخلية (أوقاف، ادارة أموال)، فالمجلس لا يظهر انه على مسافة واحدة من الجميع على المستوى الشيعي، لأنه أصبح مهيمناً عليه، خلافاً لمصلحة الشيعة الخاصة، ومع الآخرين، وخلافاً لمصلحة المجلس كمؤسسة أراد لها مؤسسها الأول ان تكون ذات دور وطني تواصلي مع الآخرين، تحل المشكلات والخلافات ويكون لها دور ايجابي في أزمات التواصل، فنلاحظ انه اصبح منصة لاصدار بيانات سياسية ولمناكفات مع جهات دينية أخرى، وهذا أمر لا يليق لا بالشيعة ولا بوضعهم ولا بكرامتهم.
والمسؤولية الأولى تقع على القوى السياسية التي تمسك به، ورجال الدين الصامتين الذين لا يتدخلون بأي شيء، ويبدو انهم خائفين من أمر يؤثر في مصالحهم.
المستقبل - الاثنين 10 كانون الثاني 2011 - العدد 3878 - شؤون لبنانية - صفحة 2
[ بداية ماذا تقولون في الذكرى العاشرة لغياب الامام محمد مهدي شمس الدين؟
ـ في هذا الشهر يكون قد مرت عشر سنوات على رحيل رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى الامام الشيخ محمد مهدي شمس الدين، وللتذكر والتذكير لم يتم حتى الآن انتخاب رئيس للمجلس الاسلامي الشيعي الاعلى ولا انتخاب القوام الكامل، وهذا امر غريب، ولا اعتقد انه مبرر على الاطلاق، خصوصا ان الوضع القانوني لم يعد وضعا صحيحا للمؤسسة العليا للبنانيين المسلمين الشيعة في لبنان ليتدبروا امورهم وينظموها. ان مفصل السنوات العشر هو عقد من الزمن، تراجع فيه الامور، وتقارن بينه وبين مرحلة سابقة، وبين ما نحن فيه اليوم، ويتم استشراف المستقبل.
ان نصف العقد الذي مر كان مضطربا، لا استقرار سياسياً بل تباعد سياسي لبناني كبير. هناك مجموعة أزمات أوجدت أزمة وطنية كبرى على مستوى مفهوم الدولة وبنائها، وأزمة تواصل بين اللبنانيين، لا على مستوى الناس بل على مستوى الاحزاب التي تتجاذب اطراف الوطن، وتتجاذب عناصر تكوين الدولة ولا تسمح ان يستقر الوضع ويستقيم حتى نكون دولة صحيحة في وطن صحيح.
في تواريخ ولحظات من هذا النوع، يتذكر المفكرون والسياسيون والمثقفون والناس العاديون في لبنان والعالم العربي والاسلامي مواقف لرجال كبار، ويحاولون ان يقارنوا ويستلهموا ويأخذوا العبر، ومن هؤلاء الرجال الامام الشيخ محمد مهدي شمس الدين، بصفته رجل دين صحيح، لا شخصا معمما، عنده حقيقة الانتساب الى الدين والايمان. لقد كان رجل تقوى كبيراً في المجالين السياسي والعملي، مجتهدا ومجددا في الفكر الاسلامي وفي الاجتماع الاسلامي السياسي، وفي الشريعة الاسلامية، وفي مواضيع الفقه السياسي. حاضر كبير في العنوان السياسي في لبنان، يفتقد كأحد قادة المجتمع المدني، وكرجل كان على صلة مع الجميع، فلم تكن له خلافات خاصة او شخصية مع احد. واذا وجدت كان سببها الطرف الآخر، والامام كان يتجاوزها ويتصل ويرشد وينصح ويقدم البدائل، وهذا الامر صار مفقودا. لم يكن عنده موقع حزبي يتحزب فيه لنفسه او لمؤسسته او حتى لطائفته، بل كان يفتح كل الآفاق التي بين يديه للجميع خارج الاطر الضيقة.
في هذا السياق، كان عنوان التشيع في لبنان عنواناً وطنياً عاماً، لم يتعامل معه الامام بخصوصية خاصة، من هنا جاء التعبير الذي نحته "الاندماج"، يعني ان الشيعة ليسوا حالة خاصة، بل لبنانيون مثلهم مثل غيرهم، ومن ضمن الوطن.
في العام الاخير لم تعد دعوة الاندماج خاصة بالشيعة بل هي دعوة للمسيحيين للاندماج في المجتمع اللبناني، بمعنى ان يكونوا حاضرين وفاعلين اكثر، ويكونوا لبنانيين ليس من باب الانتقاص بل الخروج من السلوك الاقلوي. من هنا المطلوب الاندماج الذي هو ليس الذوبان بل المشاركة الكلية، يعني في كل شيء تحت عنوان "الوطنية اللبنانية"، لا التخلي عن الخصوصية المسيحية.
[ هل الشيعة اندمجوا حقيقة في الدولة، وهل ترى حركة "الشيعة السياسية" في الحالة الوطنية اللبنانية؟
ـ نأسف ان هناك دوما خلطاً يثير الاشتباه. لبنان مكون بما هو وطن على حد تعبير الشيخ شمس الدين، نصنعه كل يوم ونحميه ضمن صيغة العيش الواحد وضمن اتفاق الطائف. هو مكون من تنوع ثقافي ايماني بين المسيحيين والمسلمين. ما يكوَن لبنان هي الطوائف اللبنانية، وليس الاحزاب اطلاقا. لا علاقة للاحزاب ببنية لبنان، ولا بصيغة نظامه السياسي، ولا بالتركيبة الاجتماعية السياسية، فعندما يكون هناك توافق وطني، المفروض ان يكون الحضور للطوائف بما هي مكونات اساسية كبرى للبنان الوطن. الطوائف هي كائن حي دائما، الطائفة لا تموت، تمر بأزمات وتمر عليها ازمات، تضم الصالحين والطالحين وفيها حركات صالحة وغير صالحة على الرغم من كل ذلك تظل موجودة عند الشيعة وغيرهم. لقد مرت على الطوائف تغييرات لكنها بقيت واستمرت.
عندما يكون هناك كلام عن الشيعة في لبنان يحصل خلط، اما بالمعنى الايجابي وغالبا بالمعنى السلبي. يذكر عنوان "شيعة" او "شيعي" في حالة الازمات، بينما لا يكون الشيعة كطائفة لبنانية كبرى، مكونة للاجتماع السياسي اللبناني، معنية فيه كطائفة، بل يكون هناك مكون خاص داخل الطائفة. مثلا حركة "امل" في العقود الماضية موجودة على نحو قوي، ارتكبت اخطاء في حقبة من الزمن، ولم يتم اتهام الشيعة ككل. وفي سنوات الحرب الاولى ارتكب "الكتائب" و"القوات" والحزب "التقدمي الاشتراكي" منكرات، ولم يتم اتهام المسيحيين او الدروز كطائفة بأنهما صاحبتا الاذية. في اية جماعة كبيرة توجد آراء واتجاهات تكون فيها غلبة في الرأي، ليس بالضرورة ان تكون لرجاحة الرأي بل لعناصر قوة اخرى، لغلبة ارغام، وغلبة خوف وتخويف. بهذا المعنى الشيعة مندمجون. لم يكن الشيخ شمس الدين يدعو الشيعة الى الاندماج لشيء يفتقدونه، انما يدعوهم الى شيء موجود لديهم، بل يذكرهم بالاندماج وينبههم. هو تنبيه كي لا يقعوا في مشاريع يدعون اليها، مشاريع ليست وطنية وليست اندماجية، فيها تباين مع المشروع الوطني، ومع الجماعات اللبنانية الاخرى. يذكرهم بنهائية الوطن وبأن لبنان وطن لجميع بنيه كما عبّر في وصاياه. ان الاندماج هو نتاج الفكر السياسي الشيعي وتحديدا فكر المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى الذي هو مؤسسة "المركزية الشيعية" التي تقرن بالسيد موسى الصدر والشيخ محمد مهدي شمس الدين، يعني الرئيس الاول والرئيس الثاني للمجلس. ان المجلس هو مجلس الامام موسى الصدر والامام محمد مهدي شمس الدين، بعد هذه الحقبة هناك كلام آخر، اقولها بكل وضوح، حيث حصل تحول وتغيير. بهذا المعنى الشيعة موجودون ضمن الاندماج، وفي فكرة الدولة والوطن والرغبة والارادة بعيدا عن الفكر المغاير او الفكر الانفصالي.
ولطالما كان في الطائفة الشيعية زمن الامام الصدر وجودات سياسية متنوعة ومتعددة ومتضاربة في "الكتائب" و"الاحرار" والحزب "التقدمي الاشتراكي" والاحزاب اليسارية والحزب "القومي" و"منظمة العمل الشيوعي". وكانت الاحزاب بكلها او جزئها على تناقض مع الامام الصدر، ألم يكن الامام يمثل الطائفة الشيعية في تلك الحقبة؟ هل الحق او السلوك الصحيح هو في الكثرة؟ الامام الصدر كان لوحده، هل يعني انه كان على خطأ؟ خطاب الامام الصدر والشيخ شمس الدين كان يرتكز دوريا على مصطلحين: الوطن والدولة. لقد دعا الشيخ شمس الدين في ذكرى عاشوراء عام 1983 ومن على منبر العاملية، وعلى اثر الاجتياح الاسرائيلي، الى المقاومة المدنية الشاملة وفي ظل دولة ضعيفة. دعا الى قيام الدولة ولم يشتمها لأنه يؤمن بكيان الدولة، لا كما يحصل في هذه الآونة اذ يتم التعرض للدولة وكيانها وتمتهن كل قدراتها.
نعم هناك استحواذ على الخطاب الشيعي، وما يسمع هو الصوت الاعلى والاقوى. كان الشيخ شمس الدين يقول عندما يسأل عن التناقضات الشيعية: "الشيعة بخير"، المجلس يعبّر عن كل القوى، الكل موجود في المجلس الشيعي. اما الآن فهناك استلاب للمجلس ولموقفه الذي ينبغي ان يكون على مسافة واحدة من الجميع او استلاب للسياق السياسي كله. ليس هذا ما رسمه الامام شمس الدين وناضل من اجله وعمل له على مدار السنوات الاربعين الماضية.
[ لماذا لم ينسحب فكر الشيخ محمد مهدي شمس الدين على عموم الشيعة في لبنان لاسيما وانه فكر تنويري يدعو الى الاندماج وعدم اقامة مشاريع خاصة؟
ـ انا لا اعتبر انه حصل غياب لهذا الفكر الاسلامي الشيعي الذي تأسس في المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى، ولا اعتبر انه معدوم بل كامن. كل سلوك او فكرة يحتاج الى آليات، لكن في صيغة النظام اللبناني آليات الحضور اصبحت ملتوية، بحيث تسمح للاقوى ان يحتل كل المساحة، ولا تسمح للاقل قوة او للاضعف وان كان صاحب حق ان يظهر او ان يحتل مساحة معينة. التمثيل حصل مثلا في قانون للانتخاب غير عادل، يسمح بأن تحتل جهة معينة لها افضلية نسبية كل شيء. وانا اردد دوما انه في ظل قانون الاكثري وسياسة المحادل والبوسطات لو ترشح الامام موسى الصدر للانتخابات لا ينجح. فداحة الامر هي على هذا الشكل.
يجب التوقف عن استعمال مصطلح "الشيعة" الكلي في توجيه خطاب او في التعبير عن موقف لجهة سياسية معينة. هناك رأي وفكر وايمان كبير عند الشيعة انهم يريدون الدولة والوطن والاستقرار والانفتاح والشراكة القطْعيّة مع الآخرين وحضور مسيحي ممتاز وتعاون كلي مع المسلمين الآخرين. ان الاشخاص الذين يعبّرون عن هذا الامر بتواصل وانفتاح غير موجودين، لأن هناك حضوراً خارجياً كبيراً داخل البنى الطوائفية عبر الجهات السياسية الاقوى.
الاشكال الآخر ان الكل يعمل خارج الدستور وخارج اتفاق الطائف، لا احد يعمل داخل الدولة، الكل يبرم صفقات. ناس الامام الصدر والشيخ شمس الدين يجلسون الى الطاولات القانونية وحضورهم يكون ضمن بنية الدولة، من هنا كان يقول الشيخ شمس الدين "لا نقبل بأية آلية او اتفاقات خارج الدولة". وكان بعض الجهات يأخذ عليه ويأخذ منه مواقف شديدة. قناعتنا ان الدولة هي الحضن والمطلب والراعية الكبرى للشيعة ولغير الشيعة، لمصلحة الشيعة وغيرهم، والاندماج يتم في الدولة وللدولة. مجلس النواب له دور رقابي كبير وهو ليس سلطة تنفيذية ولا شريكاً لها.
[ هل ترى من يمثلون الشيعة على المستوى السياسي يسبحون خارج فلك الدولة وثقافتها؟
ـ الدولة أصبحت الطرف المستضعف، والبعض يمارس امورا غير مستقيمة تحت عنوان الدولة. المفارقة ان الكل يريد شرعية الدولة. لا مانع لدى الجميع من تحطيم الدولة وصولا الى المنافع ومناطق النفوذ والاستقواء والرغبات الطائفية، لكن يريدون هذه الشرعية، لأنهم يدركون ان كل وجود خارج الدولة لا يكتسب صفة شرعية، الدولة هي التي تضفي هذه الصفة، من هنا يريدون هذا الغطاء. لقد عبّرت مرات عدة لعدد من اعيان الدولة الكبار الذين أحترم ان المخالفات تقع وكنا نراها بأم العين عندما كنت وزيرا. نحن في ازمة سياسية اطرافها ممسكون بأمور البلاد. وان حصلت تسوية كما حصل في التسعينيات بعد الطائف، تقف الدولة على قدميها ولكن يبقى الجميع في حصصهم ومكاسبهم الطائفية.
[ لماذا لا نرى لكم تنسيقا مع أقطاب شيعة خارج الفلك الذي تتحدثون عنه؟
ـ ان الاشخاص الذين يحملون الفكر والنهج نفسه يعرفون بعضهم البعض، ونحن نعرف من الذي يشبهنا ومن الذي لا يشبهنا، والآخرون يعرفون من يشبههم ومن لا يشبههم. التواصل والتلاقي موجودان، لكن ما لا يحصل هو تحويل الامر الى حركية سياسية على الطريقة اللبنانية، وهو ما لا نرغبه لأنني اعتبر ان الشيعة بحاجة الى حزب بالناقص وليس بالزائد، كما اعتبر ان هذا المنحى هو منحى تفتيتي. السياسيون مصلحتهم تخويف الناس للجوء اليهم طلبا للحماية، ومن مصلحة السياسيين ان تبقى نفوس الناس مذعورة، تطلب حمايتهم، ودائماً نلاحظ أن خطاب الجهات العليا، يحمل التهديد والوعيد، والنبرة العالية الشديدة، لتبقى الناس خائفة.
ان مفهوم التكليف هو بيان في أمور، بالمقدار الذي يسمح فيه لبنان، والناس هي من تختار، ولا نستطيع ارغامها على فضيلة أو اي أمر آخر. وهو ليس حزبياً، لأن الحزبية هي ضد فكرة التشيع أصلاً، وحتى ضد الاسلام كلياً، ففي الاسلام لا يوجد ما يسمى بالحزبي. ما معنى الشيعة، وما عنوانها ومرجعيتها؟ هي أهل البيت ـ المعصومون سلام الله عليهم ـ وبسيرة هؤلاء، نسأل أنفسنا من منهم أسس لحزب سياسي، من أمير المؤمنين علي حتى الإمام الثاني عشر (عجل الله فرجه)، علماً انهم يستطيعون ان يأسسوا أبعد من ذلك، ويملكون بعد النظر، ويتقنون الاستراتيجية السياسية، وهم أعلم ناس عصرهم، وأصحاب حق، ومع هذا، لم يدخل أحد منهم في أي صيغة حزبية تناكف الدولة التي كانت موجودة في عصرهم اطلاقاً. فنحن لسنا أفضل منهم مع تعدد الأزمان. علينا لنكون شيعة، التشبه بهم من خلال عملنا السياسي في الحد الادنى، وبالتالي، فكرة الاندماج التي عبّر عنها الشيخ محمد مهدي شمس الدين، هي فكرة أهل البيت، وهي فكرة التشيع أي الإندماج مع الناس، ولهذا انا اعتبر مفهوم "التقية" اندماجاً مع الناس، اي ان نكون مثل الآخرين، فوحدة الأمة التي كان يحافظ عليها أهل البيت هي الوحيدة المقدسة، لأنهم كانوا يدعون شيعتهم إلى الانضمام والاندماج بالمجتمع الاسلامي كله، ضمن الصيغة السياسية التي كانت قائمة، فهم لم يشكلوا ما يسمى بالمعارضة، أو صلات مع الخارج، أما دون ذلك مثل الحكومة والبنى السياسية والحزبية فهي غير مقدسة. وحفظ المجتمع وحفظ الأمة والتنسيق بدءاً من الإمام علي بن أبي طالب إلى آخر الأئمة، تجسد من خلال تقديمهم المشورة الى الخلفاء والأعيان، بحيث كانوا على تواصل كامل ودائم معهم. ليس المطلوب خط شيعي ثالث، بل العودة إلى التشيع الأول، وليس كما يحلو للبعض في السنوات الأخيرة ان يكتب عبارة أين الشيعي الآخر من "شيعة ثانية وثالثة"، ومنهم الاستاذ وليد جنبلاط.
[ أبديتم ملاحظات على اداء المجلس الاسلامي الشيعي، فعلى أي قاعدة أنتم تنتقدون، وهل ترون ان المجلس مغيب في هذه المرحلة او يسبح في فلك خاص بعيدا من الفلك الشيعي الشامل؟
ـ المجلس الشيعي هو المؤسسة المركزية الأولى بناء على الصيغة في لبنان (المسلمون اللبنانيون الشيعة)، وتأسس بسعي كبير ومبارك من السيد موسى الصدر، في العام 1969، وعلى مسافة متساوية من الجميع، لأنه مؤسسة وطنية كبرى لا تأخذ طرفاً. وكان الشيخ شمس الدين يصف هذا النوع من المؤسسات بـ"القائدة في المجتمع اللبناني". القائد يكون دائماً قائداً لجماعة ما، كما عليه ان يكون على مسافة واحدة من الجميع، والشيح شمس الدين ثبت كالسيد موسى على هذا الأمر، فقد عانى الكثير وجرب وهوجم لأنه حرص على ان يكون المجلس معتمداً سياسة المسافة الواحدة بين الجميع.
وبالنسبة إلى الملاحظات، أولاً لا توجد انتخابات، فعلى أي أساس تبقى المؤسسة بعد 10 سنوات على شغور موقع الرئيس، علماً ان احداً لا يستطيع التحجج بأنه لا يمكن اجراء انتخابات لسبب ما. ففي السنوات العشر الاخيرة أجريت انتخابات نيابية مرتين على مستوى الوطن، وانتخابات بلدية لكامل لبنان في يوم واحد، إضافة إلى العدد من الانتخابات النقابية والطالبية، وبالتالي الامر ممكن في المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى وليس مستحيلا.
ثانيا، البعض لا يزال يتحجج بأن الهيئة الناخبة كبيرة جداً، فمنذ السبعينيات، كان عددهم يبلغ نحو 1500 ناخب، وارتفع هذا العدد إلى 25 أو 30 ألفاً، فمتى كان العدد يمثل مشكلة لوجستية؟. كما لدينا جهات داخل الطائفة تتباهى بحق، ان باستطاعتها تنظيم تظاهرات ومسيرات ونشاطات تضم مئات الآلاف، فهل نعجز عن تنظيم انتخابات تحوي 25 ألف ناخب؟. الحجة التي نسمعها دائماً، ان الهيئة العامة الناخبة داخل الشيعة كبيرة جداً، وكذلك الأمر المضحك والمستغرب جداً، ان بعض السياسيين الشيعة يناكف لبنانيين آخرين بحجة العدد، ويتباهى بأنه الأكثرية، بحيث ان الحضور العددي عليه ان يشكل ثقلاً وتعبيراً وانعكاساً في هذه الصيغة السياسية في لبنان، وهذا ما يخلق التوتر. عندما يأتي الوقت، أو الاطار الذي تستفيد فيه الطائفة الشيعية من عددها، نسمع من الداخل ان هذا العدد كبير وعلينا تصغير عدد الهيئة الناخبة.
علينا ان نعلم كيف سيتشكل الجسم العلمائي في الطائفة الشيعية، فالصيغة الموجود فيها المجلس من حيث وضعه القانوني ليست سليمة، كما ان رئاسة المجلس انتهت مدتها منذ 6 سنوات تقريبا، وكذلك الهيئة التنفيذية المدنية التي تبلغ 12 عضواً، انتهت مدتها، والهيئة الشرعية ايضاً. لا شرعية قانونية للمجلس كما هو قائم اليوم، ويمكن الطعن في كل شيء تصدر عنه قرارات لها علاقة بالبنية الشيعية الداخلية (أوقاف، ادارة أموال)، فالمجلس لا يظهر انه على مسافة واحدة من الجميع على المستوى الشيعي، لأنه أصبح مهيمناً عليه، خلافاً لمصلحة الشيعة الخاصة، ومع الآخرين، وخلافاً لمصلحة المجلس كمؤسسة أراد لها مؤسسها الأول ان تكون ذات دور وطني تواصلي مع الآخرين، تحل المشكلات والخلافات ويكون لها دور ايجابي في أزمات التواصل، فنلاحظ انه اصبح منصة لاصدار بيانات سياسية ولمناكفات مع جهات دينية أخرى، وهذا أمر لا يليق لا بالشيعة ولا بوضعهم ولا بكرامتهم.
والمسؤولية الأولى تقع على القوى السياسية التي تمسك به، ورجال الدين الصامتين الذين لا يتدخلون بأي شيء، ويبدو انهم خائفين من أمر يؤثر في مصالحهم.
برنامج عملي للوحدة الوطنية
نحتاج لمعالجة التداخل المربك بين الديني والمجال العام
د. هشام جعفر
من الملاحظات الجديرة بالتأمل في الواقع المصري اليوم هو بروز ظاهرة ما أطلق عليه «فائض التدين» وأقصد بها ذلك التداخل المربك بين الديني وبين المجالات الأخرى ثقافية وسياسية واقتصادية.. إلخ.
ويعد المثل الأبرز لهذا التضخم هو ذلك التضخم في استخدام المفردات والرموز الدينية في المجال العام، وتمثل ظاهرة الفتاوى الدينية: مسيحية ومسلمة أحد أهم تجليات ذلك التضخم. بالإضافة لوجود مجموعة استقطابات حادة على أسس دينية، حيث لم تعد الهوية الدينية أحد دوائر الانتماء العديدة التي تثرى «الهوية المصرية» وترسم مجالها الحيوي، بل على العكس؛ أصبح الانتماء الديني نفيا للآخر في الوطن الواحد.
وقد أنتجت ظاهرة «فائض التدين» مجموعة من الظواهر الثقافية الخطيرة، منها:
1. الحساسية للاختلاف الديني والثقافي: بمعنى عدم الاعتراف بالاختلاف أو القبول به، ناهيك عن احترامه.
2. التمركز حول الذات الثقافية – الدينية: بمعنى الحكم على الآخرين وفق المعايير الثقافية التي تحولت إلى معايير ضيقة.
3. التمييز: التفرقة في المعاملة.
4. التحامل: تشكيل لرأي أو موقف شعوري دون سبب أو تفكير مسبق أو معرفة كافية.
5. النمطية والتعميم الثقافي – الديني: أي النظر إلى المسلمين والمسيحيين باعتبارهم كتلا مصمتة لا تحوى داخلها أي اختلاف أو تنوع.
هذا التحليل الثقافي يجعل قيمة التنوع أحد أهم قيم التنشئة في المجتمع المصري. فالتنوع في جوهره يعنى التسليم بالاختلاف، التسليم به واقعا لا يسع عاقلا إنكاره، والتسليم به حقا للمختلفين لا يسع أحد أو سلطة حرمانهم منه.
يجب أن يُعطى للتنوع مشروعيته في الثقافة المصرية السائدة، ويستلزم الاعتراف بهذه المشروعية التسليم بحق المختلفين في التعبير عن اختلافهم. فالتنوع في جوهره يعنى ثلاثة أشياء، هي:
1. الاعتراف بوجود تنوع في مجتمع ما.
2. احترام هذا التنوع وما يترتب عليه من اختلاف.
3. إيجاد صيغ ملائمة للتعبير عن ذلك بحرية، وبشكل يحول دون نشوب صراع يهدد سلامة المجتمع.
ولكن كيف يمكن أن نصل إلى تسهيل عملية التواصل بين الحدود الثقافية - الدينية تمهيدا للوصول إلى حالة التناغم الثقافي التي كانت سائدة في المجتمع المصري؟ وبرأيي أن السبيل للوصول لحالة التناغم الثقافي تلك علينا اعتماد برنامج يستدعي بفاعلية الآليات التالية:
1. الوعي: وهى النقطة التي ندرك عندها أن هناك ما هو إيجابي خارج نماذجنا الثقافية - الدينية.
2. الفهم: وهى النقطة التي ندرك فيها أهمية القيم الإيجابية الكائنة بثقافة الآخر، وندرك سبب وجودها.
3. القبول: عندما ندرك أنه ينبغي علينا السماح لأصحاب الثقافات الأخرى بأن يعيشوا كما يرغبون، وليس كما نرغب نحن.
4. التقدير: وهى النقطة التي نبدأ عندها رؤية القيمة الإيجابية في الأمور التي تقع خارج نماذجنا الثقافية - الدينية الخاصة.
5. التناغم الثقافي: عندما نبدأ في دمج خبراتنا مع مجموعة متنوعة من الخبرات الثقافية الموجودة في المجتمع.
وهذا يتطلب:
1. الانتقال بالديني إلى المدني، أي خلق مجال مدني مشترك يتحرك فيه الجميع مساهمين وفق نماذجهم الثقافية - الدينية في حل مشكلات مجتمع يعانى أزمات عدة متصاعدة.
2. استدماج قيمة التنوع في مجالات ثلاثة: التعليم - الخطاب الديني - التنشئة في الأسر المصرية.
د. هشام جعفر
من الملاحظات الجديرة بالتأمل في الواقع المصري اليوم هو بروز ظاهرة ما أطلق عليه «فائض التدين» وأقصد بها ذلك التداخل المربك بين الديني وبين المجالات الأخرى ثقافية وسياسية واقتصادية.. إلخ.
ويعد المثل الأبرز لهذا التضخم هو ذلك التضخم في استخدام المفردات والرموز الدينية في المجال العام، وتمثل ظاهرة الفتاوى الدينية: مسيحية ومسلمة أحد أهم تجليات ذلك التضخم. بالإضافة لوجود مجموعة استقطابات حادة على أسس دينية، حيث لم تعد الهوية الدينية أحد دوائر الانتماء العديدة التي تثرى «الهوية المصرية» وترسم مجالها الحيوي، بل على العكس؛ أصبح الانتماء الديني نفيا للآخر في الوطن الواحد.
وقد أنتجت ظاهرة «فائض التدين» مجموعة من الظواهر الثقافية الخطيرة، منها:
1. الحساسية للاختلاف الديني والثقافي: بمعنى عدم الاعتراف بالاختلاف أو القبول به، ناهيك عن احترامه.
2. التمركز حول الذات الثقافية – الدينية: بمعنى الحكم على الآخرين وفق المعايير الثقافية التي تحولت إلى معايير ضيقة.
3. التمييز: التفرقة في المعاملة.
4. التحامل: تشكيل لرأي أو موقف شعوري دون سبب أو تفكير مسبق أو معرفة كافية.
5. النمطية والتعميم الثقافي – الديني: أي النظر إلى المسلمين والمسيحيين باعتبارهم كتلا مصمتة لا تحوى داخلها أي اختلاف أو تنوع.
هذا التحليل الثقافي يجعل قيمة التنوع أحد أهم قيم التنشئة في المجتمع المصري. فالتنوع في جوهره يعنى التسليم بالاختلاف، التسليم به واقعا لا يسع عاقلا إنكاره، والتسليم به حقا للمختلفين لا يسع أحد أو سلطة حرمانهم منه.
يجب أن يُعطى للتنوع مشروعيته في الثقافة المصرية السائدة، ويستلزم الاعتراف بهذه المشروعية التسليم بحق المختلفين في التعبير عن اختلافهم. فالتنوع في جوهره يعنى ثلاثة أشياء، هي:
1. الاعتراف بوجود تنوع في مجتمع ما.
2. احترام هذا التنوع وما يترتب عليه من اختلاف.
3. إيجاد صيغ ملائمة للتعبير عن ذلك بحرية، وبشكل يحول دون نشوب صراع يهدد سلامة المجتمع.
ولكن كيف يمكن أن نصل إلى تسهيل عملية التواصل بين الحدود الثقافية - الدينية تمهيدا للوصول إلى حالة التناغم الثقافي التي كانت سائدة في المجتمع المصري؟ وبرأيي أن السبيل للوصول لحالة التناغم الثقافي تلك علينا اعتماد برنامج يستدعي بفاعلية الآليات التالية:
1. الوعي: وهى النقطة التي ندرك عندها أن هناك ما هو إيجابي خارج نماذجنا الثقافية - الدينية.
2. الفهم: وهى النقطة التي ندرك فيها أهمية القيم الإيجابية الكائنة بثقافة الآخر، وندرك سبب وجودها.
3. القبول: عندما ندرك أنه ينبغي علينا السماح لأصحاب الثقافات الأخرى بأن يعيشوا كما يرغبون، وليس كما نرغب نحن.
4. التقدير: وهى النقطة التي نبدأ عندها رؤية القيمة الإيجابية في الأمور التي تقع خارج نماذجنا الثقافية - الدينية الخاصة.
5. التناغم الثقافي: عندما نبدأ في دمج خبراتنا مع مجموعة متنوعة من الخبرات الثقافية الموجودة في المجتمع.
وهذا يتطلب:
1. الانتقال بالديني إلى المدني، أي خلق مجال مدني مشترك يتحرك فيه الجميع مساهمين وفق نماذجهم الثقافية - الدينية في حل مشكلات مجتمع يعانى أزمات عدة متصاعدة.
2. استدماج قيمة التنوع في مجالات ثلاثة: التعليم - الخطاب الديني - التنشئة في الأسر المصرية.
الاثنين، 10 يناير 2011
2011 عام القلاقل والتحولات
د. برهان غليون
لم يكن تفرغ النخب الحاكمة للنزاعات الداخلية في العقود الأربعة السابقة -التي انتهت باحتكار السلطة من قبل فئات محدودة واحدة، وإعادة بناء النظام السياسي والقانوني والإداري بما يساعد على تخليد هذه السلطة، وربما انتقالها من الآباء إلى الأبناء، بصورة يصعب بعدها الحديث عن نظم سياسية بالمعنى الحديث للكلمة- ممكنا إلا بقدر ما كانت سياسة تفريغ الدول من حيويتها وقواها السياسية هذه متقاطعة مع مصالح القوى الإقليمية والدولية المتنافسة على كسب مواقع النفوذ في المنطقة المشرقية أو السيطرة عليها.
وكانت معركة القضاء على حركات المقاومة والاحتجاج العربية من أي نوع كانت -تحت شعار تصفية الإرهاب في ما يخص القوى الإسلامية، أو باسم ضمان الأمن والاستقرار عندما يتعلق الأمر بقوى يسارية أو قومية أو ديمقراطية، يطلق عليها اليوم صفة العلمانية لتقزيمها وتغييب برامجها السياسية- جزءا من معركة الدول الكبرى للحفاظ على الوضع القائم، ومنع أي تغييرات أو تحولات إستراتيجية أو جيوسياسية لا تتفق مع مصالحها.
وبهذا المعنى لم يكن انشغال النظم العربية بقضايا الداخل ممكنا إلا بمقدار ما كان اطمئنانها عميقا لضمان ثبات الجبهة الخارجية، وتكريس الخرائط القديمة الموروثة عن الحقبة الاستعمارية السابقة من قبل القوى الدولية. وهذا ما عبرنا عنه أكثر من مرة بالتحالف والتضامن الحاصل بين الاستعمار والاستبداد، أي بين استعمار داخلي واستعمار خارجي، يقومان كلاهما على تجريد الشعب من حقوقه السيادية وفرض الوصاية عليه ومعاملته كرعية تابعة للملك أو الرئيس السلطان.
والحال أن سياسة تهدئة الجبهة الخارجية -التي اتبعتها الدول الكبرى ذات النفوذ في المنطقة وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية، والتي شكلت ضمانة لنجاح سياسات القمع الداخلية بل تشجيعا لها- بدأت تتعرض للاهتزاز منذ أن قررت الإدارة الأميركية الجمهورية السابقة في عام 2003 -تحت تأثير المحافظين الجدد- فسخ عقد الضمان هذا والسعي إلى إعادة هيكلة المنطقة، وربما تغيير بعض نظمها وأساليب إدارتها بما يتفق بشكل أكبر مع تطورات الأوضاع الدولية الجديدة، ويضمن للولايات المتحدة وحلفائها وضع اليد بشكل مباشر على آبار النفط، خوفا من منافسة قوى مستهلكة جديدة صاعدة، وتعزيزا لمكانة إسرائيل الإقليمية، بوصفها الحليف الرئيسي والمعتمد الأول في المنطقة.
ولم ينفع تراجع الإدارة الأميركية عن خطتها هذه، واستعادتها لشعار الحفاظ على الأمن والاستقرار من جديد بدل شعار التغيير ودمقرطة الشرق الأوسط، الذي استخدمته لتبرير إستراتيجيتها الهجومية وحربها المعلنة على دول المشرق العربي، التي لم تكن الحرب على العراق سوى الفقرة الأولى منها، أقول لم ينفع هذا التراجع في إعادة الأمور إلى نصابها لسببين:
الأول أن واشنطن خسرت الحرب في العراق تحت تأثير المقاومات المتعددة. وبدل أن تحقق الانتصار المنتظر الذي كانت تحتاجه للتغطية على إخفاقها في أفغانستان التي تكاد تتحول إلى فيتنام جديدة، بدت أكثر من أي وقت سابق دولة مغامرة، وانهارت صدقيتها الإستراتيجية التي أرادت أن تؤكدها كدولة عظمى وحيدة تقع عليها مسؤوليات قيادة العالم وشق طريقه نحو مستقبل أفضل، ديمقراطي ومتضامن، كما كانت تقول دعايتها.
والسبب الثاني أن هزيمتها المرة في العراق، والعجز الذي أظهرته في السيطرة على الوضع الناجم عن الحرب، واضطرارها أخيرا إلى الاعتراف بالإخفاق والانسحاب من بغداد، مع ترك البلاد -التي حطمت عمودها الفقري وفككت دولتها- عرضة لكل الاحتمالات، وفي مقدمها الانقسام والتناحر الطائفي والإثني، وأهم من ذلك التدخل الإيراني، لم يؤثر كل ذلك على صدقيتها كدولة عظمى قائدة فحسب، ولكنه أدى إلى الانكشاف الإستراتيجي الكامل لجبهة المشرق العربي "الأميركي"، وبشكل خاص جبهة الخليج النفطية، وهي ذات الأهمية الإستراتيجية الاستثنائية، وتعريضهما لضغوط قوية من قبل أعتى خصوم واشنطن الإقليميين.
ومن الطبيعي أن تشعر دول المشرق العربي، وفي مقدمها دول الخليج، التي تعرضت لهذا الانكشاف بالقلق على أمنها أكثر من أي وقت سابق، وتتطلع إلى تحالفات أخرى قريبة أو بعيدة تؤمن لها الحماية التي لم تعد واثقة من أن واشنطن قادرة وحدها على تأمينها لها. وأول من أدرك هذه الحاجة هو النظم التي كانت تشعر بهشاشة استثنائية، سواء بسبب عوامل تكوينها الذاتي أو شروط حصارها الخارجية.
وفي سياق هذا الاختلال الكبير الذي أصاب الإستراتيجية الغربية في المنطقة بعد هزة حرب العراق الأرضية، وما نجم عنه من تراجع في شروط حفظ الوضع القائم الشرق أوسطي، تبرز بشكل متسارع -منذ بضع سنوات- ظاهرتان تسيران جنبا إلى جنب:
الأولى ظاهرة تشكل قوة إقليمية محورية، تقوم بدور القطب المحرك والجامع، الذي يطرح أجندة إقليمية وليست وطنية فحسب، تهدف إلى التصدي للمهام التي عجزت الأطراف الأخرى والنخب الحاكمة عن التصدي لها، وفي مقدمها لملمة أطراف منطقة مزقتها الحروب والنزاعات الخارجية والداخلية، وحل النزاعات القائمة في ما بينها، وإزالة العوائق التي تحول دون انفتاح إحداها على الأخرى، وتعظيم شروط الاستثمار والتعاون المفضي إلى الارتقاء بعوامل التقدم الاقتصادي والاجتماعي فيها، ومواجهة النفوذ الغربي الذي تحول، كما كان عليه الحال في الخمسينيات من القرن الماضي، إلى بؤرة رئيسية لفساد النظم والنخب الحاكمة وإعاقة النمو، كما أصبح السبب الأول في تكبيل المنطقة وتجميدها، بمقدار ما رهن نفسه وربط أجندته التاريخية بالدفاع عن إسرائيل ومشروعها الاستيطاني أو بمقدار ما عجز عن الاستقلال عنهما.
والثانية هي ظاهرة التململ داخل المجتمعات، أو استيقاظ الحركات الاجتماعية التي كادت تموت تحت أنقاض الخراب الوطني والسياسي المعمم، وفي ظل سياسات تقييد الحريات والقمع والتهميش من قبل نخب حاكمة فقدت أي مفهوم للسياسة كمسؤولية اجتماعية ولتداول السلطة كحق شرعي وجزء لا يتجزأ من المواطنية، وكضمانة لعدم فسادها واحتكارها واستخدامها من قبل فئة لإخضاع فئة أخرى وحرمانها من حقوقها واستعبادها. وكلتاهما، أعني الظاهرتين، تعزز في تقدمها الأخرى.
هكذا برزت -ولا تزال تبرز- بسرعة البرق تركيا كقوة إقليمية صاعدة، وتتصدى -تقريبا من دون جهد يذكر، وبتعاطف لا يخفى من قبل الرأي العام العربي وأحيانا النخب الحاكمة نفسها- إلى موقع القيادة الإقليمية.
وقد تجاوزت -في سنوات معدودة- في نفوذها السياسي والاقتصادي، والدور الذي تقوم به لتعزيز التواصل بين دول المنطقة وتنشيط التفاعلات في ما بين أطرافها، جميع الدول الأخرى القريبة والبعيدة.
وبعكس طهران الثورية، تطرح أنقرة نفسها اليوم كمركز استقطاب لجميع الأطراف الإقليمية، وتتبع سياسة قائمة على امتصاص التوترات وتهدئة النزاعات والتقريب بين جميع أقطار المنطقة، من دون التردد في تحمل مسؤولياتها كمحور سلام واستقرار وتنمية اقتصادية واجتماعية، أي كقوة إقليمية قادرة على أن تفتح آفاق المستقبل لمنطقة بقيت محاصرة ومعزولة ومهمشة لعقود طويلة، ومليئة بكل أنواع الظلم والقهر وانتهاك الحقوق الوطنية والسياسية.
وهي تبرز كجزء من المنطقة تربطها بها عوامل تاريخية ودينية وجغرافية عديدة، لا غريبة عنها، وتنظر إليها من منظار تكوين مستقبل مشترك، وتحسين شروط استقلال المنطقة وازدهارها، لا كفريسة سهلة أو منطقة تقاسم نفوذ تستهلك مواردها ثم تتركها لمصيرها، أو تحتل أراضيها وتستوطنها وتطرد شعوبها، كما كانت عليه السياسات الاستعمارية.
وبالمثل -بموازاة تبدل المعطيات الإقليمية، وتحرك الجبهة الخارجية، واهتزاز مواقع النخب الحاكمة على الخارطة الجيوستراتيجية- تنبعث دينامية جديدة داخل القوى الاجتماعية في جميع الأقطار. وتعود التطلعات نحو العدالة والحرية والحق في العمل والحياة الإنسانية الكريمة إلى الظهور هنا وهناك.
وكل الدلائل تشير في نظري إلى أننا في بداية دورة جديدة من الحراك الداخلي الذي يستفيد من اهتزاز وضع النظم القائمة الخارجي وتراجع ثقتها بنفسها وبحماياتها الخارجية. وربما تشكل انتفاضة عمال المناجم والعاطلين عن العمل في مدينة سيدي بوزيد التونسية في الأسبوع الأخير من عام 2010، إشارة الانطلاق لهذه الدورة التي ستتقدم على وقع تبدل علاقات القوى الخارجية.
ومما يزيد من هذا الاحتمال الاحتقانات الشديدة التي تعيشها المجتمعات العربية الناجمة عن الحرمان والفساد والتفاوت الفاحش بين الطبقات والعبث بالقانون وانتهاك حقوق الإنسان المستمر، وعدم إمكانية الرهان في مواجهة هذه الاحتقانات على المزيد من القيود وسياسات القمع والإرهاب، كما اعتادت على ذلك معظم الحكومات العربية.
ففي الأوضاع الجيوستراتيجية والدولية الجديدة، وكسر احتكار الإعلام الوطني والعالمي، وتسارع وتيرة انتقال المعلومات بين البلدان والشعوب -بما في ذلك المعلومات ذات الطابع الدبلوماسي السري، كما أظهرت ذلك وثائق ويكيليكس- لن تقود سياسات التهميش والعزل وضرب الحصار على شعوب كاملة، ومنعها من المشاركة حتى بالكلام والتعبير في تقرير مصيرها، سوى إلى المزيد من الفساد والحرمان والتفاوت الاجتماعي، وبالتالي إلى تقهقر أكبر في شروط حياة السكان، وفي مقدرة الحكومات على مواجهة المشاكل القائمة والمتجددة.
وأمام انغلاق آفاق المستقبل بالنسبة للأجيال الجديدة التي لم تعد تتوقع سوى البطالة والفقر وضياع الوقت، أي العمر، ربما لا يبقى من خيار آخر سوى التمرد والانفجار.
بيد أن هذه التمردات والانفجارات المنتظرة ليست مضمونة العواقب أيضا. وليست هناك أي ضمانة في ألا تختار النخب الحاكمة طريق المغامرة بمصير البلدان نفسها، والرهان على بث الفوضى وانعدام الأمن، لردع المجتمعات وتخويفها من التغيير، أو جعل التغيير مرادفا للخراب والدمار والانقسام والفوضى.
وهذا هو الخيار الذي قاد بلدانا عربية عديدة -من لبنان إلى الصومال إلى العراق، واليوم السودان، وربما قريبا اليمن- إلى التفتت والنزاعات الداخلية، الطائفية والإتنية. ففي جميع هذه الحالات جاء الانقسام والنزاع والانهيار نتيجة رفض النخب الحاكمة طريق الحوار والتفاهم بعد رفض الإصلاح، وتبنيها قرار المواجهة بأي ثمن، أي العنف.
فلا ينبغي أن نتوقع من نخب حاكمة ليس لديها، أو لم يعد لديها، أي مفهوم للدولة، ولا -من باب أولى- أي شعور بالمسؤولية الوطنية، أن تتصرف تجاه الأزمات المتراكمة التي تتعرض لها الدول والمجتمعات العربية اليوم بحد أدنى من المسؤولية أو المبادئ الأخلاقية.
وهذا ما يعطي صورة عن الصعوبات الإضافية التي تواجهها عملية التغيير في أقطارنا، والاحتمالات الكبيرة لتزايد تدخل القوى الخارجية، كما أظهرت ذلك حالة ساحل العاج، حيث يزيد رفض الرئيس السابق غباغبو القبول بنتائج الانتخابات، وتمسكه بالبقاء في منصب الرئاسة مهما كانت النتائج والأخطار، من تدخل الدول الكبرى في مصير البلاد، وربما ارتهان إرادة الرئيس الجديد المنتخب لهذه التدخلات.
وهنا تبرز مسؤولية قوى المعارضة والحركات الاجتماعية ومقدرتها على صوغ أجندة وطنية جامعة، تحرص على توحيد جميع القوى الاجتماعية المنخرطة في عملية التحول، وهي أغلبية المجتمع، وتجهد في سبيل حل الخلافات التي تفصل في ما بينها، خاصة بين إسلاميين وغير إسلاميين، وتسعى إلى ترسيخ الخيار الديمقراطي في إطار الحافظ على استقلال القرار الوطني الذي يتيح وحده إمكانية التفاعل والتضامن بين فئات مصالح متباينة وأحيانا متنازعة.
وقبل هذا وذاك، رفض الانجرار إلى طريق العنف الذي يشكل الدفع إليه وتعميمه الإستراتيجية الوحيدة التي لا تزال تملكها النخب العربية الحاكمة للحط من قدر الشعوب، وتسفيهها في نظر نفسها، وتسويد صورتها، لاستجداء الدعم الخارجي، وقطع الطريق على أي تحولات ديمقراطية فعلية وتبرير التمديد الدائم لحكم القهر والاستبداد.
لم يكن تفرغ النخب الحاكمة للنزاعات الداخلية في العقود الأربعة السابقة -التي انتهت باحتكار السلطة من قبل فئات محدودة واحدة، وإعادة بناء النظام السياسي والقانوني والإداري بما يساعد على تخليد هذه السلطة، وربما انتقالها من الآباء إلى الأبناء، بصورة يصعب بعدها الحديث عن نظم سياسية بالمعنى الحديث للكلمة- ممكنا إلا بقدر ما كانت سياسة تفريغ الدول من حيويتها وقواها السياسية هذه متقاطعة مع مصالح القوى الإقليمية والدولية المتنافسة على كسب مواقع النفوذ في المنطقة المشرقية أو السيطرة عليها.
وكانت معركة القضاء على حركات المقاومة والاحتجاج العربية من أي نوع كانت -تحت شعار تصفية الإرهاب في ما يخص القوى الإسلامية، أو باسم ضمان الأمن والاستقرار عندما يتعلق الأمر بقوى يسارية أو قومية أو ديمقراطية، يطلق عليها اليوم صفة العلمانية لتقزيمها وتغييب برامجها السياسية- جزءا من معركة الدول الكبرى للحفاظ على الوضع القائم، ومنع أي تغييرات أو تحولات إستراتيجية أو جيوسياسية لا تتفق مع مصالحها.
وبهذا المعنى لم يكن انشغال النظم العربية بقضايا الداخل ممكنا إلا بمقدار ما كان اطمئنانها عميقا لضمان ثبات الجبهة الخارجية، وتكريس الخرائط القديمة الموروثة عن الحقبة الاستعمارية السابقة من قبل القوى الدولية. وهذا ما عبرنا عنه أكثر من مرة بالتحالف والتضامن الحاصل بين الاستعمار والاستبداد، أي بين استعمار داخلي واستعمار خارجي، يقومان كلاهما على تجريد الشعب من حقوقه السيادية وفرض الوصاية عليه ومعاملته كرعية تابعة للملك أو الرئيس السلطان.
والحال أن سياسة تهدئة الجبهة الخارجية -التي اتبعتها الدول الكبرى ذات النفوذ في المنطقة وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية، والتي شكلت ضمانة لنجاح سياسات القمع الداخلية بل تشجيعا لها- بدأت تتعرض للاهتزاز منذ أن قررت الإدارة الأميركية الجمهورية السابقة في عام 2003 -تحت تأثير المحافظين الجدد- فسخ عقد الضمان هذا والسعي إلى إعادة هيكلة المنطقة، وربما تغيير بعض نظمها وأساليب إدارتها بما يتفق بشكل أكبر مع تطورات الأوضاع الدولية الجديدة، ويضمن للولايات المتحدة وحلفائها وضع اليد بشكل مباشر على آبار النفط، خوفا من منافسة قوى مستهلكة جديدة صاعدة، وتعزيزا لمكانة إسرائيل الإقليمية، بوصفها الحليف الرئيسي والمعتمد الأول في المنطقة.
ولم ينفع تراجع الإدارة الأميركية عن خطتها هذه، واستعادتها لشعار الحفاظ على الأمن والاستقرار من جديد بدل شعار التغيير ودمقرطة الشرق الأوسط، الذي استخدمته لتبرير إستراتيجيتها الهجومية وحربها المعلنة على دول المشرق العربي، التي لم تكن الحرب على العراق سوى الفقرة الأولى منها، أقول لم ينفع هذا التراجع في إعادة الأمور إلى نصابها لسببين:
الأول أن واشنطن خسرت الحرب في العراق تحت تأثير المقاومات المتعددة. وبدل أن تحقق الانتصار المنتظر الذي كانت تحتاجه للتغطية على إخفاقها في أفغانستان التي تكاد تتحول إلى فيتنام جديدة، بدت أكثر من أي وقت سابق دولة مغامرة، وانهارت صدقيتها الإستراتيجية التي أرادت أن تؤكدها كدولة عظمى وحيدة تقع عليها مسؤوليات قيادة العالم وشق طريقه نحو مستقبل أفضل، ديمقراطي ومتضامن، كما كانت تقول دعايتها.
والسبب الثاني أن هزيمتها المرة في العراق، والعجز الذي أظهرته في السيطرة على الوضع الناجم عن الحرب، واضطرارها أخيرا إلى الاعتراف بالإخفاق والانسحاب من بغداد، مع ترك البلاد -التي حطمت عمودها الفقري وفككت دولتها- عرضة لكل الاحتمالات، وفي مقدمها الانقسام والتناحر الطائفي والإثني، وأهم من ذلك التدخل الإيراني، لم يؤثر كل ذلك على صدقيتها كدولة عظمى قائدة فحسب، ولكنه أدى إلى الانكشاف الإستراتيجي الكامل لجبهة المشرق العربي "الأميركي"، وبشكل خاص جبهة الخليج النفطية، وهي ذات الأهمية الإستراتيجية الاستثنائية، وتعريضهما لضغوط قوية من قبل أعتى خصوم واشنطن الإقليميين.
ومن الطبيعي أن تشعر دول المشرق العربي، وفي مقدمها دول الخليج، التي تعرضت لهذا الانكشاف بالقلق على أمنها أكثر من أي وقت سابق، وتتطلع إلى تحالفات أخرى قريبة أو بعيدة تؤمن لها الحماية التي لم تعد واثقة من أن واشنطن قادرة وحدها على تأمينها لها. وأول من أدرك هذه الحاجة هو النظم التي كانت تشعر بهشاشة استثنائية، سواء بسبب عوامل تكوينها الذاتي أو شروط حصارها الخارجية.
وفي سياق هذا الاختلال الكبير الذي أصاب الإستراتيجية الغربية في المنطقة بعد هزة حرب العراق الأرضية، وما نجم عنه من تراجع في شروط حفظ الوضع القائم الشرق أوسطي، تبرز بشكل متسارع -منذ بضع سنوات- ظاهرتان تسيران جنبا إلى جنب:
الأولى ظاهرة تشكل قوة إقليمية محورية، تقوم بدور القطب المحرك والجامع، الذي يطرح أجندة إقليمية وليست وطنية فحسب، تهدف إلى التصدي للمهام التي عجزت الأطراف الأخرى والنخب الحاكمة عن التصدي لها، وفي مقدمها لملمة أطراف منطقة مزقتها الحروب والنزاعات الخارجية والداخلية، وحل النزاعات القائمة في ما بينها، وإزالة العوائق التي تحول دون انفتاح إحداها على الأخرى، وتعظيم شروط الاستثمار والتعاون المفضي إلى الارتقاء بعوامل التقدم الاقتصادي والاجتماعي فيها، ومواجهة النفوذ الغربي الذي تحول، كما كان عليه الحال في الخمسينيات من القرن الماضي، إلى بؤرة رئيسية لفساد النظم والنخب الحاكمة وإعاقة النمو، كما أصبح السبب الأول في تكبيل المنطقة وتجميدها، بمقدار ما رهن نفسه وربط أجندته التاريخية بالدفاع عن إسرائيل ومشروعها الاستيطاني أو بمقدار ما عجز عن الاستقلال عنهما.
والثانية هي ظاهرة التململ داخل المجتمعات، أو استيقاظ الحركات الاجتماعية التي كادت تموت تحت أنقاض الخراب الوطني والسياسي المعمم، وفي ظل سياسات تقييد الحريات والقمع والتهميش من قبل نخب حاكمة فقدت أي مفهوم للسياسة كمسؤولية اجتماعية ولتداول السلطة كحق شرعي وجزء لا يتجزأ من المواطنية، وكضمانة لعدم فسادها واحتكارها واستخدامها من قبل فئة لإخضاع فئة أخرى وحرمانها من حقوقها واستعبادها. وكلتاهما، أعني الظاهرتين، تعزز في تقدمها الأخرى.
هكذا برزت -ولا تزال تبرز- بسرعة البرق تركيا كقوة إقليمية صاعدة، وتتصدى -تقريبا من دون جهد يذكر، وبتعاطف لا يخفى من قبل الرأي العام العربي وأحيانا النخب الحاكمة نفسها- إلى موقع القيادة الإقليمية.
وقد تجاوزت -في سنوات معدودة- في نفوذها السياسي والاقتصادي، والدور الذي تقوم به لتعزيز التواصل بين دول المنطقة وتنشيط التفاعلات في ما بين أطرافها، جميع الدول الأخرى القريبة والبعيدة.
وبعكس طهران الثورية، تطرح أنقرة نفسها اليوم كمركز استقطاب لجميع الأطراف الإقليمية، وتتبع سياسة قائمة على امتصاص التوترات وتهدئة النزاعات والتقريب بين جميع أقطار المنطقة، من دون التردد في تحمل مسؤولياتها كمحور سلام واستقرار وتنمية اقتصادية واجتماعية، أي كقوة إقليمية قادرة على أن تفتح آفاق المستقبل لمنطقة بقيت محاصرة ومعزولة ومهمشة لعقود طويلة، ومليئة بكل أنواع الظلم والقهر وانتهاك الحقوق الوطنية والسياسية.
وهي تبرز كجزء من المنطقة تربطها بها عوامل تاريخية ودينية وجغرافية عديدة، لا غريبة عنها، وتنظر إليها من منظار تكوين مستقبل مشترك، وتحسين شروط استقلال المنطقة وازدهارها، لا كفريسة سهلة أو منطقة تقاسم نفوذ تستهلك مواردها ثم تتركها لمصيرها، أو تحتل أراضيها وتستوطنها وتطرد شعوبها، كما كانت عليه السياسات الاستعمارية.
وبالمثل -بموازاة تبدل المعطيات الإقليمية، وتحرك الجبهة الخارجية، واهتزاز مواقع النخب الحاكمة على الخارطة الجيوستراتيجية- تنبعث دينامية جديدة داخل القوى الاجتماعية في جميع الأقطار. وتعود التطلعات نحو العدالة والحرية والحق في العمل والحياة الإنسانية الكريمة إلى الظهور هنا وهناك.
وكل الدلائل تشير في نظري إلى أننا في بداية دورة جديدة من الحراك الداخلي الذي يستفيد من اهتزاز وضع النظم القائمة الخارجي وتراجع ثقتها بنفسها وبحماياتها الخارجية. وربما تشكل انتفاضة عمال المناجم والعاطلين عن العمل في مدينة سيدي بوزيد التونسية في الأسبوع الأخير من عام 2010، إشارة الانطلاق لهذه الدورة التي ستتقدم على وقع تبدل علاقات القوى الخارجية.
ومما يزيد من هذا الاحتمال الاحتقانات الشديدة التي تعيشها المجتمعات العربية الناجمة عن الحرمان والفساد والتفاوت الفاحش بين الطبقات والعبث بالقانون وانتهاك حقوق الإنسان المستمر، وعدم إمكانية الرهان في مواجهة هذه الاحتقانات على المزيد من القيود وسياسات القمع والإرهاب، كما اعتادت على ذلك معظم الحكومات العربية.
ففي الأوضاع الجيوستراتيجية والدولية الجديدة، وكسر احتكار الإعلام الوطني والعالمي، وتسارع وتيرة انتقال المعلومات بين البلدان والشعوب -بما في ذلك المعلومات ذات الطابع الدبلوماسي السري، كما أظهرت ذلك وثائق ويكيليكس- لن تقود سياسات التهميش والعزل وضرب الحصار على شعوب كاملة، ومنعها من المشاركة حتى بالكلام والتعبير في تقرير مصيرها، سوى إلى المزيد من الفساد والحرمان والتفاوت الاجتماعي، وبالتالي إلى تقهقر أكبر في شروط حياة السكان، وفي مقدرة الحكومات على مواجهة المشاكل القائمة والمتجددة.
وأمام انغلاق آفاق المستقبل بالنسبة للأجيال الجديدة التي لم تعد تتوقع سوى البطالة والفقر وضياع الوقت، أي العمر، ربما لا يبقى من خيار آخر سوى التمرد والانفجار.
بيد أن هذه التمردات والانفجارات المنتظرة ليست مضمونة العواقب أيضا. وليست هناك أي ضمانة في ألا تختار النخب الحاكمة طريق المغامرة بمصير البلدان نفسها، والرهان على بث الفوضى وانعدام الأمن، لردع المجتمعات وتخويفها من التغيير، أو جعل التغيير مرادفا للخراب والدمار والانقسام والفوضى.
وهذا هو الخيار الذي قاد بلدانا عربية عديدة -من لبنان إلى الصومال إلى العراق، واليوم السودان، وربما قريبا اليمن- إلى التفتت والنزاعات الداخلية، الطائفية والإتنية. ففي جميع هذه الحالات جاء الانقسام والنزاع والانهيار نتيجة رفض النخب الحاكمة طريق الحوار والتفاهم بعد رفض الإصلاح، وتبنيها قرار المواجهة بأي ثمن، أي العنف.
فلا ينبغي أن نتوقع من نخب حاكمة ليس لديها، أو لم يعد لديها، أي مفهوم للدولة، ولا -من باب أولى- أي شعور بالمسؤولية الوطنية، أن تتصرف تجاه الأزمات المتراكمة التي تتعرض لها الدول والمجتمعات العربية اليوم بحد أدنى من المسؤولية أو المبادئ الأخلاقية.
وهذا ما يعطي صورة عن الصعوبات الإضافية التي تواجهها عملية التغيير في أقطارنا، والاحتمالات الكبيرة لتزايد تدخل القوى الخارجية، كما أظهرت ذلك حالة ساحل العاج، حيث يزيد رفض الرئيس السابق غباغبو القبول بنتائج الانتخابات، وتمسكه بالبقاء في منصب الرئاسة مهما كانت النتائج والأخطار، من تدخل الدول الكبرى في مصير البلاد، وربما ارتهان إرادة الرئيس الجديد المنتخب لهذه التدخلات.
وهنا تبرز مسؤولية قوى المعارضة والحركات الاجتماعية ومقدرتها على صوغ أجندة وطنية جامعة، تحرص على توحيد جميع القوى الاجتماعية المنخرطة في عملية التحول، وهي أغلبية المجتمع، وتجهد في سبيل حل الخلافات التي تفصل في ما بينها، خاصة بين إسلاميين وغير إسلاميين، وتسعى إلى ترسيخ الخيار الديمقراطي في إطار الحافظ على استقلال القرار الوطني الذي يتيح وحده إمكانية التفاعل والتضامن بين فئات مصالح متباينة وأحيانا متنازعة.
وقبل هذا وذاك، رفض الانجرار إلى طريق العنف الذي يشكل الدفع إليه وتعميمه الإستراتيجية الوحيدة التي لا تزال تملكها النخب العربية الحاكمة للحط من قدر الشعوب، وتسفيهها في نظر نفسها، وتسويد صورتها، لاستجداء الدعم الخارجي، وقطع الطريق على أي تحولات ديمقراطية فعلية وتبرير التمديد الدائم لحكم القهر والاستبداد.
الأحد، 9 يناير 2011
فتنة الاعتداء على الكنائس
د. طه جابر العلواني
أولاً أودّ أن أشير إلى أنَّ الإنسان كما يحتاج إلى مَنْ يُحبه، ويضفي عليه سامي عواطفه، وجميل مشاعره، هو في حاجةٍ إلى مَن يبغضه ويصبّ عليه جام غضبه وشديد بغضه، وسائر المشاعر السلبيَّة لديه، وينسبه إلى كل الرذائل، وينسب كل الرذائل إليه؛ ولذلك فإنَّ الله -تبارك وتعالى- أمرنا أن نتّخذ الشيطان عدوًّا نصبّ عليه غضبنا، وسائر المشاعر السلبيّة لدينا؛ لأنَّه أصل كل منقصة، ومصدر كل رذيلة، فهو مَنْ يأمرنا بالسوء ويحرّضنا عليه ويدعونا للوقوع فيه. ومَنْ لم يتّخذ الشيطان عدوًّا فلابد له من عدوٍّ آخر، وهذا العدو الآخر قد يكون ممّن لا يستحق عداوته، ولا ينبغي له أن يُفرغ مشاعره السلبيّة عليه، ولكن تلك طبيعة الإنسان.
ومن أوسع أودية الباطل والخصومات بين الناس «الغلو»؛ والغلو أن يبالغ الإنسان في شيء ويغلو به، فإذا بلغ الإنسان في شيءٍ مستوى المغالاة فإنَّه يرمي كل مَنْ أنكر عليه أو حاول ردّه إلى الاعتدال، أو دعاه إلى الرجوع إلى الحق «اتخذه عدوًّا»، وإذا فشى هذا النوع من الغلو وانتشر في أُمَّةٍ فإنَّه يسوقها نحو الهلاك.
إنَّ المغالي لا يطيق سماع كلمة الاعتدال أو الحق أو الوسط، إنَّه يُسمع نفسه ما تريد فيمَنْ يحب، ويُسمع نفسه ما تريد فيمَنْ يبغض، ويرفض الإنصات إلى أيّ أحدٍ آخر، والمعتدلون قد يجدون في جرأة أهل الغلو وسلاطة ألسنتهم وإقدامهم على تجريح مخالفيهم ما يدعوه إلى الانكماش والانطواء، ويُثبّطه عن الإنكار؛ وآنذاك يخلو الجو للشيطان ليلعب في عقل ذلك المغالي وقلبه ونفسه، ويسوقه نحو الهلاك ونحو تدمير مقوّمات الاعتدال والوسط في مجتمعه وفي أُمَّته.
جنبا إلى جنب
والمسلمون والمسيحيّون في العراق وفي الشام وفي مصر والسودان والبلدان المغاربيَّة وغيرها عاشوا مع المسلمين جنبًا إلى جنب، ولقد اختبر المسلمون في منطقتنا وزلزلوا زلزالاً شديدًا أثناء حروب الفرنجة التي استمرت مئتي عام، ومع أنَّ الفرنجة قد سمّوا تلك الحروب بالحروب الصليبيَّة؛ طمعًا في كسب نصارى المنطقة، وتحويلهم إلى طابورٍ خامس -كما يُقال- لكنّهم لم يفلحوا ووجدوا من نصارى المنطقة رفضًا، بل زادهم ذلك التصاقًا بالمسلمين جيرانهم وإخوانهم، وقاتل كثيرون مع المسلمين أولئك الغزاة الذين جاءوا ليحتلوا البلاد ويسبوا العباد ويسيطروا على القدس وما جاورها من أرضٍ بارك الله حولها. والمسلمون عرفوا لجيرانهم ذلك الحق، واعتزوا به، ولم ينظروا للمنتمين إلى هذه الديار إلا نظرة إخاء ومودة، فبادلوهم صداقة بصداقة، وولاء بولاء، ووفاء بوفاء.
وقد استمرت الوحدة قائمة رغم تلك الأعاصير وذلك التحدي الكبير. وحين حدث الاستعمار، وانتُهكت ديار المسلمين، وحاول المستعمرون أن يجدوا ثغراتٍ -مثل ثغرة اختلاف الدين- لينفذوا منها، لم يجدوا إلا عددًا قليلاً وفي بلدانٍ معيّنة، ليس منها مصر ولا بلاد الشام، ومع ذلك فقد كانت هناك أدبيّات تظهر بين الحين والآخر في ظروفٍ تاريخيّة معيّنة يغلب أن تكون ظروف حروب وتوتر واختلاف وغزوٍ خارجي، تظهر أدبيّات لا تخلو من ثقافة كراهية، تعمل على زرع الحظر والخوف، بحيث يبدأ الأخ في الحذر من أخيه والشك فيه، وتبدأ الروابط التي كانت وثيقة ف الانهيار والتآكل؛ لتفسح مكانها لأنواعٍ من البغضاء وانعدام الثقة ومشاعر الشك، لتحقق للشيطان وأعوانه أهدافهم في تفكيك الروابط وإغراء بعض الناس في البعض.
ففي مرحلةٍ من المراحل كتب الشيخ ابن تيميّة -يرحمه الله- كتابه «اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أهل الجحيم»، وكتب بعض الناس كتاب «الصواب في قبح استكتاب أهل الكتاب»، وكتب ثالث «النهي عن الاستعانة والاستنصار في أمور المسلمين بأهل الذمة والكفار»، وقد عُنيتُ في فترةٍ زمنيّة معيّنة بتتبع هذا النوع من الكتابات، فوجدتها كتاباتٍ وأدبيّاتٍ تصدر عن كتّاب من مختلف الطوائف داخل الكيان الاجتماعي الواحد؛ لتحذير طائفة من الطوائف الأخرى، أو بذر بذور الشك وإيجاد أزمة ثقة بين مكوّنات كيانٍ واحد؛ ولذلك فقد اعتبرت تلك الكتب والدراسات -سواء صدرت عن علماء مسلمين أو كتّاب من النصارى أو غيرهم- أنّها أدبيّات مرحلة معيّنة أملتها ظروفٌ جعلت كل طائفة تحاول أن تحيط نفسها بحاجز نفسي يفصل بينها وبين طوائف المواطنين الأخرى، وأنَّ هذه الأدبيّات حين تُقرأ خارج سياقها الزمنيّ والتاريخيّ فإنّها تؤدي إلى إيجاد ثقافة غلوٍّ ورفض الفئات الغالية بما يسوّغ لها غلوّها فيما هي عليه، وربما يسوّغ لها أن تضطهد الطوائف الأخرى وتجور عليها إذا كانت في موضع القدرة، وذلك كفيلٌ بتفكيك الكيانات، وتدمير الدول، وإعانة الشيطان على الإنسان بدفعه إلى الفتنة والدخول في مجالات الاحتراب.
كلكم لآدم، وآدم من تراب
إنَّه ما من بلدٍ من بلداننا العربيّة والإسلاميّة إلا وفيه أقليّاتٌ دينيّة أو مذهبيّة أو عِرقيّة أو سواها، يجمع الجميع في هذه الحالة "كلكم لآدم، وآدم من تراب"، و"لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى"، فتصبح الأمّة مطالبة بإيجاد ثقافةٍ تثقّف أجيالها بها من رياض الأطفال إلى أعلى المستويات، تقوم على مبدأ "كلكم لآدم وآدم من تراب"، وعلى مبدأ "يا أيها الناس..."، ومبدأ "ادخلوا في السلم كافة"، ومبدأ "دعوا العصبيات فإنّها منتنة"، ثقافة تستطيع -بما تشتمل عليه من مكوّنات- أن تُخرج الناس من ظلمات الغلوّ والتعصُّب إلى نور الاعتدال والتآخي، ثقافة تنظر للإنسان على أنّه كفؤٌ لأيّ إنسان آخر في الإنسانيّة والآدميّة، وأنّه لا يقلل من قيمة الإنسان إلا انحرافاته الأخلاقيّة والسلوكيّة، وطرائق تعامله مع الآخرين ونظرته إليهم، واستعلاؤه عليهم واستبداده بشأنهم، فإذا لم يكن على هذه الصورة فاختلافاتنا الأخرى معه -في اللغة أو العرق أو المذهب أو الدين- اختلافات تنوّع لا تضاد، تقتضي مزيدًا من الفهم من كلٍ لسواه، ومزيدًا من الوعي، ومزيدًا من التقوى والبر.
إنّ منطقتنا العربيّة بالذات تواجه تحديًا في غاية الخطورة، وهو تحدٍ يحتاج إلى طاقات الأُمَّة كلها ووعي الأُمَّة جميعها بما يُدبّر ويُحاك ويُهيأ لها، فهناك كيانٌ غريب تم زرعه في هذه المنطقة كرهًا، فحُمِل كرهًا ووُلِد كرهًا وعاش كرهًا، هذا الكيان قد وُلِد ولادةً قيصرية شائهة، وُلِد وهو يعتقد أنَّ أمنه وسلامته، بل وحياته ووجوده، لا يمكن تحققها، أو حمايتها بعد تحققها، إلا بتفريق مَنْ حوله وتمزيقهم، وإثارة الفتن بينهم، وإيجاد الفوضى بأنواعها، خاصةً تلك التي يُسمّيها بـ«الخلّاقة»، فتلك كلها بالنسبة له أمورٌ لابد منها لكي يستطيع أن يحيا حياةً تستجيب لطموحاته وتلبّي له احتياجاته، فإن لم يعِ الجيران المحيطون بهذا الكيان لهذه الحقيقة فسوف يُصدّر إليهم -بأخبث الوسائل وأخطر الأساليب- المشكلة تلو الأخرى، مستغلاً أجواء التوتر، مسخّرًا الغلو والأحقاد والغفلة عن الشياطين لينفث سمومه تحت شعارات مختلفة وبأسماء مختلفة. إنّ كياناتنا الاجتماعيّة هذه أحوج ما تكون إلى تحصين جبهاتها الداخليّة، وحمايتها من أي اختراق خارجي مهما يكن، والمخترِق هذه المرة شيطانٌ إنسيّ، يتعاون مع شيطان آخر ليفسد كل شيء، فهم يسعون في الأرض فسادًا، لا يرقبون في أحدٍ إلًّا ولا ذمّة، لم يتـركوا لنا وطنًا واحدًا آمنًا مستقرًّا، يسعون لتدمير الجميع، ولا يمكن مواجهة هذا الخطر إلا بإعادة بناء كياناتنا الاجتماعيّة وتعزيز وحدتِها، وتحصين جبهاتها كلها، والحيلولة دون أيّة عمليّة اختراق يريد هؤلاء القيام بها واستثمارها.
المصدر.. صاحب المصلحة!
إنَّ ما حدث للكنائس العراقيّة، وما حدث في الاسكندريّة، وما قد يحدث في أي بلدٍ آخر صادرٌ عن مصدرٍ واحد، هو صاحب المصلحة في كل ما حدث وما قد يحدث؛ ولذلك ينبغي أن توجّه جميع المشاعر السلبيّة نحو ذلك المصدر الحقيقيّ.
إنَّ الهياج لن ينفع في معالجة هذه الأحوال، فالهياج يحوّل الأمر إلى نوعٍ من مصارعة الثيران، فالثور قويٌّ ولا شك، وهو أقوى من المصارع دون ريب، ولكنّ المصارع -بحكم إتقانه لمصارعة الثيران وخبرته وتجاربه- يجعل الثور بعد أن يُهيّجه ويتجه نحو الخرق التي يفردها أمامه، وهي خرقٌ لا قيمة لها، ولا يستطيع الثور أن ينتقم من المصارع بنطح تلك الخرق التي ينشرها، والمصارع -في النهاية- سوف يجعل قوى الثور تخور، ويوصّله إلى مستوى الانهيار، ثم يجهز عليه ويعلن انتصاره، مع أنّ الثور -من حيث القوة الجسديّة- أقوى بكثير من ذلك المصارع، فلو استطعنا -في ظروف المحن كتلك- أن نوجّه الهياج والغضب باتجاه مَن يستحقه، وباتجاه مَن دبّر الفتنة وأثارها -لا باتجاه الخِرَق التي يفردها في وجه الثور لينطحها- لاستطعنا أن نوقف هذه المحاولات، ونحرم هؤلاء الأعداء والخصوم من أن يسجّلوا علينا أي انتصار لا يستحقونه.
إنَّ المستفيد من تدمير الروابط بين المسلمين والنصارى في بلادنا العربية هو الكيان الطارئ، المزروع كرهًا، والموجود كرهًا، فلا ينبغي أن نخسر عدّة مرات؛ فنخسر وحدتنا ونخسر في عمليّة الاهتداء إلى مثيري الفتنة ومدبري المشكلات لكياناتنا العربيّة المسلمة.
توقيت شيطاني
إنّ التوقيت الذي اختاره الشياطين المدبرون للاعتداء على الكنيسة في الاسكندرية توقيت في غاية الخطورة، وفيه رسالة كامنة لا بدّ أن نحسن قرائتها، فالتوقيت يجري قبل استفتاء جنوب السودان على الانفصال بأيام قلائل والطبول تدق لتحقيق انفصال لن يكون في مصلحة أحد لا في السودان ولا في خارجه؛ إلا ذلك الكيان المزروع كرهًا، وكأنّه يقول لأتباع الكنيسة المصريّة القبطيّة الذين اتخذت قيادتهم من ذلك الكيان موقفًا مشرفًا يريد أن يقول لهم: انظروا إلى ما يحدث في السودان وإنّكم مهما فعلتم قد تجدون أنفسكم مقتنعين بأنّ هؤلاء المسلمين لا يمكن التعايش معهم، وأن الانفصال عنهم والبعد عنهم غنيمة وحلّ لهذا النوع من المشكلات، فاستوعبوا الدرس وخذوا الأمر من بدايته لتتجنّبوا مزيدًا من الخسائر. فهي لحظة تاريخيّة خطيرة أراد هؤلاء الشياطين أن يوجّهوا فيها هذه الرسالة.
إنّ جميع أبناء مصر ومؤسساتها الدينيّة والمدنيّة مطالبة برفع درجة الوعي في هذه اللحظات التاريخيّة وتحصين الجبهة الداخليّة وتدعيم الوحدة الوطنيّة بكل وسائل التدعيم والتحصين للحيلولة دون هؤلاء الشياطين واختراق هذه الجبهة.
تعازينا إلى ذوي الضحايا في بغداد والموصل والإسكندرية وغيرها. سائلين العليّ القدير أن يُجنّب مصر العزيزة وسائر بلاد المسلمين وسائر البلاد العربيّة الفتنَ والمحنَ وعوامل التمزّق، إنّه سميعٌ مجيب.
أولاً أودّ أن أشير إلى أنَّ الإنسان كما يحتاج إلى مَنْ يُحبه، ويضفي عليه سامي عواطفه، وجميل مشاعره، هو في حاجةٍ إلى مَن يبغضه ويصبّ عليه جام غضبه وشديد بغضه، وسائر المشاعر السلبيَّة لديه، وينسبه إلى كل الرذائل، وينسب كل الرذائل إليه؛ ولذلك فإنَّ الله -تبارك وتعالى- أمرنا أن نتّخذ الشيطان عدوًّا نصبّ عليه غضبنا، وسائر المشاعر السلبيّة لدينا؛ لأنَّه أصل كل منقصة، ومصدر كل رذيلة، فهو مَنْ يأمرنا بالسوء ويحرّضنا عليه ويدعونا للوقوع فيه. ومَنْ لم يتّخذ الشيطان عدوًّا فلابد له من عدوٍّ آخر، وهذا العدو الآخر قد يكون ممّن لا يستحق عداوته، ولا ينبغي له أن يُفرغ مشاعره السلبيّة عليه، ولكن تلك طبيعة الإنسان.
ومن أوسع أودية الباطل والخصومات بين الناس «الغلو»؛ والغلو أن يبالغ الإنسان في شيء ويغلو به، فإذا بلغ الإنسان في شيءٍ مستوى المغالاة فإنَّه يرمي كل مَنْ أنكر عليه أو حاول ردّه إلى الاعتدال، أو دعاه إلى الرجوع إلى الحق «اتخذه عدوًّا»، وإذا فشى هذا النوع من الغلو وانتشر في أُمَّةٍ فإنَّه يسوقها نحو الهلاك.
إنَّ المغالي لا يطيق سماع كلمة الاعتدال أو الحق أو الوسط، إنَّه يُسمع نفسه ما تريد فيمَنْ يحب، ويُسمع نفسه ما تريد فيمَنْ يبغض، ويرفض الإنصات إلى أيّ أحدٍ آخر، والمعتدلون قد يجدون في جرأة أهل الغلو وسلاطة ألسنتهم وإقدامهم على تجريح مخالفيهم ما يدعوه إلى الانكماش والانطواء، ويُثبّطه عن الإنكار؛ وآنذاك يخلو الجو للشيطان ليلعب في عقل ذلك المغالي وقلبه ونفسه، ويسوقه نحو الهلاك ونحو تدمير مقوّمات الاعتدال والوسط في مجتمعه وفي أُمَّته.
جنبا إلى جنب
والمسلمون والمسيحيّون في العراق وفي الشام وفي مصر والسودان والبلدان المغاربيَّة وغيرها عاشوا مع المسلمين جنبًا إلى جنب، ولقد اختبر المسلمون في منطقتنا وزلزلوا زلزالاً شديدًا أثناء حروب الفرنجة التي استمرت مئتي عام، ومع أنَّ الفرنجة قد سمّوا تلك الحروب بالحروب الصليبيَّة؛ طمعًا في كسب نصارى المنطقة، وتحويلهم إلى طابورٍ خامس -كما يُقال- لكنّهم لم يفلحوا ووجدوا من نصارى المنطقة رفضًا، بل زادهم ذلك التصاقًا بالمسلمين جيرانهم وإخوانهم، وقاتل كثيرون مع المسلمين أولئك الغزاة الذين جاءوا ليحتلوا البلاد ويسبوا العباد ويسيطروا على القدس وما جاورها من أرضٍ بارك الله حولها. والمسلمون عرفوا لجيرانهم ذلك الحق، واعتزوا به، ولم ينظروا للمنتمين إلى هذه الديار إلا نظرة إخاء ومودة، فبادلوهم صداقة بصداقة، وولاء بولاء، ووفاء بوفاء.
وقد استمرت الوحدة قائمة رغم تلك الأعاصير وذلك التحدي الكبير. وحين حدث الاستعمار، وانتُهكت ديار المسلمين، وحاول المستعمرون أن يجدوا ثغراتٍ -مثل ثغرة اختلاف الدين- لينفذوا منها، لم يجدوا إلا عددًا قليلاً وفي بلدانٍ معيّنة، ليس منها مصر ولا بلاد الشام، ومع ذلك فقد كانت هناك أدبيّات تظهر بين الحين والآخر في ظروفٍ تاريخيّة معيّنة يغلب أن تكون ظروف حروب وتوتر واختلاف وغزوٍ خارجي، تظهر أدبيّات لا تخلو من ثقافة كراهية، تعمل على زرع الحظر والخوف، بحيث يبدأ الأخ في الحذر من أخيه والشك فيه، وتبدأ الروابط التي كانت وثيقة ف الانهيار والتآكل؛ لتفسح مكانها لأنواعٍ من البغضاء وانعدام الثقة ومشاعر الشك، لتحقق للشيطان وأعوانه أهدافهم في تفكيك الروابط وإغراء بعض الناس في البعض.
ففي مرحلةٍ من المراحل كتب الشيخ ابن تيميّة -يرحمه الله- كتابه «اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أهل الجحيم»، وكتب بعض الناس كتاب «الصواب في قبح استكتاب أهل الكتاب»، وكتب ثالث «النهي عن الاستعانة والاستنصار في أمور المسلمين بأهل الذمة والكفار»، وقد عُنيتُ في فترةٍ زمنيّة معيّنة بتتبع هذا النوع من الكتابات، فوجدتها كتاباتٍ وأدبيّاتٍ تصدر عن كتّاب من مختلف الطوائف داخل الكيان الاجتماعي الواحد؛ لتحذير طائفة من الطوائف الأخرى، أو بذر بذور الشك وإيجاد أزمة ثقة بين مكوّنات كيانٍ واحد؛ ولذلك فقد اعتبرت تلك الكتب والدراسات -سواء صدرت عن علماء مسلمين أو كتّاب من النصارى أو غيرهم- أنّها أدبيّات مرحلة معيّنة أملتها ظروفٌ جعلت كل طائفة تحاول أن تحيط نفسها بحاجز نفسي يفصل بينها وبين طوائف المواطنين الأخرى، وأنَّ هذه الأدبيّات حين تُقرأ خارج سياقها الزمنيّ والتاريخيّ فإنّها تؤدي إلى إيجاد ثقافة غلوٍّ ورفض الفئات الغالية بما يسوّغ لها غلوّها فيما هي عليه، وربما يسوّغ لها أن تضطهد الطوائف الأخرى وتجور عليها إذا كانت في موضع القدرة، وذلك كفيلٌ بتفكيك الكيانات، وتدمير الدول، وإعانة الشيطان على الإنسان بدفعه إلى الفتنة والدخول في مجالات الاحتراب.
كلكم لآدم، وآدم من تراب
إنَّه ما من بلدٍ من بلداننا العربيّة والإسلاميّة إلا وفيه أقليّاتٌ دينيّة أو مذهبيّة أو عِرقيّة أو سواها، يجمع الجميع في هذه الحالة "كلكم لآدم، وآدم من تراب"، و"لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى"، فتصبح الأمّة مطالبة بإيجاد ثقافةٍ تثقّف أجيالها بها من رياض الأطفال إلى أعلى المستويات، تقوم على مبدأ "كلكم لآدم وآدم من تراب"، وعلى مبدأ "يا أيها الناس..."، ومبدأ "ادخلوا في السلم كافة"، ومبدأ "دعوا العصبيات فإنّها منتنة"، ثقافة تستطيع -بما تشتمل عليه من مكوّنات- أن تُخرج الناس من ظلمات الغلوّ والتعصُّب إلى نور الاعتدال والتآخي، ثقافة تنظر للإنسان على أنّه كفؤٌ لأيّ إنسان آخر في الإنسانيّة والآدميّة، وأنّه لا يقلل من قيمة الإنسان إلا انحرافاته الأخلاقيّة والسلوكيّة، وطرائق تعامله مع الآخرين ونظرته إليهم، واستعلاؤه عليهم واستبداده بشأنهم، فإذا لم يكن على هذه الصورة فاختلافاتنا الأخرى معه -في اللغة أو العرق أو المذهب أو الدين- اختلافات تنوّع لا تضاد، تقتضي مزيدًا من الفهم من كلٍ لسواه، ومزيدًا من الوعي، ومزيدًا من التقوى والبر.
إنّ منطقتنا العربيّة بالذات تواجه تحديًا في غاية الخطورة، وهو تحدٍ يحتاج إلى طاقات الأُمَّة كلها ووعي الأُمَّة جميعها بما يُدبّر ويُحاك ويُهيأ لها، فهناك كيانٌ غريب تم زرعه في هذه المنطقة كرهًا، فحُمِل كرهًا ووُلِد كرهًا وعاش كرهًا، هذا الكيان قد وُلِد ولادةً قيصرية شائهة، وُلِد وهو يعتقد أنَّ أمنه وسلامته، بل وحياته ووجوده، لا يمكن تحققها، أو حمايتها بعد تحققها، إلا بتفريق مَنْ حوله وتمزيقهم، وإثارة الفتن بينهم، وإيجاد الفوضى بأنواعها، خاصةً تلك التي يُسمّيها بـ«الخلّاقة»، فتلك كلها بالنسبة له أمورٌ لابد منها لكي يستطيع أن يحيا حياةً تستجيب لطموحاته وتلبّي له احتياجاته، فإن لم يعِ الجيران المحيطون بهذا الكيان لهذه الحقيقة فسوف يُصدّر إليهم -بأخبث الوسائل وأخطر الأساليب- المشكلة تلو الأخرى، مستغلاً أجواء التوتر، مسخّرًا الغلو والأحقاد والغفلة عن الشياطين لينفث سمومه تحت شعارات مختلفة وبأسماء مختلفة. إنّ كياناتنا الاجتماعيّة هذه أحوج ما تكون إلى تحصين جبهاتها الداخليّة، وحمايتها من أي اختراق خارجي مهما يكن، والمخترِق هذه المرة شيطانٌ إنسيّ، يتعاون مع شيطان آخر ليفسد كل شيء، فهم يسعون في الأرض فسادًا، لا يرقبون في أحدٍ إلًّا ولا ذمّة، لم يتـركوا لنا وطنًا واحدًا آمنًا مستقرًّا، يسعون لتدمير الجميع، ولا يمكن مواجهة هذا الخطر إلا بإعادة بناء كياناتنا الاجتماعيّة وتعزيز وحدتِها، وتحصين جبهاتها كلها، والحيلولة دون أيّة عمليّة اختراق يريد هؤلاء القيام بها واستثمارها.
المصدر.. صاحب المصلحة!
إنَّ ما حدث للكنائس العراقيّة، وما حدث في الاسكندريّة، وما قد يحدث في أي بلدٍ آخر صادرٌ عن مصدرٍ واحد، هو صاحب المصلحة في كل ما حدث وما قد يحدث؛ ولذلك ينبغي أن توجّه جميع المشاعر السلبيّة نحو ذلك المصدر الحقيقيّ.
إنَّ الهياج لن ينفع في معالجة هذه الأحوال، فالهياج يحوّل الأمر إلى نوعٍ من مصارعة الثيران، فالثور قويٌّ ولا شك، وهو أقوى من المصارع دون ريب، ولكنّ المصارع -بحكم إتقانه لمصارعة الثيران وخبرته وتجاربه- يجعل الثور بعد أن يُهيّجه ويتجه نحو الخرق التي يفردها أمامه، وهي خرقٌ لا قيمة لها، ولا يستطيع الثور أن ينتقم من المصارع بنطح تلك الخرق التي ينشرها، والمصارع -في النهاية- سوف يجعل قوى الثور تخور، ويوصّله إلى مستوى الانهيار، ثم يجهز عليه ويعلن انتصاره، مع أنّ الثور -من حيث القوة الجسديّة- أقوى بكثير من ذلك المصارع، فلو استطعنا -في ظروف المحن كتلك- أن نوجّه الهياج والغضب باتجاه مَن يستحقه، وباتجاه مَن دبّر الفتنة وأثارها -لا باتجاه الخِرَق التي يفردها في وجه الثور لينطحها- لاستطعنا أن نوقف هذه المحاولات، ونحرم هؤلاء الأعداء والخصوم من أن يسجّلوا علينا أي انتصار لا يستحقونه.
إنَّ المستفيد من تدمير الروابط بين المسلمين والنصارى في بلادنا العربية هو الكيان الطارئ، المزروع كرهًا، والموجود كرهًا، فلا ينبغي أن نخسر عدّة مرات؛ فنخسر وحدتنا ونخسر في عمليّة الاهتداء إلى مثيري الفتنة ومدبري المشكلات لكياناتنا العربيّة المسلمة.
توقيت شيطاني
إنّ التوقيت الذي اختاره الشياطين المدبرون للاعتداء على الكنيسة في الاسكندرية توقيت في غاية الخطورة، وفيه رسالة كامنة لا بدّ أن نحسن قرائتها، فالتوقيت يجري قبل استفتاء جنوب السودان على الانفصال بأيام قلائل والطبول تدق لتحقيق انفصال لن يكون في مصلحة أحد لا في السودان ولا في خارجه؛ إلا ذلك الكيان المزروع كرهًا، وكأنّه يقول لأتباع الكنيسة المصريّة القبطيّة الذين اتخذت قيادتهم من ذلك الكيان موقفًا مشرفًا يريد أن يقول لهم: انظروا إلى ما يحدث في السودان وإنّكم مهما فعلتم قد تجدون أنفسكم مقتنعين بأنّ هؤلاء المسلمين لا يمكن التعايش معهم، وأن الانفصال عنهم والبعد عنهم غنيمة وحلّ لهذا النوع من المشكلات، فاستوعبوا الدرس وخذوا الأمر من بدايته لتتجنّبوا مزيدًا من الخسائر. فهي لحظة تاريخيّة خطيرة أراد هؤلاء الشياطين أن يوجّهوا فيها هذه الرسالة.
إنّ جميع أبناء مصر ومؤسساتها الدينيّة والمدنيّة مطالبة برفع درجة الوعي في هذه اللحظات التاريخيّة وتحصين الجبهة الداخليّة وتدعيم الوحدة الوطنيّة بكل وسائل التدعيم والتحصين للحيلولة دون هؤلاء الشياطين واختراق هذه الجبهة.
تعازينا إلى ذوي الضحايا في بغداد والموصل والإسكندرية وغيرها. سائلين العليّ القدير أن يُجنّب مصر العزيزة وسائر بلاد المسلمين وسائر البلاد العربيّة الفتنَ والمحنَ وعوامل التمزّق، إنّه سميعٌ مجيب.
أون إسلام تطلق موقع "مصريون معاً" لدعم العيش المشترك
تجاوبًا مع دعوة شيخ الأزهر وبتنفيذ فريق تحرير إسلامي مسيحي
أون إسلام تطلق موقع "مصريون معاً" لدعم العيش المشترك
تجاوبا مع دعوة الإمام الأكبر، شيخ الأزهر د.أحمد الطيب بإطلاق مشروع بيت العائلة المصرية، تعتزم بوابة "أون إسلام" OnIslam.net إطلاق أول موقع على الإنترنت يهتم بتعزيز "الحياة المشتركة" بين عنصرى الأمة المصرية، وذلك تزامنا مع احتفال أقباط مصر بذكرى الميلاد المجيد للسيد المسيح –عليه السلام– فى السابع من يناير الجارى، وهى المبادرة التى عبرت رموز إسلامية ومسيحية مصرية عن دعمها الكامل لها.وتأتى هذه المبادرة رغبة من شبكة "أون إسلام" فى تعزيز مفهوم "العيش الواحد" والحياة المشتركة بين مسلمى مصر ومسيحييها، وانسجاما مع حالة الإجماع الوطنى والإصرار على تدعيم قيم الوحدة المصرية التى كشفت عنها ردود الأفعال عقب حادث الاعتداء على كنيسة "القديسين" بالإسكندرية مع اللحظات الأولى للعام 2011.ويهدف الموقع الذى سيحمل شعار "مصريون معا" لتقديم أرضية مناسبة وملتقيات مشتركة من أجل صناعة حالة من التوافق على قضايا الوطن، والتصدى لما يهدد وحدته.كذلك يأتى الموقع الذى ينطلق للجمهور على فضاء الإنترنت الجمعة 7-1-2011 فى نسخة أولية، استجابة لما اقترحه المثقف المصرى "د.سمير مرقص" من تأسيس فورى لوقفية باسم "الحياة المشتركة" تعنى بتكريس مفاهيم المواطنة والشراكة المصيرية فى الوطن.ويحظى المشروع بدعم كبير وتأييد من شخصيات ورموز مصرية مثل المستشار طارق البشرى، د.حنا جريس، د.نبيل عبد الفتاح، والكاتب الصحفى سعد هجرس، د.رفيق حبيب، والباحث سامح فوزى... وغيرهم.ومن جهته أكد الأنبا موسى، أسقف الشباب بالكنيسة الأرثوذكسية، دعمه الكامل للمبادرة ودورها فى تكريس خطاب المحبة بين المصريين جميعا، والتصدى للأخطار التى تتربص بالوطن بأكمله. الوحدة.. حالة معرفية وبحسب هشام جعفر، رئيس مجلس أمناء جمعية "مدى" للتنمية الإعلامية المالكة لبوابة "أون إسلام"، فإن موقع "مصريون معا" سيعمل للحفاظ على الوحدة الوطنية ودعم الحياة المشتركة وصيانتها بين المسيحيين والمسلمين عبر محاور عديدة، منها:• إحياء رابطة المواطنة وتفعيل شراكة المواطن، واعتبار ذلك مشروعا قوميا.
• التعارف العلمى لتصحيح المعلومات الخاطئة وإزاحة الصور الظالمة.• إبراز كل ما هو مشترك وموحد فى كافة المجالات: الأخلاق والقيم – العادات – التاريخ – الثقافة والفنون والآداب -...إلخ. • حوار عقلانى منضبط، يجلى الأزمات ويعترف بالأخطاء ويلتمس الحلول. • نشر وتوثيق أدبيات العيش المشترك – أو الواحد. • تقديم تجارب العيش المشترك فى الحالة المصرية. • إشاعة ثقافة العيش المشترك بين الجمهور العام، وعدم الاقتصار على نخب المثقفين.ويتابع: الموقع الذى سيديره فريق مهنى مسيحى إسلامى مشترك يهدف إلى تحويل حالة التعاطف التى كشف عنها حادث "رأس السنة" بوضوح فى ردود أفعال غالبية المصريين إلى حالة معرفية، تؤسس لفكرة الشراكة فى الوطن، فى ظل الدولة المدنية.ويضيف جعفر: ستعنى أقسام الموقع المختلفة بصناعة حالة من الحوار والتوافق، ودحض الأفكار السلبية سابقة التجهيز لدى الجانبين، إضافة إلى عرض نماذج إيجابية لتجارب ناجحة فى العيش المشترك بين مسلمين ومسيحيين مصريين.ووفقا لـ "عبد الله الطحاوى، المشرف على الموقع، ستكون شبكة الإنترنت منصة أولية لإطلاق الفكرة ودعمها قبل أن يتحول لمشروع ثقافى إعلامى تتعدد وسائطه ووسائله من الكتاب المطبوع وحتى الرسائل الإلكترونية القصيرة، حتى يصل إلى أكبر عدد من العقول لنشر ثقافة الحياة المشتركة والمصير الواحد.
أون إسلام تطلق موقع "مصريون معاً" لدعم العيش المشترك
تجاوبا مع دعوة الإمام الأكبر، شيخ الأزهر د.أحمد الطيب بإطلاق مشروع بيت العائلة المصرية، تعتزم بوابة "أون إسلام" OnIslam.net إطلاق أول موقع على الإنترنت يهتم بتعزيز "الحياة المشتركة" بين عنصرى الأمة المصرية، وذلك تزامنا مع احتفال أقباط مصر بذكرى الميلاد المجيد للسيد المسيح –عليه السلام– فى السابع من يناير الجارى، وهى المبادرة التى عبرت رموز إسلامية ومسيحية مصرية عن دعمها الكامل لها.وتأتى هذه المبادرة رغبة من شبكة "أون إسلام" فى تعزيز مفهوم "العيش الواحد" والحياة المشتركة بين مسلمى مصر ومسيحييها، وانسجاما مع حالة الإجماع الوطنى والإصرار على تدعيم قيم الوحدة المصرية التى كشفت عنها ردود الأفعال عقب حادث الاعتداء على كنيسة "القديسين" بالإسكندرية مع اللحظات الأولى للعام 2011.ويهدف الموقع الذى سيحمل شعار "مصريون معا" لتقديم أرضية مناسبة وملتقيات مشتركة من أجل صناعة حالة من التوافق على قضايا الوطن، والتصدى لما يهدد وحدته.كذلك يأتى الموقع الذى ينطلق للجمهور على فضاء الإنترنت الجمعة 7-1-2011 فى نسخة أولية، استجابة لما اقترحه المثقف المصرى "د.سمير مرقص" من تأسيس فورى لوقفية باسم "الحياة المشتركة" تعنى بتكريس مفاهيم المواطنة والشراكة المصيرية فى الوطن.ويحظى المشروع بدعم كبير وتأييد من شخصيات ورموز مصرية مثل المستشار طارق البشرى، د.حنا جريس، د.نبيل عبد الفتاح، والكاتب الصحفى سعد هجرس، د.رفيق حبيب، والباحث سامح فوزى... وغيرهم.ومن جهته أكد الأنبا موسى، أسقف الشباب بالكنيسة الأرثوذكسية، دعمه الكامل للمبادرة ودورها فى تكريس خطاب المحبة بين المصريين جميعا، والتصدى للأخطار التى تتربص بالوطن بأكمله. الوحدة.. حالة معرفية وبحسب هشام جعفر، رئيس مجلس أمناء جمعية "مدى" للتنمية الإعلامية المالكة لبوابة "أون إسلام"، فإن موقع "مصريون معا" سيعمل للحفاظ على الوحدة الوطنية ودعم الحياة المشتركة وصيانتها بين المسيحيين والمسلمين عبر محاور عديدة، منها:• إحياء رابطة المواطنة وتفعيل شراكة المواطن، واعتبار ذلك مشروعا قوميا.
• التعارف العلمى لتصحيح المعلومات الخاطئة وإزاحة الصور الظالمة.• إبراز كل ما هو مشترك وموحد فى كافة المجالات: الأخلاق والقيم – العادات – التاريخ – الثقافة والفنون والآداب -...إلخ. • حوار عقلانى منضبط، يجلى الأزمات ويعترف بالأخطاء ويلتمس الحلول. • نشر وتوثيق أدبيات العيش المشترك – أو الواحد. • تقديم تجارب العيش المشترك فى الحالة المصرية. • إشاعة ثقافة العيش المشترك بين الجمهور العام، وعدم الاقتصار على نخب المثقفين.ويتابع: الموقع الذى سيديره فريق مهنى مسيحى إسلامى مشترك يهدف إلى تحويل حالة التعاطف التى كشف عنها حادث "رأس السنة" بوضوح فى ردود أفعال غالبية المصريين إلى حالة معرفية، تؤسس لفكرة الشراكة فى الوطن، فى ظل الدولة المدنية.ويضيف جعفر: ستعنى أقسام الموقع المختلفة بصناعة حالة من الحوار والتوافق، ودحض الأفكار السلبية سابقة التجهيز لدى الجانبين، إضافة إلى عرض نماذج إيجابية لتجارب ناجحة فى العيش المشترك بين مسلمين ومسيحيين مصريين.ووفقا لـ "عبد الله الطحاوى، المشرف على الموقع، ستكون شبكة الإنترنت منصة أولية لإطلاق الفكرة ودعمها قبل أن يتحول لمشروع ثقافى إعلامى تتعدد وسائطه ووسائله من الكتاب المطبوع وحتى الرسائل الإلكترونية القصيرة، حتى يصل إلى أكبر عدد من العقول لنشر ثقافة الحياة المشتركة والمصير الواحد.
الخميس، 6 يناير 2011
Dialogue et compréhension mutuelle: Mythes et Réalités.
Dr Saoud EL Mawla
Bureau Exécutif du Comité National Libanais de L’UNESCO.
Beyrouth, 24 Novembre 2010
I. La Crise des Relations entre Monde Arabe et Occident
I.1 Une réalité conflictuelle chaotique et violente
Avec la chute de l ‘URSS et le démembrement du bloc socialiste, l’Histoire n’a pas pris Fin. La confrontation entre Est et Ouest, qui avait dominé la seconde moitié du XXème siècle, a été remplacée par une autre confrontation, plus profonde et plus compliquée, entre Nord et Sud.
Cette nouvelle confrontation ne s’exprime plus en termes d’idéologies (marxisme contre libéralisme), ou de politique (communisme contre capi¬talisme), mais en termes de religions (Judéo-Chrétienne contre Islam).Ce qui risque de raviver les illusions et fausses idées de l’ère des croisades (vs jihãd), de l’obscurantisme moyenâgeux, ainsi que l’esprit de l’ère coloniale du XIXe siècle.
Ces dernières années ont été marquées par une réelle accélération de phénomènes politiques récurrents depuis le début du XX° siècle. A la période de la décolonisation et de la guerre froide a succédé une ère où la non résolution de très vives tensions tant au Proche Orient qu’en Europe de l’Est, en Afrique, ou en Asie. Cette situation d’instabilité amène bien des peuples à s’enfermer dans une spirale de violence sans autre issue que de faire grandir haine et refus de l’autre.
I.2 Aux sources de la violence
Les événements du 11 Septembre et la « guerre contre le Terrorisme » ont contribué à pousser le malentendu historique entre le monde arabe et l’occident (surtout les Etats-Unis) vers une extrême violence. Parmi les crises qui en résultent citons seulement celles dérivant de la politique des « 2 poids 2 mesures » adoptée par l’Occident depuis longtemps dans ses relations avec les Arabes :
a- Les résolutions de l’ONU : Celles qui visent Israël ne sont jamais appliquées tandis que celles qui visent des pays arabes ou islamiques sont appliquées à la lettre et par la force (exemples de l’Iraq et du Soudan, ainsi que de l’Iran dernièrement).
b- La Question Palestinienne : La première et la plus importante cause de crises et de malentendus entre les pays arabes et l’Occident est, et reste toujours, la politique ambiguë et injuste des occidentaux vis-à-vis l’indépendance et la souveraineté de la Palestine, ainsi que des droits inaliénables de son peuple et de sa résistance.
c- La non-prolifération des armes de destruction totale : Mais le problème le plus dangereux reste celui des armes nucléaires détenus par Israël en faisant fi de la communauté internationale. Sachons que le conseil de sécurité avait issu une résolution (487) datée du 19 Juin 1981 demandant à Israël de mettre ses installations nucléaires sous le contrôle de l’agence internationale de l’énergie nucléaire. Israël n’a jamais satisfait, et ne s’est jamais soumis, à ces résolutions.
I.3 Un déséquilibre croissant entre riches et pauvres
Dans le même temps, le fossé entre riches et pauvres (sur toute la planète) continue à se creuser. Il peut s’expliquer par l’essor des multinationales, la mondialisation de l’économie et des rapports Nord-Sud et Est-Ouest en continuel déséquilibre. Mais il est clair que pour de nombreux pays, le problème n’est pas tant de bien communiquer, de faire de la recherche génétique ou de gérer un mal-être, que de ne pas mourir de faim, de soif ou de froid. Le colonialisme a laissé la place à une mainmise politico-économique des pays riches sur les pays pauvres, mainmise permettant aux riches de continuer à accroître leur pouvoir.
I.4 Les formes nouvelles d’expression de la religiosité et la montée du radicalisme fondamentaliste :
Autre caractéristique de notre époque, une crise fondamentale du religieux, en monde tant chrétien que musulman. La recherche d’une foi apportant des réponses claires et précises aux problèmes d’aujourd’hui amène les individus à s’investir dans de nouvelles formes de religiosité et à aspirer à une instrumentalisation de celle-ci.
Nous pouvons ainsi percevoir en monde musulman le surgissement de groupes religieux extrémistes prônant une identité combattante, dans une perspective politique. Le fait est aussi signalé en Occident avec la montée des courants fondamentalistes aux Etats-Unis, et de l’islamo phobie en général.
Mais l’alignement aveugle de l’Occident avec Israël, et la politique des 2 poids 2 mesures, restent la source principale de la crise entre Islam et Occident ; ils n’ont fait qu’aggraver la montée en force des courants identitaires fondamentalistes qui ont pris une légitimité populaire face à l’intransigeance israélienne.
II. Les crises structurelles arabes :
La confrontation entre Arabes et Occident, et dans son cœur l’expansionnisme agressif terroriste israélien, a contribué au blocage du développement dans le monde arabe, sans pour autant en être la seule cause. Les arabes portent eux aussi une grave responsabilité à ce niveau et sont le berceau d’autres crises structurelles.
II.1 la crise identitaire
L’incapacité de produire un projet arabe civilisationnel qui réconcilie les sociétés arabes avec soi-même comme avec le monde. Les arabes sont à la recherche de leur identité, de leur avenir, ainsi que de leur rôle dans un monde en mutation radicale et accélérée. Ils veulent faire partie de la communauté internationale mais à partir de leur propre héritage culturel et pour participer dans l’enrichissement de la civilisation humaine et la consolidation de la paix et la justice mondiales.
II.2 La crise du développement
Les pays arabes souffrent de la baisse dans la productivité, baisse qui est de l’ordre de 0.2% annuellement. Le dernier rapport de l’Organisation Mondiale du Travail a décrit la situation du chômage dans le monde arabe comme étant la pire au niveau mondial. Le taux de chômage parmi les jeunes arabes a dépassé les 25% malgré les surplus pétroliers des pays du golfe. Le rapport du développement humain arabe pour l’année 2009 nous dit que 65 millions d’arabes vivent au dessous du niveau de pauvreté. Les taux de pauvreté dans les pays arabes varient entre 28.6% et 30% (Liban et Syrie), et 59.9% au Yémen, 41% en Egypte.
II.3 La crise de la démocratie
L’incapacité à produire des systèmes démocratiques d’alternance et de séparation des pouvoirs, ainsi que de participation populaire dans la politique. Les pouvoirs absolus du parti unique, ou de la famille unique, et même les pires dictatures, sont monnaie courante et ne respectent point les droits des peuples ou des communautés ou des personnes…
II.4 Le passé au présent
Ceci est à la base du retour vers le passé en fuyant le présent et par peur de l’avenir. Ce retour vers le passé prend plusieurs formes dont le retour vers une religiosité politisée ou un retour vers les formes élémentaires de solidarité communautaires
II.5 La crise des libertés
Le monde arabe est devenu une « grande prison » dans laquelle vivent et meurent des générations qui n’ont pas été donné la possibilité de participer à la décision de leur destin ou à la réalisation de soi…des générations qui regardent le monde bouger à une vitesse inouïe tandis que leur temps, le temps arabe, reste figé…un temps suspendu gardé par la peur…la peur de tout et de tous…de sorte que la peur n’a plus besoin d’un extérieur sur lequel s’appuyer…car elle est devenue une peur qui s’auto crée elle-même…l’arabe est devenu son propre geôlier inventant lui-même sa propre prison et utilisant des méthodes d’auto cœrcition qui l’ont poussé en fin de compte à renier ses droits humains à une vie normale, et à perdre définitivement tout sens critique. Ceci a condamné l’arabe à une vie morne de servitude en tristesse, et de malheurs en complexes d’infériorité lorsqu’il compare sa vie avec celle des « autres ».
II.6 La crise de communication avec l’extérieur
Les arabes sont devenus prisonniers d’une vision fondamentaliste chauviniste (nationaliste et religieuse à la fois) qui divise le monde en 2 camps : Nous et Eux. C’est d’ailleurs la même division que le président Bush avait annoncée : le camp du bien v/s le camp du mal. Ainsi la différence et la diversité deviennent un danger imminent qu’il faut combattre et anéantir.
III. Guerres de Civilisations ou Dialogue ?
III.1 Le grand mouvement de protestation internationale contre la guerre en Iraq, qui a eu une grande envergure en Europe, a contribué énormément à réfuter la thèse de « guerres de civilisations » qui poussait le monde vers une confrontation sanglante entre Islam et Occident.
Le point important de ce mouvement se trouve être dans sa nature « européenne » et dans son « timing » ; car il a précédé la guerre : c’est la première fois que l’opinion publique mondiale se mobilise et réagit avant le déclenchement d’une guerre et non pas suite à ses conséquences ; et ceci pour défendre les valeurs humaines universelles et les principes du droit international. Il faut mentionner ici le rôle de 3 forces principales dans ce mouvement :
1- La communauté européenne et à sa tête la France et l’Allemagne, ainsi que la Russie et la Chine…ces pays ont refusé un nouvel ordre mondial dirigé par une seule superpuissance et ont vu que l’avenir de l’humanité réside dans une grande coopération et dialogue dans le cadre d’une autorité internationale (l’ONU) qui possède les moyens de sauvegarder la paix mondiale.
2- Le large mouvement populaire international contre la globalisation dans son aspect capitaliste sauvage, et qui s’est exprimée dans les grandes manifestations qui ont réuni le même jour des dizaines de millions à Londres, Paris, Madrid, Berlin…
3- L’église chrétienne qui a pris une position ferme et avancée contre la guerre sous n’importe quel titre elle était présentée, que ce soit de Guerre Juste, ou de Nouvelle Croisade, ou celui de Guerre Sainte ou Jihad…
Le monde arabe était appelé à se solidariser avec soi-même et à communiquer avec ces forces mondiales dans le but d’empêcher la guerre. Mais malheureusement ce monde arabe est resté inerte manquant toute initiative …
Ceci a de nouveau posé le problème de la capacité du monde arabe à trouver sa place au sein de la communauté internationale comme acteur positif… ce qui a poussé à la révision des thèmes et sujets des relations avec l’Autre, et du dialogue comme moyen indispensable dans le monde d’aujourd’hui.
III.2 Le Dialogue une nécessité humaine et historique :
Le dialogue n’est-il plus un séminaire théologique, une polémique intellectuelle ou un luxe théorique. C’est une nécessité historique et un besoin humain mondial, pour élaborer un projet de sauvetage de l’homme et de la civilisation en ce 3eme millénaire. On ne peut plus se contenter aujourd’hui d’apparents rapports positifs (quoi que nécessaires et utiles) entre Etats ou Eglises ; de même il n’est plus acceptable ou suffisant de vanter les mérites de la ‘tolérance’, de la ‘coexistence’ ou de l’oecuménisme” ou du ‘témoignage vivant’ dans les actes de charité et de bienfaisance. Il est plus que nécessaire d’élaborer un projet de lutte commune qui va au-delà des simples déclarations de bonne foi.
III.3 Le Dialogue comme base d’amitié ?
Le premier pas nécessaire vers une alliance réelle et effective entre civilisations du monde serait la compréhension mutuelle. Ceci nécessite dialogue, en vue de connaissance et de solidarité. Sans connaissance de l’autre, différent, pluriel, avec qui nous devons se comprendre, s’entendre et coopérer, sans solidarité avec l’autre, le dialogue serait polémique ou simple échange de formalités, et la compréhension mutuelle serait incompréhension et stéréotypes. Pour bâtir l’amitié, il faut dissiper les idées fausses et les stéréotypes qui engendrent la peur de l’autre, l’animosité et la phobie. . Les deux critères de tout dialogue objectif sont la vérité et l’équité. L’Imam Ali disait que l’ignorance est la source de l’inimitié, la connaissance la base de l’amitié. Jean Paul II disait que l’amitié ne se limite pas au niveau des individus, mais doit être construite entre peuples et nations.
III.4 Le Dialogue islamo Chrétien :
Le dialogue en tant que nécessité historique et besoin humain, ne se limite pas au seul dialogue islamo chrétien, mais celui-ci en est le noyau, le pôle d’attraction et le nerf central dans le monde d’aujourd’hui et ceci pour plusieurs raisons :
a- Le retour du religieux dans le monde moderne, surtout en Occident.
b- Le rôle de la religion dans la revendication identitaire surtout en Europe Centrale et de l’Est.
c- Le conflit (malentendu) historique entre Islam et Chrétienté depuis l’avènement de l’Islam et ses conquêtes (aux dépens du Christianisme) jusqu’à l’ère coloniale, et en passant par les Croisades.
Il est devenu indispensable aujourd’hui d’introduire le dialogue islamo chrétien dans un plus large contexte et d’en faire une idée-thèse jouissant d’une place privilégiée dans les projets et les programmes des Etats, des partis et mouvements politiques, ainsi que des institutions civiles ou organisations non gouvernementales. Plutôt que d’entamer l’âge de la “confrontation des civilisations”, les croyants et tous les militants sincères pour la cause de l’homme aspirent à ouvrir l’âge du dialogue des civilisations, au centre duquel se trouve le dialogue islamo Chrétien.
III.5 Le Dialogue à l’heure des fondamentalismes :
Le dialogue islamo chrétien a pris plus d’ampleur pour les raisons suivantes :
a- Le choc entre Occident chrétien et pays musulmans à travers le colonialisme et l’impérialisme et ceci depuis l’expédition française en Egypte (1798).
b- La place centrale qu’occupe le monde musulman (et le Moyen-Orient surtout) sur la scène internationale de par ses richesses, sa position stratégique, et son danger culturel pour l’Occident (immigration et mission : Da’wa), et vu qu’il est le foyer des grands conflits du siècle dernier et de ce nouveau siècle, de la Palestine jusqu’en Afghanistan en passant par l’Iraq.
c- Les deux grandes religions ne sont pas des traditions locales ou marginales, elles sont universelles, inclusives et à vocation missionnaire offensive.
d- Ces deux religions ont quelque chose à dire et à proposer, ensemble, au monde aujourd’hui.
e- Pour nous Libanais, le dialogue est une nécessité nationale pour sauvegarder et renouveler “la formule libanaise”.
f- Pour nous Arabes, il est primordial, pour renouveler le rôle des chrétiens arabes et de la chrétienté orientale dans la renaissance de nos sociétés.
Bureau Exécutif du Comité National Libanais de L’UNESCO.
Beyrouth, 24 Novembre 2010
I. La Crise des Relations entre Monde Arabe et Occident
I.1 Une réalité conflictuelle chaotique et violente
Avec la chute de l ‘URSS et le démembrement du bloc socialiste, l’Histoire n’a pas pris Fin. La confrontation entre Est et Ouest, qui avait dominé la seconde moitié du XXème siècle, a été remplacée par une autre confrontation, plus profonde et plus compliquée, entre Nord et Sud.
Cette nouvelle confrontation ne s’exprime plus en termes d’idéologies (marxisme contre libéralisme), ou de politique (communisme contre capi¬talisme), mais en termes de religions (Judéo-Chrétienne contre Islam).Ce qui risque de raviver les illusions et fausses idées de l’ère des croisades (vs jihãd), de l’obscurantisme moyenâgeux, ainsi que l’esprit de l’ère coloniale du XIXe siècle.
Ces dernières années ont été marquées par une réelle accélération de phénomènes politiques récurrents depuis le début du XX° siècle. A la période de la décolonisation et de la guerre froide a succédé une ère où la non résolution de très vives tensions tant au Proche Orient qu’en Europe de l’Est, en Afrique, ou en Asie. Cette situation d’instabilité amène bien des peuples à s’enfermer dans une spirale de violence sans autre issue que de faire grandir haine et refus de l’autre.
I.2 Aux sources de la violence
Les événements du 11 Septembre et la « guerre contre le Terrorisme » ont contribué à pousser le malentendu historique entre le monde arabe et l’occident (surtout les Etats-Unis) vers une extrême violence. Parmi les crises qui en résultent citons seulement celles dérivant de la politique des « 2 poids 2 mesures » adoptée par l’Occident depuis longtemps dans ses relations avec les Arabes :
a- Les résolutions de l’ONU : Celles qui visent Israël ne sont jamais appliquées tandis que celles qui visent des pays arabes ou islamiques sont appliquées à la lettre et par la force (exemples de l’Iraq et du Soudan, ainsi que de l’Iran dernièrement).
b- La Question Palestinienne : La première et la plus importante cause de crises et de malentendus entre les pays arabes et l’Occident est, et reste toujours, la politique ambiguë et injuste des occidentaux vis-à-vis l’indépendance et la souveraineté de la Palestine, ainsi que des droits inaliénables de son peuple et de sa résistance.
c- La non-prolifération des armes de destruction totale : Mais le problème le plus dangereux reste celui des armes nucléaires détenus par Israël en faisant fi de la communauté internationale. Sachons que le conseil de sécurité avait issu une résolution (487) datée du 19 Juin 1981 demandant à Israël de mettre ses installations nucléaires sous le contrôle de l’agence internationale de l’énergie nucléaire. Israël n’a jamais satisfait, et ne s’est jamais soumis, à ces résolutions.
I.3 Un déséquilibre croissant entre riches et pauvres
Dans le même temps, le fossé entre riches et pauvres (sur toute la planète) continue à se creuser. Il peut s’expliquer par l’essor des multinationales, la mondialisation de l’économie et des rapports Nord-Sud et Est-Ouest en continuel déséquilibre. Mais il est clair que pour de nombreux pays, le problème n’est pas tant de bien communiquer, de faire de la recherche génétique ou de gérer un mal-être, que de ne pas mourir de faim, de soif ou de froid. Le colonialisme a laissé la place à une mainmise politico-économique des pays riches sur les pays pauvres, mainmise permettant aux riches de continuer à accroître leur pouvoir.
I.4 Les formes nouvelles d’expression de la religiosité et la montée du radicalisme fondamentaliste :
Autre caractéristique de notre époque, une crise fondamentale du religieux, en monde tant chrétien que musulman. La recherche d’une foi apportant des réponses claires et précises aux problèmes d’aujourd’hui amène les individus à s’investir dans de nouvelles formes de religiosité et à aspirer à une instrumentalisation de celle-ci.
Nous pouvons ainsi percevoir en monde musulman le surgissement de groupes religieux extrémistes prônant une identité combattante, dans une perspective politique. Le fait est aussi signalé en Occident avec la montée des courants fondamentalistes aux Etats-Unis, et de l’islamo phobie en général.
Mais l’alignement aveugle de l’Occident avec Israël, et la politique des 2 poids 2 mesures, restent la source principale de la crise entre Islam et Occident ; ils n’ont fait qu’aggraver la montée en force des courants identitaires fondamentalistes qui ont pris une légitimité populaire face à l’intransigeance israélienne.
II. Les crises structurelles arabes :
La confrontation entre Arabes et Occident, et dans son cœur l’expansionnisme agressif terroriste israélien, a contribué au blocage du développement dans le monde arabe, sans pour autant en être la seule cause. Les arabes portent eux aussi une grave responsabilité à ce niveau et sont le berceau d’autres crises structurelles.
II.1 la crise identitaire
L’incapacité de produire un projet arabe civilisationnel qui réconcilie les sociétés arabes avec soi-même comme avec le monde. Les arabes sont à la recherche de leur identité, de leur avenir, ainsi que de leur rôle dans un monde en mutation radicale et accélérée. Ils veulent faire partie de la communauté internationale mais à partir de leur propre héritage culturel et pour participer dans l’enrichissement de la civilisation humaine et la consolidation de la paix et la justice mondiales.
II.2 La crise du développement
Les pays arabes souffrent de la baisse dans la productivité, baisse qui est de l’ordre de 0.2% annuellement. Le dernier rapport de l’Organisation Mondiale du Travail a décrit la situation du chômage dans le monde arabe comme étant la pire au niveau mondial. Le taux de chômage parmi les jeunes arabes a dépassé les 25% malgré les surplus pétroliers des pays du golfe. Le rapport du développement humain arabe pour l’année 2009 nous dit que 65 millions d’arabes vivent au dessous du niveau de pauvreté. Les taux de pauvreté dans les pays arabes varient entre 28.6% et 30% (Liban et Syrie), et 59.9% au Yémen, 41% en Egypte.
II.3 La crise de la démocratie
L’incapacité à produire des systèmes démocratiques d’alternance et de séparation des pouvoirs, ainsi que de participation populaire dans la politique. Les pouvoirs absolus du parti unique, ou de la famille unique, et même les pires dictatures, sont monnaie courante et ne respectent point les droits des peuples ou des communautés ou des personnes…
II.4 Le passé au présent
Ceci est à la base du retour vers le passé en fuyant le présent et par peur de l’avenir. Ce retour vers le passé prend plusieurs formes dont le retour vers une religiosité politisée ou un retour vers les formes élémentaires de solidarité communautaires
II.5 La crise des libertés
Le monde arabe est devenu une « grande prison » dans laquelle vivent et meurent des générations qui n’ont pas été donné la possibilité de participer à la décision de leur destin ou à la réalisation de soi…des générations qui regardent le monde bouger à une vitesse inouïe tandis que leur temps, le temps arabe, reste figé…un temps suspendu gardé par la peur…la peur de tout et de tous…de sorte que la peur n’a plus besoin d’un extérieur sur lequel s’appuyer…car elle est devenue une peur qui s’auto crée elle-même…l’arabe est devenu son propre geôlier inventant lui-même sa propre prison et utilisant des méthodes d’auto cœrcition qui l’ont poussé en fin de compte à renier ses droits humains à une vie normale, et à perdre définitivement tout sens critique. Ceci a condamné l’arabe à une vie morne de servitude en tristesse, et de malheurs en complexes d’infériorité lorsqu’il compare sa vie avec celle des « autres ».
II.6 La crise de communication avec l’extérieur
Les arabes sont devenus prisonniers d’une vision fondamentaliste chauviniste (nationaliste et religieuse à la fois) qui divise le monde en 2 camps : Nous et Eux. C’est d’ailleurs la même division que le président Bush avait annoncée : le camp du bien v/s le camp du mal. Ainsi la différence et la diversité deviennent un danger imminent qu’il faut combattre et anéantir.
III. Guerres de Civilisations ou Dialogue ?
III.1 Le grand mouvement de protestation internationale contre la guerre en Iraq, qui a eu une grande envergure en Europe, a contribué énormément à réfuter la thèse de « guerres de civilisations » qui poussait le monde vers une confrontation sanglante entre Islam et Occident.
Le point important de ce mouvement se trouve être dans sa nature « européenne » et dans son « timing » ; car il a précédé la guerre : c’est la première fois que l’opinion publique mondiale se mobilise et réagit avant le déclenchement d’une guerre et non pas suite à ses conséquences ; et ceci pour défendre les valeurs humaines universelles et les principes du droit international. Il faut mentionner ici le rôle de 3 forces principales dans ce mouvement :
1- La communauté européenne et à sa tête la France et l’Allemagne, ainsi que la Russie et la Chine…ces pays ont refusé un nouvel ordre mondial dirigé par une seule superpuissance et ont vu que l’avenir de l’humanité réside dans une grande coopération et dialogue dans le cadre d’une autorité internationale (l’ONU) qui possède les moyens de sauvegarder la paix mondiale.
2- Le large mouvement populaire international contre la globalisation dans son aspect capitaliste sauvage, et qui s’est exprimée dans les grandes manifestations qui ont réuni le même jour des dizaines de millions à Londres, Paris, Madrid, Berlin…
3- L’église chrétienne qui a pris une position ferme et avancée contre la guerre sous n’importe quel titre elle était présentée, que ce soit de Guerre Juste, ou de Nouvelle Croisade, ou celui de Guerre Sainte ou Jihad…
Le monde arabe était appelé à se solidariser avec soi-même et à communiquer avec ces forces mondiales dans le but d’empêcher la guerre. Mais malheureusement ce monde arabe est resté inerte manquant toute initiative …
Ceci a de nouveau posé le problème de la capacité du monde arabe à trouver sa place au sein de la communauté internationale comme acteur positif… ce qui a poussé à la révision des thèmes et sujets des relations avec l’Autre, et du dialogue comme moyen indispensable dans le monde d’aujourd’hui.
III.2 Le Dialogue une nécessité humaine et historique :
Le dialogue n’est-il plus un séminaire théologique, une polémique intellectuelle ou un luxe théorique. C’est une nécessité historique et un besoin humain mondial, pour élaborer un projet de sauvetage de l’homme et de la civilisation en ce 3eme millénaire. On ne peut plus se contenter aujourd’hui d’apparents rapports positifs (quoi que nécessaires et utiles) entre Etats ou Eglises ; de même il n’est plus acceptable ou suffisant de vanter les mérites de la ‘tolérance’, de la ‘coexistence’ ou de l’oecuménisme” ou du ‘témoignage vivant’ dans les actes de charité et de bienfaisance. Il est plus que nécessaire d’élaborer un projet de lutte commune qui va au-delà des simples déclarations de bonne foi.
III.3 Le Dialogue comme base d’amitié ?
Le premier pas nécessaire vers une alliance réelle et effective entre civilisations du monde serait la compréhension mutuelle. Ceci nécessite dialogue, en vue de connaissance et de solidarité. Sans connaissance de l’autre, différent, pluriel, avec qui nous devons se comprendre, s’entendre et coopérer, sans solidarité avec l’autre, le dialogue serait polémique ou simple échange de formalités, et la compréhension mutuelle serait incompréhension et stéréotypes. Pour bâtir l’amitié, il faut dissiper les idées fausses et les stéréotypes qui engendrent la peur de l’autre, l’animosité et la phobie. . Les deux critères de tout dialogue objectif sont la vérité et l’équité. L’Imam Ali disait que l’ignorance est la source de l’inimitié, la connaissance la base de l’amitié. Jean Paul II disait que l’amitié ne se limite pas au niveau des individus, mais doit être construite entre peuples et nations.
III.4 Le Dialogue islamo Chrétien :
Le dialogue en tant que nécessité historique et besoin humain, ne se limite pas au seul dialogue islamo chrétien, mais celui-ci en est le noyau, le pôle d’attraction et le nerf central dans le monde d’aujourd’hui et ceci pour plusieurs raisons :
a- Le retour du religieux dans le monde moderne, surtout en Occident.
b- Le rôle de la religion dans la revendication identitaire surtout en Europe Centrale et de l’Est.
c- Le conflit (malentendu) historique entre Islam et Chrétienté depuis l’avènement de l’Islam et ses conquêtes (aux dépens du Christianisme) jusqu’à l’ère coloniale, et en passant par les Croisades.
Il est devenu indispensable aujourd’hui d’introduire le dialogue islamo chrétien dans un plus large contexte et d’en faire une idée-thèse jouissant d’une place privilégiée dans les projets et les programmes des Etats, des partis et mouvements politiques, ainsi que des institutions civiles ou organisations non gouvernementales. Plutôt que d’entamer l’âge de la “confrontation des civilisations”, les croyants et tous les militants sincères pour la cause de l’homme aspirent à ouvrir l’âge du dialogue des civilisations, au centre duquel se trouve le dialogue islamo Chrétien.
III.5 Le Dialogue à l’heure des fondamentalismes :
Le dialogue islamo chrétien a pris plus d’ampleur pour les raisons suivantes :
a- Le choc entre Occident chrétien et pays musulmans à travers le colonialisme et l’impérialisme et ceci depuis l’expédition française en Egypte (1798).
b- La place centrale qu’occupe le monde musulman (et le Moyen-Orient surtout) sur la scène internationale de par ses richesses, sa position stratégique, et son danger culturel pour l’Occident (immigration et mission : Da’wa), et vu qu’il est le foyer des grands conflits du siècle dernier et de ce nouveau siècle, de la Palestine jusqu’en Afghanistan en passant par l’Iraq.
c- Les deux grandes religions ne sont pas des traditions locales ou marginales, elles sont universelles, inclusives et à vocation missionnaire offensive.
d- Ces deux religions ont quelque chose à dire et à proposer, ensemble, au monde aujourd’hui.
e- Pour nous Libanais, le dialogue est une nécessité nationale pour sauvegarder et renouveler “la formule libanaise”.
f- Pour nous Arabes, il est primordial, pour renouveler le rôle des chrétiens arabes et de la chrétienté orientale dans la renaissance de nos sociétés.
الثلاثاء، 4 يناير 2011
رسالة إلى الوطن
بقلم الدكتور سمير مرقس- القاهرة
لم تشأ سنة 2010 أن تودعنا دون أن تترك جرحا نافذا فى جسد الوطن. جرح جديد فى سلسلة العنف الدينى الذى عرفته مصر منذ مطلع السبعينيات واتخذ أشكالا متنوعة، تارة موجها إلى الأقباط، وتارة موجها إلى السلطة برموزها المختلفة فى مستوياتها الهيكلية المختلفة، وتارة ثالثة ضد الأجانب، وتارة رابعة ضد المواطنين فى العموم.وفى بعض الأحيان كان العنف يستهدف كل ما سبق معا فى أوقات متزامنة. بيد أن حصار العنف منذ سنة 1997، لم يمنع من تكرار هذه الأحداث مرات قليلة منذ ذلك التاريخ وإلى ما قبل عامين. إلى هذا الوقت كان مصدر العنف وأهدافه معروفا. وجاءت تهديدات القاعدة منذ ثلاثة شهور بعمل أعمال عنف ضد الأقباط حصرا. وأظنها كانت انعطافة، ساهم فى تداعياتها سياق داخلى ليس فى أحسن حالاته.. كيف؟
التهديدات ودلالاتها الرمزية
بالرغم من أن كثيرا من رموز القوى الوطنية قد أدانت هذه التهديدات، كما حددت بعض هذه الرموز وبعضها إسلامى التوجه أن العلاقات المسيحية الإسلامية المصرية هى شأن داخلى، حدودها هى حدود الوطن المصرى ولا ينبغى أن تتجاوزها. وفى نفس الوقت صرح البابا شنودة تصريحه المهم بأن الله هو الذى يحمينا، من جهة، وتقليل البعض من جدية تهديدات القاعدة، من جهة أخرى.
أقول وعلى الرغم من المواقف المبدئية السابقة إلا أنه لم يتم الالتفات إلى ما يمكن تسميته الدلالات الرمزية لتهديدات القاعدة، وأولها هو دخول القاعدة طرفا فى التعاطى مع الشأن القبطى من جهة، وفى علاقة الأقباط بالمسلمين فى مصر من جهة ثانية. الدلالة الثانية هى سحب هذا الشأن إلى خارج حدود الوطن وهو ما يخدم كثيرا من الأطراف والتى قد تكون متعارضة مع بعضها وإضفاء الشرعية لتدخل عابرا للحدود للعديد من الأطراف. ثالث هذه الدلالات هو إشاعة مناخ من الخوف والترقب من العمليات الإرهابية سواء جرت أو لا.
أما الدلالة الرابعة والأخيرة فهى التوجس الذى يتولد لدى الأطراف من بعضها البعض فى ظل تهديدات عابرة للحدود قد تجد من يتلقفها فى الداخل ويضعها موضع التنفيذ. وفى المحصلة كيف يصب كل ذلك فى تحريض كثير من الأطراف على الإقدام على وضع تهديدات القاعدة موضع التنفيذ سواء بالتعامى أو التدعيم أو باتخاذ مواقف حادة نقيضة ردا على التهديدات. وفى كل الأحوال يتحقق الهدف من التهديدات.
الواقع الدينى المتصلب
واقع الحال جاءت تهديدات القاعدة فى لحظة تاريخية يمكن أن نصف فيها الواقع الدينى المصرى «بالتصلب». تصلب ناتج عن مسيرة تاريخية من التوتر تعود إلى سنة 1970 من جانب، وتصلب ناتج من تفجر حدث فى الصيف الماضى فى سنة بدأت ملتهبة بمذبحة نجع حمادى كان من نتيجتها أن وصلنا إلى الحد الذى يعلن فيه طرف الاستعداد لـ«الاستشهاد»، ويقابل هذا الإعلان جاهزية الطرف الآخر لـ«الجهاد».. يجرى هذا فى ظل سجالات فضائية لم ندرك آثارها المدمرة تروج لمقاطعة الأقباط من بعض المسلمين وبين حالة يغلب عليها الاستغناء عن الآخر من قبل بعض الأقباط. وعبارات تطلق من هنا وهناك لا تقيم اعتبارا للمشاعر وحق الحياة المشتركة على مدى قرون،كما لا تقيم وزنا للعلم والمعرفة وللحقائق التاريخية وللمصالح الحياتية.
إنه التفكيك الناعم كما كتبنا مرة ساهم فى صنعه المتشددون، باعد بين المسلمين والمسيحيين نتيجة تأخرنا فى معالجة تداعيات التوتر الدينى فى مصر.. الأمر الذى أدى بالمتشددين من المسيحيين والمسلمين إلى تناسى أى مشترك إيجابى بينهما.. وعمل المتشددون من الفريقين على الانقطاع عن أى موحدات تجمع بينهما.. ونُقل العتاب والحساب والمساءلة بين الطرفين إلى الإعلام بخطاب يتضمن مفردات تستعيد أجواء ١٩٨١.. أجواء أليمة عشناها.. وكم هو محبط أن يعيش المرء أجواء مؤلمة ــ متوترة مرتين فى عمره..
تعثرات داخلية وتغييرات إقليمية وتحركات إسرائيلية
فى هذا السياق جرت انتخابات برلمانية لم تستطع بحسم أن تسهم فى حل فيما يتعلق بالعلاقات المسيحية الإسلامية نحو تحقيق الاندماج السياسى وحل ما هو معلق. وفى نفس الوقت شهدت نفس الفترة نزوعا معنويا وماديا فى المنطقة من قبل العديد من الأطراف نحو الانفصال بالإضافة إلى المحنة العراقية. وأخيرا إدراك ما أعلن رسميا من قبل قيادات إسرائيلية أمنية عن كيف أن الإستراتيجية الإسرائيلية معنية بإفساد العلاقات المسيحية الإسلامية فى مصر.
كلها عوامل تداخلت فيما بينها يسرت فى وضع تهديدات القاعدة موضع التنفيذ سواء مباشرة أو بالنيابة.
والسؤال ما الحل؟
أظن أن الغضب الذى يملأ الأقباط والألم الذى يملك المسلمين جراء ما حدث ليلة رأس السنة يمكن أن يكون بداية جديدة..
دفاعا عن الحياة المشتركة فى ظل الدولة الحديثة
«يجب الدفاع عن الحياة المشتركة»؛ دعوة طرحتها من قبل وأعود لأطرحها مجددا. وأضيف إليها أيضا «يجب الدفاع عن الدولة الحديثة»؛ والتمسك بها والانطلاق من مبادئها التى تقوم على المواطنة والمرجعية الدستورية والقانونية التى توفر العدل للجميع. وأظن أننا نحتاج إلى أمرين هما:
الأول: آنى عملى يقوم به يشترك فيه مسلمون ومسيحيون «معا»، فى رفع المعاناة عن المصابين وأسر القتلى من خلال أمور عملية من علاج وإعانة وتقديم خدمات. وأضع هنا فكرة أبداها أحد الأصدقاء من المسلمين فى أن يحضر المسلمون صلاة قداس العيد الأسبوع القادم فى كل كنائس مصر حماية لها من أية تهديدات.
هذا بالإضافة إلى البدء بأعمال ذات طابع مدنى مشترك تواجه المشاكل الحياتية التى تتهددنا دون تمييز.
الثانى: يأخذ بعض الوقت، فمن ناحية فتح حوار يعترف بأن هناك أزمة وعلينا معا تجاوزها.. فالحوار هو البديل الوحيد المنطقى والعقلانى والحضارى الذى يجب أن يتبعه أبناء الوطن الواحد.. حوار لا يقتنص فيه كل طرف هنة لدى الطرف الآخر كى يكسب جولة أو ينتصر فى معركة.حوار يبدأ بالنقد الذاتى لكل طرف.. فالعلاقة حتى تصح لابد أن تبدأ بأن يرى كل طرف ما قصر فيه تجاه الآخر.. وما الذى يؤلم الآخر كى يتجنبه ولا يكرره. ومن ناحية ثانية أظن أن المعاناة المجتمعية المشتركة يجب أن تكون دافعا لالتئام المواطنين المصريين من المسلمين والمسيحيين من أجل مستقبل أفضل.. فالحياة المشتركة بين أبناء الوطن الواحد تقوم على التكامل لا التقابل.. وعليه:
يمكن اشتراك رجال الأعمال من المصريين المسلمين والمسيحيين فى تمويل مشروعات مشتركة ثقافية اجتماعية وتنموية تصب فى اتجاه مواجهة المشاكل المجتمعية المتعددة،تأسيس فورى لوقفية باسم «الحياة المشتركة» تعنى بالحضور المصرى: المسيحى الإسلامى المشترك من خلال نشاطات فنية وأدبية وثقافية، كما تسعى بالتعريف بكل الأنشطة الحكومية والمدنية التى تستوعب الجميع، كما تؤسس لموقع إلكترونى يدعم الحياة المشتركة بين المصريين.
تضمين المشروعات التنموية مثل مشروع الألف قرية الممول من الحكومة، أو المشروعات الممولة من المجتمع المدنى بمكون يتعلق بالتكامل الوطنى والاندماج عمليا.
الخلاصة نحن فى حاجة إلى تجاوز ليلة رأس السنة الدموية بصياغة مشروع مشترك يقوم على تجديد رابطة المواطنة وتفعيل الشراكة الوطنية بين المصريين.
لم تشأ سنة 2010 أن تودعنا دون أن تترك جرحا نافذا فى جسد الوطن. جرح جديد فى سلسلة العنف الدينى الذى عرفته مصر منذ مطلع السبعينيات واتخذ أشكالا متنوعة، تارة موجها إلى الأقباط، وتارة موجها إلى السلطة برموزها المختلفة فى مستوياتها الهيكلية المختلفة، وتارة ثالثة ضد الأجانب، وتارة رابعة ضد المواطنين فى العموم.وفى بعض الأحيان كان العنف يستهدف كل ما سبق معا فى أوقات متزامنة. بيد أن حصار العنف منذ سنة 1997، لم يمنع من تكرار هذه الأحداث مرات قليلة منذ ذلك التاريخ وإلى ما قبل عامين. إلى هذا الوقت كان مصدر العنف وأهدافه معروفا. وجاءت تهديدات القاعدة منذ ثلاثة شهور بعمل أعمال عنف ضد الأقباط حصرا. وأظنها كانت انعطافة، ساهم فى تداعياتها سياق داخلى ليس فى أحسن حالاته.. كيف؟
التهديدات ودلالاتها الرمزية
بالرغم من أن كثيرا من رموز القوى الوطنية قد أدانت هذه التهديدات، كما حددت بعض هذه الرموز وبعضها إسلامى التوجه أن العلاقات المسيحية الإسلامية المصرية هى شأن داخلى، حدودها هى حدود الوطن المصرى ولا ينبغى أن تتجاوزها. وفى نفس الوقت صرح البابا شنودة تصريحه المهم بأن الله هو الذى يحمينا، من جهة، وتقليل البعض من جدية تهديدات القاعدة، من جهة أخرى.
أقول وعلى الرغم من المواقف المبدئية السابقة إلا أنه لم يتم الالتفات إلى ما يمكن تسميته الدلالات الرمزية لتهديدات القاعدة، وأولها هو دخول القاعدة طرفا فى التعاطى مع الشأن القبطى من جهة، وفى علاقة الأقباط بالمسلمين فى مصر من جهة ثانية. الدلالة الثانية هى سحب هذا الشأن إلى خارج حدود الوطن وهو ما يخدم كثيرا من الأطراف والتى قد تكون متعارضة مع بعضها وإضفاء الشرعية لتدخل عابرا للحدود للعديد من الأطراف. ثالث هذه الدلالات هو إشاعة مناخ من الخوف والترقب من العمليات الإرهابية سواء جرت أو لا.
أما الدلالة الرابعة والأخيرة فهى التوجس الذى يتولد لدى الأطراف من بعضها البعض فى ظل تهديدات عابرة للحدود قد تجد من يتلقفها فى الداخل ويضعها موضع التنفيذ. وفى المحصلة كيف يصب كل ذلك فى تحريض كثير من الأطراف على الإقدام على وضع تهديدات القاعدة موضع التنفيذ سواء بالتعامى أو التدعيم أو باتخاذ مواقف حادة نقيضة ردا على التهديدات. وفى كل الأحوال يتحقق الهدف من التهديدات.
الواقع الدينى المتصلب
واقع الحال جاءت تهديدات القاعدة فى لحظة تاريخية يمكن أن نصف فيها الواقع الدينى المصرى «بالتصلب». تصلب ناتج عن مسيرة تاريخية من التوتر تعود إلى سنة 1970 من جانب، وتصلب ناتج من تفجر حدث فى الصيف الماضى فى سنة بدأت ملتهبة بمذبحة نجع حمادى كان من نتيجتها أن وصلنا إلى الحد الذى يعلن فيه طرف الاستعداد لـ«الاستشهاد»، ويقابل هذا الإعلان جاهزية الطرف الآخر لـ«الجهاد».. يجرى هذا فى ظل سجالات فضائية لم ندرك آثارها المدمرة تروج لمقاطعة الأقباط من بعض المسلمين وبين حالة يغلب عليها الاستغناء عن الآخر من قبل بعض الأقباط. وعبارات تطلق من هنا وهناك لا تقيم اعتبارا للمشاعر وحق الحياة المشتركة على مدى قرون،كما لا تقيم وزنا للعلم والمعرفة وللحقائق التاريخية وللمصالح الحياتية.
إنه التفكيك الناعم كما كتبنا مرة ساهم فى صنعه المتشددون، باعد بين المسلمين والمسيحيين نتيجة تأخرنا فى معالجة تداعيات التوتر الدينى فى مصر.. الأمر الذى أدى بالمتشددين من المسيحيين والمسلمين إلى تناسى أى مشترك إيجابى بينهما.. وعمل المتشددون من الفريقين على الانقطاع عن أى موحدات تجمع بينهما.. ونُقل العتاب والحساب والمساءلة بين الطرفين إلى الإعلام بخطاب يتضمن مفردات تستعيد أجواء ١٩٨١.. أجواء أليمة عشناها.. وكم هو محبط أن يعيش المرء أجواء مؤلمة ــ متوترة مرتين فى عمره..
تعثرات داخلية وتغييرات إقليمية وتحركات إسرائيلية
فى هذا السياق جرت انتخابات برلمانية لم تستطع بحسم أن تسهم فى حل فيما يتعلق بالعلاقات المسيحية الإسلامية نحو تحقيق الاندماج السياسى وحل ما هو معلق. وفى نفس الوقت شهدت نفس الفترة نزوعا معنويا وماديا فى المنطقة من قبل العديد من الأطراف نحو الانفصال بالإضافة إلى المحنة العراقية. وأخيرا إدراك ما أعلن رسميا من قبل قيادات إسرائيلية أمنية عن كيف أن الإستراتيجية الإسرائيلية معنية بإفساد العلاقات المسيحية الإسلامية فى مصر.
كلها عوامل تداخلت فيما بينها يسرت فى وضع تهديدات القاعدة موضع التنفيذ سواء مباشرة أو بالنيابة.
والسؤال ما الحل؟
أظن أن الغضب الذى يملأ الأقباط والألم الذى يملك المسلمين جراء ما حدث ليلة رأس السنة يمكن أن يكون بداية جديدة..
دفاعا عن الحياة المشتركة فى ظل الدولة الحديثة
«يجب الدفاع عن الحياة المشتركة»؛ دعوة طرحتها من قبل وأعود لأطرحها مجددا. وأضيف إليها أيضا «يجب الدفاع عن الدولة الحديثة»؛ والتمسك بها والانطلاق من مبادئها التى تقوم على المواطنة والمرجعية الدستورية والقانونية التى توفر العدل للجميع. وأظن أننا نحتاج إلى أمرين هما:
الأول: آنى عملى يقوم به يشترك فيه مسلمون ومسيحيون «معا»، فى رفع المعاناة عن المصابين وأسر القتلى من خلال أمور عملية من علاج وإعانة وتقديم خدمات. وأضع هنا فكرة أبداها أحد الأصدقاء من المسلمين فى أن يحضر المسلمون صلاة قداس العيد الأسبوع القادم فى كل كنائس مصر حماية لها من أية تهديدات.
هذا بالإضافة إلى البدء بأعمال ذات طابع مدنى مشترك تواجه المشاكل الحياتية التى تتهددنا دون تمييز.
الثانى: يأخذ بعض الوقت، فمن ناحية فتح حوار يعترف بأن هناك أزمة وعلينا معا تجاوزها.. فالحوار هو البديل الوحيد المنطقى والعقلانى والحضارى الذى يجب أن يتبعه أبناء الوطن الواحد.. حوار لا يقتنص فيه كل طرف هنة لدى الطرف الآخر كى يكسب جولة أو ينتصر فى معركة.حوار يبدأ بالنقد الذاتى لكل طرف.. فالعلاقة حتى تصح لابد أن تبدأ بأن يرى كل طرف ما قصر فيه تجاه الآخر.. وما الذى يؤلم الآخر كى يتجنبه ولا يكرره. ومن ناحية ثانية أظن أن المعاناة المجتمعية المشتركة يجب أن تكون دافعا لالتئام المواطنين المصريين من المسلمين والمسيحيين من أجل مستقبل أفضل.. فالحياة المشتركة بين أبناء الوطن الواحد تقوم على التكامل لا التقابل.. وعليه:
يمكن اشتراك رجال الأعمال من المصريين المسلمين والمسيحيين فى تمويل مشروعات مشتركة ثقافية اجتماعية وتنموية تصب فى اتجاه مواجهة المشاكل المجتمعية المتعددة،تأسيس فورى لوقفية باسم «الحياة المشتركة» تعنى بالحضور المصرى: المسيحى الإسلامى المشترك من خلال نشاطات فنية وأدبية وثقافية، كما تسعى بالتعريف بكل الأنشطة الحكومية والمدنية التى تستوعب الجميع، كما تؤسس لموقع إلكترونى يدعم الحياة المشتركة بين المصريين.
تضمين المشروعات التنموية مثل مشروع الألف قرية الممول من الحكومة، أو المشروعات الممولة من المجتمع المدنى بمكون يتعلق بالتكامل الوطنى والاندماج عمليا.
الخلاصة نحن فى حاجة إلى تجاوز ليلة رأس السنة الدموية بصياغة مشروع مشترك يقوم على تجديد رابطة المواطنة وتفعيل الشراكة الوطنية بين المصريين.
أزهريون: فرادى وجماعات..فلنهنئ الأقباط بعيد 7 يناير
موقع أون إسلام
"إن تهنئة المسلم للمسيحي في وقتنا الحالي أمر واجب، ولابد على المسلمين فرادى وجماعات أن يهنئوا كل مسيحي في عيده".. بهذه الكلمات دعا عدد من علماء الأزهر الشريف وأعضاء مجمع البحوث الإسلامية في تصريحات لـ«أون إسلام» المسلمين إلى المبادرة بتهنئة الإخوة المسيحيين بعيدهم في 7 يناير تأكيدا على روح الوحدة والمحبة والأخوة الإسلامية والمسيحية، وأن تكون التهاني في مصر أمرا شعبيا عاما كأكبر رد عملي على محاولات إحداث الفتنة والفرقة بين المسلمين والمسيحيين.
وأكد العلماء أن الإسلام لا يقصر مفهوم "البر" على المسلمين فقط، بل أكد أنه يشمل جميع خلق الله سبحانه وتعالى، ومن البر ومكارم الأخلاق أن تهنئ غير المسلم بعيده، وفي ظل الظروف الحالية رأى العلماء أن التهنئة هذا العام أولى وأدعى لإزالة حالة الحزن والاحتقان التي تلف المجتمع.
وأثار التفجير الذي أوقع 21 قتيلا أمام كنيسة القديسين بالإسكندرية حالة من التعاطف مع الأقباط والإدانة الجماعية في مصر بباعتبارها جريمة تستهدف الوطن كله، وهو ما أجمعت تعليقات صدرت في صحافة مصر الأحد 2-1-2011 "فرصة لطي صفحة التوترات" التي طغت في عدة مواقف العام الماضي بين الدانبين ومعالجتها من جذورها.
ودعا هشام جعفر رئيس مجلس أمناء مؤسسة مدى للتنمية الإعلامية -المشرفة على موقع أون إسلام- إلى استثمار هذه الأجواء "عبر قيام المسلمين بزيارات للمنازل المسيحية والكنائس في شكل أسري وعائلي أو جماعات لتهنئة الأقباط بأعيادهم ولتأكيد أن المصريين يد واحدة فعليًّا"، حسبما نقل عنه موقع "اليوم السابع".
«أَن تَبَرُّوهُمْ»
وفي تعبيره عن استحسانه لفكرة التهنئة، أكد د. أحمد كريمة أستاذ الفقه بجامعة الأزهر أن "البر إلى الناس -دون النظر إلى معتقدهم أو لغتهم أو جنسهم- من مكارم الأخلاق الواجبة في الإسلام والأصل في ذلك قوله تعالى {وقولوا للناس حسنا}، جميع الناس، وفيما يتعلق بتهنئة المسلم لغير المسلم خاصة المسيحيين فالأصل الجواز".
واستطرد د.كريمة قائلا: "بل ويندب إشاعة روح السلم والسلام والأمن والأمان، فقال الله تعالى {لاَ يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} فوجه الدلالة من النص القرآني {أَن تَبَرُّوهُمْ} عام يشتمل على كل أنواع البر ومنه التهنئة".
ومؤكدا أن رد التحية والمعاملة بأحسن منها خلق إسلامي قال: "إن الله تعالى يقول {وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} ووجه الدلالة في الآية الكريمة أن رد تهنئة غير المسلمين لنا في أعيادنا واجب، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وقد عاد النبي محمد صلى الله عليه وسلم شابا يهوديا يحتضر، وتأتي وصية نبي الإسلام بأقباط مصر خاصة فقال: «ستفتح عليكم بعدي مصر فاستوصوا بقبطها خيرًا فإن لكم منهم ذمة ورحما» أمر واجب النفاذ من المسلمين نحو إخوانهم في الإنسانية وفي شرائع السماء في تهنئتهم وحسن معاملتهم".
وأضاف: "أما القول بغير هذا من بعض غلاة التشدد والمغالاة فهذا لا يمثل صحيح الإسلام وهؤلاء لا يفقهون أدلته ولا مقاصده، فمن يمنعون التهنئة دعاة فتنة «والفتنة أشد من القتل»".
بينما أكد الشيخ فوزي الزفزاف وكيل الأزهر السابق وعضو مجمع البحوث الإسلامية أن "المسلم كمواطن مصري عليه أن يقدم التهنئة للمسيحي كمواطن مصري، سواء على مستوى الأفراد أو الأسر أو الجماعات، كما يحدث من المسيحيين لإخوانهم المسلمين في أعيادهم، وينبغي ألا يعكر ما حدث على المواطنين المسيحيين في احتفالهم بعيد القيامة، ونحن جميعا نحتفل بالأعياد مع بعضنا البعض، فنحن شعب واحد وعلينا أن نقضي معا على أي بؤرة تريد الفرقة بيننا كمسلمين ومسيحيين، ونضع في اعتبارنا أننا جميعا مستهدفون".
تأصيل للأدب العام
ويقول د. مصطفى الشكعة عضو مجمع البحوث الإسلامية: "نحن نهنئ المسيحيين على عيد القيامة، ويستحسن أن يقدم كل مسلم التهنئة للمسيحي في عيده، لأن في تقديم التهنئة تأصيلا للأدب العام، والمشاركة الوجدانية لطيفة بين الأخوة في الوطن، ومن ثم لابد أن نجاملهم، فهذا من الإسلام، وخاصة أننا شعب واحد، وكلنا متشابهون، فالمسلم والمسيحي إخوة متحابون".
وتقول الدكتورة آمنة نصير أستاذ العقيدة بجامعة الأزهر: "إن تهنئة المسلم للمسيحي في وقتنا الحالي أمر واجب، ولابد على المسلمين أن يهنئوا كل مسيحي في عيده، وأعجب ممن يقول «لا تهنئ المسيحيين بالعيد»، ورسول الله صلى الله عليه وسلم عندما يمر جثمان يهودي يقف؛ فيقول له أصحابه «إنه يهودي» فيقول صلى الله عليه وسلم «أليس بنفس؟»، وسيدنا علي عندما أرسل الأشطر واليا على مصر قال له «يا أشطر فستجد أخا لك في الإنسانية وأخا لك في الدين فارعهما، فعقيدة المسلم تتم بأن يؤمن بكل الرسل والأديان السماوية ويراعي أتباعها»".
واستطردت: "علينا أن نؤكد في تهنئتنا لإخواننا المسيحيين أننا شعب واحد ونحب بعضنا البعض، وأن وتاريخنا يحمل أجمل معاني الحب، فصديقاتي جميعا كن من المسيحيات ولم أنظر إليهن يوما على أنهن يختلفن عني، والنقمة التي حلت على هذا الشعب جاءت عندما اختلطنا بشعوب الجوار الذين لا يعرفون ثقافة الاختلاف كما هي ثقافة شعبنا المصري، ولذلك اختزلنا أنفسنا وعدنا بثقافة تتصادم مع حضارتنا، ولذلك علينا أن نعود لجذورنا الأصيلة التي تربينا عليها".
وشددت قائلة: "علينا أن نؤكد في التهنئة على معنى الأخوة في الوطنية، ولا ننصت للفضائيات التي تركت لها الساحة سداحا مداحا فعاثوا في عقول الشعب المصري، وملئوها بكل الخشونة وافتقاد المودة من الإنسان لأخيه الإنسان، مع أن الكراهية والخشونة بين أتباع الأديان يرفضها الإسلام".
«قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا»
د.حامد أبو طالب عضو مجمع البحوث الإسلامية اعتبر أنه "من اللائق جدا أن يتبادل المسلمون مع المسيحيين التهنئة في المناسبات والأعياد ذلك أن التهنئة تدخل السرور وتنشأ المودة والمحبة بين الناس جميعا، حيث جرت عادتنا منذ سنين طويلة على تبادل هذه التهاني معهم، وكان الغريب أن من أوائل المهنئين بالأعياد هم المسيحيون يهنئوننا بأعيادنا ونبادلهم نفس الشعور".
كما أهاب بجميع المسلمين "تهنئة إخوانهم وجيرانهم من المسيحيين بعيد الميلاد المجيد، لا مانع يمنع من تكرار التهنئة للأخوة المسيحيين ببداية العام الميلادي الجديد وتكرار التهنئة في 7 يناير، لأن هذا ما درج عليه جميع المصريين من عشرات السنين وعشناه في صبانا ونعيشه اليوم في شيخوختنا".
الدكتور أحمد السايح الأستاذ بجامعة الأزهر رأى أنه "ينبغي أن يعلم كل مسلم أن الشرع الإسلامي أجاز البر بغير المسلمين والإقساط إليهم ومن البر تهنئتهم في كل مناسبة سواء كانت صياما، أو أول السنة الميلادية، فتهنئة الأقباط في مصر أمر مطلوب، كما أن مفهوم المواطنة يقتضي ذلك فالله تعالى قال {وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُم مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ}".
وأضاف: "علينا أن نؤكد أن مفهوم المواطنة يقتضي مشاركة المسيحيين في أعيادهم والفرح معهم بأي وسيلة بالتزاور أو بالهاتف، أو مشاركتهم في احتفالاتهم بما تقتضي به المشاركة في وقتنا الحاضر".
دروع إسلامية تحمى كنائس مصر يوم 7 يناير
"دروع بشرية لحماية الكنيسة".. حملات إلكترونية من قبيل "يانعيش سوا يانموت سوا".. "معا مسلمين ومسيحيين لنصلى على الضحايا".. "7 يناير يوم حداد وطني".. "لنشارك المسيحيين أعيادهم فى الكنائس"، كل هذه مبادرات شعبية عكست أجواء تضامنية وتعاطفية من جانب مسلمى مصر تجاه إخوانهم المسيحيين، وانطلقت بعد ساعات قليلة من تفجير كنيسة القديسين بالإسكندرية مع الساعات الأولى من العام الميلادى الجديد.
وأظهرت هذه المبادرات حرص المصريين على التضامن مع المسيحيين بعد ما أصابهم من آلام نفسية خلال احتفالات رأس السنة الميلادية ورفضهم لحادثة تفجير كنيسة القديسين بالإسكندرية والذى وقع السبت 1-1-2011 وأسفر عن مقتل 21 شخصا وإصابة عشرات آخرين، بينهم مسلمون، باعتبارها عملا إرهابيا وليس طائفيا كان يستهدف كل المصريين.
فضلا عن ذلك أطلق عدد من المثقفين والحركات والأحزاب السياسية والشعبية ووزارة التربية والتعليم المصرية دعوات ومبادرات تضامنية مع المسيحيين لوأد الفتنة الطائفية فى مصر.
فيس بوك وتويتر
فعلى موقع شبكة التواصل الاجتماعى الشهيرة "فيس بوك" أطلق مصريون "مجموعة" أطلقوا عليها اسم "يوم 7 يناير، هنروح الكنائس نحتفل مع أخواتنا أو نموت معاهم" وانضم لها أكثر من 8 آلاف مؤيد فور إنشائها وحتى ظهر الأحد 2-1-2011.
ودعا المشاركون فى المجموعة -وغالبيتهم من المسلمين- المصريين للمشاركة لأول مرة فى قداس عيد الميلاد وتقديم التعازى للإخوة الأقباط على فقدان ذويهم.
كما أنشئ "حدث" على موقع فيس بوك بعنوان "وقفة صامتة بالملابس السوداء حدادا على ضحايا الإرهاب" انضم لها ما يقارب من 6 آلاف عضو حتى ظهر الأحد، تدعو إلى الوقوف يوم السابع من يناير فى تمام الساعة الرابعة مساء على كل كورنيش للنيل فى جميع أنحاء مصر، وحددت أماكن الوقفة الصامتة، تضامنا مع ضحايا حادثة كنيسة القديسين بالإسكندرية.
ودعوة أخرى تأبينية على موقع فيس بوك أيضا للوقوف بالشموع والورود أمام كنيسة القديسين بالإسكندرية، فى يوم الجمعة 7 يناير بعد صلاة عيد الميلاد، انضم إليها ما يقارب من 5 آلاف مؤيد حتى الأحد.
كما أطلقت مبادرات عدة من خلال عدد من المجموعات على فيس بوك تحت مسمى "دروع بشرية من المصريين لحماية الكنائس يوم عيد ميلاد السيد المسيح" تدعو المسلمين لحماية الكنائس والالتفاف حولها أثناء احتفالات عيد الميلاد فى السابع من يناير الجارى، وقد لاقت هذه المبادرات تأييدا شديدا من عدد كبير من أعضاء فيس بوك وصل عددهم إلى أكثر من 11 ألف مؤيد.
واستبدل بشكل لافت المئات من مستخدمى الفيس بوك فى مصر بصورهم على صفحاتهم الشخصية صورة صليب يتوسط هلالا تعبيرا عن الوحدة الوطنية فى مواجهة أى محاولة للوقيعة بين المسلمين والأقباط.
وعلى موقع التواصل الاجتماعى "تويتر" دعا نشطاء إلى بحث إمكانية وجود كنيسة وجامع داخل كل نادى رياضى واجتماعى حتى يتقارب الشباب المسلم والمسيحى بصورة أكبر.
ودعا نشطاء آخرون على "تويتر" إلى إنشاء مواقع إلكترونية تضم مسيحيين ومسلمين يستطيعون من خلالها بث أفكار التقارب والوحدة وتكون أهدافهم محاربة كل ما يهدد النسيج الوطنى.
ساقية الصاوى
من جهته، أطلق المهندس محمد عبد المنعم الصاوى رئيس مجلس إدارة ساقية الصاوى -أحد أهم الملتقيات والتجمعات الثقافية فى القاهرة- مبادرة تحت شعار "يانعيش سوا يانموت سوا" تضامنا مع مسيحيى مصر بعد حادث تفجير كنيسة القديسين بالإسكندرية.
وقال الصاوى فى نص المبادرة، التى حصلت أون إسلام على نسخة منها، "لم أجد أبلغ من شعار يانعيش سوا يانموت سوا.. أريد أن نتجمع اعتبارا من اليوم (الأحد)، لنكون دروعا بشرية إسلامية تحمى كل التجمعات المسيحية فى الكنائس، والمدارس، وأى أماكن أخرى تُغْرِى المجرمين باستهدافهم".
وأضاف رئيس مجلس إدارة ساقية الصاوى فى نص المبادرة: "ببساطة شديدة أنوى أن أقف بنفسى -مع زملائى من العاملين بساقية عبد المنعم الصاوى ومن يود مرافقتنا من أعضاء الساقية- أمام كل كنائس حى الزمالك.. علينا أن نؤدى واجبنا بشجاعة، ونفوت الفرصة على من يريد إيذاء أبناء الأمة من المسيحيين وإشعال الفتنة الحارقة التى تمثل تهديدا خطيرا لمصالح المصريين جميعا".
وفى اتصال هاتفى أجرته شبكة إون إسلام مع أ/هبة أحمد -مسئولة العلاقات العامة بساقية الصاوى- قالت: "إن ساقية الصاوى سوف تطلق مبادرة شعبية اليوم الأحد 2-1-2011 لزيارة الكنائس فى المنطقة المحيطة بالحى الذى يوجد به ساقية الصاوى (حى الزمالك بمحافظة القاهرة)".
وأشارت هبة إلى "أن هذه المبادرة جاءت من فكرة شخصية للمهندس محمد عبد المنعم الصاوي"، وأضافت "أنه من المنتظر أن تقوم إدارة ساقية الصاوى باجتماع مع عدد من الجمعيات والمؤسسات الشعبية والاجتماعية فى تمام الساعة السادسة مساء يوم الأحد".
وأشارت هبة إلى أنه "بعد الاجتماع سوف يتم تقسيم فريق المبادرة إلى مجموعتين، تقوم الأولى بزيارة كنيسة المرعشلي، والأخرى تقوم بزيارة كنيسة جميع القديسين لحضور ومشاركة المسيحيين قداس الأحد".
وزارة التربية والتعليم
وفى نفس السياق أصدر الدكتور أحمد زكى بدر وزير التربية والتعليم توجيهاته إلى المديريات التعليمية بجميع محافظات الجمهورية بتخصيص جزء من الحصص الدراسية الأحد للتأكيد على الطلاب بأن الانفجار الذى وقع السبت، فى الإسكندرية كان عملا إرهابيا يستهدف كل المصريين، ولم يكن طائفيا بأى حال من الأحوال، وفقا لموقع أخبار مصر.
كما أوصى بدر بضرورة "أن يدير المعلمون حوارا مفتوحا مع الطلاب للتشديد على ضرورة وحدة الصف المصرى فى مواجهة من يحاولون المساس بهم".
وعلى موقعها الإلكترونى، ذكرت مجلة "كلمتنا" المصرية الإلكترونية أن "قناة الحياة الفضائية المصرية أطلقت مبادرة "معاً نصلي" ليذهب جميع المصريين والمسيحيين "للصلاة على أرواح الشهداء" فى الإسكندرية يوم الخميس القادم 6 يناير ليلتقى فيها كل المصريون بكل أعمارهم وأجناسهم".
من جانبه، دعا د.عبد المنعم أبو الفتوح عضو مجلس شورى جماعة الإخوان المسلمين والأمين العام لاتحاد الأطباء العرب، الرموز الوطنية والمسلمين إلى التواجد فى مجموعات يوم 7 يناير الجارى –يوم عيد الأقباط- أمام الكنائس الكبرى، وذلك لحمايتها ولو رمزيا من أى اعتداء، بجانب تأكيد التضامن والوحدة بشكل عملى، بحسب موقع اليوم السابع السبت 1-1-2011.
كما اتفقت عدد من القوى السياسية خلال اجتماعها اليوم بمقر حزب الوفد المعارض على تشكيل هيئة وطنية للدفاع عن الحريات وحقوق المصريين بالإسكندرية.
وأوضح الدكتور سيد البدوى، رئيس حزب الوفد، خلال مؤتمر صحفى عقب إنهاء لقائهم المغلق مع كافة القوى السياسية على تشكيل لجنة لصياغة بيان يصدر عن كافة القوى السياسية يدين تفجير السبت، ويضم كلا من الدكتور على السلمى والكاتبة سكينة فؤاد ومنير فخرى عبد النور والدكتور محمد البلتاجى وجمال فهمى.
وتوالت نداءات ودعوات عدد من رموز مصر لوأد الفتنة الطائفية، وإيقاظ مشاعر الوحدة الوطنية، كالتالي:
صلاح عيسى "يجب على كل مسلم مصرى تقديم واجب العزاء فى الضحايا الأقباط الأبرياء، وحبذا لو ضربنا المثل فى الوحدة الوطنية بمشاركة الأخوة الأقباط قداساتهم، ولنعلن يوم 7 يناير يوما للحداد الوطنى العام احتجاجا على مخططات ضرب الغرب للوحدة الوطنية فى مصر.
أبو العلا ماضى يجب على المسلمين الاتصال تليفونا بالأقباط والمشاركة فى قداسات العزاء وثمة اقتراح لشباب المعارضة الوطنية بالوقوف أمام الكنائس ليلة عيد الميلاد المقبل "كدروع بشرية " تعبيرا عن الوحدة الوطنية وتأكيدا للنسيج الواحد وكلها أمور إيجابية.
عبد الحليم قنديل يجب تفعيل كل المبادرات لتخفيف وطأة الحادث البشع على أشقائنا الأقباط، وعلينا جميعا المشاركة فى قداسات العزاء علاوة على قداس عيد الميلاد، فما حدث اعتداء على منشأة مصرية ومواطنين مصريين فى المقام الأول وهو ما لا يمكن أن نقبله جميعا.
سكينة فؤاد على كل مصرى أن يعلم أن الدور سيأتى عليه فيما بعد إن لم يتحرك لنصرة أخيه المسيحى، فمصر مستهدفة من كل من حولها، ونحن لا ندافع عن الكنيسة بقدر ما ندافع عن الأرض والوطن الذى ندين به جميعا، والمخطط الاستعمارى القذر معروف للجميع منذ سنوات وهو ما يعرف بمشروع الشرق الأوسط الكبير ومصر رأس المنطقة العربية ولو نجحوا فى تقسيمها لضاعت الأمة العربية.
نبيل فاروق "تعلمنا منذ نعومة أظافرنا أن الدين لله والوطن للجميع، لكنهم يحاولون تطبيق مبدأ آخر وهو الوطن لنا والإرهاب للجميع" وهو ما لا يمكن أن نقبله أبدا.
المستشار مرسى الشيخ "يجب أن نعلم أن مصر مستهدفة وكل شخص لا خيار له فى دينه والجد واحد للجميع هو سيدنا إبراهيم، ولابد أن نعلم أن الاستعمار الجديد هدفه: فرق تسد".
البدرى فرغلى "علينا ألا نترك الخارج يعبث بأمننا الاجتماعى، ونعلم جيدا أن الأقباط أخوة لنا فى الوطن الواحد وعلينا أن نتكاتف سويا لنعالج جرحنا النازف يدا واحدة حتى لا ندفع الثمن كلنا كمصريين".
أكرم الشاعر لا يقبل أى عاقل ما حدث لإخواننا الأقباط، فلا يوجد دين ولا شريعة ولا أخلاق تسمح بهذا، وأنا لا أستبعد أن يكون الحادث له علاقة بقضية الجاسوس، مبديا استياءه من ضعف الأمن العام والجنائى فى مصر.
"إن تهنئة المسلم للمسيحي في وقتنا الحالي أمر واجب، ولابد على المسلمين فرادى وجماعات أن يهنئوا كل مسيحي في عيده".. بهذه الكلمات دعا عدد من علماء الأزهر الشريف وأعضاء مجمع البحوث الإسلامية في تصريحات لـ«أون إسلام» المسلمين إلى المبادرة بتهنئة الإخوة المسيحيين بعيدهم في 7 يناير تأكيدا على روح الوحدة والمحبة والأخوة الإسلامية والمسيحية، وأن تكون التهاني في مصر أمرا شعبيا عاما كأكبر رد عملي على محاولات إحداث الفتنة والفرقة بين المسلمين والمسيحيين.
وأكد العلماء أن الإسلام لا يقصر مفهوم "البر" على المسلمين فقط، بل أكد أنه يشمل جميع خلق الله سبحانه وتعالى، ومن البر ومكارم الأخلاق أن تهنئ غير المسلم بعيده، وفي ظل الظروف الحالية رأى العلماء أن التهنئة هذا العام أولى وأدعى لإزالة حالة الحزن والاحتقان التي تلف المجتمع.
وأثار التفجير الذي أوقع 21 قتيلا أمام كنيسة القديسين بالإسكندرية حالة من التعاطف مع الأقباط والإدانة الجماعية في مصر بباعتبارها جريمة تستهدف الوطن كله، وهو ما أجمعت تعليقات صدرت في صحافة مصر الأحد 2-1-2011 "فرصة لطي صفحة التوترات" التي طغت في عدة مواقف العام الماضي بين الدانبين ومعالجتها من جذورها.
ودعا هشام جعفر رئيس مجلس أمناء مؤسسة مدى للتنمية الإعلامية -المشرفة على موقع أون إسلام- إلى استثمار هذه الأجواء "عبر قيام المسلمين بزيارات للمنازل المسيحية والكنائس في شكل أسري وعائلي أو جماعات لتهنئة الأقباط بأعيادهم ولتأكيد أن المصريين يد واحدة فعليًّا"، حسبما نقل عنه موقع "اليوم السابع".
«أَن تَبَرُّوهُمْ»
وفي تعبيره عن استحسانه لفكرة التهنئة، أكد د. أحمد كريمة أستاذ الفقه بجامعة الأزهر أن "البر إلى الناس -دون النظر إلى معتقدهم أو لغتهم أو جنسهم- من مكارم الأخلاق الواجبة في الإسلام والأصل في ذلك قوله تعالى {وقولوا للناس حسنا}، جميع الناس، وفيما يتعلق بتهنئة المسلم لغير المسلم خاصة المسيحيين فالأصل الجواز".
واستطرد د.كريمة قائلا: "بل ويندب إشاعة روح السلم والسلام والأمن والأمان، فقال الله تعالى {لاَ يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} فوجه الدلالة من النص القرآني {أَن تَبَرُّوهُمْ} عام يشتمل على كل أنواع البر ومنه التهنئة".
ومؤكدا أن رد التحية والمعاملة بأحسن منها خلق إسلامي قال: "إن الله تعالى يقول {وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} ووجه الدلالة في الآية الكريمة أن رد تهنئة غير المسلمين لنا في أعيادنا واجب، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وقد عاد النبي محمد صلى الله عليه وسلم شابا يهوديا يحتضر، وتأتي وصية نبي الإسلام بأقباط مصر خاصة فقال: «ستفتح عليكم بعدي مصر فاستوصوا بقبطها خيرًا فإن لكم منهم ذمة ورحما» أمر واجب النفاذ من المسلمين نحو إخوانهم في الإنسانية وفي شرائع السماء في تهنئتهم وحسن معاملتهم".
وأضاف: "أما القول بغير هذا من بعض غلاة التشدد والمغالاة فهذا لا يمثل صحيح الإسلام وهؤلاء لا يفقهون أدلته ولا مقاصده، فمن يمنعون التهنئة دعاة فتنة «والفتنة أشد من القتل»".
بينما أكد الشيخ فوزي الزفزاف وكيل الأزهر السابق وعضو مجمع البحوث الإسلامية أن "المسلم كمواطن مصري عليه أن يقدم التهنئة للمسيحي كمواطن مصري، سواء على مستوى الأفراد أو الأسر أو الجماعات، كما يحدث من المسيحيين لإخوانهم المسلمين في أعيادهم، وينبغي ألا يعكر ما حدث على المواطنين المسيحيين في احتفالهم بعيد القيامة، ونحن جميعا نحتفل بالأعياد مع بعضنا البعض، فنحن شعب واحد وعلينا أن نقضي معا على أي بؤرة تريد الفرقة بيننا كمسلمين ومسيحيين، ونضع في اعتبارنا أننا جميعا مستهدفون".
تأصيل للأدب العام
ويقول د. مصطفى الشكعة عضو مجمع البحوث الإسلامية: "نحن نهنئ المسيحيين على عيد القيامة، ويستحسن أن يقدم كل مسلم التهنئة للمسيحي في عيده، لأن في تقديم التهنئة تأصيلا للأدب العام، والمشاركة الوجدانية لطيفة بين الأخوة في الوطن، ومن ثم لابد أن نجاملهم، فهذا من الإسلام، وخاصة أننا شعب واحد، وكلنا متشابهون، فالمسلم والمسيحي إخوة متحابون".
وتقول الدكتورة آمنة نصير أستاذ العقيدة بجامعة الأزهر: "إن تهنئة المسلم للمسيحي في وقتنا الحالي أمر واجب، ولابد على المسلمين أن يهنئوا كل مسيحي في عيده، وأعجب ممن يقول «لا تهنئ المسيحيين بالعيد»، ورسول الله صلى الله عليه وسلم عندما يمر جثمان يهودي يقف؛ فيقول له أصحابه «إنه يهودي» فيقول صلى الله عليه وسلم «أليس بنفس؟»، وسيدنا علي عندما أرسل الأشطر واليا على مصر قال له «يا أشطر فستجد أخا لك في الإنسانية وأخا لك في الدين فارعهما، فعقيدة المسلم تتم بأن يؤمن بكل الرسل والأديان السماوية ويراعي أتباعها»".
واستطردت: "علينا أن نؤكد في تهنئتنا لإخواننا المسيحيين أننا شعب واحد ونحب بعضنا البعض، وأن وتاريخنا يحمل أجمل معاني الحب، فصديقاتي جميعا كن من المسيحيات ولم أنظر إليهن يوما على أنهن يختلفن عني، والنقمة التي حلت على هذا الشعب جاءت عندما اختلطنا بشعوب الجوار الذين لا يعرفون ثقافة الاختلاف كما هي ثقافة شعبنا المصري، ولذلك اختزلنا أنفسنا وعدنا بثقافة تتصادم مع حضارتنا، ولذلك علينا أن نعود لجذورنا الأصيلة التي تربينا عليها".
وشددت قائلة: "علينا أن نؤكد في التهنئة على معنى الأخوة في الوطنية، ولا ننصت للفضائيات التي تركت لها الساحة سداحا مداحا فعاثوا في عقول الشعب المصري، وملئوها بكل الخشونة وافتقاد المودة من الإنسان لأخيه الإنسان، مع أن الكراهية والخشونة بين أتباع الأديان يرفضها الإسلام".
«قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا»
د.حامد أبو طالب عضو مجمع البحوث الإسلامية اعتبر أنه "من اللائق جدا أن يتبادل المسلمون مع المسيحيين التهنئة في المناسبات والأعياد ذلك أن التهنئة تدخل السرور وتنشأ المودة والمحبة بين الناس جميعا، حيث جرت عادتنا منذ سنين طويلة على تبادل هذه التهاني معهم، وكان الغريب أن من أوائل المهنئين بالأعياد هم المسيحيون يهنئوننا بأعيادنا ونبادلهم نفس الشعور".
كما أهاب بجميع المسلمين "تهنئة إخوانهم وجيرانهم من المسيحيين بعيد الميلاد المجيد، لا مانع يمنع من تكرار التهنئة للأخوة المسيحيين ببداية العام الميلادي الجديد وتكرار التهنئة في 7 يناير، لأن هذا ما درج عليه جميع المصريين من عشرات السنين وعشناه في صبانا ونعيشه اليوم في شيخوختنا".
الدكتور أحمد السايح الأستاذ بجامعة الأزهر رأى أنه "ينبغي أن يعلم كل مسلم أن الشرع الإسلامي أجاز البر بغير المسلمين والإقساط إليهم ومن البر تهنئتهم في كل مناسبة سواء كانت صياما، أو أول السنة الميلادية، فتهنئة الأقباط في مصر أمر مطلوب، كما أن مفهوم المواطنة يقتضي ذلك فالله تعالى قال {وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُم مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ}".
وأضاف: "علينا أن نؤكد أن مفهوم المواطنة يقتضي مشاركة المسيحيين في أعيادهم والفرح معهم بأي وسيلة بالتزاور أو بالهاتف، أو مشاركتهم في احتفالاتهم بما تقتضي به المشاركة في وقتنا الحاضر".
دروع إسلامية تحمى كنائس مصر يوم 7 يناير
"دروع بشرية لحماية الكنيسة".. حملات إلكترونية من قبيل "يانعيش سوا يانموت سوا".. "معا مسلمين ومسيحيين لنصلى على الضحايا".. "7 يناير يوم حداد وطني".. "لنشارك المسيحيين أعيادهم فى الكنائس"، كل هذه مبادرات شعبية عكست أجواء تضامنية وتعاطفية من جانب مسلمى مصر تجاه إخوانهم المسيحيين، وانطلقت بعد ساعات قليلة من تفجير كنيسة القديسين بالإسكندرية مع الساعات الأولى من العام الميلادى الجديد.
وأظهرت هذه المبادرات حرص المصريين على التضامن مع المسيحيين بعد ما أصابهم من آلام نفسية خلال احتفالات رأس السنة الميلادية ورفضهم لحادثة تفجير كنيسة القديسين بالإسكندرية والذى وقع السبت 1-1-2011 وأسفر عن مقتل 21 شخصا وإصابة عشرات آخرين، بينهم مسلمون، باعتبارها عملا إرهابيا وليس طائفيا كان يستهدف كل المصريين.
فضلا عن ذلك أطلق عدد من المثقفين والحركات والأحزاب السياسية والشعبية ووزارة التربية والتعليم المصرية دعوات ومبادرات تضامنية مع المسيحيين لوأد الفتنة الطائفية فى مصر.
فيس بوك وتويتر
فعلى موقع شبكة التواصل الاجتماعى الشهيرة "فيس بوك" أطلق مصريون "مجموعة" أطلقوا عليها اسم "يوم 7 يناير، هنروح الكنائس نحتفل مع أخواتنا أو نموت معاهم" وانضم لها أكثر من 8 آلاف مؤيد فور إنشائها وحتى ظهر الأحد 2-1-2011.
ودعا المشاركون فى المجموعة -وغالبيتهم من المسلمين- المصريين للمشاركة لأول مرة فى قداس عيد الميلاد وتقديم التعازى للإخوة الأقباط على فقدان ذويهم.
كما أنشئ "حدث" على موقع فيس بوك بعنوان "وقفة صامتة بالملابس السوداء حدادا على ضحايا الإرهاب" انضم لها ما يقارب من 6 آلاف عضو حتى ظهر الأحد، تدعو إلى الوقوف يوم السابع من يناير فى تمام الساعة الرابعة مساء على كل كورنيش للنيل فى جميع أنحاء مصر، وحددت أماكن الوقفة الصامتة، تضامنا مع ضحايا حادثة كنيسة القديسين بالإسكندرية.
ودعوة أخرى تأبينية على موقع فيس بوك أيضا للوقوف بالشموع والورود أمام كنيسة القديسين بالإسكندرية، فى يوم الجمعة 7 يناير بعد صلاة عيد الميلاد، انضم إليها ما يقارب من 5 آلاف مؤيد حتى الأحد.
كما أطلقت مبادرات عدة من خلال عدد من المجموعات على فيس بوك تحت مسمى "دروع بشرية من المصريين لحماية الكنائس يوم عيد ميلاد السيد المسيح" تدعو المسلمين لحماية الكنائس والالتفاف حولها أثناء احتفالات عيد الميلاد فى السابع من يناير الجارى، وقد لاقت هذه المبادرات تأييدا شديدا من عدد كبير من أعضاء فيس بوك وصل عددهم إلى أكثر من 11 ألف مؤيد.
واستبدل بشكل لافت المئات من مستخدمى الفيس بوك فى مصر بصورهم على صفحاتهم الشخصية صورة صليب يتوسط هلالا تعبيرا عن الوحدة الوطنية فى مواجهة أى محاولة للوقيعة بين المسلمين والأقباط.
وعلى موقع التواصل الاجتماعى "تويتر" دعا نشطاء إلى بحث إمكانية وجود كنيسة وجامع داخل كل نادى رياضى واجتماعى حتى يتقارب الشباب المسلم والمسيحى بصورة أكبر.
ودعا نشطاء آخرون على "تويتر" إلى إنشاء مواقع إلكترونية تضم مسيحيين ومسلمين يستطيعون من خلالها بث أفكار التقارب والوحدة وتكون أهدافهم محاربة كل ما يهدد النسيج الوطنى.
ساقية الصاوى
من جهته، أطلق المهندس محمد عبد المنعم الصاوى رئيس مجلس إدارة ساقية الصاوى -أحد أهم الملتقيات والتجمعات الثقافية فى القاهرة- مبادرة تحت شعار "يانعيش سوا يانموت سوا" تضامنا مع مسيحيى مصر بعد حادث تفجير كنيسة القديسين بالإسكندرية.
وقال الصاوى فى نص المبادرة، التى حصلت أون إسلام على نسخة منها، "لم أجد أبلغ من شعار يانعيش سوا يانموت سوا.. أريد أن نتجمع اعتبارا من اليوم (الأحد)، لنكون دروعا بشرية إسلامية تحمى كل التجمعات المسيحية فى الكنائس، والمدارس، وأى أماكن أخرى تُغْرِى المجرمين باستهدافهم".
وأضاف رئيس مجلس إدارة ساقية الصاوى فى نص المبادرة: "ببساطة شديدة أنوى أن أقف بنفسى -مع زملائى من العاملين بساقية عبد المنعم الصاوى ومن يود مرافقتنا من أعضاء الساقية- أمام كل كنائس حى الزمالك.. علينا أن نؤدى واجبنا بشجاعة، ونفوت الفرصة على من يريد إيذاء أبناء الأمة من المسيحيين وإشعال الفتنة الحارقة التى تمثل تهديدا خطيرا لمصالح المصريين جميعا".
وفى اتصال هاتفى أجرته شبكة إون إسلام مع أ/هبة أحمد -مسئولة العلاقات العامة بساقية الصاوى- قالت: "إن ساقية الصاوى سوف تطلق مبادرة شعبية اليوم الأحد 2-1-2011 لزيارة الكنائس فى المنطقة المحيطة بالحى الذى يوجد به ساقية الصاوى (حى الزمالك بمحافظة القاهرة)".
وأشارت هبة إلى "أن هذه المبادرة جاءت من فكرة شخصية للمهندس محمد عبد المنعم الصاوي"، وأضافت "أنه من المنتظر أن تقوم إدارة ساقية الصاوى باجتماع مع عدد من الجمعيات والمؤسسات الشعبية والاجتماعية فى تمام الساعة السادسة مساء يوم الأحد".
وأشارت هبة إلى أنه "بعد الاجتماع سوف يتم تقسيم فريق المبادرة إلى مجموعتين، تقوم الأولى بزيارة كنيسة المرعشلي، والأخرى تقوم بزيارة كنيسة جميع القديسين لحضور ومشاركة المسيحيين قداس الأحد".
وزارة التربية والتعليم
وفى نفس السياق أصدر الدكتور أحمد زكى بدر وزير التربية والتعليم توجيهاته إلى المديريات التعليمية بجميع محافظات الجمهورية بتخصيص جزء من الحصص الدراسية الأحد للتأكيد على الطلاب بأن الانفجار الذى وقع السبت، فى الإسكندرية كان عملا إرهابيا يستهدف كل المصريين، ولم يكن طائفيا بأى حال من الأحوال، وفقا لموقع أخبار مصر.
كما أوصى بدر بضرورة "أن يدير المعلمون حوارا مفتوحا مع الطلاب للتشديد على ضرورة وحدة الصف المصرى فى مواجهة من يحاولون المساس بهم".
وعلى موقعها الإلكترونى، ذكرت مجلة "كلمتنا" المصرية الإلكترونية أن "قناة الحياة الفضائية المصرية أطلقت مبادرة "معاً نصلي" ليذهب جميع المصريين والمسيحيين "للصلاة على أرواح الشهداء" فى الإسكندرية يوم الخميس القادم 6 يناير ليلتقى فيها كل المصريون بكل أعمارهم وأجناسهم".
من جانبه، دعا د.عبد المنعم أبو الفتوح عضو مجلس شورى جماعة الإخوان المسلمين والأمين العام لاتحاد الأطباء العرب، الرموز الوطنية والمسلمين إلى التواجد فى مجموعات يوم 7 يناير الجارى –يوم عيد الأقباط- أمام الكنائس الكبرى، وذلك لحمايتها ولو رمزيا من أى اعتداء، بجانب تأكيد التضامن والوحدة بشكل عملى، بحسب موقع اليوم السابع السبت 1-1-2011.
كما اتفقت عدد من القوى السياسية خلال اجتماعها اليوم بمقر حزب الوفد المعارض على تشكيل هيئة وطنية للدفاع عن الحريات وحقوق المصريين بالإسكندرية.
وأوضح الدكتور سيد البدوى، رئيس حزب الوفد، خلال مؤتمر صحفى عقب إنهاء لقائهم المغلق مع كافة القوى السياسية على تشكيل لجنة لصياغة بيان يصدر عن كافة القوى السياسية يدين تفجير السبت، ويضم كلا من الدكتور على السلمى والكاتبة سكينة فؤاد ومنير فخرى عبد النور والدكتور محمد البلتاجى وجمال فهمى.
وتوالت نداءات ودعوات عدد من رموز مصر لوأد الفتنة الطائفية، وإيقاظ مشاعر الوحدة الوطنية، كالتالي:
صلاح عيسى "يجب على كل مسلم مصرى تقديم واجب العزاء فى الضحايا الأقباط الأبرياء، وحبذا لو ضربنا المثل فى الوحدة الوطنية بمشاركة الأخوة الأقباط قداساتهم، ولنعلن يوم 7 يناير يوما للحداد الوطنى العام احتجاجا على مخططات ضرب الغرب للوحدة الوطنية فى مصر.
أبو العلا ماضى يجب على المسلمين الاتصال تليفونا بالأقباط والمشاركة فى قداسات العزاء وثمة اقتراح لشباب المعارضة الوطنية بالوقوف أمام الكنائس ليلة عيد الميلاد المقبل "كدروع بشرية " تعبيرا عن الوحدة الوطنية وتأكيدا للنسيج الواحد وكلها أمور إيجابية.
عبد الحليم قنديل يجب تفعيل كل المبادرات لتخفيف وطأة الحادث البشع على أشقائنا الأقباط، وعلينا جميعا المشاركة فى قداسات العزاء علاوة على قداس عيد الميلاد، فما حدث اعتداء على منشأة مصرية ومواطنين مصريين فى المقام الأول وهو ما لا يمكن أن نقبله جميعا.
سكينة فؤاد على كل مصرى أن يعلم أن الدور سيأتى عليه فيما بعد إن لم يتحرك لنصرة أخيه المسيحى، فمصر مستهدفة من كل من حولها، ونحن لا ندافع عن الكنيسة بقدر ما ندافع عن الأرض والوطن الذى ندين به جميعا، والمخطط الاستعمارى القذر معروف للجميع منذ سنوات وهو ما يعرف بمشروع الشرق الأوسط الكبير ومصر رأس المنطقة العربية ولو نجحوا فى تقسيمها لضاعت الأمة العربية.
نبيل فاروق "تعلمنا منذ نعومة أظافرنا أن الدين لله والوطن للجميع، لكنهم يحاولون تطبيق مبدأ آخر وهو الوطن لنا والإرهاب للجميع" وهو ما لا يمكن أن نقبله أبدا.
المستشار مرسى الشيخ "يجب أن نعلم أن مصر مستهدفة وكل شخص لا خيار له فى دينه والجد واحد للجميع هو سيدنا إبراهيم، ولابد أن نعلم أن الاستعمار الجديد هدفه: فرق تسد".
البدرى فرغلى "علينا ألا نترك الخارج يعبث بأمننا الاجتماعى، ونعلم جيدا أن الأقباط أخوة لنا فى الوطن الواحد وعلينا أن نتكاتف سويا لنعالج جرحنا النازف يدا واحدة حتى لا ندفع الثمن كلنا كمصريين".
أكرم الشاعر لا يقبل أى عاقل ما حدث لإخواننا الأقباط، فلا يوجد دين ولا شريعة ولا أخلاق تسمح بهذا، وأنا لا أستبعد أن يكون الحادث له علاقة بقضية الجاسوس، مبديا استياءه من ضعف الأمن العام والجنائى فى مصر.
Helen Thomas: Thrown to the Wolves
Danny Schechter
29 Dec 2010
Helen Thomas, who once occupied a front-row seat in the
White House briefing room, has been completely ostracized due to some inelegantly-put remarks about Israel captured on film by provocateurs [EPA] …In 1960, I was fixated on emulating the courageous media personalities of the times, from Edward R. Murrow
to a distinctive figure I came to admire at presidential press conferences - a wire service reporter named Helen Thomas.
In recent years, my faith in the power of dialogue in politics has been severely tested - as, no doubt has hers - in an age where diatribes and deliberate demonization chills debate and exchanges of opposing
views. Once you are labeled and stereotyped - especially if
you are denounced as an anti-Semite - you are relegated to the fringes, pronounced a hater beyond redemption, and even beyond explanation.
As the legendary Helen Thomas soon found out.
The rise of a legend
As a member in good standing of an activist generation,
I saw myself more as an outsider in contrast to Helen’s distinctive credentials as an insider, as a White House bureau chief and later as the dean of the White House Correspondents' Association.Yet, beneath her establishment credentials and status, she was always an outsider too - one of nine children born to a family of Lebanese immigrants in Winchester Kentucky, who despite their Middle East origins were Christians in the Greek Orthodox Church. She became a woman who broke the glass ceiling in the clubby, mostly male, inside-the-beltway world of big egos and self-important media prima donnas. Her origins were more modest. She grew up in an ethnic neighborhood in Detroit.
Helen received her bachelor's degree from Wayne State University in 1942, the year I was born. Earlier this year, her alma mater, of which she had taken so much pride in her achievements, canceled the award in her name.
The withdrawal of her name from the prominent award was a striking gesture of cowardice and submission to an incident blown out of proportion that instantly turned Helen from a 'she-ro' to a zero.
The Simon Wiesenthal Center put her on their top ten list of anti-Semites after angry remarks she made about Israel went viral and exploded into a major story. President Barack Obama who cheerfully brought her a birthday cake, later labeled her remarks as "reprehensible".
You would think that given all the vicious ad hominems, Godwins and putdowns directed at him, he would be more cautious tossing slurs at others.
But no, all politicians pander to deflect criticism whenever the wind of enmity blows their way. Now it was Helen who was being compared to Hitler in the latest furor.
Then suddenly last June, I, like everyone in the world of media, was stunned to witness her public fall from grace, partly self-inflicted, perhaps because of the inelegant language used in response to an ambush interview by provocateur father-son Israeli advocates posing as journalists.
They were following in the footsteps of the vicious comments by Ann Coulter earlier denouncing Thomas as an "old Arab" sitting yards from the President as if she were threatening him. She refused to dignify that smear with a response.
I didn't know until she told me that she had also been hounded for years by Abe Foxman, a leader of the Anti-Defamation League who demanded she explain 25 questions she asked presidents over the decades. "I didn’t answer," she told me, "because I don?€?t respond to junk mail."
Helen always stuck to her guns. She was considered the marquise of journalists that presidents respected. She even went to China with Nixon.
She has, however, always been polite enough to try to answer questions from strangers without always realizing who she was dealing with in a new world of media hit jobs, where "gotcha" YouTube videos thrive on spontaneous embarrassing moments, what we used to call "bloopers."
She had been baited and fell for it. Unaware of how the video could be used, she vented and then regretted doing so. It was too late. That short media snippet triggered millions of hits.
Helen later apologized for how she said what she did without retracting the essence of her convictions. But by then, it was too late. Her long career was instantly terminated. The perception became everything; the context nothing.
She tried to be conciliatory, saying, "I deeply regret my comments I made last week regarding the Israelis and the Palestinians. They do not reflect my heart-felt belief that peace will come to the Middle East only when all parties recognize the need for mutual respect and tolerance. May that day come soon." Her remarks were derided and dismissed, with the pundits and papers demanding her head. She had no choice but to resign after her company, agent, co-author and many "friends" started treating her like a pariah.
"You cannot criticize Israel in this country and survive," she says now.
She was forced into retirement and thrown to the wolves in a media culture that relishes stories of personal destruction and misfortune. It's the old 'the media builds you up before they tear you down' routine. As blogger Jamie Frieze wrote, "I don't think she should have been forced to resign. After all, freedom of speech doesn't come with the right to be comfortable. In other words, the fact that you're uncomfortable doesn't trump my free speech. Thomas made people uncomfortable, but that doesn't mean her speech should be punished."
But punished she was.
A lesson learned
When I called Helen Thomas to ask if she might be willing to share some of her thoughts on what happened, I found her as eloquent as ever, supportive of Wikileaks, critical of grand jury harassment in the Mid West against Palestinian supporters and angry with President Obama for his many right turns and spineless stands.
She was, she said, on a path outside the White House when a rabbi, David Nesenoff, asked to speak to her, and introduced his two sons whom he said wanted to become journalists (one of whom wasn't actually his son).
"That happens to me a lot," she said, "and I told them about my love of journalism and that they should pursue their goals. I was gracious, and told them to go for it."
Then the subject abruptly changed. "'What do you think of Israel' they asked next. It was all very pleasant and I don't blame them for asking,?€? she told me. But, then, she added, she didn't know the people would've "shoved a microphone in my face like a jack knife."
It wasn't just any rabbi making conversation. Nesenoff is an ardent Israel supporter who runs a website called
'Rabbi Live' and can be a flamboyant self-promoter. He says, "Even though I was born in Glen Cove and grew up in Syosset Long Island, Israel is my Jewish homeland. It is the homeland for all Jewish people."
The sin of silence
She remembered being moved by a rabbi who spoke alongside Martin Luther King Jr at the March on Washington in 1963. I was there also, and heard him speak too, and so I looked him up.
It was Joachim Prinz of the American Jewish Congress who made a speech that influenced a younger Helen Thomas. He said, "When I was the rabbi of the Jewish community in Berlin under the Hitler regime, I learned many things. The most important thing that I learned under those tragic circumstances was that bigotry and hatred are not the most urgent problem. The most urgent, the most disgraceful, the most shameful and the most tragic problem is silence."
Helen says her whole career has been about combating the sin of silence. She says she has now been liberated to speak out.
"All I would like is for people to know what I was trying to say, that Palestinians are living under tyranny and that their rights are being violated. All I want is some sympathy for Palestinians," she says.
Forgotten but not forgiven
Now it's the holiday season, allegedly a time of peace and forgiveness when presidents issue pardons to convicted criminals and reflection is theoretically permitted, a time when even a State Department hawk like Richard Holbrooke can, on his deathbed, it is said, call for an end to the Afghan war that he had dogmatically supported.
We have watched the rehabilitation of so many politicians over recent years who have stumbled, taken money or disgraced themselves in sex scandals, including senators and even presidents. Helen Thomas is not in that category.
Yet, many of those "fallen" are back in action, tarnished perhaps, but allowed to recant, to work and then reappear in the media.
But, to this day, there has been almost no compassion, empathy or respect shown for one of our great journalists, Helen Thomas, who has been presumed guilty and sentenced to oblivion with barely a word spoken in her defense.
How can we expect Israelis and Palestinians to reconcile if our media won't set an example by reconciling with Helen Thomas?
29 Dec 2010
Helen Thomas, who once occupied a front-row seat in the
White House briefing room, has been completely ostracized due to some inelegantly-put remarks about Israel captured on film by provocateurs [EPA] …In 1960, I was fixated on emulating the courageous media personalities of the times, from Edward R. Murrow
to a distinctive figure I came to admire at presidential press conferences - a wire service reporter named Helen Thomas.
In recent years, my faith in the power of dialogue in politics has been severely tested - as, no doubt has hers - in an age where diatribes and deliberate demonization chills debate and exchanges of opposing
views. Once you are labeled and stereotyped - especially if
you are denounced as an anti-Semite - you are relegated to the fringes, pronounced a hater beyond redemption, and even beyond explanation.
As the legendary Helen Thomas soon found out.
The rise of a legend
As a member in good standing of an activist generation,
I saw myself more as an outsider in contrast to Helen’s distinctive credentials as an insider, as a White House bureau chief and later as the dean of the White House Correspondents' Association.Yet, beneath her establishment credentials and status, she was always an outsider too - one of nine children born to a family of Lebanese immigrants in Winchester Kentucky, who despite their Middle East origins were Christians in the Greek Orthodox Church. She became a woman who broke the glass ceiling in the clubby, mostly male, inside-the-beltway world of big egos and self-important media prima donnas. Her origins were more modest. She grew up in an ethnic neighborhood in Detroit.
Helen received her bachelor's degree from Wayne State University in 1942, the year I was born. Earlier this year, her alma mater, of which she had taken so much pride in her achievements, canceled the award in her name.
The withdrawal of her name from the prominent award was a striking gesture of cowardice and submission to an incident blown out of proportion that instantly turned Helen from a 'she-ro' to a zero.
The Simon Wiesenthal Center put her on their top ten list of anti-Semites after angry remarks she made about Israel went viral and exploded into a major story. President Barack Obama who cheerfully brought her a birthday cake, later labeled her remarks as "reprehensible".
You would think that given all the vicious ad hominems, Godwins and putdowns directed at him, he would be more cautious tossing slurs at others.
But no, all politicians pander to deflect criticism whenever the wind of enmity blows their way. Now it was Helen who was being compared to Hitler in the latest furor.
Then suddenly last June, I, like everyone in the world of media, was stunned to witness her public fall from grace, partly self-inflicted, perhaps because of the inelegant language used in response to an ambush interview by provocateur father-son Israeli advocates posing as journalists.
They were following in the footsteps of the vicious comments by Ann Coulter earlier denouncing Thomas as an "old Arab" sitting yards from the President as if she were threatening him. She refused to dignify that smear with a response.
I didn't know until she told me that she had also been hounded for years by Abe Foxman, a leader of the Anti-Defamation League who demanded she explain 25 questions she asked presidents over the decades. "I didn’t answer," she told me, "because I don?€?t respond to junk mail."
Helen always stuck to her guns. She was considered the marquise of journalists that presidents respected. She even went to China with Nixon.
She has, however, always been polite enough to try to answer questions from strangers without always realizing who she was dealing with in a new world of media hit jobs, where "gotcha" YouTube videos thrive on spontaneous embarrassing moments, what we used to call "bloopers."
She had been baited and fell for it. Unaware of how the video could be used, she vented and then regretted doing so. It was too late. That short media snippet triggered millions of hits.
Helen later apologized for how she said what she did without retracting the essence of her convictions. But by then, it was too late. Her long career was instantly terminated. The perception became everything; the context nothing.
She tried to be conciliatory, saying, "I deeply regret my comments I made last week regarding the Israelis and the Palestinians. They do not reflect my heart-felt belief that peace will come to the Middle East only when all parties recognize the need for mutual respect and tolerance. May that day come soon." Her remarks were derided and dismissed, with the pundits and papers demanding her head. She had no choice but to resign after her company, agent, co-author and many "friends" started treating her like a pariah.
"You cannot criticize Israel in this country and survive," she says now.
She was forced into retirement and thrown to the wolves in a media culture that relishes stories of personal destruction and misfortune. It's the old 'the media builds you up before they tear you down' routine. As blogger Jamie Frieze wrote, "I don't think she should have been forced to resign. After all, freedom of speech doesn't come with the right to be comfortable. In other words, the fact that you're uncomfortable doesn't trump my free speech. Thomas made people uncomfortable, but that doesn't mean her speech should be punished."
But punished she was.
A lesson learned
When I called Helen Thomas to ask if she might be willing to share some of her thoughts on what happened, I found her as eloquent as ever, supportive of Wikileaks, critical of grand jury harassment in the Mid West against Palestinian supporters and angry with President Obama for his many right turns and spineless stands.
She was, she said, on a path outside the White House when a rabbi, David Nesenoff, asked to speak to her, and introduced his two sons whom he said wanted to become journalists (one of whom wasn't actually his son).
"That happens to me a lot," she said, "and I told them about my love of journalism and that they should pursue their goals. I was gracious, and told them to go for it."
Then the subject abruptly changed. "'What do you think of Israel' they asked next. It was all very pleasant and I don't blame them for asking,?€? she told me. But, then, she added, she didn't know the people would've "shoved a microphone in my face like a jack knife."
It wasn't just any rabbi making conversation. Nesenoff is an ardent Israel supporter who runs a website called
'Rabbi Live' and can be a flamboyant self-promoter. He says, "Even though I was born in Glen Cove and grew up in Syosset Long Island, Israel is my Jewish homeland. It is the homeland for all Jewish people."
The sin of silence
She remembered being moved by a rabbi who spoke alongside Martin Luther King Jr at the March on Washington in 1963. I was there also, and heard him speak too, and so I looked him up.
It was Joachim Prinz of the American Jewish Congress who made a speech that influenced a younger Helen Thomas. He said, "When I was the rabbi of the Jewish community in Berlin under the Hitler regime, I learned many things. The most important thing that I learned under those tragic circumstances was that bigotry and hatred are not the most urgent problem. The most urgent, the most disgraceful, the most shameful and the most tragic problem is silence."
Helen says her whole career has been about combating the sin of silence. She says she has now been liberated to speak out.
"All I would like is for people to know what I was trying to say, that Palestinians are living under tyranny and that their rights are being violated. All I want is some sympathy for Palestinians," she says.
Forgotten but not forgiven
Now it's the holiday season, allegedly a time of peace and forgiveness when presidents issue pardons to convicted criminals and reflection is theoretically permitted, a time when even a State Department hawk like Richard Holbrooke can, on his deathbed, it is said, call for an end to the Afghan war that he had dogmatically supported.
We have watched the rehabilitation of so many politicians over recent years who have stumbled, taken money or disgraced themselves in sex scandals, including senators and even presidents. Helen Thomas is not in that category.
Yet, many of those "fallen" are back in action, tarnished perhaps, but allowed to recant, to work and then reappear in the media.
But, to this day, there has been almost no compassion, empathy or respect shown for one of our great journalists, Helen Thomas, who has been presumed guilty and sentenced to oblivion with barely a word spoken in her defense.
How can we expect Israelis and Palestinians to reconcile if our media won't set an example by reconciling with Helen Thomas?
الأحد، 2 يناير 2011
وفي الليلة الظلماء يُفتقد البدر:
عشر سنوات على غياب العَلَم العلامة المجاهد المجتهد
الشيخ محمد مهدي شمس الدين (رضوان الله عليه)..
في العاشر من كانون الثاني تطل علينا الذكرى العاشرة لرحيل الإمام الشيخ محمد مهدي شمس الدين (1936-2001) فنفتقد في الليالي المظلمة ذلك البدر الذي كان بحكمته وبصيرته، وبمحبته وانفتاحه، شاطئ أمن وأمان لكل اللبنانيين والعرب: مسلمين ومسيحيين؛ ولكل المسلمين: عرباً وغير عرب... ونتذكر وصاياه ، وخاصة للشيعة الإمامية الإثني عشرية ، في الإندماج الوطني الشفاف وفي عدم التمايز بأي مشروع خاص وتحت أي عنوان من العناوين، وفي تطوير الشراكة الكاملة والمواطنة المتساوية: بين المسلمين والمسيحيين، وبين السنة والشيعة، وبين العرب وغير العرب... في كل أوطانهم...وفي بناء الدولة الوطنية المدنية العادلة المستقلة المتوازنة التي لا دين لها ولا مذهب ولا غلبة فيها ولا استقواء..بل حرية وديمقراطية وعدالة وكرامة ومساواة: للجميع وبين الجميع..
وندعو جميع اللبنانيين والعرب إلى المشاركة في إستذكار مواقفه والسير بها قولاً وعملاً:
" لن يكون لبنان مسيحياً ذا وجه عربي أو إسلامي، ولن يكون إسلامياً ذا وجه مسيحي أو أوروبي... لبنان هو لبنان... هويته تتكوّن من تنوعه"..
"السؤال هو: هل نريد لبنان أو لا نريده ؟ هل نريد نظاماً جمهورياً ديموقراطياً برلمانياً أم لا نريده؟ إذا كنا نريد نظاماً جمهورياً ديموقراطياً برلمانياً وإذا قلنا نعم للبنان، فهذا المشروع (إتفاق الطائف) يأخذ من الكل وفي نفس الوقت يعطي الكل"..
"إن لبنان ليس مكاناً جميلاً فحسب...إنه كرامة وحرية، بيت ورغيف حلال، مدرسة ومستشفى، قدرة على المشاركة في الرأي والقرار، قدرة على التعبير والنقد.. إن لبنان معنى ودور وحوار حياة أنتج صيغة فريدة للعيش المشترك ونمطاً مميزاً علينا حفظهما وتطويرهما"..
"إن لبنان هو معنى لا يكتمل بالمسلمين وحدهم ولا بالمسيحيين وحدهم ، بل يكتمل بهم جميعاً ومعاً"... ..."إن إسلامية المسلم تبقى ناقصة بدون المسيحي، ومسيحية المسيحي تبقى ناقصة بدون المسلم"... ...."أنا أرى أن من مسؤولية العرب والمسلمين أن يشجعوا كل الوسائل التي تجعل المسيحية في الشرق تستعيد كامل حضورها وفعاليتها ودورها في صنع القرارات وفي تسيير حركة التاريخ"...
"إن التزامنا العلاقة الطبيعية المعافاة مع سوريا (المسماة خطأ "علاقة مميزة") لم ولا ينشأ من نقص في التزامنا لبنان وطناً نهائياً سيداً حراً مستقلاً في نظام ديموقراطي برلماني"...
"إن الصيغة التي نريد والدولة التي نريد ليست ولن تكون لطائفة دون أخرى، أو مع فئة ضد أخرى، فضلاً عن أن تكون دولة أشخاص..إنها دولة الجميع وللجميع: عدالة ومساواة وكرامة"...
"إن واجبنا الأول هو أن نزرع في نفوس مواطنينا الثقة والأمل والرجاء، وأن نعزز التلاحم والتضامن،لا أن نخلق الهواجس والمخاوف"...
"ليس للشيعة في لبنان أو في العالم العربي مشروع خاص بهم... الشيعة في لبنان وفي العالم العربي هم جزء من المشروع الوطني العام لبلدانهم ولأمتهم، مشروع الدولة الوطنية والمجتمع الواحد، وليس لديهم أي وَهم في مشروع خاص كما أنهم لا يتحملون مسؤولية أي مشروع خاص"...
"أدعو الشيعة في لبنان والعالم العربي والاسلامي الى الاندماج في أوطانهم، والى أن يكون مشروع الدولة الوطنية هو مشروعهم المشترك مع سواهم من المواطنين..لا يفيدهم في شيء أن يكون لهم مشروع خاص بهم..وعليه ينبغي إنخراطهم في أرقى درجات الإلتزام الأخلاقي بقضايا الوطن والمواطنين والإلتزام بحفظ النظام العام وإطاعة القوانين.".
"الحوار والمصالحات الداخلية والإندماج الوطني هو الطريق السليم لحفظ كرامة الشيعة وتعزيز مكانتهم وليس الإنكفاء والسلبية أو الحالة الهجومية"....
"إن خطاب عاشوراء والحسين هو خطاب العيش المشترك في لبنان، لا بلقلقة اللسان والشعارات الجوفاء، بل العيش الواحد الذي يقوم على ثوابت الكيان اللبناني وثوابت الدولة والمجتمع في لبنان، العيش الواحد الذي يعترف للآخرين بكرامتهم وبحريتهم وبثقافتهم وبكياناتهم الداخلية، لا يهرّج عليهم ولا يهيمن عليهم بشعار القداسة... لا تجعلوا الحسين حجراً تلقمون به أفواه الآخرين أو ترجمون به الآخرين أو تخضعون به الآخرين أو تحاربون به الآخرين
"...."إن ما أراه الخيار الوحيد أمام الشيعة في لبنان والخليج وفي كل مكان ، مع اختلاف الشروط، هو خيار تحقيق الكرامة والحد الأعلى من المصالح ، وحفظ دينهم وفهمهم وحرية سلوكهم وممارستهم بقدر الإمكان في ظل الشروط القائمة فعلا في المنطقة والعالم...إن ذلك لا يمكن أن يحصل إذا كنا مصدر خوف للآخرين..لأن الخوف منا لا يجعلنا متناقضين مع الأنظمة ، بل يجعلنا ، وهذا أسوأ ما يكون ، متناقضين مع الشعوب بالذات، نتناقض مع شركائنا في الوطن...إن علينا نحن الشيعة أن نبني حالة إلفة نفسية بين المجتمع غير الشيعي والشيعة.. وهذا الأمر يحتاج إلى تواصل والى اعتراف متبادل ويحتاج إلى أن لا يكون الشيعي مصدراً للخوف بل مركزاً للأمان ...ليس المطلوب إظهار تشيّع الشيعة، فهذا ظاهر إلى درجة الوجع... المطلوب أن يكون الشيعة مواطنين مندمجين في مجتمعهم ومقبولين في مجتمعهم بشكل كامل...لقد كان هذا الخط ديدن الأئمة وسياستهم ولم يكونوا في ذلك موالين للأنظمة ... تلك كانت رسالتهم السياسية وإدارتهم السياسية ... لأنه ليس المطلوب إحداث فتنة في المجتمع، بل من المحرّم إحداث فتنة في المجتمع"...
"المقاومة المدنية الشاملة هي أسلوب فعّال ولكنه طويل النفس.. ربما نحتاج فيه إلى سنين قبل أن نصل إلى نهاياته. وهو التعبير الخاص بنا عما يسمى في العلوم العسكرية والحربية والتاريخ المعاصر حرب التحرير الشعبية.. فهي مقاومة مدنية أي شعبية وأهلية، وهي سلمية ومسلحة، وكل أنواع المقاومة ضرورية هنا"..
"المقاومة هي مقاومة الشعب اللبناني، كل الشعب اللبناني، لا فئة واحدة منه، وكل المناطق اللبنانية، لا منطقة واحدة منها، وهي مقاومة الدولة والمجتمع والجيش والأهالي والأحزاب.. وكل ذلك تحت سقف، وفي ظل ، المشروع الوطني الذي هو الحصن والحضن والمرجع والمآل... إن المقاومة ليست غاية بحد ذاتها، وليست مشروعاً خاصاً بحد ذاته، ناهيك عن أن تكون حزباً أو فئة خاصة خارج مشروع الدولة والمجتمع في لبنان.. المقاومة أداة ضغط سياسية لها غاية تحرير لا غير، ووظيفتها أن تخدم هدف التحرير الذي يقوم به المجتمع بجميع مؤسّساته السياسيّة والأهليّة.. إنّ هذه الرؤية هي الرؤية الوطنيّة الحقيقيّة للمقاومة".
الشيخ محمد مهدي شمس الدين (رضوان الله عليه)..
في العاشر من كانون الثاني تطل علينا الذكرى العاشرة لرحيل الإمام الشيخ محمد مهدي شمس الدين (1936-2001) فنفتقد في الليالي المظلمة ذلك البدر الذي كان بحكمته وبصيرته، وبمحبته وانفتاحه، شاطئ أمن وأمان لكل اللبنانيين والعرب: مسلمين ومسيحيين؛ ولكل المسلمين: عرباً وغير عرب... ونتذكر وصاياه ، وخاصة للشيعة الإمامية الإثني عشرية ، في الإندماج الوطني الشفاف وفي عدم التمايز بأي مشروع خاص وتحت أي عنوان من العناوين، وفي تطوير الشراكة الكاملة والمواطنة المتساوية: بين المسلمين والمسيحيين، وبين السنة والشيعة، وبين العرب وغير العرب... في كل أوطانهم...وفي بناء الدولة الوطنية المدنية العادلة المستقلة المتوازنة التي لا دين لها ولا مذهب ولا غلبة فيها ولا استقواء..بل حرية وديمقراطية وعدالة وكرامة ومساواة: للجميع وبين الجميع..
وندعو جميع اللبنانيين والعرب إلى المشاركة في إستذكار مواقفه والسير بها قولاً وعملاً:
" لن يكون لبنان مسيحياً ذا وجه عربي أو إسلامي، ولن يكون إسلامياً ذا وجه مسيحي أو أوروبي... لبنان هو لبنان... هويته تتكوّن من تنوعه"..
"السؤال هو: هل نريد لبنان أو لا نريده ؟ هل نريد نظاماً جمهورياً ديموقراطياً برلمانياً أم لا نريده؟ إذا كنا نريد نظاماً جمهورياً ديموقراطياً برلمانياً وإذا قلنا نعم للبنان، فهذا المشروع (إتفاق الطائف) يأخذ من الكل وفي نفس الوقت يعطي الكل"..
"إن لبنان ليس مكاناً جميلاً فحسب...إنه كرامة وحرية، بيت ورغيف حلال، مدرسة ومستشفى، قدرة على المشاركة في الرأي والقرار، قدرة على التعبير والنقد.. إن لبنان معنى ودور وحوار حياة أنتج صيغة فريدة للعيش المشترك ونمطاً مميزاً علينا حفظهما وتطويرهما"..
"إن لبنان هو معنى لا يكتمل بالمسلمين وحدهم ولا بالمسيحيين وحدهم ، بل يكتمل بهم جميعاً ومعاً"... ..."إن إسلامية المسلم تبقى ناقصة بدون المسيحي، ومسيحية المسيحي تبقى ناقصة بدون المسلم"... ...."أنا أرى أن من مسؤولية العرب والمسلمين أن يشجعوا كل الوسائل التي تجعل المسيحية في الشرق تستعيد كامل حضورها وفعاليتها ودورها في صنع القرارات وفي تسيير حركة التاريخ"...
"إن التزامنا العلاقة الطبيعية المعافاة مع سوريا (المسماة خطأ "علاقة مميزة") لم ولا ينشأ من نقص في التزامنا لبنان وطناً نهائياً سيداً حراً مستقلاً في نظام ديموقراطي برلماني"...
"إن الصيغة التي نريد والدولة التي نريد ليست ولن تكون لطائفة دون أخرى، أو مع فئة ضد أخرى، فضلاً عن أن تكون دولة أشخاص..إنها دولة الجميع وللجميع: عدالة ومساواة وكرامة"...
"إن واجبنا الأول هو أن نزرع في نفوس مواطنينا الثقة والأمل والرجاء، وأن نعزز التلاحم والتضامن،لا أن نخلق الهواجس والمخاوف"...
"ليس للشيعة في لبنان أو في العالم العربي مشروع خاص بهم... الشيعة في لبنان وفي العالم العربي هم جزء من المشروع الوطني العام لبلدانهم ولأمتهم، مشروع الدولة الوطنية والمجتمع الواحد، وليس لديهم أي وَهم في مشروع خاص كما أنهم لا يتحملون مسؤولية أي مشروع خاص"...
"أدعو الشيعة في لبنان والعالم العربي والاسلامي الى الاندماج في أوطانهم، والى أن يكون مشروع الدولة الوطنية هو مشروعهم المشترك مع سواهم من المواطنين..لا يفيدهم في شيء أن يكون لهم مشروع خاص بهم..وعليه ينبغي إنخراطهم في أرقى درجات الإلتزام الأخلاقي بقضايا الوطن والمواطنين والإلتزام بحفظ النظام العام وإطاعة القوانين.".
"الحوار والمصالحات الداخلية والإندماج الوطني هو الطريق السليم لحفظ كرامة الشيعة وتعزيز مكانتهم وليس الإنكفاء والسلبية أو الحالة الهجومية"....
"إن خطاب عاشوراء والحسين هو خطاب العيش المشترك في لبنان، لا بلقلقة اللسان والشعارات الجوفاء، بل العيش الواحد الذي يقوم على ثوابت الكيان اللبناني وثوابت الدولة والمجتمع في لبنان، العيش الواحد الذي يعترف للآخرين بكرامتهم وبحريتهم وبثقافتهم وبكياناتهم الداخلية، لا يهرّج عليهم ولا يهيمن عليهم بشعار القداسة... لا تجعلوا الحسين حجراً تلقمون به أفواه الآخرين أو ترجمون به الآخرين أو تخضعون به الآخرين أو تحاربون به الآخرين
"...."إن ما أراه الخيار الوحيد أمام الشيعة في لبنان والخليج وفي كل مكان ، مع اختلاف الشروط، هو خيار تحقيق الكرامة والحد الأعلى من المصالح ، وحفظ دينهم وفهمهم وحرية سلوكهم وممارستهم بقدر الإمكان في ظل الشروط القائمة فعلا في المنطقة والعالم...إن ذلك لا يمكن أن يحصل إذا كنا مصدر خوف للآخرين..لأن الخوف منا لا يجعلنا متناقضين مع الأنظمة ، بل يجعلنا ، وهذا أسوأ ما يكون ، متناقضين مع الشعوب بالذات، نتناقض مع شركائنا في الوطن...إن علينا نحن الشيعة أن نبني حالة إلفة نفسية بين المجتمع غير الشيعي والشيعة.. وهذا الأمر يحتاج إلى تواصل والى اعتراف متبادل ويحتاج إلى أن لا يكون الشيعي مصدراً للخوف بل مركزاً للأمان ...ليس المطلوب إظهار تشيّع الشيعة، فهذا ظاهر إلى درجة الوجع... المطلوب أن يكون الشيعة مواطنين مندمجين في مجتمعهم ومقبولين في مجتمعهم بشكل كامل...لقد كان هذا الخط ديدن الأئمة وسياستهم ولم يكونوا في ذلك موالين للأنظمة ... تلك كانت رسالتهم السياسية وإدارتهم السياسية ... لأنه ليس المطلوب إحداث فتنة في المجتمع، بل من المحرّم إحداث فتنة في المجتمع"...
"المقاومة المدنية الشاملة هي أسلوب فعّال ولكنه طويل النفس.. ربما نحتاج فيه إلى سنين قبل أن نصل إلى نهاياته. وهو التعبير الخاص بنا عما يسمى في العلوم العسكرية والحربية والتاريخ المعاصر حرب التحرير الشعبية.. فهي مقاومة مدنية أي شعبية وأهلية، وهي سلمية ومسلحة، وكل أنواع المقاومة ضرورية هنا"..
"المقاومة هي مقاومة الشعب اللبناني، كل الشعب اللبناني، لا فئة واحدة منه، وكل المناطق اللبنانية، لا منطقة واحدة منها، وهي مقاومة الدولة والمجتمع والجيش والأهالي والأحزاب.. وكل ذلك تحت سقف، وفي ظل ، المشروع الوطني الذي هو الحصن والحضن والمرجع والمآل... إن المقاومة ليست غاية بحد ذاتها، وليست مشروعاً خاصاً بحد ذاته، ناهيك عن أن تكون حزباً أو فئة خاصة خارج مشروع الدولة والمجتمع في لبنان.. المقاومة أداة ضغط سياسية لها غاية تحرير لا غير، ووظيفتها أن تخدم هدف التحرير الذي يقوم به المجتمع بجميع مؤسّساته السياسيّة والأهليّة.. إنّ هذه الرؤية هي الرؤية الوطنيّة الحقيقيّة للمقاومة".
عن الثورة الفلسطينية وحركة فتح
بقلم: سعودالمولى
في الفاتح من يناير/كانون الثاني من كل عام تتفتح أزاهير الشوق إلى فلسطين وإلى تراب أضرحة شهدائها المنثورين في شتات الغربة على إمتداد مساحات القهر والظلم في هذا العالم.. نتذكر ثورة البراق 1929 والثلاثاء الأسود وشهدائه: عطا الزير ومحمد جمجوم وفؤاد حجازي.. نتذكر الشيخ عزالدين القسام وأبو إبراهيم الكبير وفرحان السعدي، نتذكر ثورة 1936 والحاج المفتي محمد أمين الحسيني.. نتذكر كتائب الإخوان المسلمين والظباط الأحرار في حرب 1948.. "...
نتذكر جورج حبش ووديع حداد وأبو ماهر اليماني وغسان كنفاني وأبو علي مصطفى وغيفارا غزةوباسل كبيسي، ونتذكر أبو عدنان عبد الكريم حمد والحاج سامي أبو الغوش وخالد نزال وعمر القاسم ونايف حواتمه.. نتذكر محسن إبراهيم ومحمد كشلي ومحمد الزيات ونبيل هوشر وسيمون وكل رفاق حركة القوميين العرب، نتذكر أنطون سعادة وإنعام رعد وعبد الله سعادة وفؤاد الشمالي وبشير عبيد وكمال خيربك، نتذكر فؤاد الشمالي وفرج الله الحلو ويوسف إبراهيم يزبك ونقولا الشاوي ومصطفى العريس وأرتين مادويان وجورج حاوي وحسين مروة وحسن حمدان وسمير قصير..نتذكر شيوعيي العراق وعصبة مكافحة الصهيونية: يوسف سلمان (فهد) وزكي محمد بسيم (حازم) ومحمد حسين الشبيبي (صارم) ويهودا إفرايم صديق (ماجد) ، ومعهم نتذكر كل أحزاب وهيئات ومبادرات المواجهة مع الإستعمار والإحتلال والتجزئة...
نتذكر مدرسة فلسطين الثانوية في غزة التي انطلقت منها انتفاضة 29 شباط 1955 المجيدة.. نتذكر رابطة فلسطين في القاهرة وإتحاد طلاب فلسطين في غزة، وهما مهد الإنطلاقة الفتحاوية المباركة.. نتذكر مجلة فلسطيننا في بيروت وهي كانت شرارة الفتح؛ ونتذكر الحركة اللبنانية المساندة وكبار رجالاتها ورجالات جماعة عباد الرحمن .. ثم تعود بنا الذكرى والذاكرة إلى جيل المؤسسين قادة الكفاح الثوري ومفجّري أعظم ثورة في التاريخ المعاصر: ياسرعرفات وخليل الوزير وصلاح خلف وكمال عدوان ومحمد يوسف النجار وهايل عبد الحميد وصخر حبش وسعد صايل وأحمد موسى سلامة وعبد الفتاح عيسى محمود ووليد أحمد نمر (أبو علي أياد) وممدوح صبري صيدم وخالد اليشرطي وخالد الحسن وجواد أبو الشعر وسعد جرادات وعلي أبو طوق وماجد أبو شرار وجورج شفيق عسل ومروان كيالي ومحمد حسن ابحيص وباسم سلطان التميمي وعلي ياسين وسعيد حمامي وعصام السرطاوي ومحمود الهمشري ومحمد أبو دية وعز الدين قلق ونعيم خَضِر وأبو عمر حنا ميخائيل ووائل زعيتر وبلال الأوسط وعزمي الصغيّر... وكل رفاقهم من حركة فتح وقوات العاصفة..ونتذكر معهم كل شهداء الثورة رفاقنا الأحبة رضا حداد وأحمد القرى وجمال القرى وجمال الحسامي ومازن فروخ ودلال المغربي ونِعَم فارس وحمزة الحسيني وأحمد منيمنة وعلي فليطي ومنير قانصو ورياض شبارو ومحمد شبارو وطوني النمس ونقولا عبود ولولا عبود وحمّاد حيدر ونزيه دياب ومحمود قواص وعادل وطفى وشوقي الظنط ومصطفى طبش فحيلي وسعد أرزوني وحسان شرارة وقاسم بزي وفؤاد دباجة وبشار فاعور وأبو وجيه العنداري وزهير العنداري ووجدي العنداري ونذير أوبري والمرابط خالد الشرقاوي وماري روز بولس وكمال أبو سعيد ونسيم أبو سعيد ومحمود الحسنية وسمير الشيخ ومحمد الشحيمي وعصمت مراد وخليل عكاوي ومصطفى كردية وهلال رسلان وراسم الشقيف وجعفر السلحوت وصافي شعيتاني وبديع كزما ومازن مختار وحسين الحسيني ومحمد قبلان وغسان فتح الله وحسن بدر الدين وخالد بشارة وراغب حرب ونبيل مكارم..... إليهم جميعاً أسمى آيات الحب والوفاء... "من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا"...
حركة فتح: الميلاد والمسير
يقسم الشهيدان خليل الوزير(أبو جهاد) وكمال عدوان قصة ميلاد حركة فتح إلى 3 مراحل:
1= المرحلة الأولى 1948-1956 (أي من النكبة إلى العدوان الثلاثي.. ولكن أبو جهاد يجعلها 1955 وسنرى لاحقاً لماذا) وقد تميزت بادىء الأمر بشيوع الذهول والحيرة بين صفوف الجماهير في السنوات التي تلت النكبة واللجوء..حيث حرصت الأنظمة العربية على قمع أي نشاط سياسي في المخيمات وأماكن التجمعات الفلسطينية (في دول الطوق خصوصاً).. ثم بإنخراط الشباب الفلسطيني في العمل السياسي والحزبي والعقائدي (من خلال الإخوان المسلمين والحزب القومي السوري وحزب التحرير) أو في إنتظار التحرير على يد قادة الإنقلابات العسكرية (من حسني الزعيم 1949 إلى محمد نجيب وجمال عبد الناصر 1952)..وقد شهدت هذه المرحلة غياب القيادات التقليدية والتاريخية الفلسطينية وتفكك العلاقات الإجتماعية الحاضنة للحراك السياسي بفعل التشتت واللجوء في المنافي..يضاف إلى ذلك كمية المشاكل اليومية التي اعترضت اللاجئين في حياتهم البائسة في المخيمات ومظالم الإستخبارات العربية...الأمر الذي أوجد بين جيل الشباب حالات كثيرة من البحث عن أطر تملأ الفراغ وتوحِّد الطاقات وتحمي الناس..كما أن عدداً كبيراً من الشباب أُضطر للهجرة إلى الخليج هرباً من الملاحقة أو بحثاً عن لقمة العيش..وفي تجمعات الخليج كان الشعور بالمرارة هو السائد ليتولد منه شعور بضرورة القيام بعمل ما لإنقاذ هذا الشعب من حالة البؤس واليأس..وقد شهدت تلك المرحلة ولادة عشرات التجمعات والمجموعات الصغيرة من الشبان بدأت تدرس التجارب الثورية للشعوب (وخصوصاً تجارب الصين وكوبا والجزائر وفيتنام وقد كانت في أوج إنطلاقتها الثورية) بعد أن فقدت أملها بالثوار العرب الإنقلابيين (بسبب تكاثر وتعدد الإنقلابات السورية وتصفياتها الداخلية من جهة، كما بسبب الصدام الكبير بين محمد نجيب وعبد الناصر أولاً، ثم بين الظباط الأحرار والإخوان المسلمين بعد عام 1954 ثانياً)..وليس صدفة أن تولد في تلك الأجواء نواة حركة القوميين العرب على يد شبان فلسطينيين يدرسون في بيروت..أو أن تنشط مجموعات كثيرة داخل الجيوش العربية (وجيش التحرير الفلسطيني) حملت كلها إسم جبهة تحرير فلسطين أو جبهة التحرير الفلسطينية (أبرزها مجموعات الظباط عثمان حداد وعبد اللطيف شرورو وعلي بشناق وأحمد جبريل في سوريا، وأحمد زعرور وعبد الله العجرمي وعصام السرطاوي في مصر، وصالح سرية في العراق، إضافة إلى مجموعة شفيق الحوت ومحمد الشاعر في لبنان، وإلى القوميين العرب المستقلين أحمد السعدي وبهجت أبو غربية وصبحي غوشة في الأردن والضفة الغربية)...إلا أن التجربة الأهم هي تلك التي قامت بين اللاجئين في قطاع غزة والذين كانوا على تماس مع بقايا كتائب المتطوعين من الإخوان المسلمين والظباط الأحرار بعد نكبة 1948. ويبدو أن تجربة الإخوان في حرب فلسطين استهوت عدداً من الشبان في غزة (أبرزهم خليل الوزير وياسر عرفات ومحمود عباس وصلاح خلف ومحمد العايدي ومحمد الإفرنجي) إتصلوا بالظابط الإخواني المصري عبد المنعم عبد الرؤوف (أحد قادة الظباط الأحرار والثورة المصرية وصديق الرئيس السادات ومرشده في العلاقة مع البنا والإخوان)..وقد استمرت الصلة بالإخوان حتى اندلاع الصدام العنيف بينهم وبين النظام الناصري 1954 بعد إبعاد محمد نجيب وسجن وطرد ظباط الإخوان.. ذلك أن تنظيم الضباط الأحرار كان بحسب الإخوان تنظيماً إخوانياً أساساً ، وأنه ظل إخوانياً صِرفاً حوالي خمس سنوات منذ تأسيسه عام 1946 وحتى إستقلال عبد الناصر به عام 1950 .. ومع ذلك بقي وجود الضباط الإخوان حاضراً ومؤثراً ومتميزاً وقوياً في تنظيم "الضباط الأحرار"، و بقي فيه ضباط إخوان نشطاء مثل : كمال الدين حسين ، وحسين حمودة ، وصلاح خليفة وغيرهم، بالإضافة إلى التنظيم الإخواني الجديد للضباط ، المستقل عن الضباط الأحرار، والذي كان يرأسه أبو المكارم عبد الحي وعبد المنعم عبد الرؤوف..غير أن جمال عبد الناصر ومن معه من الضباط الاحرار رأوا أن حرب فلسطين ودور الإخوان البارز فيها ودعمهم للضباط الأحرار وتنسيقهم التام معهم ومشاركتهم السراء والضراء، ينبغي أن تعيد العلاقات إلى حيويتها، إلى حد أن عبد الناصر عندما اعتقل وحقق معه إبراهيم عبد الهادي في أيار/مايو 1949 دافع عن الإخوان وعن صلته بهم واعتز بذلك على اعتبار دورهم الوطني في فلسطين..وهذا ما يؤكده حسين حمودة في مذكراته حيث يقول إنه اشترك مع عبد الناصر في تدريب الإخوان على السلاح في أعوام 1946-1948. كما يقول حمودة بأن عدد الضباط الأحرار عام 1950 كان 99 معظمهم من الإخوان باستثناء خمسة من الشيوعيين. ويؤكد حسين حمودة أن جمال عبد الناصر قال له شخصياً في 24 تموز/ يوليو 1952 إنه متصل بالمرشد العام (الهضيبي) وإنه أخذ موافقته على القيام بالثورة وإن الإخوان يقومون بحراسة مرافق البلاد الحيوية والسفارات وإنّ لهم عناصر مسلحة تحرس طريق القاهرة- السويس وطريق القاهرة- الإسماعيلية إضافة إلى منطقة قناة السويس...وقد روى أبو جهاد كيف أنه كان يتدرب على السلاح منذ العام 1949 على يد ظباط مصريين من الإخوان في قطاع غزة وأنه قام معهم بعدة عمليات عسكرية ضد الإحتلال في أعوام 1950-1954..
وبين العامين 1953 و1957 كان هناك أكثر من 50 مجموعة صغيرة في مخيمات وتجمعات اللاجئين في غزة ، لم يكن بينها أي تنسيق أو حتى إتصال، وكلها تبحث عن التشكل في هيكلية تشبه جبهة التحرير الجزائرية أو جبهة التحرير الفيتنامية (وهما انطلقا عام 1954)..
ويقرر أبو جهاد أن نقطة التحول الرئيسية كانت في 29 شباط 1955 حين انطلقت المظاهرات من ثانوية فلسطين في غزة لتشييع 38 جندياً مصرياً من كتيبة فلسطين التي كان يقودها عبد المنعم عبد الرؤوف حين وقعت دوريتهم في كمين إسرائيلي..أما كمال عدوان فيرى أن نقطة التحول جاءت مع العدوان الثلاثي على مصر(أكتوبر 1956) والإحتلال الإسرائيلي لقطاع غزة ثم الإنسحاب منه وعودته إلى الإدارة المصرية..
2=المرحلة الثانية 1956-1965 وهي بداية مسيرة حركة فتح في غزة ومصر والكويت وقطر والسعودية ومخيمات لبنان وسوريا والأردن..كان العدوان الثلاثي حافزاً على التفكير بضرورة التنظيم والقيادة الفلسطينية المستقلة عن الأنظمة العربية..وكان اتحاد طلبة فلسطين في غزة(إدارته كانت تضم 4 مدرسين و7 طلاب وكان بقيادة أبو جهاد) ورابطة فلسطين في مصر (بقيادة عرفات)، ومجلتهما المشتركة (فلسطين) الصادرة في القاهرة، المحضن لولادة حركة فتح، خصوصاً بعد انتقال أبو جهاد للدراسة في القاهرة واللقاء بياسرعرفات وسليم الزعنون ومحمودعباس وصلاح خلف وفاروق القدومي.. ومن القاهرة توزع الرفاق للعمل ما بين السعودية والكويت وقطر..كما كان هايل عبدالحميد وخالد وهاني الحسن ينشطون بين الطلاب في ألمانيا وأوروبا..فكانت ولادة فتح بين عامي 1957-1958 ،وهو نفس عام ولادة حزب الدعوة العراقي؛ فهل هي صدفة؟ أعتقد أن أحداث العام 1958 من قيام الوحدة المصرية-السورية وتصاعد الثورة الجزائرية ثم إنقلاب عبد الكريم قاسم في العراق والثورة في لبنان، هي التي تفسر مفصلية هذا التاريخ بالنسبة للحراك الوطني التحرري.. وفي شباط 1959 صدرت مجلة (فلسطيننا) في بيروت وقد رعاها وشارك فيها عدد من أبناء العائلات البيروتية المعروفة (حوري، بلعة، شاتيلا، فاخوري، آغا، سلام)..وقد هدفت حركة فتح بانطلاقتها التنظيمية إلى "تحريك الوجود الفلسطيني وبعث الشخصية الفلسطينية محلياً ودولياً من خلال المقاتل الفلسطيني الصلب العنيد القادر على تحطيم أسطورة المناعة الإسرائيلية" (كمال عدوان)..وهي كانت "ضد الحزبية بمفهوم التعصب الحزبي على حساب الولاء لفلسطين..نحن قبل كل شيء فلسطينيون، والولاء لفلسطين فوق كل الخلافات العربية وفوق كل الصراعات الحزبية..وشعارنا أن فلسطين هي طريق الوحدة العربية في حين كان الشعار السائد في ذلك الوقت أن الوحدة هي السبيل لتحرير فلسطين" (أبو جهاد)...ثم جاء إنفصال الوحدة بين مصر وسوريا (28 أيلول 1961) ثم انتصار الثورة الجزائرية (5 تموز 1962) ليصبا في صالح الموقف الفتحاوي "الفلسطيني" القائم على الإعتماد على الذات أولاً وعلى تجميع وحشد كل الطاقات في سبيل التحرير ثانياً..ومن هنا جاءت المادة 2 من مبادىء النظام الأساسي لحركة فتح تقول إن "الشعب الفلسطيني هو صاحب الحق الطبيعي والشرعي في فلسطين وهو ذو شخصية مستقلة ويملك وحده حق تقرير مصيره واستلام زمام قضيته دون وصاية أو تبعية أو توجيه ، وله السيادة المطلقة على جميع أراضيه"..وفي المادة 10 إن "حركة فتح حركة وطنية ثورية مستقلة وهي تمثل الطليعة الثورية للشعب الفلسطيني"..وفي المادتين 26 و27 : "عدم الزج بالقضية الفلسطينية في الخلافات العربية والدولية واعتبار القضية فوق أي خلاف".."حركة فتح لا تتدخل في الشؤون المحلية للدول العربية ولا تسمح لأحد بالتدخل في شؤونها.".. ولكن هذه الوطنية الفلسطينية لم تمنع منذ البدايات الأولى نشوء "مزاج" (تحوّل لاحقاً إلى تيار) كان يرى في الثورة الفلسطينية "رأس الحربة للثورة العربية الشاملة"..وهو كان يدعو فتح إلى "إستقطاب الجماهير الفلسطينية ومن خلفها كل الجماهير العربية في طريق الثورة المسلحة وحرب الشعب طويلة الأمد".. هذا التحليل الحماسي كان في أساس وجود التيار القومي- اليساري داخل فتح على مر الأزمنة والتقلبات التي عرفتها..
3= المرحلة الثالثة 1965-1971 وهي مرحلة إنطلاق الكفاح المسلح وحرب الشعب الفلسطينية. لم يكن قرار البدء بالعمل المسلح تحت إسم قوات العاصفة قراراً سهلاً في ظل ظروف عربية ودولية معادية..وباعتقادي أن ما عجل في اتخاذ القرار ليس مشروع تحويل نهر الأردن كما قيل ويقال ..لعل المشروع الإسرائيلي كان حافزاً لعقد القمة العربية وإنشاء منظمة التحرير الفلسطينية..أما من جانب فتح فإن العلاقة مع الصين وكوريا وفيتنام من جهة ومع الجزائر الحديثة الإستقلال من جهة ثانية، سمحت بإنشاء مكاتب والبدء بالتدريب والحشد والتسليح..وجاء التورط المصري في اليمن والصراع المصري-السعودي من جهة، ودخول سوريا حقبة حكم البعث وإنقلاباته ومزايداته من جهة أخرى، ليطرحا على فتح ضرورة المبادرة والتحرك لإطلاق المارد الفلسطيني من قمقمه..ولعل البعض داخل فتح كان يحمل شعار "التوريط" أي أن تؤدي عمليات فتح (على محدوديتها) إلى ردود فعل عسكرية إسرائيلية تجر الجيوش العربية إلى مواجهة شاملة مع إسرائيل ما يحقق آمال الفلسطينيين..ولكن لا يبدو أن كل حركة فتح (أو قياداتها الرئيسةعلى الأقل) كانت في جو هكذا عقل مؤامراتي (لعله كان موجوداً عند خالد الحسن القادم من حزب التحرير وشقيقه هاني القادم من حركة القوميين العرب..ولكنه بالتأكيد لم يكن موجوداً عند ياسرعرفات وخليل الوزير ومحمود عباس وصلاح خلف القادمين من تجربة إخوانية ثم عسكرية في غزة وطلابية في القاهرة، ومن علاقة بالمصريين ثم بالجزائريين والصينيين).. وقد قوبلت الحركة بحملات تشكيك واتهام من قبل الأنظمة العربية (سوريا بالأخص) ومن الأحزاب القائمة (الشيوعيون والقوميون العرب والبعثيون وقد رأوا في فتح منافساً وغريماً قد يكتسح قواعدهم الفلسطينية وهي أهم وأشرس قواعد حزبية عربية)..أما القوميين السوريين الذين انتهوا في سوريا منذ اغتيال عدنان المالكي، وكانوا يقبعون في السجون اللبنانية بعد محاولة الإنقلاب الفاشلة على الرئيس شهاب؛ فقد كانت فتح نافذة أمل لتجديد شبابهم. هذا في حين لم يغفر "الإخوان المسلمون" لقادة فتح خروجهم عليهم في غزة، ولا مبادرتهم إلى حمل راية فلسطين التي كان من المفترض أن يحملها الإخوان..ولم يستطع الإخوان العودة إلى طريق فلسطين قبل أواخر العام 1987 وتشكيل حركة حماس بعد أن سبقهم تنظيم الجهاد الإسلامي (الشهيد الدكتور فتحي الشقاقي) في إطلاق المقاومة الإسلامية منذ العام 1980 ..
منذ البداية ووجهت فتح بحملات مطاردة واعتقال واغتيال ما بين الأردن وسوريا، وحتى لبنان (الشهيد جلال كعوش).. كما شهدت الساحة الفلسطينية إغراقاً بالتنظيمات التي تصدر البلاغات العسكرية عن عمليات وهمية وذلك بقصد سرقة الوهج والمبادرة من فتح...وابتدأت حركة القوميين العرب تلملم كوادرها وقواعدها (ما بين فلسطين والأردن والمخيمات) الذين كانت أنهكتهم وشردتهم المطاردات، ولكن أيضاً المناظرات والإنشقاقات..لكن حركة فتح رفعت يومها شعار "اللقاء فوق أرض المعركة" ؛ لا بل أنها دخلت في عمليات إندماج مع جبهة التحرير الفلسطينية ومع حزب البعث السوري، لتخرج منها، بعد محاولات إنقلاب عليها وتصفية لقادتها، أكثر تصميماً على حفظ إستقلالية القرار الوطني الفلسطيني والمبادرة الثورية الكفاحية..وانتهى الفصل الأول من هذه المرحلة بنكسة الخامس من حزيران 1967.. وقد كانت حركة فتح أسرع القوى في تجميع صفوفها لأنها لم تكن أسيرة الإرتباط بالأنظمة المهزومة في الحرب أو بالمعادلات الدولية والإقليمية القائمة..ولذا فقد كانت فتح الوحيدة التي لم تصبها النكسة بإرتباك أو بإنهيار (كما حدث للقوميين العرب والبعثيين والشيوعيين)..لا بل أن حركة فتح رأت في النكسة فرصة ممتازة للعمل الفلسطيني المستقل ، وقد "اختفت قدرة القمع العربية ونشأ واقع جديد وعادت القضية إلى صورتها الحقيقية: صراع فلسطيني-إسرائيلي" (فتح: دراسات ثورية- ص 85، والإقتباس هو من حديث للشهيد كمال عدوان)..كما أن كوادر فتح الموجودين في سوريا كانوا قد شاركوا في القتال في الجولان، بقيادة عرفات والوزير، وانضم إليهم عشرات ومئات قدموا من دول الخليج بقيادة صلاح خلف ومحمود عباس..وفي دمشق عقدت قيادة فتح إجتماعها التاريخي في 12 و13 حزيران والذي طرح فيه أبو عمار وأبو جهاد "الإنتقال إلى الأرض المحتلة وإعادة تاسيس الكفاح المسلح".وقد طرح كوادر وقادة فتح في الأردن نفس الموقف (بقيادة أبو ماهرعبد الفتاح غنيم).. وهكذا سارع أبو عمار إلى الإنتقال إلى الضفة الغربية (منطقة القدس ثم الخليل) ليعيد تنظيم الشباب وربطهم بالقيادة وتأمين لوجستيات العمل المسلح..وبعد عودته إنعقد مؤتمر فتح التاريخي في منزل خليل الوزير في دمشق أوائل تموز وكانت مصر قد قررت إعادة بدء القتال على إمتداد قناة السويس..فرأى قادة فتح أن الفرصة سانحة للدعوة لبقاء الناس في أرضهم وللإعداد للمقاومة الفلسطينية المسلحة..وبعد زيارات متكررة قام بها عرفات إلى داخل الأرض المحتلة وإلى الأردن وسوريا ولبنان قررت القيادة "رفع وتيرة التدريب والتسليح وإرسال موجات الثقة والأمل إلى الداخل والبدء بإنشاء قواعد إرتكاز أمنية في الأرض المحتلة والإنتقال لاحقاً إلى حرب تحرير شعبية" (خليل الوزير)..ومطلع آب عاد عرفات إلى الضفة على رأس 30 مقاتلاً وأنشأ مركز قيادته في نابلس لُيعلن الإنطلاقة الثانية للكفاح الفلسطيني المسلح في28 آب 1967..
وهنا دخلت الثورة مرحلة بناء القواعد تحت الإحتلال لإعلان المقاومة المسلحة وتأجيج المقاومة المدنية الشعبية التي شهدت تصاعداً كبيراً خلال عامي 1967 و1968..وبعد أن أرسيت الدعائم الأولى لهذا الإتجاه كان من الضروري للثورة أن تعمل باتجاه مواز خارج الأرض المحتلة "لتنتقل من قاعدة الحماية في سوريا إلى قاعدة الإرتكاز في الضفة الشرقية-الأردن حيث المناعة الطبيعية والجماهير المؤيدة لنا وقوانا المسلحة الكافية للدفاع والمواجهة" (كمال عدوان). وباعتقادي أن ما عجّل في إتخاذ قرار الانتقال من الإعتماد على سوريا وبناء قوة قي الأردن هو التطورات الدراماتيكية في الصراع على السلطة في سوريا بعد حرب حزيران وخصوصاً بعد ضرب جناح الجنرال سويداني القريب من فتح..وهكذا وجدت فتح نفسها في الأردن أسيرة وضع معقّد مركّب لا تملك السيطرة عليه بعكس ما توقعت أو أملت.. وجاءت معركة الكرامة الخالدة (21 آذار 1968) لتجعل من فتح مارداً جماهيرياً ولتتدفق عليها أمواجالمتطوعين من كل مكان..وانتعشت بقية التنظيمات أيضاً وبعضها أطلق كفاحه المسلح الخاص..وقد نجحت فتح ، وبدعم مصري-سوري في السيطرة على منظمة التحرير الفلسطينية (1969) ولتنتقل غلى مستوى أعلى من التحشيد والمواجهة على إمتداد الحدود الأردنية مع فلسطين..وقد واجهت فتح أول هجوم "أردني" على قواعد الإرتكاز في مخيم الكرامة في 10 شباط 1968، ثم في 4 تشرين الثاني في عمان..ثم تكررت الصدامات طوال عامي 1969-1970 وصولاً إلى صدام حزيران/يونيو 1970 الذي مهّد لحرب أيلول السبعين..حدث ذلك بفعل إنشقاق الساحة العربية والأردنية-الفلسطينية من حول عبد الناصر (وليس الملك حسين) بفعل مشروع روجرز الذي وافق عليه عبد الناصر تكتيكياً من أجل إعادة بناء قواته التي دمرها عدوان حزيران 67..انقلبت موازين القوى التي راهنت فتح عليها (وبعضها كان يرتبط بالظباط الأحرار والناصريين داخل الجيش الأردني، وبعضها الآخر بالدعم السوري والعراقي) واختلت حالة التوازن التي حكمت العلاقة بين الثورة الفلسطينية والنظام الأردني..فكان لا بد من مراجعة الحسابات ووضع خطة بديلة وتحديد أهداف مباشرة..وكل ذلك كان يحتاج إلى وقت وإلى وحدة موقف لعادة ترتيب الأمور..لكن النظام الأرجني اندفع في تفجير الحرب مدعوماً بموقف غلاة اليسار الذين رفعوا شعارات إسقاط النظام وانتقال "كل السلطة لسوفياتات العمال والفلاحين والجنود الثوريين" (شعار للجبهة الديمقراطية) وتحويل عمان إلى هانوي العرب (مطار الجبهة الشعبية)..وفاة الرئيس عبد الناصر (28 أيلول 1970)، وانقلاب الرئيس حافظ الاسد (بدأ في أيلول وانتهى يوم 16 تشرين الثاني 1970)، وانسحاب القوات العراقية المفاجىء، والموقف السوفياتي المتفرج والشامت، كل ذلك "حال دون إستثمار أي عامل زمني وجعل المبارزة تتم ضمن ظروف ومعادلة قوى ما بعد مشروع روجرز" (كمال عدوان)..وباعتقادي أن السوفيات وسوريا والعراق لم يريدوا تغيير المعادلة في الأردن المحسوب كموقع أميركي-بريطاني أساسي؛ في حين أن موقفهم تغّير في لبنان الساحة المفتوحة!!
وهكذا خرجت فتح والثورة مهزومة من الأردن بعد معارك جرش وعجلون (تموز 1971) ..
خاتمة: بيروت يا بيروت
لم يكتب أبو جهاد وكمال عدوان عن المراحل التالية لأنهما كانا يتحدثان عن مراحل الولادة وليس التأريخ لمسيرة فتح والثورة الفلسطينية..ولكن ما يمكن إضافته هنا أن مراجعة تجربة الأردن أسست لتيارات عديدة داخل فتح..ففي بيروت ودمشق وبغداد والقاهرة، وفي كل عواصم الشتات والترحال، انشغل الفلسطينيون بالنقاشات الحارة وبالبحث عن مخارج من الأزمة التي عصفت بهم بعد الرحيل من الأردن..وكان لبيروت أن تتحول في تلك السنوات (1971-1975) ليس فقط إلى مركز ثقل حركة فتح من جهة، وإنما أيضاً وخصوصاً إلى عاصمة للحرية وللثقافة وللإبداع الثوري وإلى ملجأ لكل الأحرار والثوار العرب من جهة أخرى..تجربة بيروت هذه (التي خلّدها شاعر فلسطين والعرب محمود درويش) أنتجت أعظم مشاركة ثورية كفاحية وأعظم تلاحم إنساني بين شعبين وقضيتين..كما أنتجت أعمق الأفكار والمبادرات والممارسات التي أضاءت ظلام الوضع العربي..ويكفي أن فتح كانت هي الحضن والملجأ، وهي الأم والأب، وهي البداية والنهاية، في كل تلك التجربة التاريخية الرائعة..
في الفاتح من يناير/كانون الثاني من كل عام تتفتح أزاهير الشوق إلى فلسطين وإلى تراب أضرحة شهدائها المنثورين في شتات الغربة على إمتداد مساحات القهر والظلم في هذا العالم.. نتذكر ثورة البراق 1929 والثلاثاء الأسود وشهدائه: عطا الزير ومحمد جمجوم وفؤاد حجازي.. نتذكر الشيخ عزالدين القسام وأبو إبراهيم الكبير وفرحان السعدي، نتذكر ثورة 1936 والحاج المفتي محمد أمين الحسيني.. نتذكر كتائب الإخوان المسلمين والظباط الأحرار في حرب 1948.. "...
نتذكر جورج حبش ووديع حداد وأبو ماهر اليماني وغسان كنفاني وأبو علي مصطفى وغيفارا غزةوباسل كبيسي، ونتذكر أبو عدنان عبد الكريم حمد والحاج سامي أبو الغوش وخالد نزال وعمر القاسم ونايف حواتمه.. نتذكر محسن إبراهيم ومحمد كشلي ومحمد الزيات ونبيل هوشر وسيمون وكل رفاق حركة القوميين العرب، نتذكر أنطون سعادة وإنعام رعد وعبد الله سعادة وفؤاد الشمالي وبشير عبيد وكمال خيربك، نتذكر فؤاد الشمالي وفرج الله الحلو ويوسف إبراهيم يزبك ونقولا الشاوي ومصطفى العريس وأرتين مادويان وجورج حاوي وحسين مروة وحسن حمدان وسمير قصير..نتذكر شيوعيي العراق وعصبة مكافحة الصهيونية: يوسف سلمان (فهد) وزكي محمد بسيم (حازم) ومحمد حسين الشبيبي (صارم) ويهودا إفرايم صديق (ماجد) ، ومعهم نتذكر كل أحزاب وهيئات ومبادرات المواجهة مع الإستعمار والإحتلال والتجزئة...
نتذكر مدرسة فلسطين الثانوية في غزة التي انطلقت منها انتفاضة 29 شباط 1955 المجيدة.. نتذكر رابطة فلسطين في القاهرة وإتحاد طلاب فلسطين في غزة، وهما مهد الإنطلاقة الفتحاوية المباركة.. نتذكر مجلة فلسطيننا في بيروت وهي كانت شرارة الفتح؛ ونتذكر الحركة اللبنانية المساندة وكبار رجالاتها ورجالات جماعة عباد الرحمن .. ثم تعود بنا الذكرى والذاكرة إلى جيل المؤسسين قادة الكفاح الثوري ومفجّري أعظم ثورة في التاريخ المعاصر: ياسرعرفات وخليل الوزير وصلاح خلف وكمال عدوان ومحمد يوسف النجار وهايل عبد الحميد وصخر حبش وسعد صايل وأحمد موسى سلامة وعبد الفتاح عيسى محمود ووليد أحمد نمر (أبو علي أياد) وممدوح صبري صيدم وخالد اليشرطي وخالد الحسن وجواد أبو الشعر وسعد جرادات وعلي أبو طوق وماجد أبو شرار وجورج شفيق عسل ومروان كيالي ومحمد حسن ابحيص وباسم سلطان التميمي وعلي ياسين وسعيد حمامي وعصام السرطاوي ومحمود الهمشري ومحمد أبو دية وعز الدين قلق ونعيم خَضِر وأبو عمر حنا ميخائيل ووائل زعيتر وبلال الأوسط وعزمي الصغيّر... وكل رفاقهم من حركة فتح وقوات العاصفة..ونتذكر معهم كل شهداء الثورة رفاقنا الأحبة رضا حداد وأحمد القرى وجمال القرى وجمال الحسامي ومازن فروخ ودلال المغربي ونِعَم فارس وحمزة الحسيني وأحمد منيمنة وعلي فليطي ومنير قانصو ورياض شبارو ومحمد شبارو وطوني النمس ونقولا عبود ولولا عبود وحمّاد حيدر ونزيه دياب ومحمود قواص وعادل وطفى وشوقي الظنط ومصطفى طبش فحيلي وسعد أرزوني وحسان شرارة وقاسم بزي وفؤاد دباجة وبشار فاعور وأبو وجيه العنداري وزهير العنداري ووجدي العنداري ونذير أوبري والمرابط خالد الشرقاوي وماري روز بولس وكمال أبو سعيد ونسيم أبو سعيد ومحمود الحسنية وسمير الشيخ ومحمد الشحيمي وعصمت مراد وخليل عكاوي ومصطفى كردية وهلال رسلان وراسم الشقيف وجعفر السلحوت وصافي شعيتاني وبديع كزما ومازن مختار وحسين الحسيني ومحمد قبلان وغسان فتح الله وحسن بدر الدين وخالد بشارة وراغب حرب ونبيل مكارم..... إليهم جميعاً أسمى آيات الحب والوفاء... "من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا"...
حركة فتح: الميلاد والمسير
يقسم الشهيدان خليل الوزير(أبو جهاد) وكمال عدوان قصة ميلاد حركة فتح إلى 3 مراحل:
1= المرحلة الأولى 1948-1956 (أي من النكبة إلى العدوان الثلاثي.. ولكن أبو جهاد يجعلها 1955 وسنرى لاحقاً لماذا) وقد تميزت بادىء الأمر بشيوع الذهول والحيرة بين صفوف الجماهير في السنوات التي تلت النكبة واللجوء..حيث حرصت الأنظمة العربية على قمع أي نشاط سياسي في المخيمات وأماكن التجمعات الفلسطينية (في دول الطوق خصوصاً).. ثم بإنخراط الشباب الفلسطيني في العمل السياسي والحزبي والعقائدي (من خلال الإخوان المسلمين والحزب القومي السوري وحزب التحرير) أو في إنتظار التحرير على يد قادة الإنقلابات العسكرية (من حسني الزعيم 1949 إلى محمد نجيب وجمال عبد الناصر 1952)..وقد شهدت هذه المرحلة غياب القيادات التقليدية والتاريخية الفلسطينية وتفكك العلاقات الإجتماعية الحاضنة للحراك السياسي بفعل التشتت واللجوء في المنافي..يضاف إلى ذلك كمية المشاكل اليومية التي اعترضت اللاجئين في حياتهم البائسة في المخيمات ومظالم الإستخبارات العربية...الأمر الذي أوجد بين جيل الشباب حالات كثيرة من البحث عن أطر تملأ الفراغ وتوحِّد الطاقات وتحمي الناس..كما أن عدداً كبيراً من الشباب أُضطر للهجرة إلى الخليج هرباً من الملاحقة أو بحثاً عن لقمة العيش..وفي تجمعات الخليج كان الشعور بالمرارة هو السائد ليتولد منه شعور بضرورة القيام بعمل ما لإنقاذ هذا الشعب من حالة البؤس واليأس..وقد شهدت تلك المرحلة ولادة عشرات التجمعات والمجموعات الصغيرة من الشبان بدأت تدرس التجارب الثورية للشعوب (وخصوصاً تجارب الصين وكوبا والجزائر وفيتنام وقد كانت في أوج إنطلاقتها الثورية) بعد أن فقدت أملها بالثوار العرب الإنقلابيين (بسبب تكاثر وتعدد الإنقلابات السورية وتصفياتها الداخلية من جهة، كما بسبب الصدام الكبير بين محمد نجيب وعبد الناصر أولاً، ثم بين الظباط الأحرار والإخوان المسلمين بعد عام 1954 ثانياً)..وليس صدفة أن تولد في تلك الأجواء نواة حركة القوميين العرب على يد شبان فلسطينيين يدرسون في بيروت..أو أن تنشط مجموعات كثيرة داخل الجيوش العربية (وجيش التحرير الفلسطيني) حملت كلها إسم جبهة تحرير فلسطين أو جبهة التحرير الفلسطينية (أبرزها مجموعات الظباط عثمان حداد وعبد اللطيف شرورو وعلي بشناق وأحمد جبريل في سوريا، وأحمد زعرور وعبد الله العجرمي وعصام السرطاوي في مصر، وصالح سرية في العراق، إضافة إلى مجموعة شفيق الحوت ومحمد الشاعر في لبنان، وإلى القوميين العرب المستقلين أحمد السعدي وبهجت أبو غربية وصبحي غوشة في الأردن والضفة الغربية)...إلا أن التجربة الأهم هي تلك التي قامت بين اللاجئين في قطاع غزة والذين كانوا على تماس مع بقايا كتائب المتطوعين من الإخوان المسلمين والظباط الأحرار بعد نكبة 1948. ويبدو أن تجربة الإخوان في حرب فلسطين استهوت عدداً من الشبان في غزة (أبرزهم خليل الوزير وياسر عرفات ومحمود عباس وصلاح خلف ومحمد العايدي ومحمد الإفرنجي) إتصلوا بالظابط الإخواني المصري عبد المنعم عبد الرؤوف (أحد قادة الظباط الأحرار والثورة المصرية وصديق الرئيس السادات ومرشده في العلاقة مع البنا والإخوان)..وقد استمرت الصلة بالإخوان حتى اندلاع الصدام العنيف بينهم وبين النظام الناصري 1954 بعد إبعاد محمد نجيب وسجن وطرد ظباط الإخوان.. ذلك أن تنظيم الضباط الأحرار كان بحسب الإخوان تنظيماً إخوانياً أساساً ، وأنه ظل إخوانياً صِرفاً حوالي خمس سنوات منذ تأسيسه عام 1946 وحتى إستقلال عبد الناصر به عام 1950 .. ومع ذلك بقي وجود الضباط الإخوان حاضراً ومؤثراً ومتميزاً وقوياً في تنظيم "الضباط الأحرار"، و بقي فيه ضباط إخوان نشطاء مثل : كمال الدين حسين ، وحسين حمودة ، وصلاح خليفة وغيرهم، بالإضافة إلى التنظيم الإخواني الجديد للضباط ، المستقل عن الضباط الأحرار، والذي كان يرأسه أبو المكارم عبد الحي وعبد المنعم عبد الرؤوف..غير أن جمال عبد الناصر ومن معه من الضباط الاحرار رأوا أن حرب فلسطين ودور الإخوان البارز فيها ودعمهم للضباط الأحرار وتنسيقهم التام معهم ومشاركتهم السراء والضراء، ينبغي أن تعيد العلاقات إلى حيويتها، إلى حد أن عبد الناصر عندما اعتقل وحقق معه إبراهيم عبد الهادي في أيار/مايو 1949 دافع عن الإخوان وعن صلته بهم واعتز بذلك على اعتبار دورهم الوطني في فلسطين..وهذا ما يؤكده حسين حمودة في مذكراته حيث يقول إنه اشترك مع عبد الناصر في تدريب الإخوان على السلاح في أعوام 1946-1948. كما يقول حمودة بأن عدد الضباط الأحرار عام 1950 كان 99 معظمهم من الإخوان باستثناء خمسة من الشيوعيين. ويؤكد حسين حمودة أن جمال عبد الناصر قال له شخصياً في 24 تموز/ يوليو 1952 إنه متصل بالمرشد العام (الهضيبي) وإنه أخذ موافقته على القيام بالثورة وإن الإخوان يقومون بحراسة مرافق البلاد الحيوية والسفارات وإنّ لهم عناصر مسلحة تحرس طريق القاهرة- السويس وطريق القاهرة- الإسماعيلية إضافة إلى منطقة قناة السويس...وقد روى أبو جهاد كيف أنه كان يتدرب على السلاح منذ العام 1949 على يد ظباط مصريين من الإخوان في قطاع غزة وأنه قام معهم بعدة عمليات عسكرية ضد الإحتلال في أعوام 1950-1954..
وبين العامين 1953 و1957 كان هناك أكثر من 50 مجموعة صغيرة في مخيمات وتجمعات اللاجئين في غزة ، لم يكن بينها أي تنسيق أو حتى إتصال، وكلها تبحث عن التشكل في هيكلية تشبه جبهة التحرير الجزائرية أو جبهة التحرير الفيتنامية (وهما انطلقا عام 1954)..
ويقرر أبو جهاد أن نقطة التحول الرئيسية كانت في 29 شباط 1955 حين انطلقت المظاهرات من ثانوية فلسطين في غزة لتشييع 38 جندياً مصرياً من كتيبة فلسطين التي كان يقودها عبد المنعم عبد الرؤوف حين وقعت دوريتهم في كمين إسرائيلي..أما كمال عدوان فيرى أن نقطة التحول جاءت مع العدوان الثلاثي على مصر(أكتوبر 1956) والإحتلال الإسرائيلي لقطاع غزة ثم الإنسحاب منه وعودته إلى الإدارة المصرية..
2=المرحلة الثانية 1956-1965 وهي بداية مسيرة حركة فتح في غزة ومصر والكويت وقطر والسعودية ومخيمات لبنان وسوريا والأردن..كان العدوان الثلاثي حافزاً على التفكير بضرورة التنظيم والقيادة الفلسطينية المستقلة عن الأنظمة العربية..وكان اتحاد طلبة فلسطين في غزة(إدارته كانت تضم 4 مدرسين و7 طلاب وكان بقيادة أبو جهاد) ورابطة فلسطين في مصر (بقيادة عرفات)، ومجلتهما المشتركة (فلسطين) الصادرة في القاهرة، المحضن لولادة حركة فتح، خصوصاً بعد انتقال أبو جهاد للدراسة في القاهرة واللقاء بياسرعرفات وسليم الزعنون ومحمودعباس وصلاح خلف وفاروق القدومي.. ومن القاهرة توزع الرفاق للعمل ما بين السعودية والكويت وقطر..كما كان هايل عبدالحميد وخالد وهاني الحسن ينشطون بين الطلاب في ألمانيا وأوروبا..فكانت ولادة فتح بين عامي 1957-1958 ،وهو نفس عام ولادة حزب الدعوة العراقي؛ فهل هي صدفة؟ أعتقد أن أحداث العام 1958 من قيام الوحدة المصرية-السورية وتصاعد الثورة الجزائرية ثم إنقلاب عبد الكريم قاسم في العراق والثورة في لبنان، هي التي تفسر مفصلية هذا التاريخ بالنسبة للحراك الوطني التحرري.. وفي شباط 1959 صدرت مجلة (فلسطيننا) في بيروت وقد رعاها وشارك فيها عدد من أبناء العائلات البيروتية المعروفة (حوري، بلعة، شاتيلا، فاخوري، آغا، سلام)..وقد هدفت حركة فتح بانطلاقتها التنظيمية إلى "تحريك الوجود الفلسطيني وبعث الشخصية الفلسطينية محلياً ودولياً من خلال المقاتل الفلسطيني الصلب العنيد القادر على تحطيم أسطورة المناعة الإسرائيلية" (كمال عدوان)..وهي كانت "ضد الحزبية بمفهوم التعصب الحزبي على حساب الولاء لفلسطين..نحن قبل كل شيء فلسطينيون، والولاء لفلسطين فوق كل الخلافات العربية وفوق كل الصراعات الحزبية..وشعارنا أن فلسطين هي طريق الوحدة العربية في حين كان الشعار السائد في ذلك الوقت أن الوحدة هي السبيل لتحرير فلسطين" (أبو جهاد)...ثم جاء إنفصال الوحدة بين مصر وسوريا (28 أيلول 1961) ثم انتصار الثورة الجزائرية (5 تموز 1962) ليصبا في صالح الموقف الفتحاوي "الفلسطيني" القائم على الإعتماد على الذات أولاً وعلى تجميع وحشد كل الطاقات في سبيل التحرير ثانياً..ومن هنا جاءت المادة 2 من مبادىء النظام الأساسي لحركة فتح تقول إن "الشعب الفلسطيني هو صاحب الحق الطبيعي والشرعي في فلسطين وهو ذو شخصية مستقلة ويملك وحده حق تقرير مصيره واستلام زمام قضيته دون وصاية أو تبعية أو توجيه ، وله السيادة المطلقة على جميع أراضيه"..وفي المادة 10 إن "حركة فتح حركة وطنية ثورية مستقلة وهي تمثل الطليعة الثورية للشعب الفلسطيني"..وفي المادتين 26 و27 : "عدم الزج بالقضية الفلسطينية في الخلافات العربية والدولية واعتبار القضية فوق أي خلاف".."حركة فتح لا تتدخل في الشؤون المحلية للدول العربية ولا تسمح لأحد بالتدخل في شؤونها.".. ولكن هذه الوطنية الفلسطينية لم تمنع منذ البدايات الأولى نشوء "مزاج" (تحوّل لاحقاً إلى تيار) كان يرى في الثورة الفلسطينية "رأس الحربة للثورة العربية الشاملة"..وهو كان يدعو فتح إلى "إستقطاب الجماهير الفلسطينية ومن خلفها كل الجماهير العربية في طريق الثورة المسلحة وحرب الشعب طويلة الأمد".. هذا التحليل الحماسي كان في أساس وجود التيار القومي- اليساري داخل فتح على مر الأزمنة والتقلبات التي عرفتها..
3= المرحلة الثالثة 1965-1971 وهي مرحلة إنطلاق الكفاح المسلح وحرب الشعب الفلسطينية. لم يكن قرار البدء بالعمل المسلح تحت إسم قوات العاصفة قراراً سهلاً في ظل ظروف عربية ودولية معادية..وباعتقادي أن ما عجل في اتخاذ القرار ليس مشروع تحويل نهر الأردن كما قيل ويقال ..لعل المشروع الإسرائيلي كان حافزاً لعقد القمة العربية وإنشاء منظمة التحرير الفلسطينية..أما من جانب فتح فإن العلاقة مع الصين وكوريا وفيتنام من جهة ومع الجزائر الحديثة الإستقلال من جهة ثانية، سمحت بإنشاء مكاتب والبدء بالتدريب والحشد والتسليح..وجاء التورط المصري في اليمن والصراع المصري-السعودي من جهة، ودخول سوريا حقبة حكم البعث وإنقلاباته ومزايداته من جهة أخرى، ليطرحا على فتح ضرورة المبادرة والتحرك لإطلاق المارد الفلسطيني من قمقمه..ولعل البعض داخل فتح كان يحمل شعار "التوريط" أي أن تؤدي عمليات فتح (على محدوديتها) إلى ردود فعل عسكرية إسرائيلية تجر الجيوش العربية إلى مواجهة شاملة مع إسرائيل ما يحقق آمال الفلسطينيين..ولكن لا يبدو أن كل حركة فتح (أو قياداتها الرئيسةعلى الأقل) كانت في جو هكذا عقل مؤامراتي (لعله كان موجوداً عند خالد الحسن القادم من حزب التحرير وشقيقه هاني القادم من حركة القوميين العرب..ولكنه بالتأكيد لم يكن موجوداً عند ياسرعرفات وخليل الوزير ومحمود عباس وصلاح خلف القادمين من تجربة إخوانية ثم عسكرية في غزة وطلابية في القاهرة، ومن علاقة بالمصريين ثم بالجزائريين والصينيين).. وقد قوبلت الحركة بحملات تشكيك واتهام من قبل الأنظمة العربية (سوريا بالأخص) ومن الأحزاب القائمة (الشيوعيون والقوميون العرب والبعثيون وقد رأوا في فتح منافساً وغريماً قد يكتسح قواعدهم الفلسطينية وهي أهم وأشرس قواعد حزبية عربية)..أما القوميين السوريين الذين انتهوا في سوريا منذ اغتيال عدنان المالكي، وكانوا يقبعون في السجون اللبنانية بعد محاولة الإنقلاب الفاشلة على الرئيس شهاب؛ فقد كانت فتح نافذة أمل لتجديد شبابهم. هذا في حين لم يغفر "الإخوان المسلمون" لقادة فتح خروجهم عليهم في غزة، ولا مبادرتهم إلى حمل راية فلسطين التي كان من المفترض أن يحملها الإخوان..ولم يستطع الإخوان العودة إلى طريق فلسطين قبل أواخر العام 1987 وتشكيل حركة حماس بعد أن سبقهم تنظيم الجهاد الإسلامي (الشهيد الدكتور فتحي الشقاقي) في إطلاق المقاومة الإسلامية منذ العام 1980 ..
منذ البداية ووجهت فتح بحملات مطاردة واعتقال واغتيال ما بين الأردن وسوريا، وحتى لبنان (الشهيد جلال كعوش).. كما شهدت الساحة الفلسطينية إغراقاً بالتنظيمات التي تصدر البلاغات العسكرية عن عمليات وهمية وذلك بقصد سرقة الوهج والمبادرة من فتح...وابتدأت حركة القوميين العرب تلملم كوادرها وقواعدها (ما بين فلسطين والأردن والمخيمات) الذين كانت أنهكتهم وشردتهم المطاردات، ولكن أيضاً المناظرات والإنشقاقات..لكن حركة فتح رفعت يومها شعار "اللقاء فوق أرض المعركة" ؛ لا بل أنها دخلت في عمليات إندماج مع جبهة التحرير الفلسطينية ومع حزب البعث السوري، لتخرج منها، بعد محاولات إنقلاب عليها وتصفية لقادتها، أكثر تصميماً على حفظ إستقلالية القرار الوطني الفلسطيني والمبادرة الثورية الكفاحية..وانتهى الفصل الأول من هذه المرحلة بنكسة الخامس من حزيران 1967.. وقد كانت حركة فتح أسرع القوى في تجميع صفوفها لأنها لم تكن أسيرة الإرتباط بالأنظمة المهزومة في الحرب أو بالمعادلات الدولية والإقليمية القائمة..ولذا فقد كانت فتح الوحيدة التي لم تصبها النكسة بإرتباك أو بإنهيار (كما حدث للقوميين العرب والبعثيين والشيوعيين)..لا بل أن حركة فتح رأت في النكسة فرصة ممتازة للعمل الفلسطيني المستقل ، وقد "اختفت قدرة القمع العربية ونشأ واقع جديد وعادت القضية إلى صورتها الحقيقية: صراع فلسطيني-إسرائيلي" (فتح: دراسات ثورية- ص 85، والإقتباس هو من حديث للشهيد كمال عدوان)..كما أن كوادر فتح الموجودين في سوريا كانوا قد شاركوا في القتال في الجولان، بقيادة عرفات والوزير، وانضم إليهم عشرات ومئات قدموا من دول الخليج بقيادة صلاح خلف ومحمود عباس..وفي دمشق عقدت قيادة فتح إجتماعها التاريخي في 12 و13 حزيران والذي طرح فيه أبو عمار وأبو جهاد "الإنتقال إلى الأرض المحتلة وإعادة تاسيس الكفاح المسلح".وقد طرح كوادر وقادة فتح في الأردن نفس الموقف (بقيادة أبو ماهرعبد الفتاح غنيم).. وهكذا سارع أبو عمار إلى الإنتقال إلى الضفة الغربية (منطقة القدس ثم الخليل) ليعيد تنظيم الشباب وربطهم بالقيادة وتأمين لوجستيات العمل المسلح..وبعد عودته إنعقد مؤتمر فتح التاريخي في منزل خليل الوزير في دمشق أوائل تموز وكانت مصر قد قررت إعادة بدء القتال على إمتداد قناة السويس..فرأى قادة فتح أن الفرصة سانحة للدعوة لبقاء الناس في أرضهم وللإعداد للمقاومة الفلسطينية المسلحة..وبعد زيارات متكررة قام بها عرفات إلى داخل الأرض المحتلة وإلى الأردن وسوريا ولبنان قررت القيادة "رفع وتيرة التدريب والتسليح وإرسال موجات الثقة والأمل إلى الداخل والبدء بإنشاء قواعد إرتكاز أمنية في الأرض المحتلة والإنتقال لاحقاً إلى حرب تحرير شعبية" (خليل الوزير)..ومطلع آب عاد عرفات إلى الضفة على رأس 30 مقاتلاً وأنشأ مركز قيادته في نابلس لُيعلن الإنطلاقة الثانية للكفاح الفلسطيني المسلح في28 آب 1967..
وهنا دخلت الثورة مرحلة بناء القواعد تحت الإحتلال لإعلان المقاومة المسلحة وتأجيج المقاومة المدنية الشعبية التي شهدت تصاعداً كبيراً خلال عامي 1967 و1968..وبعد أن أرسيت الدعائم الأولى لهذا الإتجاه كان من الضروري للثورة أن تعمل باتجاه مواز خارج الأرض المحتلة "لتنتقل من قاعدة الحماية في سوريا إلى قاعدة الإرتكاز في الضفة الشرقية-الأردن حيث المناعة الطبيعية والجماهير المؤيدة لنا وقوانا المسلحة الكافية للدفاع والمواجهة" (كمال عدوان). وباعتقادي أن ما عجّل في إتخاذ قرار الانتقال من الإعتماد على سوريا وبناء قوة قي الأردن هو التطورات الدراماتيكية في الصراع على السلطة في سوريا بعد حرب حزيران وخصوصاً بعد ضرب جناح الجنرال سويداني القريب من فتح..وهكذا وجدت فتح نفسها في الأردن أسيرة وضع معقّد مركّب لا تملك السيطرة عليه بعكس ما توقعت أو أملت.. وجاءت معركة الكرامة الخالدة (21 آذار 1968) لتجعل من فتح مارداً جماهيرياً ولتتدفق عليها أمواجالمتطوعين من كل مكان..وانتعشت بقية التنظيمات أيضاً وبعضها أطلق كفاحه المسلح الخاص..وقد نجحت فتح ، وبدعم مصري-سوري في السيطرة على منظمة التحرير الفلسطينية (1969) ولتنتقل غلى مستوى أعلى من التحشيد والمواجهة على إمتداد الحدود الأردنية مع فلسطين..وقد واجهت فتح أول هجوم "أردني" على قواعد الإرتكاز في مخيم الكرامة في 10 شباط 1968، ثم في 4 تشرين الثاني في عمان..ثم تكررت الصدامات طوال عامي 1969-1970 وصولاً إلى صدام حزيران/يونيو 1970 الذي مهّد لحرب أيلول السبعين..حدث ذلك بفعل إنشقاق الساحة العربية والأردنية-الفلسطينية من حول عبد الناصر (وليس الملك حسين) بفعل مشروع روجرز الذي وافق عليه عبد الناصر تكتيكياً من أجل إعادة بناء قواته التي دمرها عدوان حزيران 67..انقلبت موازين القوى التي راهنت فتح عليها (وبعضها كان يرتبط بالظباط الأحرار والناصريين داخل الجيش الأردني، وبعضها الآخر بالدعم السوري والعراقي) واختلت حالة التوازن التي حكمت العلاقة بين الثورة الفلسطينية والنظام الأردني..فكان لا بد من مراجعة الحسابات ووضع خطة بديلة وتحديد أهداف مباشرة..وكل ذلك كان يحتاج إلى وقت وإلى وحدة موقف لعادة ترتيب الأمور..لكن النظام الأرجني اندفع في تفجير الحرب مدعوماً بموقف غلاة اليسار الذين رفعوا شعارات إسقاط النظام وانتقال "كل السلطة لسوفياتات العمال والفلاحين والجنود الثوريين" (شعار للجبهة الديمقراطية) وتحويل عمان إلى هانوي العرب (مطار الجبهة الشعبية)..وفاة الرئيس عبد الناصر (28 أيلول 1970)، وانقلاب الرئيس حافظ الاسد (بدأ في أيلول وانتهى يوم 16 تشرين الثاني 1970)، وانسحاب القوات العراقية المفاجىء، والموقف السوفياتي المتفرج والشامت، كل ذلك "حال دون إستثمار أي عامل زمني وجعل المبارزة تتم ضمن ظروف ومعادلة قوى ما بعد مشروع روجرز" (كمال عدوان)..وباعتقادي أن السوفيات وسوريا والعراق لم يريدوا تغيير المعادلة في الأردن المحسوب كموقع أميركي-بريطاني أساسي؛ في حين أن موقفهم تغّير في لبنان الساحة المفتوحة!!
وهكذا خرجت فتح والثورة مهزومة من الأردن بعد معارك جرش وعجلون (تموز 1971) ..
خاتمة: بيروت يا بيروت
لم يكتب أبو جهاد وكمال عدوان عن المراحل التالية لأنهما كانا يتحدثان عن مراحل الولادة وليس التأريخ لمسيرة فتح والثورة الفلسطينية..ولكن ما يمكن إضافته هنا أن مراجعة تجربة الأردن أسست لتيارات عديدة داخل فتح..ففي بيروت ودمشق وبغداد والقاهرة، وفي كل عواصم الشتات والترحال، انشغل الفلسطينيون بالنقاشات الحارة وبالبحث عن مخارج من الأزمة التي عصفت بهم بعد الرحيل من الأردن..وكان لبيروت أن تتحول في تلك السنوات (1971-1975) ليس فقط إلى مركز ثقل حركة فتح من جهة، وإنما أيضاً وخصوصاً إلى عاصمة للحرية وللثقافة وللإبداع الثوري وإلى ملجأ لكل الأحرار والثوار العرب من جهة أخرى..تجربة بيروت هذه (التي خلّدها شاعر فلسطين والعرب محمود درويش) أنتجت أعظم مشاركة ثورية كفاحية وأعظم تلاحم إنساني بين شعبين وقضيتين..كما أنتجت أعمق الأفكار والمبادرات والممارسات التي أضاءت ظلام الوضع العربي..ويكفي أن فتح كانت هي الحضن والملجأ، وهي الأم والأب، وهي البداية والنهاية، في كل تلك التجربة التاريخية الرائعة..
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)